كتابات جديرة بالقراءة
عن الغيبوبة والفراغ.. وإنقاذ وطن..!
بقلم : الدكتور مصطفى حجازي
( المستشار السياسي للرئيس السابق - المؤقت -، عدلي منصور )
جريدة المصري اليوم - الأحد 20-03-2016
جاء في المقال :
بداية أود أن أنوه - أيها القارئ العزيز - بأنه إذا كنت من المولعين بالتصنيف والشخصنة.. تتبع فى سطور كل مقال تقرؤه.. المعيّة والضديّة.. الموالاة والمعارضة.. الإطراء على سلطة أو تقريعها.. محبة مسؤول أو محاولة النيل منه.. فلا تقرأ هذا المقال..!
لأنى، وكما أشرت فى مقالى السابق إلى أننا، مصر وإقليم وعالم، على شفا طوفان ما.. اقتصادى واجتماعى وحضارى.. ستتفاوت آثار دماره ليس وفقاً لـ«جغرافيا الأرض».. ولكن وفقاً لـ«جغرافيا العقل».. فأظن أن استثمار وقت فى تأكيد ما هو مؤكد بالمشاهدة والواقع الذى يشى بالتراجعات والإخفاقات والنجاحات إن وجدت.. يُعَد تضييعاً للوقت ويقع تحت عنوان اللغو السياسى..!
فليس بعد العين أين.. كما يقولون..!
ولأن مصر بها فائض من التدليس السياسى والاحتكار السياسى والكيد السياسى والمماحكة السياسية.. وفى وسط كل ذلك.. العقل غائب.. والعدل غائب.. والجدية الواجبة لإنقاذ وطن غائبة.. فلست مَعنِيًّا بالحض على الجنون.. ويكفينا من يبشرون به أو يذهبون إليه مختارين..!
ما أنا مَعنِىُّ به وأدعوك أن تُعنى به - إن أردت - هو أن نتواصى ببقية من عقل.. آملين أن ننقذ وطناً بما تبقى له من مفردات..!
(2) -
أيها القارئ العزيز.. اعلم أنه وأنت تقرأ هذا المقال الآن.. تدور فى العواصم الأوروبية ذات الشأن نقاشات ودراسات استراتيجية معمقة.. عن توسعة الاتحاد الأوروبى وحلف الناتو بزيادة شراكة دول جديدة.. !
وفى جانب آخر من المعمورة.. تُجرى «موسكو» تقييمات جذرية تفاضل بين انضمام روسيا إلى الاتحاد الأوروبى، بل إلى حلف الناتو (عدوها التقليدى القديم) وبين جدوى قيام حلف روسى - صينى..!
وفى مدينة ما من الصين تضع «الصين» لمساتها الأخيرة على مشروعها الأكبر للهيمنة الاقتصادية، ومن ثم السياسية.. وهو مشروع طريق الحرير بمساريه البرى والبحرى..!
وفى «طوكيو» يُطرح سؤال ثقيل نفسه: هل تبقى «اليابان» تابعا سياسيا وعسكريا فى فلك الهيمنة الأمريكية.. أم آن لها أن تنطلق إلى فلك آسيوى جديد تنشئه مع عدوها اللدود وهو الصين..!
وأخيراً، فى «واشنطن».. تراقب أمريكا كل ذلك وتضع لكل ذلك حسابات الجدوى والخطورة.. وتضع رؤيتها لما تسميه «مشروع القرن الأمريكى الجديد».. والذى يعنى بالضرورة ضمان الهيمنة الأمريكية للقرن القادم.. حتى وإن قبلت بشراكة اتحاد أوروبى أوسع وأقوى تقوده «ألمانيا أو فرنسا».. وحتى وإن سمحت بـ«صين» متمددة فى جنوب شرق آسيا.. وبـ«هند» تنمو كعملاق إقليمى على حساب جاراتها.. حتى وإن قبلت بطموحات هيمنة إقليمية لـ«إيران» الفارسية ولـ«تركيا» العثمانية بأن تمارسا قدرًا من البلطجة.. فى مقابل ضمان خدماتهما فى إقرار هدوء آسيا الوسطى والخليج العربى.. وأن تبقيا خِنجراً فى خصر روسيا وألا تفكرا فى التحالف مع روسيا أو الصين..!
كل ذلك يجرى الآن - واللهِ - ليس من باب التكهن ولكن من واقع ما تنشره تلك الدول فى دوريات وكتب تنتجها العقول المؤسسية صانعة الرؤى لديها.. والتى فى ضوئها تصنع قرارات مستقبلها..!
وإذا أردت أن تستوثق من كلامى.. فلتقرأ كتاب «زيبيج برجينسكى»، وهو مستشار الأمن القومى للرئيس كارتر، والرئيس الشرفى لمركز الدراسات الدولية والاستراتيجية فى واشنطن.. وأحد عتاة السياسة الخارجية الأمريكية.. وكتابه يسمى «رقعة الشطرنج العظمى».. وفيه يُقَسّمُ الرجل دول العالم إلى لاعبين فى مجال الشراكة الاستراتيجية، ويتحدث عن دول لن تعدو كونها مضماراً للعبة الدولية أو مصدراً لطاقة اللعبة ذاتها..!
ويقسم بدوره اللاعبين إلى حلفاء محتملين وأعداء محتملين.. ويسمى كل ذلك بوضوح.. ويضع الرجل - الذى يعلم أن حلفاءه أو أعداءه المحتملين يقومون بذات الجهد البحثى والفكرى - لأمريكا ثلاثة أطر زمنية بخطوات واضحة، هدفها النهائى الإبقاء على الهيمنة الأمريكية على العالم.. أو القبول بشركاء جدد بغير اصطدام بمصالح أمريكا العليا وبغير نيل من موقعها الريادى..!
وبمثله وليس بأقل منه.. ما بين الأكاديمية الصينية للعلوم والأكاديمية الصينية للعلوم الاجتماعية.. تضع الصين بصمتها فى تحركها للشراكة فى الهيمنة على العالم من مدخل اقتصادى سياسى.. مستعيدة هويتها كـ«إمبراطورية السماء» كما ترى فى نفسها..!
وما بين معهد الاقتصاد والعلاقات الدولية ومعاهد الاستراتيجية العسكرية.. تقرر موسكو خطوتها القادمة.. والتحرك فى شبه جزيرة «القِرم» ليس إلا تحركاً يُقرَرُ على إثره من سيملك الكلمة العليا فى أوروبا الآسيوية.. ومن ثم قلب العالم كما يسمى فى العلوم الجيوسياسية.. !
كل ذلك يجرى الآن.. ومصر وعالمنا العربى ليسا مطروحين بأكثر من كونهما رقعة شطرنج يمارس كل من سبق من لاعبين دوليين لعبة الهيمنة عليها.. وليس ذلك من باب التآمر علينا.. بقدر غيابنا نحن.. أو بالأحرى غيبوبتنا نحن..!!
كل ذلك يجرى وستجنى تلك الدول ثماره رُقياً.. وأمناً ورفاهة.. وهيمنة.. وقيمة لشعوبها.. لأنها أمم استفاقت وغادرت فراغ العقل منذ عقود.. وتجلت استفاقتها فى «عقل مؤسسى» و«حُلم له هوية» و«جدل عام وخاص له أولوياته»..!
عقل مؤسسى.. مؤتمن على الثوابت الوطنية.. مستشرف للهوية.. ويملك الأهلية.. يتمثل فى أكثر من ستة آلاف مركز فكر وبحث غير الأكاديمية التقليدية.. فى أمريكا وحدها ثلث تلك المراكز.. ألف وتسعمائة وأربعة وثمانون مركزاً على وجه الدقة.. عقل يقرأ الواقع والتحدى ويصنع الرؤية والحلم.. ويبنى للقرار قواعده ويُلزم صانع القرار بمحدداته.. !
حُلم له هوية.. يتمثل فى قطاعات من القوى الحيّة المؤهلة فى المجتمع الواعية بعصرها.. والقادرة على التفاعل مع قضايا واقعها من باب الشراكة والإبداع كمواطنين شركاء وليس كرعية تابعة.. وكلها مُنَظّم أو مُنغّم فى إطار المجتمع المدنى ومؤسساته بمعناه الأوسع..!
(3) -
يا ســــــادة.. بغير تزيّد..
مصر ومستقبلها على المحك.. بين الغيبوبة وفراغ العقل..!
غيبوبتنا هى فى «غياب عقل مؤسسى» أمام «تغول بيرواقراطية».. وفى «غياب حلم» له هوية.. يكافئ قدرنا بين الأمم أمام طغيان «ثفاقة الانكسار» والإغاثة والإعاشة.. وفى «غياب جدل عام» أمام «فائض صخب ورغى عام».. !
أما استفاقتنا فتقتضى منا أن نعرف أن تلك الغيبوبة ليست قدرا صُيّرنا إليه.. ولكنها اختيار بائس نُصِرّ عليه..!
استفاقتنا تقتضى منا أن نعى أن لقيام الأمم من عثرتها سُنناً وأسباباً لا تستثنى أحداً.. أولها إن قررت أن تصبح أمما إنسانية «ذات قيمة».. على قدر تحديات البقاء والترقى فى التاريخ.. وليست فقط جغرافيا يدب عليها بشر.. منتهى حُلمه أن يَسُدَ رمقه ذُلاً أو سُحتاً..!
استفاقتنا تقتضى منا أن نعى أن الأمم تبنى قيمتها على قوة ثقافتها بقدر ما تبنيها على قوة اقتصادها وسلاحها..!
استفاقتنا تقتضى منا أن نعرف أنه فى عالم يستخدم السلاح لخلخلة قواعد القضايا قبل أن يحسمها اقتصاداً وثقافة وسياسة.. يصبح فى «الإبداع والعلم والتطور التكنولوجى» كل الموارد.. وكل الأسلحة.. وكل أمل فى ريادة أو هيمنة سياسية أو اقتصادية أو عسكرية.. !
استفاقتنا تقتضى منا أن نعلم أنه لا إبداع مع خوف من حرية.. ولا حرية مع تأثيم لنخوة الفكر واحتقار للعلم.. ولا بقاء لنخوة الفكر مع احتكار الحقيقة من سلطة أو حاكم أو محكوم.. ولا مع مصادرة أفق حياة من متنطع دولة أو متنطع دين أو متنطع ثورة..!
ولدائمى البحث عن الحلول.. وأبناء ثقافة الإجابة النموذجية فى تعليمنا المصرى.. وللزاعقين دائما المطلوب حلول كفاية تحليل.. أود أن أقول لهم إن كل ما سبق لم يكن تحليلاً، ولكن دروباً إن أردنا أن نسلكها نجد الحلول ويحالفنا النجاح وتكتب لنا النجاة..!
وليعرف كل منا أن لتلك اللحظة التى نعيشها من التاريخ علوماً و«أصولاً».. ولصناعة رؤى المستقبل «مقدمات».. ولحوكمة القرار - وفق تلك الرؤى - صناعة واتخاذاً «ضوابط».. وهى «الأصول والمقدمات والضوابط» التى إن «أهملناها» كنا مثل صاحبنا - فارغ العقل - الذى صلى وهو لا يصلى.. والتى إذا «أنكرناها» كنا أسوأ من صاحبنا حين قرر أن الصلاة تصح بغير وضوء.. ودليله وشاهده هو خيالاته..!!
وأما من بقى مُصِرّاً على أن كل ما سبق يَخُصُ دولاً غيرنا وبشراً غيرنا.. وأننا لسنا مثل هؤلاء وكيف لنا أن نكون بتلك التركة من البطالة والفقر والجهل والمؤامرات.. فأقول له إن البحث عن حلم مستقبل فى إطار الإغاثة والإعاشة.. لن يفرز إلا «الجباية» باسم الاقتصاد.. و«اللغو» باسم السياسة.. و«القهر» باسم الدولة.. و«مسخ الماضى» باسم المستقبل..!
إنقاذ الأوطان وصلاحها كـ«النُسك».. لا يصح من غير أهله ولا بغير ضوابطه.. أما من لا يزال يرى «أنه جَرَّب الصلاة من غير وضوء ونِفعت».. فهذا شأنه، ولكن فليدع شأن مصر ومستقبلها.. على أمل أن تنجو من الغيبوبة.. !
فَكِّرُوا تَصِحُوا..
لأنى، وكما أشرت فى مقالى السابق إلى أننا، مصر وإقليم وعالم، على شفا طوفان ما.. اقتصادى واجتماعى وحضارى.. ستتفاوت آثار دماره ليس وفقاً لـ«جغرافيا الأرض».. ولكن وفقاً لـ«جغرافيا العقل».. فأظن أن استثمار وقت فى تأكيد ما هو مؤكد بالمشاهدة والواقع الذى يشى بالتراجعات والإخفاقات والنجاحات إن وجدت.. يُعَد تضييعاً للوقت ويقع تحت عنوان اللغو السياسى..!
فليس بعد العين أين.. كما يقولون..!
ولأن مصر بها فائض من التدليس السياسى والاحتكار السياسى والكيد السياسى والمماحكة السياسية.. وفى وسط كل ذلك.. العقل غائب.. والعدل غائب.. والجدية الواجبة لإنقاذ وطن غائبة.. فلست مَعنِيًّا بالحض على الجنون.. ويكفينا من يبشرون به أو يذهبون إليه مختارين..!
ما أنا مَعنِىُّ به وأدعوك أن تُعنى به - إن أردت - هو أن نتواصى ببقية من عقل.. آملين أن ننقذ وطناً بما تبقى له من مفردات..!
(2) -
أيها القارئ العزيز.. اعلم أنه وأنت تقرأ هذا المقال الآن.. تدور فى العواصم الأوروبية ذات الشأن نقاشات ودراسات استراتيجية معمقة.. عن توسعة الاتحاد الأوروبى وحلف الناتو بزيادة شراكة دول جديدة.. !
وفى جانب آخر من المعمورة.. تُجرى «موسكو» تقييمات جذرية تفاضل بين انضمام روسيا إلى الاتحاد الأوروبى، بل إلى حلف الناتو (عدوها التقليدى القديم) وبين جدوى قيام حلف روسى - صينى..!
وفى مدينة ما من الصين تضع «الصين» لمساتها الأخيرة على مشروعها الأكبر للهيمنة الاقتصادية، ومن ثم السياسية.. وهو مشروع طريق الحرير بمساريه البرى والبحرى..!
وفى «طوكيو» يُطرح سؤال ثقيل نفسه: هل تبقى «اليابان» تابعا سياسيا وعسكريا فى فلك الهيمنة الأمريكية.. أم آن لها أن تنطلق إلى فلك آسيوى جديد تنشئه مع عدوها اللدود وهو الصين..!
وأخيراً، فى «واشنطن».. تراقب أمريكا كل ذلك وتضع لكل ذلك حسابات الجدوى والخطورة.. وتضع رؤيتها لما تسميه «مشروع القرن الأمريكى الجديد».. والذى يعنى بالضرورة ضمان الهيمنة الأمريكية للقرن القادم.. حتى وإن قبلت بشراكة اتحاد أوروبى أوسع وأقوى تقوده «ألمانيا أو فرنسا».. وحتى وإن سمحت بـ«صين» متمددة فى جنوب شرق آسيا.. وبـ«هند» تنمو كعملاق إقليمى على حساب جاراتها.. حتى وإن قبلت بطموحات هيمنة إقليمية لـ«إيران» الفارسية ولـ«تركيا» العثمانية بأن تمارسا قدرًا من البلطجة.. فى مقابل ضمان خدماتهما فى إقرار هدوء آسيا الوسطى والخليج العربى.. وأن تبقيا خِنجراً فى خصر روسيا وألا تفكرا فى التحالف مع روسيا أو الصين..!
كل ذلك يجرى الآن - واللهِ - ليس من باب التكهن ولكن من واقع ما تنشره تلك الدول فى دوريات وكتب تنتجها العقول المؤسسية صانعة الرؤى لديها.. والتى فى ضوئها تصنع قرارات مستقبلها..!
وإذا أردت أن تستوثق من كلامى.. فلتقرأ كتاب «زيبيج برجينسكى»، وهو مستشار الأمن القومى للرئيس كارتر، والرئيس الشرفى لمركز الدراسات الدولية والاستراتيجية فى واشنطن.. وأحد عتاة السياسة الخارجية الأمريكية.. وكتابه يسمى «رقعة الشطرنج العظمى».. وفيه يُقَسّمُ الرجل دول العالم إلى لاعبين فى مجال الشراكة الاستراتيجية، ويتحدث عن دول لن تعدو كونها مضماراً للعبة الدولية أو مصدراً لطاقة اللعبة ذاتها..!
ويقسم بدوره اللاعبين إلى حلفاء محتملين وأعداء محتملين.. ويسمى كل ذلك بوضوح.. ويضع الرجل - الذى يعلم أن حلفاءه أو أعداءه المحتملين يقومون بذات الجهد البحثى والفكرى - لأمريكا ثلاثة أطر زمنية بخطوات واضحة، هدفها النهائى الإبقاء على الهيمنة الأمريكية على العالم.. أو القبول بشركاء جدد بغير اصطدام بمصالح أمريكا العليا وبغير نيل من موقعها الريادى..!
وبمثله وليس بأقل منه.. ما بين الأكاديمية الصينية للعلوم والأكاديمية الصينية للعلوم الاجتماعية.. تضع الصين بصمتها فى تحركها للشراكة فى الهيمنة على العالم من مدخل اقتصادى سياسى.. مستعيدة هويتها كـ«إمبراطورية السماء» كما ترى فى نفسها..!
وما بين معهد الاقتصاد والعلاقات الدولية ومعاهد الاستراتيجية العسكرية.. تقرر موسكو خطوتها القادمة.. والتحرك فى شبه جزيرة «القِرم» ليس إلا تحركاً يُقرَرُ على إثره من سيملك الكلمة العليا فى أوروبا الآسيوية.. ومن ثم قلب العالم كما يسمى فى العلوم الجيوسياسية.. !
كل ذلك يجرى الآن.. ومصر وعالمنا العربى ليسا مطروحين بأكثر من كونهما رقعة شطرنج يمارس كل من سبق من لاعبين دوليين لعبة الهيمنة عليها.. وليس ذلك من باب التآمر علينا.. بقدر غيابنا نحن.. أو بالأحرى غيبوبتنا نحن..!!
كل ذلك يجرى وستجنى تلك الدول ثماره رُقياً.. وأمناً ورفاهة.. وهيمنة.. وقيمة لشعوبها.. لأنها أمم استفاقت وغادرت فراغ العقل منذ عقود.. وتجلت استفاقتها فى «عقل مؤسسى» و«حُلم له هوية» و«جدل عام وخاص له أولوياته»..!
عقل مؤسسى.. مؤتمن على الثوابت الوطنية.. مستشرف للهوية.. ويملك الأهلية.. يتمثل فى أكثر من ستة آلاف مركز فكر وبحث غير الأكاديمية التقليدية.. فى أمريكا وحدها ثلث تلك المراكز.. ألف وتسعمائة وأربعة وثمانون مركزاً على وجه الدقة.. عقل يقرأ الواقع والتحدى ويصنع الرؤية والحلم.. ويبنى للقرار قواعده ويُلزم صانع القرار بمحدداته.. !
حُلم له هوية.. يتمثل فى قطاعات من القوى الحيّة المؤهلة فى المجتمع الواعية بعصرها.. والقادرة على التفاعل مع قضايا واقعها من باب الشراكة والإبداع كمواطنين شركاء وليس كرعية تابعة.. وكلها مُنَظّم أو مُنغّم فى إطار المجتمع المدنى ومؤسساته بمعناه الأوسع..!
(3) -
يا ســــــادة.. بغير تزيّد..
مصر ومستقبلها على المحك.. بين الغيبوبة وفراغ العقل..!
غيبوبتنا هى فى «غياب عقل مؤسسى» أمام «تغول بيرواقراطية».. وفى «غياب حلم» له هوية.. يكافئ قدرنا بين الأمم أمام طغيان «ثفاقة الانكسار» والإغاثة والإعاشة.. وفى «غياب جدل عام» أمام «فائض صخب ورغى عام».. !
أما استفاقتنا فتقتضى منا أن نعرف أن تلك الغيبوبة ليست قدرا صُيّرنا إليه.. ولكنها اختيار بائس نُصِرّ عليه..!
استفاقتنا تقتضى منا أن نعى أن لقيام الأمم من عثرتها سُنناً وأسباباً لا تستثنى أحداً.. أولها إن قررت أن تصبح أمما إنسانية «ذات قيمة».. على قدر تحديات البقاء والترقى فى التاريخ.. وليست فقط جغرافيا يدب عليها بشر.. منتهى حُلمه أن يَسُدَ رمقه ذُلاً أو سُحتاً..!
استفاقتنا تقتضى منا أن نعى أن الأمم تبنى قيمتها على قوة ثقافتها بقدر ما تبنيها على قوة اقتصادها وسلاحها..!
استفاقتنا تقتضى منا أن نعرف أنه فى عالم يستخدم السلاح لخلخلة قواعد القضايا قبل أن يحسمها اقتصاداً وثقافة وسياسة.. يصبح فى «الإبداع والعلم والتطور التكنولوجى» كل الموارد.. وكل الأسلحة.. وكل أمل فى ريادة أو هيمنة سياسية أو اقتصادية أو عسكرية.. !
استفاقتنا تقتضى منا أن نعلم أنه لا إبداع مع خوف من حرية.. ولا حرية مع تأثيم لنخوة الفكر واحتقار للعلم.. ولا بقاء لنخوة الفكر مع احتكار الحقيقة من سلطة أو حاكم أو محكوم.. ولا مع مصادرة أفق حياة من متنطع دولة أو متنطع دين أو متنطع ثورة..!
ولدائمى البحث عن الحلول.. وأبناء ثقافة الإجابة النموذجية فى تعليمنا المصرى.. وللزاعقين دائما المطلوب حلول كفاية تحليل.. أود أن أقول لهم إن كل ما سبق لم يكن تحليلاً، ولكن دروباً إن أردنا أن نسلكها نجد الحلول ويحالفنا النجاح وتكتب لنا النجاة..!
وليعرف كل منا أن لتلك اللحظة التى نعيشها من التاريخ علوماً و«أصولاً».. ولصناعة رؤى المستقبل «مقدمات».. ولحوكمة القرار - وفق تلك الرؤى - صناعة واتخاذاً «ضوابط».. وهى «الأصول والمقدمات والضوابط» التى إن «أهملناها» كنا مثل صاحبنا - فارغ العقل - الذى صلى وهو لا يصلى.. والتى إذا «أنكرناها» كنا أسوأ من صاحبنا حين قرر أن الصلاة تصح بغير وضوء.. ودليله وشاهده هو خيالاته..!!
وأما من بقى مُصِرّاً على أن كل ما سبق يَخُصُ دولاً غيرنا وبشراً غيرنا.. وأننا لسنا مثل هؤلاء وكيف لنا أن نكون بتلك التركة من البطالة والفقر والجهل والمؤامرات.. فأقول له إن البحث عن حلم مستقبل فى إطار الإغاثة والإعاشة.. لن يفرز إلا «الجباية» باسم الاقتصاد.. و«اللغو» باسم السياسة.. و«القهر» باسم الدولة.. و«مسخ الماضى» باسم المستقبل..!
إنقاذ الأوطان وصلاحها كـ«النُسك».. لا يصح من غير أهله ولا بغير ضوابطه.. أما من لا يزال يرى «أنه جَرَّب الصلاة من غير وضوء ونِفعت».. فهذا شأنه، ولكن فليدع شأن مصر ومستقبلها.. على أمل أن تنجو من الغيبوبة.. !
فَكِّرُوا تَصِحُوا..
نبذة عن الكاتب =
دكتور مصطفى حجازى، أكاديمى مصري ومفكر إنسانى، وخبير دولي فى كلٍ من مجال التطور المؤسسى، الإستشارات الاستراتيجية، حوكمة الكيانات الاقتصادية والاجتماعية، الإدارة الاستراتيجيه للاستثمار، السيكولوجية المؤسسية والتنمية المستدامة ، العمل الخيري الاستراتيجي وكلها تندرج تحت مجال "صناعة الفكر".وضع الدكتور حجازى أسس للتحول المؤسسى للعديد من الشركات و الهيئات و الحكومات بالشرق الأوسط ، وفى هذاالإطار كان أول من أصل لمعنى "أنسنة الإدارة" كركن أساسى فى الثقافة المؤسسية للشركات فى منطقة الشرق الأوسط. -------
تعليقات
إرسال تعليق