من الفيسبوك
Mohammad Abdelmaguid Taeralshmal
16 مايو، الساعة 03:20 م
المواد الأولية في صناعة الطاغية!
صناعةُ الطاغية هي الشيءُ الوحيد الذي يشترك فيه الصانعُ والمصنوعُ بنفس القدْر!
أنت لست في حاجة ملحة إلى كثير من المواد الأولية، ويكفي أن تبدأ بزراعة مشاعر الخوف في قلبك، وتقوم بتغذيتها، وتخفيها أو تُظهرها، وتضيف إليها من خيالات الرعب أصنافا متعددة حتى يضطرب كيانك، وترتعد فرائصك، وتهتز شعيرات جسدك، ويطاردك الأرق، وتهاجمك الكوابيس، وحينئذ فمجرد وصول عملاق أو سفاح أو حمار إلى القصر لا يحتاج بعدها إلا إلى ثلة من الأوامر والنواهي لتجد نفسك في وضع الخنوع والاستسلام ولو كنت في أحد البروج المشيدة.
الطاغية كالكلب يشم رائحة رعاياه الخائفين كأن أكواخهم التصقت بقصره، وقد لا يحتاج إلى حاسة الشم ففي اليوم الأول له يكون قد التف حوله حواريوه ومريدوه ومبررو صفعاته على القفا، والممسكون بسوطه، وهم يتكاثرون عدداً، وقسوة، والغريب أن مشاعر الخوف لديهم تعادل نظيرتها لدى أفراد الشعب، والفارق الوحيد أن الأولى ترويها السادية والثانية تحافظ عليها المازوخية.
والطاغية يفغر فاه من الدهشة عندما يرى الناس تتسابق لنيل رضاه حتى قبل أن يلوح بسوطه، وإذا استرجعت الأيام الأولى له وقارنتها بسنوات لاحقة ستشاهد أن الخط البياني للعبودية الجماهيرية يرتفع متجهاً إلى العبودية الطوعية.
يقف ستالين في شرفة قصره ويلقي خطابه الذي تسري كلماته محدثة قشعريرة في مستمعيه ولو كانوا بالملايين، فإذا توقف نظر كل فرد في القطيع حوله خشية أن تلتقطه عيون تعلم من أصحابها أن من يتوقف أولا عن التصفيق ففيه روح تمرد لم يأت وقت انفجارها بعد.
كان هتلر وجوبلز، وزير إعلامه، يتبادلان نفس الدور في لذة الخطابة، فتتأرنب أعلى الرؤس ولو كانت قيادات النازية، ثم يلعب جوبلز نفس دور الفرد الصفر أمام فوهرره.
الاستبداد الطغياني مدٌّ وجزر، سكين ووردة، صفعة وقُبْلة، لكن بقدْر لا يعرف حدودَه إلا الطاغية نفسه، فإذا تأملت وجه ديكتاتور وهو يصافح جنرالا ظننت أنه سيقطع رقبته، فإنْ ربتَ على كتف جندي بسيط يحمل بؤس الريف، تجده كأنه سيعانقه من فرط التواضع.
بعض الطغاة من شدة الرهبة يوحون إليك أن الكون كله محشور في أدمغتهم، علما وثقافة ومعرفة ودهاء، لكن الحقيقة عكس هذا تماما، فالامبراطور الاثيوبي الأسبق هيلاسلاسي مشكوك في معرفته القراءة والكتابة، وكان هناك مُلــَـقـِّـن يقترب منه كلما مسَّه موقف حرج، والعقيد معمر القذافي كان حالة لا شبيه بها من التهريج والتخلف والقدرة على السيطرة على شعبه كلما تضاعفت حماقاته الفكرية، فتتباين وتلتقي، تتقاطع وتتصادم تصرفاته لكنها تصب في النهاية في خدمة هذه العلاقة المتناقضة والغريبة.
كلما توغلت السلطة في لعب دور الاستبداد أضحى كف الأولى ملتصقا بقفا الثانية، وأصبحت اللذة جزءً من الألم مما يطيل عُمر المستبد وأوجاع الشعب.
راقب جيدًا قسمات وجوه حاشية المستبد وهو يلقي كلمته أو خطابه، تجد أنهم يبتسمون إذا ابتسم، ويقهقهون إذا ضحك، ويزأرون إذا غضب استعدادًا لأوامره أن ينهشوا لحم خصومه.
علاقة من نوع السهل المعقد، إذا دخل المستبد القصر لا يخرج منه، وإذا خرج الشعب من الكوخ أعيد إليه.
إذا دخل الحمار القصر جعلوه فيلسوف عصره، وإذا ارتابت الرعية في ذكائه أسكتتها الحاشية.
ليس كل زعيم حماراً، معاذ الله أن أكون من الظالمين، ولكن كل حمار يمكن بسهولة ويُسر أن يصبح زعيماً!
محمد عبد المجيد
طائر الشمال أوسلو النرويج
======
16 مايو، الساعة 03:20 م
المواد الأولية في صناعة الطاغية!
صناعةُ الطاغية هي الشيءُ الوحيد الذي يشترك فيه الصانعُ والمصنوعُ بنفس القدْر!
أنت لست في حاجة ملحة إلى كثير من المواد الأولية، ويكفي أن تبدأ بزراعة مشاعر الخوف في قلبك، وتقوم بتغذيتها، وتخفيها أو تُظهرها، وتضيف إليها من خيالات الرعب أصنافا متعددة حتى يضطرب كيانك، وترتعد فرائصك، وتهتز شعيرات جسدك، ويطاردك الأرق، وتهاجمك الكوابيس، وحينئذ فمجرد وصول عملاق أو سفاح أو حمار إلى القصر لا يحتاج بعدها إلا إلى ثلة من الأوامر والنواهي لتجد نفسك في وضع الخنوع والاستسلام ولو كنت في أحد البروج المشيدة.
الطاغية كالكلب يشم رائحة رعاياه الخائفين كأن أكواخهم التصقت بقصره، وقد لا يحتاج إلى حاسة الشم ففي اليوم الأول له يكون قد التف حوله حواريوه ومريدوه ومبررو صفعاته على القفا، والممسكون بسوطه، وهم يتكاثرون عدداً، وقسوة، والغريب أن مشاعر الخوف لديهم تعادل نظيرتها لدى أفراد الشعب، والفارق الوحيد أن الأولى ترويها السادية والثانية تحافظ عليها المازوخية.
والطاغية يفغر فاه من الدهشة عندما يرى الناس تتسابق لنيل رضاه حتى قبل أن يلوح بسوطه، وإذا استرجعت الأيام الأولى له وقارنتها بسنوات لاحقة ستشاهد أن الخط البياني للعبودية الجماهيرية يرتفع متجهاً إلى العبودية الطوعية.
يقف ستالين في شرفة قصره ويلقي خطابه الذي تسري كلماته محدثة قشعريرة في مستمعيه ولو كانوا بالملايين، فإذا توقف نظر كل فرد في القطيع حوله خشية أن تلتقطه عيون تعلم من أصحابها أن من يتوقف أولا عن التصفيق ففيه روح تمرد لم يأت وقت انفجارها بعد.
كان هتلر وجوبلز، وزير إعلامه، يتبادلان نفس الدور في لذة الخطابة، فتتأرنب أعلى الرؤس ولو كانت قيادات النازية، ثم يلعب جوبلز نفس دور الفرد الصفر أمام فوهرره.
الاستبداد الطغياني مدٌّ وجزر، سكين ووردة، صفعة وقُبْلة، لكن بقدْر لا يعرف حدودَه إلا الطاغية نفسه، فإذا تأملت وجه ديكتاتور وهو يصافح جنرالا ظننت أنه سيقطع رقبته، فإنْ ربتَ على كتف جندي بسيط يحمل بؤس الريف، تجده كأنه سيعانقه من فرط التواضع.
بعض الطغاة من شدة الرهبة يوحون إليك أن الكون كله محشور في أدمغتهم، علما وثقافة ومعرفة ودهاء، لكن الحقيقة عكس هذا تماما، فالامبراطور الاثيوبي الأسبق هيلاسلاسي مشكوك في معرفته القراءة والكتابة، وكان هناك مُلــَـقـِّـن يقترب منه كلما مسَّه موقف حرج، والعقيد معمر القذافي كان حالة لا شبيه بها من التهريج والتخلف والقدرة على السيطرة على شعبه كلما تضاعفت حماقاته الفكرية، فتتباين وتلتقي، تتقاطع وتتصادم تصرفاته لكنها تصب في النهاية في خدمة هذه العلاقة المتناقضة والغريبة.
كلما توغلت السلطة في لعب دور الاستبداد أضحى كف الأولى ملتصقا بقفا الثانية، وأصبحت اللذة جزءً من الألم مما يطيل عُمر المستبد وأوجاع الشعب.
راقب جيدًا قسمات وجوه حاشية المستبد وهو يلقي كلمته أو خطابه، تجد أنهم يبتسمون إذا ابتسم، ويقهقهون إذا ضحك، ويزأرون إذا غضب استعدادًا لأوامره أن ينهشوا لحم خصومه.
علاقة من نوع السهل المعقد، إذا دخل المستبد القصر لا يخرج منه، وإذا خرج الشعب من الكوخ أعيد إليه.
إذا دخل الحمار القصر جعلوه فيلسوف عصره، وإذا ارتابت الرعية في ذكائه أسكتتها الحاشية.
ليس كل زعيم حماراً، معاذ الله أن أكون من الظالمين، ولكن كل حمار يمكن بسهولة ويُسر أن يصبح زعيماً!
محمد عبد المجيد
طائر الشمال أوسلو النرويج
======
تعليقات
إرسال تعليق