مقالات 2005 -= 51 من حديقة البشر = مصطفي أفندي الشهابي -


من حديقة البشر - مصطفي أفندي الشهابي -


صلاح الدين محسن 
2005 / 10 / 23


هذه هي القصة السادسة من كتاب " من حديقة البشر " وهو مجموعة قصص -30 قصة - من الحياة لم تنشر بعد ، ورأينا نشر بعضا منها للقاريء 
وترتيب تلك القصة في المجموعة هو رقم 30 - الأخيرة - ...

مصطفي أفندي الشهابي - المربي الفاضل -
في منتصف الخمسينيات من القرن الماضي كنت تلميذا بمدرسة ابتدائية باحدي قري مركز ميت غمر التي تبعد عن القاهرة بحوالي 85 كيلومتر 
- شمالا - وكان مدرسونا بعضهم من أبناء القرية والبعض الآخر من أبناء قري أخري مجاورة 
في ذاك الزمن كان المدرسون معلمين فعلا .. - في غالبيتهم - ، وكان أغلبهم جبارا في العقاب لمن يذنب
فهذا يمسك بيده عصا غليظة لا تفارقه .. ، وذاك يمسك ب " زخمة - وهي جلدة سميكة ثقيلة ، تنزل علي الطفل منا في أي مكان ، علي يده أو فوق 
ظهره فتلهبه ، فيصرخ من شدة الألم ..
وكان" مصطفي أفندي الشهابي " - مدرس التربية الفنية - ابن القرية القريبة " سنتماي " هو المدرس الوحيد الذي لا يضرب تلاميذه علي الاطلاق ، ليس وحسب وبالاضافة لذلك كان ظريفا لطيفا ، يضحكناكثيرا .. أما العصا الغليظة التي لم تكن تفارق يده ، فقد كانت وحسب ليدق بها فوق التختة مطالبا بالسكوت والصهدؤ اذا كثر لغطنا كتلاميذ صغار .. ولم يسب تلميذا أبدا طوال السنوات الست من المرحلة الايتدائية .. وكان هو المدرس الوحيد فيذلك .. بل لم أر مدرسا هكذا لا يسب التلاميذ أبدا سواه بالمرحلتين الاعدادية والثانوية أيضا .. ..واذا اضطر للسب فانه يشتم شتمة تجعلنا نضحك جميعا لشدة ظرفها ..اذا كان يصيح غاضبا فيمن يتشاقي أو يخالف منا بقوله : " انت يا ولد انت يا مزبلح ..."وهي كلمة لم نعرف لها معنا الا ما نحسه من ايقاع كاريكاتوري يبعث علي الضحك فنضك بسرور ..
وفي اليوم الذي يغيب فيه مدرس الحساب ، أو مدرس اللغة العربية ، كانت ادارة المدرسة ترسل لنا مدرسا آخر ليقضي معنا الحصة - غالبا بلا أي كلام - ، ونظل صامتين حتي نهايتها كما الأصنام .. بينما المدرس يقرأ الصحيفة ، أو ينشغل بكتاباته في دفتر التحضير الخاص به حتي تنتهي الحصة ..، ومن يهمس منا 
ولو همسة فيا ويله : ضرب وشتائم ..
أما اذا جاءنا " مصطفي أفندي الشهابي في مثل تلك الحصص ، فاننا بمجرد أن نلمحه قادما نحو الفصل كنا نرقص رقصا حقيقيا ، ونتصافح مهنئا بعضصنا البعض فرحا بقدوم هذا المدرس ، الذي نحبه جميعا ونحب حصته 
ولم يكن الأستاذ مصطفي الشهابي يضيع تلك الحصة - الاضافية بالنسبة له .. حصة طواريء - دون فائدة كما يفعل غيره ..وانما كان يحكي لنا 
حكاية مفيدة، أو يعلمنا من الآداب ، وأساليب النظافة واللياقة والذوق .. مما لم نكن نتعلمه من آبائنا وأمهاتنا ولا أي مدرس آخر عداه ..
لم أر الأستاذ المعلم و المربي الفاضل هذا " مصطفي أفندي الشهابي " منذ أن أنهيت دراسة المرحلة الابتدائية - من 40 سنة - مضت ، ولكنه يستحق أن أذكره 
بعد كل تلك السنوات 
فان كنت حيا..، فبورك لك في صحتك .. وسطوري تلك هي قبلة أطبعها علي جبهتك الشريفة ويدك الكريمة ..
وان كنت قد توفيت .. فهي تحية لروحك الطاهرة .. 
تلميذك المخلص : صلاح
---------------
كتبت بالسجن السياسي بمصر عام 2001

نشر بموقع الحوار المتمدن-العدد: 1356 - 2005 / 10 / 23

تعليقات