مقالات عام 2006 - 18

             قبل يوم القيامة بأسبوع واحد

صلاح الدين محسن 


الحوار المتمدن 2006 / 2 / 14
التنوير والتنويريون .. الي أين ، والي متي .. يسير ، ويسيرون ..؟!
والي متي سيظلوا يقولون ويعيدون ويزيدون ..؟!
ومتي تقام أعمدة التنوير لتصل الي كل ميدان، وتمتد بطول كل شارع وعلي ناصية كل حارة وكل زقاق ؟!
غالبية هم الذين يعتقدون أن مهمة المفكرين والكتاب التنويريين هي مواصلة اضاءة مشاعلهم، حتي تنفح أعين الناس وتألف النور فيعطوا ظهورهم للظلام والاظلاميين.. وهذا هيهات أن يحدث ..
فالفكر والرأي المنير لا يحول التاريخ بمفرده .. الا ما ندر .. وانما الذي يفعل ذلك هوالسياسة والسياسيون المشحونون بذاك الفكر .. 
من القراء الأعزاء من جري معهم نقاش عبر البريد حول ذاك الموضوع " دكتور مجدي زكي " - باريس - ، والقارئة العزيزة " ماغي " – دمشق - .. فقد دعاني " د. مجدي " الي أن أقصر كتاباتي علي التنوير وأجنبها السياسة وأحراشها ...
فكان ردي عليه : " ان كتاباتي – وغيري من التنويريين – هي مجرد بذور لن تنبت الا بماء السياسة ، ولن تنمو وتستمر حتي تأتي بثمارها .. الا برعاية السياسيين المؤمنين بما قدمناه وما ندعو اليه ، و المتحمسين لنقله من مشاتل الكتب والأوراق وغرسها بحقول الواقع ..
أما القارئة الدمشقية العزيزة .. ففي حوار من خلال الانترنت ، عبرت عن رأيها في أننا نحن التنويريين سوف نخضر العقول الصحراوية والمتصحرة ..
فقلت لها : كلا.. ان كتابات التنويريين أشبه بما يفعله مهندسو التخطيط ..يخططون مدنا ومشاريعا وقناطرا ومصانعا وسدود .. علي الورق فحسب.. !
أما الذين يحولون ما هو علي الورق الي واقع يضح بالحياة ويصخب بها فهم المهندسون التنفيذيون..
ومهندسو تنفيذ الفكر التنويري هم : السياسيون القياديون الموهوبون ..
فمن سواهم سوف يمكن التنويريين من أن يواصلوا ، ويحسنوا آداء رسالتهم ؟ ومن سيؤمن لهم ظهورهم من طعنات الظلام والاظلاميين ؟ لذا فجهود التنوير يجب أن تتتضمن شحن هؤلاء والنفخ في أرواحهم واستفزاز هممهم .. 
فهؤلاء السياسيون هم الذين يحولون مجري التاريخ ، ويصنعونه .. يشقوا بطن التاريخ كما الجراح ويخرجوا منه الدم الفاسد والقيح.. ، و أيضا يشقون عين التاريخ ليخرجوا منها الكتاركتا والجليكوما، فيحل فيها النور ويرحل عنها الظلام ..
بدونهم – أعني السياسيين - لواعتمدنا علي أهل الفكر والقلم – التنويريون - وحدهم في أن يستمروا في ضخ النور من أقلامهم حتي تتم توعية الشعب فيحدث التحول نحو النهوض والتنمية والتقدم - حسبما يعتقد ويردد الكثيرون ..- فهيهات أن يحدث ذلك ..
لأن هناك عقول من تلك التي توجه اليها كشافات التنوير.. لو أننا جئنا بجميع شموس المجرة المحلية ( درب التبانة ) ، أو حتي جئنا بشموس كافة المجرات الكونية..وسلطنا أنوارها وأشعاتها بداخل تلك العقول فان الظلام المتربع بها لن تهتز له شعرة واحدة من رأسه .. ولن تطهر أشعات كل تلك الشموس ميكروبا واحدا من الجهل المتكلس بتلافيف تلك الأدمغة ، فهي عقول تعتز كثيرا بجهلها ، وتحرص عليه بأكثر من حرصها علي الحياة ..
ولكن أغلب أصحاب تلك العقول التي تعجز كل الشموس عن انارتها أو تطهيرها ، بمجرد أن يتغير مجري الأمور بالبلاد ويبدأ التحول التاريخي الكاسح .. فانها سوف تنظر الي أين يمضي الاتجاه العام الذي تحدده القيادة السياسية الجديدة ..وسوف تمضي نحوه راضية مرضية طيعة مطيعة كما أفراد القطيع تماما .. بل وتتطوع لتبرير التحول و تجتهد في فلسفة أسبابه ودواعيه ! ، وتؤلف لأجل ذلك حكما وأمثالا ...(!!!)
كل ما يكد ويكدح التنويريون - أكاديميون وغيرهم - ويقدمونه من أساليب التنوير .. باستطاعة خطيب دجال واحد في خطبته الأسبوعية ، أن يمحوه تماما ويسفهه ويسفه أصحابه ..! وكذلك أيضا يمكن لأي " دكتور بهلول الهنكار " ، عندما يملكونه صفحة أسبوعية كاملة بأكبر صحف الدولة .. باستطاعته أن يطيح برؤوس أعمدة العلم ويتوجها بتيجان الجهل ..! منتزعا التصفيق والانبهار ، مع كل الاحترام و الاكبار.. (!!)
لواعتمدنا علي أهل الفكر والقلم التنويريين وحدهم في احداث التغيير الذي يدعو له الجميع ويتلهفون عليه –عدا عصابة السلطة والمنتفعين من حولها - ، فبدون تشاؤم نقول :

لا نستبعد أن يحدث ذلك.. ربما يحدث .. ، ولكن ليس قبل أن تقوم القيامة بمدة تتراوح بين أسبوع ، وأسبوعين .. فطوبي لمن سيشهدوا ذاك الحدث .. ويسعدوا به طوال كل تلك المدة..!

طوبي لهم ....!
=====

تعليقات