مقالات عام 2007 - 140


آخركتاب لنجيب محفوظ



قرأت في الآونة الأخيرة آخر 3 أعمال طبعت لنجيب محفوظ . نحدثكم عن آخرها . وهي مجموعة قصص " أحلام فترة النقاهة " - أي فترة النقاهة التي قضاها بعد نجاته من طعنة الغدر الارهابي التي تلقاها في محاولة آثمة لقتله قبل وفاته بسنوات .

المطبوع . صادر عن " دار الشروق ". بالقاهرة . وهي آخر دار نشر تعامل معها محفوظ .

ما بين يدي هي الطبعة الثانية من تلك المجموعة – صادرة عام 2006 . أما الطبعة الأولي فصدرت عام 2005 .

رقم الايداع :2005/246 و الترقيم الدولي : ISBN 977-09-1201-8

عنوان المطبوع ( أحلام فترة النقاهة ) يحتوي علي 60 قصة من القصص القصيرة ، والقصيرة جدا. . أو قل : 60 حلما .. كما جاء علي غلاف الكتاب .

القصص – أو الأحلام – تتراوح بين الصفحة الواحدة . وربع الصفحة . وبعضها أقل من ربع صفحة ! سطران ، أو 3 سطور . !

وكان نجيب محفوظ قد تفوق علي شباب الأدباء الذين يكتبون فن القصة القصيرة جدا .. – ومنهم مواهب مدهشة – عندما نشر مجموعته " أصداء السيرة الذاتية " في عام 1995 . ! وكانت تفيض بالفلسفة والأدب الراقي اللماح .

وفي المطبوع الأخير . الذي هو موضوع حديثنا " أحلام فترة النقاهة " . آخر ستة أحلام . أو قصص . في المجموعة نشرت في جريدة الأهرام في عام 2005 . وكما جاء في صفحة 221 من الكتاب .

يحتلف الأديب عن المفكر في أن الأديب لا يقدم آراءه في مواجهة المجتمع - لأجل توجيهه أوتغيره -. بشكل مكثف ومركز أو مباشر . وانما هو يبثها . يدسها . يبعثرها . يخفيها بداخل حقل الرواية أو بستان الحكاية ..

ومن قضايا المجتمع المعوقة لنهوضه . والتي كان لها نصيبا كبيرا في اهتمام نجيب محفوظ . وراح يعالجها في أعماله الروائية والقصصية . قضية علاقة الرجل بالمرأة .في مجتمعنا . تلك العلاقة التي تتسم بالازدواجية . فالرجل يتظاهر أمام زوجته وأولاده بالطهر والعفاف .. بينما هو ." سي السي " تلك الشخصية التي رأيناها جميعا علي الشاشة . يبدو في بيته حازما حاسما صارما مع زوجته لا تستطيع مغادرة عتبة بيتها الا باذنه . بينما خارج منزله يتسلل ويدخل بيت احدي الداعرات . التي يتردد عليها أيضا ابنه الأكبر ! وما ان يدخل الأب بيت الداعرة . حتي يتسلل الابن خارجا منه هاربا . عندما يشعر بقدوم الأب ! – وكما رسمها لنا نجيب محفوظ باحدي رواياته القديمة .

ولأن قضية علاقة الرجل بالمرأة لم تحل حتي الآن . وما زالت الازدواجية تخيم علي المجتمع في تلك العلاقة . رغم مساهمات محفوظ – مع غيره – في أعماله . لفضح تلك الازدواجية وتعريتها .

لذا فانه وحتي آخر عمل له . حرص علي أن يسقط الأضواء . ويبعث بالرسالات المماثلة في كتاباته سعيا وراء علاج تلك الحالة التي تعوق المجتمع عن النهوض لما يبذله من جهد للتخفي والظهور بغير حقيقته وعلي غير طبيعته الانسانية .. لذا فقد ظل نجيب محفوظ يعالج في تلك القضية من خلال أعماله الأدبية . وكما قلنا بطريقة الأدباء في بث . أو . دس . أو اخفاء رسائلهم لمجتمعاتهم . تفاديا لصدم المجتمع . وتجنبا للاصطدام به . بقدر الامكان .

وقد التقطنا لكم 3 قصص قصيرة جدا ( أقل من صفحتين .جميعها معا ! ) من بين 60 قصة بهذا الكتاب -. . ولم يوردها محفوظ بالكتاب متتالية . وانما بعثرها بين الصفحات ! فمن ص 27 الي 160 حتي 168 . وها نحن ننقلها لكم كالآتي :

1 – القصة الأولي : حلم 9 . وجاءت بصفحة 27 :

(( علي أريكة في حديقة المنزل الصغيرة . جلست أختي تتأمل ضفدعا .يسبح في القناة التي تروي الحديقة .وانتتشينا للنسيم الرقيق . وعناقيد العنب المدلاة من التكعيبة .

وسألت أختي : ماذا تنتظرين ؟

وقبل أن تجيبني قلت : من الأفضل أن نجلس في الحجرة لنسمع الفوتوغراف. وتبادلنا نظرة اختيار . ثم انتقلنا الي الحجرة. وازداد الجو صمتا . وحتي النسيم لم يعد معنا .

ونظرت الي أختي فاذا بها قد تحولت الي الممثلة " جريتا جاربو " . وهي ممثلتي المفضلة . وطرت من لسعادة بغير أجنحة .

وملأ السرور جوانحي . غير أنذلك السحر لم يدم طويلا .

وأردت أن أستعيد المعجزة السحرية مرة أخري. ولكن أختي رفضت الذهاب معي . فسألتها عن سبب الرفض . فقالت : أمي

فقاطعتها . قبل أن تتم عبارتها : انها لا تدري .

فقالت بيقين . انها تدري كل شيء .

وشعرت بأن الحزن غشي كل شيء كأنه شابورة مفاجئة .

** **

القصة الثانية

" حلم 140 " ص 160

" هذه امرأة ثرية المحاسن . ما ان رأيتها حتي غازلتها .واذا بزوجها ينقض علي . ويأبي ألا يتركني الا في القسم ( الشرطة ) .ولكن تدخل رجل من حينا . اشتهر بين خاصة معارفه بالدعوة الي الحرية المطلقة . ففرت بعد أن لقنني درسا لا ينسي. ويتجسد لي كلما قابلت امرأة .حتي رأيت نفسي وجها لوجه أمام المرأة الجميلة فهممت بالجري ، ولكنها أقبلت علي باسمة ، وتأبطت ذراعي ، وهي تهمس بأن زوجها اعتنق أخيرا . دعوة الحرية المطلقة .

***

القصة الثالثة :

حلم 148 . ص 168:

اشتدت المنافسة بين لقطارات وبين سيارات الطرق الزراعية .وأخيرا اجتمع المسئولون عن القطارات وقرروا تخصيص عربة قطار . للعربدة والنساء، في نطاق الحرية المطلقة . كما قرروا انشاء صالة في كل عربة قطارللشرب والغناء والرقص، ورحت أشرب وأغني وأرقص. منتظرا فرصة للتسلل الي عربة المسرات .

** **

كانت تلك هي القصص القصيرة جدا التي التقطناها لكم بعد أن بعثرها محفوظ .

فتري : هل يقصد نجيب محفوظ بهذه القصص الثلاث القصيرة . ان يقدم لنا – هامسا – نبوءة تحول مجتمعاتنا الي ما هو عليه الحال في الغرب من حرية مطلقة في العلاقة بين الرجل والمرأة . وذلك في نهاية المطاف . أو في نهاية اللف والدوران حول الذات ..؟!

** *

انها 3 قصص قصيرة جدا .. أليس كذلك ؟ فما رأيكم لو قدمت لكم قصة رابعة ؟ لأنها أعجبتني ، وهي سطور قليلة أيضا ، وان لم تكن وثيقة الصلة بالقصص السابقة ..بل لأنها أعجبتنا .

القصة الاضافية :

حلم 104 ص 124 :

رأيتني في حي العباسية . أتجول في رحاب الذكريات .وتذكرت بصفة خاصة المرحومة عين . فاتصلت بتليفونها ودعوتها لمقابلتي عند السبيل وهناك رحبت بها بقلب مشوق واقترحت عليها أن نقضي سهرتنا في الفيشاوي - مقهي شهير بالقاهرة - . وعندما بلغنا المقهي . خف الينا المرحوم المعلم القديم .ورحب بنا . غير أنه عتب علي المرحومة عين طول غيابها . فقالت ان الذي منعها عن الحضورالموت . فلم يقبل هذا الاعتذار ، وقال :: ان الموت لا يستطيع أن يفرق بين الأحبة .

****

شكرا لكم . وقد يكون لنا لقاء آخر حول آخر 3 كتب صدرت لنجيب محفوظ . نقدم رؤيتنا لها معا من منظور عام .

صلاح الدين محسن

** **الحوار المتمدن  2007 / 11 / 16

تعليقات