مقالات عام 2006 - 32


المجتمع المدني والرقص مع الثعابين (!)

صلاح الدين محسن 
الحوار المتمدن  2006 / 3 / 29 

علي الهاتف جاءني صوت الأستاذ أحمد أباظة – مصري مقيم بأمريكا - الذي أهداني نسخة من كتابه " كنت أعمي والآن أبصر " ليطمئن علي وصول الكتاب بالبريد ..
الكتاب يروي – بالوثائق - رحلة ملحمية عجيبة لاصرار الانسان علي التمسك بما يعتقد فيه رغم التنكيل والتعذيب من الجميع – الأهل والحكومة معا – والمطاردة والملاحقة بالعديد من الدول حتي استقر به المقام بأمريكا ..!
انها رحلة عجيبة للغاية من الشقاء خاضها انسان لم يكن في حاجة اطلاقا لا الي مال ولا الي جاه وانما وحسب هو متعطش للحرية .. حريته في أن يعتقد كما يشاء أن يعتقد ، دون اكراه من أحد أو قهر أو ارغام ..! هذا هو الشيء الذي كان يفتقده والأ ثمن عنده من المال ومن الجاه ....! – 
وان كان هناك آخرون ذاقوا أيضا معاناة وكفاح مر لنفس السبب ، سجلوها في كتب لهم ( أغلبهم بأسماء جديدة لأجل عائلاتهم أو لكون أحدهم كان عضوا باحدي الجماعات الارهابية وربما كان وقت اصدار كتبهم يخشون ملاحقة الجماعة لهم بالخارج .. الا أن " أحمد أباظة " احتفظ باسمه كما هو دونما تغيير ) فلكل منهم لون مختلف وشكل خاص تماما وخط سير مغاير عن خط سير رحلة الآخر .. - ولا تملك في النهاية سواء اتفقت معه أو اختلفت سوي أن تقدر و تكبر صمود الانسان واصراره علي التمسك بحقه في اعتناق ما يؤمن به ، أيا كان ايمانه هذا طالما أنه لا يهدد أمن وأمان الآخرين ولا يصادر حق غيره في أن تكون لهم معتقداتهم أيضا .. 
وقد أعجبتني جدا عبارة قالها لي خلال حديثه التليفوني الشيق والذي تنقلنا فيه من موضوع لآخر .. " اعبد حجرا – ان شئت – ولكن لا تقذفني به " 
فليت أهل الديانة التي تسبب زعزعة أمن وأمان الكرة الأرضية أن يفهموا ذلك ويعبدوا من يشاءوا ويشرفوا ويكرموا ويصلوا ويسلموا علي من يشاءوا .. ويتركوا للآخرين حريتهم في الاعتقاد أيضا بدون " قاتلوهم واقتلوهم .. " (!!ّ) 
وقد تطرق حديث أحمد أباظة الي ذكر الدكتور سعد الدين ابراهيم - عالم الاجتماع ، والأستاذ بالجامعة الأمريكية بالقاهرة والشخصية المصرية العامة المعروفة .. فأبدي أباظة استياءه من تأييد الدكتور سعد .. لدخول التيار الاسلامي في مصر للحياة السياسية ، وعدم ممانعته من أن يأخذ ذاك التيار الديني فرصة للحكم اذا ما اختير في الانتخابات ..
ورغم تقديرنا للدكتور سعد الدين ابراهيم ، الذي تعرفت عليه في محنة السجن السياسي ، وكان له فضل مساعدتنا عقب الخروج من المحنة .. الا أنني لم أتردد في الرد علي موقفه هذا نحو تيار الاسلام السياسي في مصر
، بمقالين ساخنين نشرا منذ شهور قليلة في أكثر من جريدة اليكترونية – الحوار المتمدن ، كوبتس يونايتد ، وربما " ايلاف " .. ونحن علي ثقة من أن الخلاف في الرأي معه لايفسد المودة ..
وقد حضرت محاضرة للدكتور سعد الدين ابراهيم ، في مونتريال – يوم 15 من مارس الجاري - ولاحظت أنه كرر ابداء حسن مشاعره وطيب نواياه ناحية التيار الاسلامي في مصر – الاخوان المسلمين بالتحديد – 
اذ قال في معرض تعليقه علي زعم الدكتور أسامة الباز ( المستشار السياسي للرئيس المصري ) أن الرئيس مبارك يرغب في ترك الحكم ولا يمنعه سوي الانتظار حتي يجد أحدا يمكن أن يخلفه في رئاسة الدولة..(!!) 
أنه – أي الدكتور سعد - قد رد علي ذلك بمقال عدد فيه شخصيات مصرية كثيرة – ومن كافة الاتجاهات - قادرة علي شغل منصب الرئاسة بمصر .. ومن ضمن من ذكرهم : "... ومن الاخوان المسلمين : الدكتور عصام العريان ، والدكتور عبد المنعم أبو الفتوح "
ولم أشأ أن أعقب معبرا عن اختلافي معه ولم يكن في نيتي الرد بمقال ، فقد سبق أن قمت بالرد بمقالين – كما ذكرت -علي تصريحات سابقة مماثلة للدكتور سعد ، ولكن الذي شجعني ، هو ما دار في الحديث التليفوني الذي جاءني من أمريكا ، كما ذكرت.. . 
ما يدعو الي الدهشه من ترشيحه لرموز دينية لأكبر منصب سياسي – رئاسة الدولة – هو : أن الدكتور سعد الدين ابراهيم يعتبر أكبر وأشهر داعية للمجتمع المدني بمصر ....!
والمجتمع المدني هو المجتمع الذي لا سلطة فيه لا لرجال الدين .. ولا للعسكريين ، ولا مكان في قوانين أو دستور ذاك المجتمع لا للقوانين الدينية – كالشريعة الاسلامية - ولا للقوانين العسكرية ( كقانون الطواريء ) .. وانما السلطات كلها لرجا ل السياسة المدنيين ، والقوانين كلها للتشاريع المدنية العصرية التي بها نهضت الأمم التي نهضت وتقدمت الأمم التي تقدمت .. فتري : أي تناقض هذا بين ما يؤمن به الدكتور سعد ، ويدعو اليه ( المجتمع المدني ) .. وبين تشجيعه لما ينسف فكرة المجتمع المدني من أساسها - دخول رجال الدين ودعاة المجتمع الديني ( لا المدني ) في الحكم - ؟!!!
وأية ديموقراطية تقر ذ لك ؟ أهي الديموقراطية الواعية اليقظة ؟! أم هي الديموقراطية البيروقراطية ( الغافلة )؟!
ان السفير الأمريكي بالقاهرة قال في تصريح أخير نشرته الصحف أنه لو وصل جماعة الاخوان المسلمين في مصر للحكم فاننا سوف نتعاون معهم .. ولكن الأمر يختلف بالنسبة للدكتور سعد .. بل يختلف كثيرا ...
فالسفير الأمريكي بالقاهرة بصفته دبلوماسي أجنبي ( هيئة دبلوماسية ) وهو غير مسلم .. فلن تضربه جماعة الأمر بالمعروف ان رأته ماشيا بسيارته الدبلوماسية بالشارع وقت الصلاة .. تلك الجماعة التي سوف توظفها جماعة الاخوان فور تسلمهم الحكم .. 
الدكتور سعد .. لو فعل ذلك فسوف يضرب من جماعة الأمر بالمعروف لتجبره اجبارا علي الصلاة – كما يحدث بالسعودية –
ولو عين الاخوان المسلمون الدكتور سعد الدين ابراهيم ، وزيرا للتعليم – مثلا - ، لو وصلوا للسلطة – كصديق لهم لعلهم يعدونه من الليبراليين المؤلفة قلوبهم ... - !
فتري هل سيرفض اجبار طالبات الجامعات جميعهن علي ارتداء الحجاب ، بينما هو وزير في سلطة الاخوان المسلمين ؟!!
وهل سيرفض أو يعترض علي تعريب دراسة الطب والصيدلة – لما في التعريب من تأخير الدارسين عن اللحاق بآخر ما وصل اليه العلم في مجال الطب والصيدلة والعلوم ، وتلك كارثة علمية .. لاتعني و لا تهم التيار الديني الاسلامي ، وانما يهمهم لغة أهل الجنة وحدها .. (!)
وهل سيعترض علي أسلمة العلوم بالجامعات والمدارس بينما السلطة التي قلدته منصب الوزير سلطة دينية ؟!
ولو عينوه وزيرا للمالية هل سيتولي تحصيل الجزية من المسيحيين وهم صاغرون أذلاء ، و سيدفع الجزية عن زوجته المسيحية الأمريكية ؟! أم سيرسل لها الاخوان المسلمون نصيبها في الزكاة بوصفها زوجة ليبرالي من المؤلفة قلوبهم ؟!
ولو عينه الاخوان المسلمون وزيرا للثقافة .. فتري هل يمكنه الاعتراض علي سياسة الاخوان المعروفة من الآن في اغلاق دور السينما والمسرح ومعاهد الموسيقي والباليه والسينما والفنون المسرحية ، ومنع الأغاني والموسيقي والأفلام من الاذاعة والتليفزيون ؟! ..
وهل سيعترض علي اقفال المدن السياحية (( تصريح للمرشد العام للاخوان عن مدينة شرم الشيخ السياحية العالمية فيما لو تسلموا السلطة : ح نقفلها طبعا .. سياحة ايه وبتاع ايه ؟ " ))
ولا يستطيع الدكتور سعد مقارنة الاسلاميين بمصر بالاسلاميين في تركيا الذين التزموا بالدستور العلماني لتركيا .. فلا وجه للمقارنة حيث أن " كمال أتاتورك " قد فرض العلمانية فرضا منذ عشرات السنين بالدستور وأنشأ جيشا علمانيا يقف بالمرصاد دائما لأية محاولات للاعتداء علي علمانية الدولة .. بينما الشيخ عاكف مرشد الاخوان المسلمين هدد باشعال الحرب بمصر اذا ما مست المادة الدينية الاسلامية بالدستور المصري..! ، ولولا أن الجيش التركي هو الذي يحمي العلمانية لقضي عليها الاسلاميون حزبل العدالة التركي ، و " رجب طيب أردوغان " هناك ا العلمانية شر قتلة ..
وهل يصدق الدكتور سعد الدين ابراهيم التصريحات المتساهلة والمطمئنة ( المناورة ) التي يدلي بها القطبان الاخوانيان " دكتور عصام العريان والدكتور عبد المنعم أبو الفتوح " و حمل هو تصريحاتهما تلك علي محمل الجد ؟! .. 
انهما تلميذان لصاحب صلح الحديبية " محمد " الذي هادن وتنازل كثيرا للقرشيين حتي اذا ما تمكن ودخل عليهم مكة ... ، ثم انهال علي مقدساتهم تكسيرا !! – ضاربا عرض الحائط بقوله ووعده لهم بالقرآن " قل يا أيها الكافرون ... لكم دينكم ولي دين " (!!!!!!) ، نسي هذا الوعد ، وألغاه وقال كلاما جديدا مختلفا عن قتال الكفار واذلالهم وقتلهم (!!!)

وهل وهل وهل ... أشياء كثيرة ، وأسئلة كثيرة ان لم يكن الدكتور سعد الدين ابراهيم ( داعية المجتمع المدني في مصر ) قد سألها لنفسه فمن واجب من يقدرونه كمناضل سياسي وداعية للمجتمع المدني ( وليس المجتمع الديني ) والذي ذاق مرارة السجن بسبب دعوته تلك ، أن يسألوه مثل تلك الأسئلة ..
ان الرقص مع الثعابين لعبة خطرة .. وقد فعلها الرئيس السادات الذي استخف بخطورة ذلك ففتح للثعابين الجحور التي كانت مغلقة عليهم لعشرين سنة ، ففرحوا ووجهوا له الشكر علي طريقتهم ( علي طريقة الثعابين ) بأن لدغوه لدغة مميتة و دفع حياته ثمنا لتلك الرقصة ..!.
============

تعليقات