مقالات
التخلف الدينى والتنوير
من الأخطاء الشائعة أعتبار الأديان الثلاثة اليهودية والمسيحية والإسلام وكتبهم أديان سماوية، لكن الواقع أن تلك الأديان بشرية الأرض والمنبع والسماء لا تصنع ولا تمطر كتباً ولا أديان سماوية وليس هناك بشراً يطيرون بأجنحة ملائكية، فالتاريخ الإنسانى حفظ لنا الأساطير والقصص البدائية التى شاركت كل الحضارات القديمة فى تكوينها وأنتشارها بين مختلف الشعوب من مصر وبلاد الشام والرافدين وبلاد فارس، وتلك الأساطير التى سبقت وجود الأديان التوحيدية كانت معروفة فى الحضارة المصرية والبابلية والأشورية والسومرية والفينيقية والحضارة الفارسية، كذلك الحضارة الهندية والصينية واليونانية والرومانية وغيرها، ومع نشأة كل حضارة كانت عبادة الآلهة وتشييد المعابد لها وإقامة الطقوس وممارسة الفرائض التى كان الكهنة المصدر الرئيسى لها.
فى ظل عبادة وانتشار الآلهة أنتشرت الأساطير عن نشأة الإنسان وخلق العالم والآلهة مصدر الحياة والموت وهى التى تتحكم فى مصير البشر، ووجدت تعويذات كان يرددها المتعبدين فى صلواتهم وأدعيتهم لآلهتهم طلباً للغفران والتكفير عن خطاياهم ونيل رضى الآلهة، وكانوا يؤمنون بالثواب والعقاب والبعث والقيامة ومثال ذلك أسطورة يوم البعث والحساب فى كتاب الموتى عند المصريين ومن خلال بردية حونفر الذى يظهر فيها ميزان العدالة الذى يوضع قلب إنسان فى كفة وفى الكفة الثانية ريشة الإله ماعت ويقوم الإله تحوت بتسجيل نتيجة الحسنات والسيئات، وكانوا يؤمنون بالجنة والجحيم وكلها عقائد أخذتها عنهم الأديان الإبراهيمية فيما بعد بدءاً باليهودية ثم المسيحية وأخيراً الإسلام الذى أخذ غالبية أساطير وعقائد الديانات التى قبله وأعتبر نفسه هو خير الأديان الذى يحتوى على كل العقائد والشرائع التى تطلبهاالآلهة التى قام بتجميعها فى إله واحد.
هذا بأختصار شديد المسار التاريخى لتحول القصص والأساطير الشعبية والآلهة البشرية إلى أديان لها رسل وأنبياء، يكتبون سيرة حياة الشعب اليهودى والحوادث والحروب التى وقعت معه واعتبار نجاتهم من الموت فى الصحراء أثناء خروجهم من مصر من المعجزات وإضفاء صفة الآلوهية والقداسة على ما يقومون بروايته ونسبته إلى إله يتكلم معهم بداية من موسى وإبراهيم ومروراً بأولاده إسماعيل وأسحق ويعقوب، وتعددت الكتابات اليهودية وأعتبروها كتابات مقدسة وأصحابها انبياء وقامت المسيحية بالتسليم لها ثم جاء الإسلام وسلم بها أيضاً حتى يحظى بتصديق أهل الكتاب، وذكر العديد من أنبياء اليهود وما قالوه من وعود إلهية وأنهم شعب الله المختار، ثم ألغى الإسلام كل ذلك وأعتبر دينه وعقائده والمؤمنين به أنهم خير أمة أخرجت للناس.
واضح جداً أننا نتكلم عن شعوب الأديان الإبراهيمية التى عاشت فى الصحراء فى قبائل جاهلية فكان العنف والحروب والغزوات هى صفاتها ومبادئها الإساسية، يشذ عن هذه القاعدة المسيحية التى عاشت فى المدن الحضرية فكانت مبادئها وشرائعها إنسانية ترفض العنف والكراهية وتدعو للسلام والمحبة والتسامح رغم أنها أمتداد لليهودية، إذن قواعد ومبادئ تلك الأديان نابعة من أساطير أصحابها عاشوا حياة البدو والقبلية والصحراوية وكانوا يجهلون الحياة المدنية فى زمانهم التى كانت مليئة بالمدارس التى تعلم وتنشر العلم والمعرفة، سواء فى مصر والأسكندرية حيث انتشرت بها المدارس الفلسفية والجامعات العلمية ويكفى أن نتذكر عالمة الرياضيات هيباتيا التى قتلها التطرف الدينى المسيحى بتهمة الهرطقة أو الزندقة وسوريا والعراق وبلاد اليونان، تلك البلاد كانت متقدمة علمياً لكن أصيبت بالتخلف عندما كانت الأديان تغزوها وتسيطر على مقاليد الحكم.
عاشت شعوب تلك المنطقة وسط حروب وغزوات مستمرة منذ دخل العرب والإسلام على الساحة العالمية وبدأ أستعماره ليحل محل الرومان والبيزنطيين، وبدأت عصور الأنحطاط لشعوب البلاد التى تم غزوها( فتحها وأحتلالها) وتخللها فترات حكم بعض الخلفاء العباسيين المحبين للعلم فبدأت حركة الترجمة وظهور بعض العلماء من البلاد المستعمرة، لكن هذا لا يدحض فكرة وواقع أن التخلف كان سيد الموقف ولم يعرف الخلفاء أو العلماء فكرة التنوير وأهمية التعليم والثقافة العلمية، بل كان أهتمامهم بالتعليم الدينى المبنى على الأفكار التراثية التى ورثوها عن أساطير طوروها وأدخلوا عليها صورة العصر الذى كانوا يعيشون فيه.
أى أن الحكم العربى الإسلامى لم يعمل على إرتقاء البلاد التى أحتلها بل كان جل إهتمامه بنشر الإسلام وغزو بلاد جديدة للأستيلاء على ثرواتها وأمتلاك العبيد والجوارى والسبايا، وأستطاعت بعض المدن وليس الدول الخروج على هذه القاعدة مثل القاهرة وبغداد والأندلس الذى أحب تسميته بالأندلس الأوربى لأن أسبانيا لم تكن بلداً صحراوياً وخلق منه الحكام العرب دولة حديثة، يكفى أن ننظر إلى الجزيرة العربية منبع الإسلام التى لم يطرأ عليها نهضة أو دخول مظاهر الحضارة إليها حتى عهد قريب مع أكتشاف البترول وظلت منذ بداية الإسلام وحتى أوائل القرن العشرين فى حالة ظلام وتخلف حضارى تام، ولم يحاول أى خليفة أو حاكم جعل عاصمة خلافته مكة او المدينة لمحاولة إدخالها فى الحضارة لكن الجميع تنكر لبلاد نشأة الإسلام وتركوها متخلفة تشهد لأصل الحضارة الإسلامية.
إذن مع أستمرار الصراع الدينى أى محاولات الحركات الدينية الإسلامية الوصول إلى مراكز الحكم والسلطة وتكفير المجتمعات، هل هناك أمل فى القضاء على التخلف الدينى وبدء محاولات التعليم الحداثى والتنوير الإنسانى؟
وما هو التخلف الدينى؟
( يتبع)
http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=599271
=======
تعليقات
إرسال تعليق