نوح - سفينة موسيقية
منقول ...
تصوير : اميرة عبد المنعم
هذا هو باختصار حال الفنان محمد نوح الذي شكل ظاهرة في الستينيات و السبعينيات لم تتكرر بعد اما الغريب فإنه بالرغم من اعتزاله الفن و الغناء من ليلة 5 اكتوبر 1980 إلا انه كانت له هو الآخر مشاكل كثيرة مع النظام السابق سنتركه يحكي عنها بنفسه بكلمات تخرج بصعوبة من شدة الألم و دخان سيجارة لا تنطفيء ابدا من انفعال الذكري .
قبل أن نتكلم عن النظام السابق ومشاكلك معه .. دعني اسألك ان كان الإبداع يشيخ مع الجسد؟
الإبداع في حد ذاته لا يشيخ ابدا لأنه مرتبط بالعقل الإنساني و العقل بطبيعته لا يكبر بالعكس فهو ينضج و يفهم أكثر كلما مر الوقت عليه لكن الجسد يشيخ و يكبر حتي يصل الي المرحلة التي يفقد فيها قدرته علي الحركة و هنا يفقد الإنسان رغبته في الحياة و هذا هو ما أشعر به بالضبط فأنا وصلت الي المرحلة التي فقدت فيها الرغبة في الحياة واصبحت انتظر الموت و كانه موعد مبهج مع صديق افتقد رؤيته من زمن طويل .
أليس غريبا انك قررت ان تعتزل الفن اول ما بدأت تحقق شهرة كبيرة مع الناس بعد نصر اكتوبر 1973 ؟
انا غنيت ' مدد ' و ' شيلي طرح الحزن السوده ' و ' من صغر السن ' من سنة 68 حتي سنة 70 و مع ذلك لم يستجب احد لغنائي لأن الدولة كانت تدعم بقوة توجه الناس الي ' الطشت قالي ' و ' انت اللي قتلت بابايا ' و غيرها من الأغنيات التي كانت تذاع في الاذاعة كل دقيقة تقريبا لكن الغريب انه بعد نصر 73 فوجئت بنجاح اغنياتي بشكل لم اكن ابدا اتوقعه .
وما الذي تغير حتي تنجح الأغنيات بهذا الشكل؟
الأغنيات نفسها لم تتغير لكن وجدان الناس واذواقهم هي التي تغيرت فيبدو ان أي تغير سياسي يصحبه تغير في الأذواق و من هنا عرفت ان تطور الفن و الفنان لا يكفي لتحقيق النجاح و انما لابد من تطور وجدان الناس ايضا لتعرف كيف تستقبل هذا الفن و هذا ليس عندنا فقط و انما في العالم كله فبيتهوفن مات دون ان يعرفه احد و اكتشفت كل الحانه بعد نجاح الثورة الفرنسية عندما تغير الوجدان الشعبي في اوروبا كلها .
لم تجب علي سؤالي لماذا قررت الاعتزال بعد ما حققت كل هذا النجاح؟
انا قررت الاعتزال بعد اغتيال الرئيس السادات فانا اتذكر جيدا ان أخر ليلة غنيت فيها علي المسرح امام الجمهور كانت في 5 اكتوبر 1980 و كنت ليلتها في منتهي السعادة و كأني اعلم انها اخر ليلة بالرغم من اني لم أكن انوي الاعتزال في تلك الفترة ابدا و لكن ما حدث انه بعد ان اغتيل السادات شعرت ان حلم مصر القومي اغتيل معه و عندما تحول نصر اكتوبر و صاحبه الي مجرد ذكري في كتب المدارس وجدت نفسي غير قادر علي الغناء فتوقف دوري كمغن و بدأ دوري كمؤلف موسيقي و مخرج مسرحي .
كونت واحدة من أهم و انجح الفرق الغنائية و المسرحية و هي فرقة النهار .. فلماذا توقف نشاط هذه الفرقة؟
من هنا بدأت مشاكلي مع النظام السابق ويمكن من قبل كده عندما كنت أكتب في السياسة في جريدة الوفد بنفس المشاعر التي كنت اغني بها فضلا عن اني كنت رئيس لجنة الفنون و الثقافة في حزب الوفد و هذا جعلني أسخر السياسة في خدمة الفن لأني طوال حياتي كانت احلامي فنية و لم يكن لي أي رغبة في أي دور او منصب سياسي المهم ان كل الأعمال المسرحية التي كنت اقدمها كان النظام السابق يعترض عليها و يتحجج لإغلاقها حتي قدمت مسرحية ' سحلب ' بطولة ليلي علوي و حسين فهمي و كانت من تأليفي و إخراجي و كنت اتكلم فيها عن القضايا الملفقة و ' بلاوي ' أمن الدولة من خلال شخص يتاجر في السحلب و يستورده مما جعل الحكومة تفترض انه هيروين ليحكم عليه بالسجن المؤبد في قضية مش موجوده من الأساس و طبعا المسرحية عملت مشاكل لا حدود لها و صدر قرار من اقوي رجال النظام بإغلاقها .
محمد نوح : أتشليت بسبب صفوت الشريف وزكريا عزمى !
ومن هم أقوي رجال النظام؟ { كلنا عارفين منهم طبعا صفوت الشريف وزكريا عزمي و بالرغم من انه كان صديقي جدا وقتها إلا انه رفض أن يقف بجانبي ربما لأنه كان صاحب القرار من الأساس فالسياسة لا يوجد بها صداقات و بعدين أخذوا مني المسرح و تلك كانت القشة التي قصمت ظهر البعير فلم أحتمل الصدمة و أصبت بأول أزمة قلبية و توالت بعدها الأزمات حتي أصبحت غير قادر علي الحركة .
هل كنت تتخيل ان يأتي اليوم الذي تري فيه كل من تسببوا لك في هذا الألم جميعا في السجن؟
أبدا مستحيل فهذا امر لم يكن يخطر علي بال احد ابدا لكن صدقيني انا مش زعلان منهم و لا شمتان فيهم لأن اللي هما فيه كفاية و لا حتي زعلان من حسني مبارك بالرغم من ان كل اللي حصل لي كان بعلمه و اتمني انه لو خضع للمحاكمة ان تكون محاكمته عادله احتراما لسنه و مرضه .
---- نشر في بوابة الشباب يوم 13 - 08 - 2011 -- رانيا نور -
تعليقات
إرسال تعليق