كتابات مختارة
نقد مقولة الحضارة [والفلسفة] العربية - الإسلامية
عدنان يوسف رجيب - كاتب عراقي
الحوار المتمدن 2018 / 3 / 30
يكثر الحديث، دائما، عما يدعى بالفلسفة، (و الحضارة) العربية - الإسلامية...... ويضع القوميون العرب والاسلاميون نظريات، من أجل أثبات وجود هكذا حضارة عربية - أسلامية في المجتمع العربي والإسلامي ......
إبتداء لنتوضح بشكل عام مختصر عام عن ماهية الحضارة، فنبين إن:
الحضارة، عموما، هي نتاج فكري – علمي وعملي لمجتمع ما، يظهر، فيه، مستوى وعي ذلك المجتمع، حيث تنطبع فيه ثقافته وعاداته وتقاليده وكذلك، أخلاقياته، إضافة الى تأثير البيئة والأوضاع الإقتصادية وغيرها على ذلك المجتمع. كما إن تجليات كل ذلك تتبين من الحالة الإجتماعية -السياسية التي يعيشها ذلك المجتمع.
إذن لنقف، بوعي، كي نتبين مدى حقيقة معالم الحضارة والعلم الذي حصل في بلاد العرب الاسلامية.....
هنا نجد أن التاريخ يحدثنا بواقعية، عن أن معظم التطور العلمي الحضاري – الفلسفي، كان قد بدأ، وكذلك، انتهى في بغداد في عصر الخلافة العباسية، وتحديدا في زمن خلافة المأمون، حيث تواجد، هناك، العلماء والفلاسفة والكيميائيين والاطباء واللغويين والزراعيين والجغرافيين، وغيرهم.....
ولنا أن نقف، كذلك، شاخصين، لنتسائل: لماذا كان هكذا تطور علمي حضاري - فلسفي عالي الشان، فعلا، قد إنبثق بما يشبه الفجأة في هذه الفترة، العباسية، بالذات، في حال أن الوعي يعني أن التطور الحضاري والمقدرة العلمية، لمجتمع ما، لابد أن تأتي متدرجة، فتنتظم وتتكامل على شكل خطوات، هي لاشك متسلسلة، خلال الفترات الزمنية التي يتطلبها التطور في المجتمع، بالمعنى التأريخي المعاش..... لكن كان المجتمع العربي - الأسلامي ضعيفا، عموما، في مقدرته العلمية (طبيا و زراعيا وكيميائيا وفيزيائيا و فلسفيا و علوم أخرى) خلال كل الفترات الزمنية السابقة..... فلم يكن ثمة ما يشير الى إن المجتمع العربي - الاسلامي فيه جذوة تقدم علمي حضاري - فلسفي، بشكل يمكن أن يلفت له النظر.....
هذا المجتمع العربي - الاسلامي، إبتداء، كان في وضع جغرافي - مناخي ظالم.... تاتي اوليات ذلك من جراء الصحراء الشاسعة والارض المستوية، (الخالية نسبيا من التضاريس)، والحر الشديد، نسبيا، وفي فترات طويلة من السنة..... وهو ما، (يوجب أن)، يضفي وضع نفسي وجسمي مؤلم على أفراد المجتمع، من حيث تدني الأداء الإجتماعي، [لأفراد المجتمع]، بشكل عام. يضاف لهذا الوضع، (السلبي الأجتماعي)، وجود، حقيقة، حالة شبه أنعدام للخيرات الطبيعية [الماء والأنهار والزرع وموارد الأرض الطبيعة، (المعادن وغيرها) و الموارد الاخرى]. مضاف لكل ذلك: التدني الأقتصادي، عموما، الذي كان يلف الأفراد بوضعهم الفردي الخاص، وأيضا للمجتمع ككل .
إن من شأن هكذا وضع موضوعي متردي، (جغرافي - بيئي، ومالي وتأريخي)، أن تكون نتيجته، الطبيعية الملموسة، شحة في الامكانات الصناعية المجتمعية، التي يتوجب أن تتوفر لتلبية الحاجات الملحة والضرورية للمجتمع. وبالتالي فأن هكذا وضع وظروف، قاهرة، لابد لها، موضوعيا، أن تبعد المجتمع عن الحالة الطبيعية للعيش المتمدين، دعنا عن كونها ستعطي توجهات حضارية . وهذه الحقائق هي ، بالفعل، ما بينتها مصادر التأريخ عن تلك الفترة، في الجزيرة العربية.
هنا، نجد أن الطابع العام العربي، ثم العربي - الأسلامي خلال عهود، قبل الأسلام وأثناؤه، كان، [جوهريا]، في التوجه لأعتماد [الغزو والفتوحات]، كمصدر أولي وأساسي، للحصول على الموارد المالية، (كونها طريق الثروة و الثراء الوحيد تقريبا). عليه اصبحت هكذا توجهات، (في الغزو والفتوحات)، ذات قيمة ثقافية - إجتماعية عليا في شخصية الفرد العربي و المسلم..... إنها مصدر الثراء المالي، وأيضا، التمجيد الشخصي. وسيكون طبيعيا، على أساس ذلك، أن يتولد في دواخل العربي و المسلم، بالمقابل، شيئ من نفور ضد العمل الأخر في الحياة.....وأن لا تكون لأفكار العلم والصناعة واهدافها، المادية والمعنوية، من قيمة يلتفت لها الأفراد، ولا، حتى أولئك، القائمون على الحكم والسلطة...... ولذا كان طبيعيا أن تصبح بلدان الخارج هي مصدر تصدير البضائع والأحتياجات المجتمعية الى منطقة الجزيرة العربية - الاسلامية.
ونظرا لإختلافات البيئة والجغرافية للمجتمعات الأخرى خارج المنطقة العربية – الإسلامية، وكذلك في توفر، عموما، الموارد الطبيعية والمالية، فكانت هناك، ملموسية، لتطورات صناعية و حضارية قد طمغت طابعها على تلك المجتمعات الأخرى، التي كانت تعيش خارج المجتمعات العربية - الأسلامية.
لذا نجد أن ظروف العربي، والمسلم، فيما بعد، لم تعطي أي اسباب منطقية لحصول الصناعة، أو في أي تطور صناعي، و بالتالي، لا تطور علمي، يمكن أن يتبين منه أنه ممكن أن يؤدي الى أن تنبثق منه معالم للحضارة....
هنا الشاخص الواعي والمنطقي حاضر.... حيث نقف لنقول: حين بدأت الدعوة الإسلامية، وعند تبوء النبي محمد للسلطة المعنوية، والمادية، [في منطقة الجزيرة العربية]..... هنا،إذن، كان هذا هو الظرف والوقت الملائم، تماما، جدا لإظهار الإمكانات الواسعة الفذه، في صنع، وخلق، التطورات والتغيرات، المجتمعية العلمية، وبالتالي الحضارية الأسلامية ....
فالنظام الإسلامي، الان، هي الوعاء والحاضن الكبير، والمشجع الحاسم.... وهنا يكون الفرد الإسلامي [والعربي] في أفضل الظروف، في مناخ الحرية والنشاط الواسع لكي يبدع أسلاميا....
هنا نجد إن، حقيقة، الذي حصل، وبالملموسية التأريخية، هو أن لم يجري أي تطور علمي صناعي (عدا عن كونه ليس حضارة)، حتى ولا بأتجاه متطور إجتماعيا، سواء كان في توجهات النبي محمد، أو من خلال نشاط الخلافاء الأربعة، في وقت إن مناخ الحرية الأسلامية كان على أفضل حضوره.....وهنا لابد من التساؤل العقلاني المنطقي: أين هي، إذن، بذور الحضارة و الفلسفة الإسلامية! ألا يجب أن تظهر شاهرة أذرعها ومشرأبة بعنقها، كي يتبين إنها حاضرة موجودة ؟!
وهكذا أنتهت فترة الخلفاء الراشدون، بدون أي حضارة أسلامية..... ثم جاءت دولة بني امية، التي، هي، تدعي الأسلام، وإستمرت لفترة تقارب مائة سنة..... لكن بدون أية شواهد لما يمكن أن ندعوه حضارة أو فلسفة إسلامية [؟!].
ثم حلت الخلافة العباسية..... وبقي كل شيئ إسلامي كما هو، (غزو و فتوحات)، من أبو العباس السفاح.... الى هارون الرشيد.... فلا شيء يسمى، حقيقة، حضارة أو فلسفة إسلامية متواجدة على الواقع..... ولا حتى بدايات أو شواهد لمثل هكذا حضارة أوفلسفة، التي يدعوها، العروبيون والمتأسلميون، بالحضارة العربية - الإسلامية ؟!
لكن فجأة، [والعلم أو الحضارة لا يأتيان فجأة زمنيا]، اصبحت بغداد مركزا علميا ثقافيا ، و خرجت حضارة و فلسفة منها، وكان فيها فعلا، وبحق، تطور علمي و فلسفي وحضاري..... منذ أن تسلم المأمون، (العباسي) الخلافة. فكان متوجها للعلم، فتطور العلم في عهده في بغداد.... لكن هذا العلم و الحضارة والفلسفة، لم تكن على أيدي العرب أو المسلمين.....بل ظهرت على أيدي الاساتذة والفلاسفة والأطباء والكيميائيين والفيزيائيين والجغرافيين وغيرهم، من الأجانب غير العرب، الذين جاءوا الى بغداد من سمرقند واذربيجان و بلاد السند و الهند و بلاد فارس، وغيرها من البلدان.
كان هؤلاء الرواد، هم أمثال: إبن النفيس، و أبن الهيثم والحسن بن هاني والغزالي وسيبويه وإبن المقفع وعبد الرحمن بن خلدون (الأمازيغي)، والجاحظ والرازي وأبن طولون وإبن كثير، وإبن رشد.... وغيرهم كثير، ولم يكونوا عربا، (عدا الكندي). وأكثرهم لم يكونوا مسلمين، [بدليل جريمة قتل كثير من هؤلاء الأفذاذ، باتهامهم بالزندقة، مثل أبن النفيس].....
هؤلاء، الاساتذة والباحثين، جلبهم من بلادهم، واحتضنهم الخليفة المأمون، وأغدق عليهم العطاء، ليقدموا علمهم ومهاراتهم في بغداد.... وهم، بالمقابل، اجادوا في نتاجهم العلمي والحضاري - الفلسفي..... فكانوا هم الأساتذة والباحثون ، والمواطنين العرب والمسلمين في بغداد هم الطلبة، (المتلقين للعلوم)....الذين لم يظهر لهم، لحد الآن، أي أثر عملي حضاري – فلسفي.
هذه حقائق تاريخية صحيحة صريحة....... لذا يبرز عاليا السؤال: من أين ياتي القومانيون العروبيون والمتأسلميون بأدعائهم ضد حقائق التأريخ......ليسلبوا حضارة الأساتذة الأجانب الأفذاذ فلسفتهم، وينسبوها للطلبة العرب والمسلمين ؟!
هذه العملية العلمية - الحضارية التي حصلت في بغداد، [قبل أكثر من ألف سنة]، يجري، مبدئيا، شبيه لها، لحد ما، في دول الخليج العربي، [دبي و الشارجة و أبو ظبي وقطر و الكويت و السعودية....].
هنا قام امراء وملوك دول الخليج هذه (بأجراءات نافعة لبلادهم)، بجلب أساتذة وباحثين وعلماء من امريكا وأوربا [ من فرنسا و بريطانيا وألمانيا وأيطاليا والسويد و بلجيكا وغيرها]، ليبحثوا و يعملوا ويعلموا في دول الخليج العربي هذه ..... لكي تتطور هذه الدول، عمرانيا (بنائيا) و بيئيا وزراعيا، وعلميا، وغيرها..... وفعلا حصل هكذا تطور، ولا زال مستمرا.
نجد، الآن، إن دول الخليج العربي (الصحراوية) تكثر فيها المزارع والإنتاج الغذائي، [وتطبق التأثيرات المغناطيسية في تطوير الزراعة]. ويتم بناء الشوارع، والأبراج العالية والفنادق الغريبة الطراز، والجامعات والمستشفيات، بامكانات هؤلاء الأساتذة والباحثين الأجانب. بينما المواطنون الخليجيون هم الطلبة المتعلمون، الذين يطمحون للتطور ثقافيا وعلميا.
هنا، (منطقيا وعلميا) لا يمكن أن ندعو هذا التطور العمراني والبيئي والثقافي هو حضارة خليجية، لدول الخليج.....هكذا طابع (وقول) إذا ما أعطي الى دول الخليج، يكون طابع مخادع وصادم علميا، وقائله متجني على الحقيقة.....
لكن هذا لا يعني أساءة للمواطنين في دول الخليج العربي مطلقا..... بل هو، عمليا، وضع الحقيقة في موقعها الصحيح. ونقول، من الممكن، جدا، أن يستفيد المواطنون في دول الخليج العربي من بحوث وعلمية الأساتذة والعلماء الغربيين.
التجربتين السابقتين (للعصر العباسي و لدول الخليج العربي)، لا تعني دائما أن من يأتي من بلاده الى البلد الأخر، يكون هو الأستاذ، ومن ياتي لهم سيكونون هم الطلبة، وحتى لو كان القادم، من بلاده، قد أصبح متفوقا على من جاء هو أليهم.....
المثال واضح، حيث أن هناك عديد من (الطلبة) الذين ياتون من دول عالمية كثيرة، الى دول أوربا وامريكا، في إن قسم من هؤلاء القادمين، يتفوقون علميا عند تواجدهم في هذه الدول الاوربية. وقد يقودون، فيما بعد، البحوث، والتدريس (كأساتذة) في دول أوربا....... لكن في هذه الحالة إن الفرق الجوهري بين هؤلاء، الآن، وبين الأساتذة والعلماء الاجانب الذين وفدوا الى بغداد (قبل أكثر من ألف سنة) ....هو إن هؤلاء العلماء والاساتذة الذين وفدوا الى بغداد جاءوا وهم يحملون علومهم وثقافاتهم معهم، ثم ليعطوها للطلبة العرب والمسلمين.
بينما، الأجنبي، (الحالي)، الذي جاء، أصلا، ليحصل على العلم من دول أوربا. فهو، بهذا العلم والمنهج الأوربي، قد نبغ وتقدم على أقرانه.... إذن، فهو في تفوقه، يكون مدينا لعلم البلد (الاوربي)، الذي علمه و ثقفه.....وهذا أمر يتوجب تبيانه.
=======
عدنان يوسف رجيب - كاتب عراقي
الحوار المتمدن 2018 / 3 / 30
يكثر الحديث، دائما، عما يدعى بالفلسفة، (و الحضارة) العربية - الإسلامية...... ويضع القوميون العرب والاسلاميون نظريات، من أجل أثبات وجود هكذا حضارة عربية - أسلامية في المجتمع العربي والإسلامي ......
إبتداء لنتوضح بشكل عام مختصر عام عن ماهية الحضارة، فنبين إن:
الحضارة، عموما، هي نتاج فكري – علمي وعملي لمجتمع ما، يظهر، فيه، مستوى وعي ذلك المجتمع، حيث تنطبع فيه ثقافته وعاداته وتقاليده وكذلك، أخلاقياته، إضافة الى تأثير البيئة والأوضاع الإقتصادية وغيرها على ذلك المجتمع. كما إن تجليات كل ذلك تتبين من الحالة الإجتماعية -السياسية التي يعيشها ذلك المجتمع.
إذن لنقف، بوعي، كي نتبين مدى حقيقة معالم الحضارة والعلم الذي حصل في بلاد العرب الاسلامية.....
هنا نجد أن التاريخ يحدثنا بواقعية، عن أن معظم التطور العلمي الحضاري – الفلسفي، كان قد بدأ، وكذلك، انتهى في بغداد في عصر الخلافة العباسية، وتحديدا في زمن خلافة المأمون، حيث تواجد، هناك، العلماء والفلاسفة والكيميائيين والاطباء واللغويين والزراعيين والجغرافيين، وغيرهم.....
ولنا أن نقف، كذلك، شاخصين، لنتسائل: لماذا كان هكذا تطور علمي حضاري - فلسفي عالي الشان، فعلا، قد إنبثق بما يشبه الفجأة في هذه الفترة، العباسية، بالذات، في حال أن الوعي يعني أن التطور الحضاري والمقدرة العلمية، لمجتمع ما، لابد أن تأتي متدرجة، فتنتظم وتتكامل على شكل خطوات، هي لاشك متسلسلة، خلال الفترات الزمنية التي يتطلبها التطور في المجتمع، بالمعنى التأريخي المعاش..... لكن كان المجتمع العربي - الأسلامي ضعيفا، عموما، في مقدرته العلمية (طبيا و زراعيا وكيميائيا وفيزيائيا و فلسفيا و علوم أخرى) خلال كل الفترات الزمنية السابقة..... فلم يكن ثمة ما يشير الى إن المجتمع العربي - الاسلامي فيه جذوة تقدم علمي حضاري - فلسفي، بشكل يمكن أن يلفت له النظر.....
هذا المجتمع العربي - الاسلامي، إبتداء، كان في وضع جغرافي - مناخي ظالم.... تاتي اوليات ذلك من جراء الصحراء الشاسعة والارض المستوية، (الخالية نسبيا من التضاريس)، والحر الشديد، نسبيا، وفي فترات طويلة من السنة..... وهو ما، (يوجب أن)، يضفي وضع نفسي وجسمي مؤلم على أفراد المجتمع، من حيث تدني الأداء الإجتماعي، [لأفراد المجتمع]، بشكل عام. يضاف لهذا الوضع، (السلبي الأجتماعي)، وجود، حقيقة، حالة شبه أنعدام للخيرات الطبيعية [الماء والأنهار والزرع وموارد الأرض الطبيعة، (المعادن وغيرها) و الموارد الاخرى]. مضاف لكل ذلك: التدني الأقتصادي، عموما، الذي كان يلف الأفراد بوضعهم الفردي الخاص، وأيضا للمجتمع ككل .
إن من شأن هكذا وضع موضوعي متردي، (جغرافي - بيئي، ومالي وتأريخي)، أن تكون نتيجته، الطبيعية الملموسة، شحة في الامكانات الصناعية المجتمعية، التي يتوجب أن تتوفر لتلبية الحاجات الملحة والضرورية للمجتمع. وبالتالي فأن هكذا وضع وظروف، قاهرة، لابد لها، موضوعيا، أن تبعد المجتمع عن الحالة الطبيعية للعيش المتمدين، دعنا عن كونها ستعطي توجهات حضارية . وهذه الحقائق هي ، بالفعل، ما بينتها مصادر التأريخ عن تلك الفترة، في الجزيرة العربية.
هنا، نجد أن الطابع العام العربي، ثم العربي - الأسلامي خلال عهود، قبل الأسلام وأثناؤه، كان، [جوهريا]، في التوجه لأعتماد [الغزو والفتوحات]، كمصدر أولي وأساسي، للحصول على الموارد المالية، (كونها طريق الثروة و الثراء الوحيد تقريبا). عليه اصبحت هكذا توجهات، (في الغزو والفتوحات)، ذات قيمة ثقافية - إجتماعية عليا في شخصية الفرد العربي و المسلم..... إنها مصدر الثراء المالي، وأيضا، التمجيد الشخصي. وسيكون طبيعيا، على أساس ذلك، أن يتولد في دواخل العربي و المسلم، بالمقابل، شيئ من نفور ضد العمل الأخر في الحياة.....وأن لا تكون لأفكار العلم والصناعة واهدافها، المادية والمعنوية، من قيمة يلتفت لها الأفراد، ولا، حتى أولئك، القائمون على الحكم والسلطة...... ولذا كان طبيعيا أن تصبح بلدان الخارج هي مصدر تصدير البضائع والأحتياجات المجتمعية الى منطقة الجزيرة العربية - الاسلامية.
ونظرا لإختلافات البيئة والجغرافية للمجتمعات الأخرى خارج المنطقة العربية – الإسلامية، وكذلك في توفر، عموما، الموارد الطبيعية والمالية، فكانت هناك، ملموسية، لتطورات صناعية و حضارية قد طمغت طابعها على تلك المجتمعات الأخرى، التي كانت تعيش خارج المجتمعات العربية - الأسلامية.
لذا نجد أن ظروف العربي، والمسلم، فيما بعد، لم تعطي أي اسباب منطقية لحصول الصناعة، أو في أي تطور صناعي، و بالتالي، لا تطور علمي، يمكن أن يتبين منه أنه ممكن أن يؤدي الى أن تنبثق منه معالم للحضارة....
هنا الشاخص الواعي والمنطقي حاضر.... حيث نقف لنقول: حين بدأت الدعوة الإسلامية، وعند تبوء النبي محمد للسلطة المعنوية، والمادية، [في منطقة الجزيرة العربية]..... هنا،إذن، كان هذا هو الظرف والوقت الملائم، تماما، جدا لإظهار الإمكانات الواسعة الفذه، في صنع، وخلق، التطورات والتغيرات، المجتمعية العلمية، وبالتالي الحضارية الأسلامية ....
فالنظام الإسلامي، الان، هي الوعاء والحاضن الكبير، والمشجع الحاسم.... وهنا يكون الفرد الإسلامي [والعربي] في أفضل الظروف، في مناخ الحرية والنشاط الواسع لكي يبدع أسلاميا....
هنا نجد إن، حقيقة، الذي حصل، وبالملموسية التأريخية، هو أن لم يجري أي تطور علمي صناعي (عدا عن كونه ليس حضارة)، حتى ولا بأتجاه متطور إجتماعيا، سواء كان في توجهات النبي محمد، أو من خلال نشاط الخلافاء الأربعة، في وقت إن مناخ الحرية الأسلامية كان على أفضل حضوره.....وهنا لابد من التساؤل العقلاني المنطقي: أين هي، إذن، بذور الحضارة و الفلسفة الإسلامية! ألا يجب أن تظهر شاهرة أذرعها ومشرأبة بعنقها، كي يتبين إنها حاضرة موجودة ؟!
وهكذا أنتهت فترة الخلفاء الراشدون، بدون أي حضارة أسلامية..... ثم جاءت دولة بني امية، التي، هي، تدعي الأسلام، وإستمرت لفترة تقارب مائة سنة..... لكن بدون أية شواهد لما يمكن أن ندعوه حضارة أو فلسفة إسلامية [؟!].
ثم حلت الخلافة العباسية..... وبقي كل شيئ إسلامي كما هو، (غزو و فتوحات)، من أبو العباس السفاح.... الى هارون الرشيد.... فلا شيء يسمى، حقيقة، حضارة أو فلسفة إسلامية متواجدة على الواقع..... ولا حتى بدايات أو شواهد لمثل هكذا حضارة أوفلسفة، التي يدعوها، العروبيون والمتأسلميون، بالحضارة العربية - الإسلامية ؟!
لكن فجأة، [والعلم أو الحضارة لا يأتيان فجأة زمنيا]، اصبحت بغداد مركزا علميا ثقافيا ، و خرجت حضارة و فلسفة منها، وكان فيها فعلا، وبحق، تطور علمي و فلسفي وحضاري..... منذ أن تسلم المأمون، (العباسي) الخلافة. فكان متوجها للعلم، فتطور العلم في عهده في بغداد.... لكن هذا العلم و الحضارة والفلسفة، لم تكن على أيدي العرب أو المسلمين.....بل ظهرت على أيدي الاساتذة والفلاسفة والأطباء والكيميائيين والفيزيائيين والجغرافيين وغيرهم، من الأجانب غير العرب، الذين جاءوا الى بغداد من سمرقند واذربيجان و بلاد السند و الهند و بلاد فارس، وغيرها من البلدان.
كان هؤلاء الرواد، هم أمثال: إبن النفيس، و أبن الهيثم والحسن بن هاني والغزالي وسيبويه وإبن المقفع وعبد الرحمن بن خلدون (الأمازيغي)، والجاحظ والرازي وأبن طولون وإبن كثير، وإبن رشد.... وغيرهم كثير، ولم يكونوا عربا، (عدا الكندي). وأكثرهم لم يكونوا مسلمين، [بدليل جريمة قتل كثير من هؤلاء الأفذاذ، باتهامهم بالزندقة، مثل أبن النفيس].....
هؤلاء، الاساتذة والباحثين، جلبهم من بلادهم، واحتضنهم الخليفة المأمون، وأغدق عليهم العطاء، ليقدموا علمهم ومهاراتهم في بغداد.... وهم، بالمقابل، اجادوا في نتاجهم العلمي والحضاري - الفلسفي..... فكانوا هم الأساتذة والباحثون ، والمواطنين العرب والمسلمين في بغداد هم الطلبة، (المتلقين للعلوم)....الذين لم يظهر لهم، لحد الآن، أي أثر عملي حضاري – فلسفي.
هذه حقائق تاريخية صحيحة صريحة....... لذا يبرز عاليا السؤال: من أين ياتي القومانيون العروبيون والمتأسلميون بأدعائهم ضد حقائق التأريخ......ليسلبوا حضارة الأساتذة الأجانب الأفذاذ فلسفتهم، وينسبوها للطلبة العرب والمسلمين ؟!
هذه العملية العلمية - الحضارية التي حصلت في بغداد، [قبل أكثر من ألف سنة]، يجري، مبدئيا، شبيه لها، لحد ما، في دول الخليج العربي، [دبي و الشارجة و أبو ظبي وقطر و الكويت و السعودية....].
هنا قام امراء وملوك دول الخليج هذه (بأجراءات نافعة لبلادهم)، بجلب أساتذة وباحثين وعلماء من امريكا وأوربا [ من فرنسا و بريطانيا وألمانيا وأيطاليا والسويد و بلجيكا وغيرها]، ليبحثوا و يعملوا ويعلموا في دول الخليج العربي هذه ..... لكي تتطور هذه الدول، عمرانيا (بنائيا) و بيئيا وزراعيا، وعلميا، وغيرها..... وفعلا حصل هكذا تطور، ولا زال مستمرا.
نجد، الآن، إن دول الخليج العربي (الصحراوية) تكثر فيها المزارع والإنتاج الغذائي، [وتطبق التأثيرات المغناطيسية في تطوير الزراعة]. ويتم بناء الشوارع، والأبراج العالية والفنادق الغريبة الطراز، والجامعات والمستشفيات، بامكانات هؤلاء الأساتذة والباحثين الأجانب. بينما المواطنون الخليجيون هم الطلبة المتعلمون، الذين يطمحون للتطور ثقافيا وعلميا.
هنا، (منطقيا وعلميا) لا يمكن أن ندعو هذا التطور العمراني والبيئي والثقافي هو حضارة خليجية، لدول الخليج.....هكذا طابع (وقول) إذا ما أعطي الى دول الخليج، يكون طابع مخادع وصادم علميا، وقائله متجني على الحقيقة.....
لكن هذا لا يعني أساءة للمواطنين في دول الخليج العربي مطلقا..... بل هو، عمليا، وضع الحقيقة في موقعها الصحيح. ونقول، من الممكن، جدا، أن يستفيد المواطنون في دول الخليج العربي من بحوث وعلمية الأساتذة والعلماء الغربيين.
التجربتين السابقتين (للعصر العباسي و لدول الخليج العربي)، لا تعني دائما أن من يأتي من بلاده الى البلد الأخر، يكون هو الأستاذ، ومن ياتي لهم سيكونون هم الطلبة، وحتى لو كان القادم، من بلاده، قد أصبح متفوقا على من جاء هو أليهم.....
المثال واضح، حيث أن هناك عديد من (الطلبة) الذين ياتون من دول عالمية كثيرة، الى دول أوربا وامريكا، في إن قسم من هؤلاء القادمين، يتفوقون علميا عند تواجدهم في هذه الدول الاوربية. وقد يقودون، فيما بعد، البحوث، والتدريس (كأساتذة) في دول أوربا....... لكن في هذه الحالة إن الفرق الجوهري بين هؤلاء، الآن، وبين الأساتذة والعلماء الاجانب الذين وفدوا الى بغداد (قبل أكثر من ألف سنة) ....هو إن هؤلاء العلماء والاساتذة الذين وفدوا الى بغداد جاءوا وهم يحملون علومهم وثقافاتهم معهم، ثم ليعطوها للطلبة العرب والمسلمين.
بينما، الأجنبي، (الحالي)، الذي جاء، أصلا، ليحصل على العلم من دول أوربا. فهو، بهذا العلم والمنهج الأوربي، قد نبغ وتقدم على أقرانه.... إذن، فهو في تفوقه، يكون مدينا لعلم البلد (الاوربي)، الذي علمه و ثقفه.....وهذا أمر يتوجب تبيانه.
=======
تعليقات
إرسال تعليق