مقالات 2006 - 29


أحقا ؟ تنظيم الجهاد .. تاب عن الارهاب ؟! 

صلاح الدين محسن 
الحوار المتمدن  2006 / 3 / 17 


حول مبادرة ثلاثة من قيادات تنظيم الجهاد من نزلاء السجون المصرية لارتكابهم جرائم ارهابية ، باعلان أن التنظيم قد تاب أعضاؤه وأنابوا وأبدوا الندم علي ما اقترفوه من الجرائم في حق الوطن والمواطنين ، ونشرته – جريدتا شفاف الشرق الأوسط الالكترونية في 3مارس الجاري ، والعربية في 12 منه أيضا - ، واستعدادهم لتعويض ضحاياهم ، وتنازلهم عن استراتبجيتهم المعادية للوحدة الوطنية والمثيرة للشقاق وزعزعة الأمن ، وذلك بالاعتراف بحق ولاية الأقباط بالجيش والشرطة ، عدا منصب رئيس الجمهورية ( ولا ندري لماذا استثناء منصب رئيس الجمهورية وأي انقاص لحقوق المواطنة في ذلك ؟ ! ، وكما قلنا في مقال سابق ، أن الديانة الهندوسية كانت أكرم وأكثر تسامحا مع الأقليات الدينية من الديانة الاسلامية حيث لم تمنع حق الولاية عن مسلمي الهند رغم كونهم أقلية جدا ) ....
فتري هل هم صادقون حقا في توبتهم ؟ !
ان صدقوا .. فهم هكذا يكونوا قد خرجوا عن الشريعة الاسلامية ( السمحاء الغراء .. .. .. )، و هنا يجب اقامة حد الردة عليهم ..لأن ما فعلوه من قتل وارهاب هو في صميم الصميم من الشريعة الاسلامية .. لم يكن الا بموجب تعاليم وأحكام الشريعة .. والعيب ليس فيهم ولا في غيرهم من المسلمين ممن يؤمنون بالشريعة ، وانما هم وضحاياهم مجرد ضحايا لتلك الشريعة فهم لم يفعلوا غير ما قالته تلك الشريعة ، بل فعلوا أقل مما تقوله ، حيث تقول الكثير ومنه " وقاتلوهم .... ، واقتلوهم .....، وقطعوا أيديهم وأرجلهم من خلاف ... واقتلوهم حيث ثقفتموهم ، و..و .. ، الخ .. .. 
أم أنهم صحوا واستيقظت عقولهم وأدركوا أن كل تلك القسوة الواردة بعقيدة الجهل العربي البدوي المقدس لا يمكن أن تأتي من السماء ، ولا يكن أن يقرها اله رحمن رحيم وانما هي من قلوب الرعاة الغليظة القاسية ؟
سبق منذ سنوات أن أعلن زملاء لهم بالسجون المصرية بتنظيم الجهاد - وغيره – التوبة - لأجل التقية - لغرض مهادنة جهاز الأمن عسي أن يطلق صراحهم بانقضاء نصف مدة سجنهم ..أو بفك أسرهم من اعتقال طال – تجاوز العشر سنوات للبعض منهم بدون محاكمة أو حكم قضائي ، والبعض الآخر صدر الحكم عليه ب15 سجن ولكن لم يصدق علي ذاك الحكم بعد رغم مرور أكثر من 5 سنوات مما يعطيهم أملا في تخفيف الحكم باعلان التوية والندم .. – 
ولم يرفض الأمن المبادرة ، ومثلما تظاهروا هم بالندم والتوبة ، كذلك تظاهر الأمن بترحيبه وفرحته بها (!) فأكرم من وقعوا علي تلك المبادرة بنقلهم الي سجن آخر مريح ، وسمح للكثيرين منهم باقامة مشاريع حرفية وخدمية داخل السجن تدر عليهم دخلا لا يحصل عليه من هم بخارج السجون ..
وراح جهاز الأمن يرقبهم من داخل سجنهم الجديد والذي يحملون فيه اسم " التائبون " ( ويرصد ويسجل عليهم دقة بدقة دلائل الكذب في ادعاء التوبة .. لأجل التقية ، اتقاء للأذي .. وينظر لهم تارة بأنه يصدقهم ويقدرهم وتارة أخري بأنه يفهمهم ويكشف كل ما يخبئونه بدواخلهم ...
ويمكن وصف العلاقة بينهم وجهاز الأمن كالعلاقة بين اسرائيل والفلسطينيين الذين أجروا صلحا معها – أو من يؤيدوا ذلك الصلح – اعتراف متبادل بحق دولة اسرائيل في الوجود وبحق الفلسطينيين في أن تكون لهم دولة ، بينما كل منهما يعلم بأن الآخر لا يصدق ولا يحسن النية معه ومع ذلك فهو يجاريه ، لأن كل منهما يري في مهادنة الآخر فرصة أفضل له لمعاودة محاربته ، بعد التقاط الأنفاس ودراسة وضعه ووضع عدوه بشكل أعمق .. واعداد مخططات جديدة للمواجهة ، أفضل من الحرب المتواصة الاستنزافية المجهدة بلا حسم للأوضاع..
كذلك هو الحال بين أعضاء الجماعات الارهابية بالسجون المصرية التي أعلنت توبتها من قبل وبين جهاز الأمن ..
وهذا ما لاحظته بوضوح طوال 3 سنوات قضيتها كمسجون سياسي بين أفراد تلك الجماعات – التوبة ..-
فقبل خروجي بعد شهور من السجن الانفرادي الي حيث تفتح الزنازين في الصباح لكل السجناء قال لي ضابط أمن الدولة بالسجن محذرا أن علي ألا أتناقش معهم في الدين نهائيا كي لا أعرض نفسي لأذاهم ، فهم ارهابيون ..فقلت له مطمئنا اياه : أنا لا أخاف منهم وأعرف كيف أتجنب الصدام معهم ، وتعودت علي مناقشة الكثيرين منهم خارج السجن من حين لآخر كلما ساقتني المصادفات لذلك ... ولكنه حذرني بشدة بأن هؤلاء مختلفون .. ، وأكد لي أنهم كانوا رافضين تماما أن أسكن أو أتواجد معهم بنفس العنبر ( باعتبارهم هم المؤمنون الطيبون وأنا الكافر الشرير ، أنا الدنس ، وهم الأطهار الأبرار ولا يقبلون دنسا بينهم) !
وسألت نفسي : اذا كان هذا هو حالهم وهم لا يزالون بداخل السجن .. يرفضون الآخرين ممن يكفرونهم وهم معا خلف القضبان .. فماذا يمكن أن يفعلوا بالناس بخارج السجن عندما يطلق سراحهم ..؟!!
وأية توبة تلك التي يزعمونها ؟!!
وظننت أن ضابط أمن الدولة هذا يبالغ ولو بعض الشيء .. ولكن عندما تعاملت معهم ورأيت كيف يتعاملون مع من يختلفون معهم في العقيدة وكيف يتعامل أفراد كل جماعة اسلامية منهم مع أفراد الجماعات الأخري ، وحتي كيف يتعامل أفراد الجماعة الواحدة مع بعضهم البعض ..وشاهدت ورأيت وعرفت الكثير والكثير جدا والغريب جدا ، نعم الكثير مما عليهم – ومما لهم أيضا - .. وهذا ضمن ما دوناه في كتاب من 4 أجزاء بعنوان " مذكراتي في السجن " نروي فيه كل ما واجهناه في تلك السنوات الثلاث .
======

تعليقات