كتابات من التاريخ
حكاية إبن الفرطوس المصرى
إبن الفرطوس كلمة تُطلق على من إتسم بالحيطة و الحذر و المكر و خاصة فى صعيد مصر .. إيه بقى حكاية إبن الفرطوس دى ؟
حسب النظام الذى كان معمولاً به فى جمع الجزية من أقباط مصر؛ كان يتم إستدعاء كبار القِبط, و فرض قيمة الجزية العامة عليهم, و يتم تقسيمها عليهم لدفعها نيابة عن ذويهم أو شريحة من الشعب القبطى, و عليهم بدورهم جمعها منهم أو دفعها عنهم أو تروح عليهم, و فى الغالب إنها كانت بتروح عليهم لفقر العامة الشديد حينها ..
و فى سنة 1813 فرض محمد على مبلغ 15000 كيس** من السكوينات على الأقباط العاملين فى المجال المالى " 18000 جنيه إسترلينى " و قام بتقسيم المبلغ عليهم و كان من نصيب أحدهم - المعلم فلتوس* - 1200 كيس؛ و لكنه إدعى الفقر, و عدم قدرته على دفع سوى 200 كيس بعد مفاوضات كثيرة, فأمر محمد على بجلده حتى يدفع و بعد جلده 500 جلدة و وسط قسمه بعدم قدرته للدفع و إشرافه على الموت؛ وافق محمد على على العفو عنه و قبول الـ 200 كيس, و لكن إبنه إبراهيم باشا أقنع أبوه بإستكمال جلده لأنه غير مصدقاً لفقره؛ و بعد زيادة الجلدات إلى 800 وافق فلتوس على دفع المبلغ, و بعدها ذهب مندوبى محمد على و عُمال إلى بيت فلتوس و الذى نزل بهم إلى مرحاض ( كنيف ), و كان يخفى أمواله فى صندوقين من الحديد داخل حفرة - مسدودة بحجر كبير - على شكل ممر يحوى كوة مقنطرة كان بهم 2000 كيس, أخذوا ما تم فرضه عليه و تركوا له الباقى, و بعدها بـ 3 أشهر مات فلتوس حزنا على ماله لا بسبب الـ 800 جلدة ..
و بعد وفاة فلتوس ذهب رجال الباشا للتنقيب عن باقى أمواله لنهبها؛ فلم يعثروا عليها فى مكانها؛ فقد أخفاها ثانية فلتوس و هو يحتضر فى مكان لم يعلمه أحد ..
و كان الإبداع فى وسائل إخفاء الأموال من الحكام هو المعتاد و المتبع من ذوى الأموال من التجار و الصيارفة؛ حتى لا يسطوا عليها كما كان متبعاً من العامة أو من القائمين على الحكم فى أن يخفى صاحب المال أمواله و أن يتظاهر بالفقر فى ملبسه و مسكنه البسيط ..
و ورث نفس الطريقة يهود مصر - و التى ورثوها عن أجدادهم لأنهم كانوا تحت نفس النير الذى كان للأقباط لتطبيق نظام أهل الذمة عليهم - حتى لا يثيروا حسد الناس و لا اللصوص لسرقتهم ..
و من عصر فلتوس و الذى تحرف إسمه إلى فرطوس, و تم إطلاق لقب إبن الفرطوس على كل من إتسم بالمكر و الحذر و الحيطة الشديدة ..
و كل ما تسيمعوا كلمة إبن الفرطوس إبقوا إفتكروا الراجل إللى مات بحسرته على شقى و تحويشة عمره ..
- بتصرف عن كتاب " المجتمع المصرى تحت الحكم العثمانى " ميكل ونتر, ترجمة إبراهيم محمد إبراهيم, إصدار الهيئة المصرية العامة للكتاب 2001, ص15, 16
- حسب إحصائية عدد الأقباط كما أوردها إدوارد وليم لين فى كتابه " عادات المصريين المحدثين و شمائلهم " سنة 1835, كانوا 150 ألف, و لن يختلف العدد كثيرا عنه فى سنة 1813 و هذا لتقريب قيمة الجزية المفروضه على الأقباط حينها
* فَلتُوس هو إسم مشتق من الإسم اليونانى فَلتَاؤس و منها أيضا فَلتَس
** كيس السكوينات بيساوى 5 جنيه مصرى حسب تقدير الأمير عمر طوسون فى كتابه مالية مصر فى سنة 1921م, و احنا عارفين إن الجنيه الدهب ( 5240 جنيهاً حالياً ) كان بيساوى 96 قرش مصرى .. يعنى الكيس كان بيساوى حوالى 26200 ج مصرى تقريباً بسعر النهاردة ..
=======
تعليقات
إرسال تعليق