كتابات مختارة - عن حرب الصحراء المغربية
عن حرب الصحراء المغربية والجزائر - اخترنا هذا المقال :
مأساة عرفتها حرب الصحراء التي استغرقت ستة عشر سنة ، من 1975 الى 1991 ، السنة التي صدر فيها قرار مجلس الامن رقم 690 بتوقيع وقف اطلاق النار. نعم كانت تلك الحرب وفي تلك الظرفية اكثر من مأساة ، لان الذي إكتوى بنيرانها ، هو الشعب الذي استشهد من ابناءه الألوف بعد ان دُفنوا في حفر جماعية ، ومنهم وبالآلاف أصيبوا بعاهات مستديمة ، وتركوا لوحدهم يتجرعون الفاقة والمذلة امام أبواب العمالات والولايات للظفر برخصة طاكسي صغير ، وهي الرخصة التي لم تمنح لهم أصلا ، كما ان اكثر من أربعة آلاف اسير حرب سقطوا في الاسر ، ومنهم من قضى حوالي ستة وعشرين سنة في سجون الجبهة -- الجزائر التي لاقوا فيها كل اشكال العذاب والتعذيب على ايدي الانفصاليين ، وتحت إمرة ضباط الجيش الجزائري الذين كانوا يتولون بأنفسهم اطوار الاستنطاق ، فسجن إگدزْ ، وقلعةْ مگونة ، وتزمامارت ، ودرب مولاي الشريف ، والكوربيس ، والنقطة الثابتة 1 و 2 و 3 .... الخ ، كانوا اكثر رحمة من سجون الجزائر – البوليساريو الرهيبة .
فهل ستتكرر نفس المأساة إذا نشبت الحرب وهي حتما قادمة بعد ( فشل ) الأمم المتحدة في إيجاد حل لنزاع يعتبر من اقدم النزاعات الدولية ؟
ان الأوضاع والظروف التي تحكمت في حرب السبعينات والثمانينات كانت هي السبب في كل ما حصل . وهي ظروف لم يكن المغرب على ادراك بها حتى باغتته الحقيقة ، سواء اكانت الغدر الجزائري ، او تدني مستوى التسليح ، او جهل تضاريس الصحراء ذات الرمال المتحركة ، او غدر بعض الضباط . وهي الظروف التي تم التخطيط لها بإتقان من قبل عسكر الجزائر وطابورهم جبهة البوليساريو .
ان الحرب التي نشبت بالمنطقة ، وليبرع فيها الجيش المغربي ، لم تكن نظامية بين جيشين متساويين في العدد والعدة والتجهيز مثل حرب الرمال في سنة 1963 التي لا تزال تشكل عقدة إهانة للدولة الجزائرية ، بل كانت حرب عصابات لمجموعات صغيرة تعتمد السرعة والمباغتة ، وتنهج تكتيك أضرب وأهرب .
ان هذا الأسلوب في الحرب الذي فاجئ الجيش المغربي ، يعتمد خطة الاستنزاف لإرهاق العدو ، ببعثرة صفوفه ، وتشتيت قوته ، فكان قد اعطى ثماره التي اثرت على الوضع الاجتماعي والاقتصادي بالمغرب ، والكل يتذكر كيف وافق الحسن الثاني على حل الاستفتاء وتقرير المصير في مؤتمر قمة منظمة الوحدة الافريقية الثاني في نيربوي ، بعد انتفاضة الدارالبيضاء في يونيو 1981 ، وكيف بعث الى الأمين العام للأمم المتحدة يطلب منه التدخل لوقف اطلاق النار ، والشروع في تنظيم مسطرة الاستفتاء ، لان النظام كان على وشك السقوط .
الحسن الثاني سيلعب على الوقت لتقويض انتصارات الخصم ، فعوض الاستفتاء المعروف في القانون الدولي ، إبتكر الاستفتاء التأكيدي غير الموجود في هذا القانون ، وبعد وقف اطلاق النار بمقتضى قرار مجلس الامن 690 الموقع في سنة 1991 ، حيث كان من المنتظر تنظيم الاستفتاء في غضون 1992 او 1993 على أبعد تقدير ، ستمر سبعة وعشرين سنة على توقيع اتفاق وقف اطلاق النار ، والمينورسو عاجزة عن فرض الحل الذي يؤكده القرار 690 . وهو ما يعني فشل الأمم المتحدة المُتعمّد في إيجاد الحل ، والمراهنة على اطالة الصراع أطول مدة ممكنة ، لاستنزاف المتصارعين وتوظيفهم لخدمة اجندات لا علاقة لها بموضوع النزاع المفتعل .
الآن هناك ظروف أخرى ومعطيات أخرى تتحكم في الوضع ، وهي ليست الظروف والمعطيات السابقة . فالمغرب استفاد من مدة سبعة وعشرين سنة من وقف الحرب ، استفاد عسكريا في المعرفة الكافية للتضاريس الصحراوية ، وبالأسلحة النوعية الفتاكة ، وبتدريب الجيش الذي يضاهي العديد من الجيوش المتقدمة ، كما استفاد من المدة كاستراحة لإعادة دراسة كل الجوانب والسناريوهات الممكنة لأية حرب متوقعة .
اما جبهة البوليساريو فقد اثرت فيها مدة سبعة وعشرين سنة من الانتظارية القاتلة ، حيث تحولت الى جماعات من الثرثارين التي تتقن فن الخطاب والبلاغة في الميدان الدبلوماسي بالمنتديات الدولية التي تجهل كل شيء عن الصراع الحقيقي للصحراء ، كما ان الشباب – الصقور التي باشرت العمل المسلح الأولي في سنة 1975 ، قد هرمت وتقدمت في السن ، والصراع على السلطة في الجبهة انتهى لصالح السياسيين البيروقراطيين ، وتم ابعاد عناصر الجيل الثاني والثالث التي لا تزال تحن الى السبعينات والثمانينات ، واصبح هم الشباب الصحراوي التفكير في الهجرة الى أمريكا واوربة بدل الهجرة الى كوبا او انغولا او الجنوب افريقيا .
كل هذه التطورات والمعطيات الجديدة ، خاصة بدأ العديد من الدول بمراجعة مواقفها من الصراع ، كالبرغواي والبرازيل والسويد ، وتأييد الولايات المتحدة الامريكية لحل الحكم الذاتي الذي اعتبرته جديا يستوجب الاهتمام والمناقشة كأرضية ، والدعم الكامل لدول الخليج العربي ومصر للموقف المغربي من قضية الصحراء ... لخ ، أعطت للمغرب متنفسا جعل وضعه الحالي يختلف بالتمام والكمال عن الأوضاع التي سادت طيلة الستة عشر سنة من الحرب .
قفر وفقر وبنادق :
ان اية حرب هي خديعة ، وان اية نتائج وتطورات ، رغم ان أي حرب تبقى مأساة ، تتوقف على طبيعة الحرب الدائرة ، وتتوقف على شكل جغرافية التضاريس ، والاعداد اللوجيستيكي القوي لأي جيش قد يفاجئ او يدخل غمار حرب . وبالنسبة للوضع الحالي في الصحراء ، فليس هناك اكثر من نوعين من الحروب ان حصلت . الحرب النظامية بين جيشين نظاميين متساوين في العدة والعتاد ، والحرب بالوكالة عن طريق دفع طابور ملحق بالجيش النظامي ليخوض الحرب باسم ( شعب ) ، للإضفاء نوع من الراديكالية الشعبوية على الحرب لاستجلاب عطف المجتمع الدولي .
الحرب النظامية بين الجيشين المغربي والجزائري تبقى مستبعدة ، لأنها ليست في صالح احد ، لأنها ان حصلت ستكون مدمرة لكلا الطرفين ، أي التدمير من اجل التدمير دون ان يتمكن طرف من تحقيق النصر ، لان الحرب سيكون متحكما فيها من قبل الدول الصهيو – امبريالي لتطول أطول مدة ممكنة ، كالحرب الإيرانية – العراقية الذي دامت ثماني سنوات ، وانتهت بالدمار دون ان يحقق فريق نصرا على الآخر .
لكن رغم ذلك فيجب الحيطة والاستعداد للمفاجئات التي قد تأتي بغتة وفي آخر لحظة . وهنا يجب توقع جميع الاحتمالات مع عدو يحضر ويهيئ في صمت ، وقد فضحته المناورات الأخيرة باسم ( الطوفان ) ، وفضحته الطائرة الجزائرية المنكوبة ، والضباط الصحراويين المتخرجين من الاكاديمية العسكرية الجزائرية . لكن وكما قلت أعلاه فان الحرب المباشرة بين المغرب والجزائر تبقى مستبعدة .
ومن خلال تحليل كل التطورات الجديدة التي فرضت نفسها في الساحة ، ومقارنة بالأوضاع الداخلية بين المغرب والجزائر ، وإعادة تحليل الظروف التي تحكمت في حرب الستة عشر سنة من 1975 الى 1991 ، نكاد تجزم ان الحرب ستكون بالوكالة ، أي عودة الجزائر بواسطة جبهة البوليساريو ، الى حرب العصابات التي تتقنها الجزائر بسبب اعتناقها للثقافة الشرقية العسكرية .
الحرب هذه المرة ستكون طويلة ، وأكرر انها ستكون طويلة اكثر من المتوقع . ورغم امتلاك جبهة البوليساريو للمنزنجرات ، والدبابات ،وناقلات الجند ، فان هذه الأسلحة لا ولن تستخدمها ابدا في أي حرب بمقبلة ، لأنها ستكون عرضة للتدمير بسهولة .
ان الجبهة تستعمل هذا العتاد فقط لأنها تريد ان تقنع مجتمع الدولي بوجود دولة اسمها الجمهورية الصحراوية ، كما تستعملها كل مرة لضغط فاشل على مجلس الامن ، او على اللجنة الرابعة لتصفية الاستعمار ، كلما قرب موعد عقد اجتماع من اجل الصحراء .
اما أسلوب وشكل الحرب فسيتركز على سيارات ( الطويوطا ) اليابانية ، والأسلحة الخفيفة والمتوسطة ، والصواريخ المضادة للطائرات، والسرعة في المباغتة ، وتسجيل اكبر خسارة في صفوف العدو من حيث تدمير المعدات وكسب الباقي منها ، واسقاط اكبر عدد من الشهداء والضحايا ، واسر الذين سيقعون في الاسر . أي خوض حرب العصابات التي تستهدف الاستنزاف .
لكن السؤال : هل تستطيع جبهة البوليساريو الرجوع الى سابق عهدها خلال السبعينات والثمانينات من القرن الماضي ؟
ان القول بهذا يجانب الحقيقية الفائقة للأعين . اليوم الجيش المغربي في وضع مريح ، سواء من حيث ضبط الجغرافية الصحراوية وتضاريس المنطقة ، او العدة والعتاد الباهر للاعين والذي تأخذه الجزائر والجبهة على محمل الجد .
هناك الحزام – الحائط الذي يؤمن كل أراضي ما وراء الحزام ، والتحكم المعرفي بالأراضي المسماة عازلة خارج الحزام . إضافة الى ملايين القنابل المزروعة خارج الجدار . فاي هجوم للجبهة لن يكون هذه المرة نزهة ، بل سيكون انتحارا عن طيب خاطر .
لكن رغم ذلك فان طبيعة الهجومات عندما تتكرر وستتكرر ، فأنها مع مرور الوقت قد تحدث منافد مرور في الحزام – الحائط ، ونظرا لنوع الحرب التي تخوضها الجبهة ، حرب العصابات المعروفة بطولها وبتكتيكها المتميز ، فقد تسبب الاحراج للجيش المغربي ، وقد ترهقه وتستنزفه ، لأنها أي الحرب ، ليست ثابتة بل متحركة تقودها مجموعات لا تتعدى الخمسين او المائة نفر . وهنا يصبح السؤال : ما هي الخطة الحربية التي يجب اعتمادها لمواجهة حرب العصابات في بيئة صحراوية شاسعة ومتغيرة الرمال والكثبان ، ووعرة التضاريس ؟
فإذا كانت الجزائر تخوض الحرب الوكالة باسم ( الشعب ) الصحراوي ، فان اعتماد المغرب فقط على الجيش النظامي المتمترس وراء الحزام لن يكون كافيا لضبط الوضع والتحكم في المتغيرات ، والحاق الأذى البالغ بالعدو المهاجم .
ان الحرب بالوكالة خاصة حرب العصابات المفروضة ، تستوجب ابتكار آلية متوازنة ، تعتمد إضافة الى الجيش النظامي الذي يبقى متمترسا داخل الحزام . ان هذه الآلية – الخطة تقتضي ان تكون متجاوبة مع الحرب التي يخوضها العدو ، لان التعويل فقط على الجيش النظامي المتمترس من وراء الحزام ، قد يحدث مع مرور الزمن ، ثقوبا في الجدار الأمني ، وقد يرهق الجيش بان يتسبب له بالاستنزاف الداخلي مع طول الحرب .
وبما ان الحرب القادمة التي ستخوضها الجزائر بالوكالة ستكون اكثر من طويلة ، أي حرب استنزاف ، فان احسن خطة لمواجهتها ، تبقى تكوين حشد شعبي من جماهير الصحراء ، ومن منطقة واد نون ، وكل من ينحدر من الصحراء ، يتم تدريبه تدريبا عاليا ، وتعطى له مهمة تعقب القوات المهاجمة بالمناطق الخارجة عن الجدار ، وتحت تغطية المدفعية التي سيتكفل بها الجيش النظامي ، إضافة الى الطائرات المقاتلة التي يجب ان تدك وبدون شفقة كل قوات العدو الفارة داخل المنطقة العازلة باعتبار انها أراضي مغربية .
أما إذا انطلق الهجوم من تندوف القاعدة العسكرية الرئيسية للرديف الجزائري ، فالحشد الشعبي الصحراوي يبقى من حقه تنظيم هجومات داخل تندوف ، لإلحاق اقصى الضربات الموجعة بالانفصاليين ، وأسر من سيقع في الاسر منهم ، أي اعتماد خطة السرعة والمباغتة ، واضرب واهرب باقل الخسائر .وكما ان العين بالعين والسن بالسن ، فطبعا ان البادئ سيكون اظلم . فإذا كانت الجزائر تراهن على حرب استنزاف وهي خطيرة ، فان على المغرب كذلك ان يعتمد حرب استنزاف ترهق الجيش الجزائري ، وترهق اقتصاده المبني على الريع ، كما ترهق وضعه الاجتماعي المُتداعي نحو الانهيار .
لقد سبق للحسن الثاني ، عند اشتداد ضربات البولياسريو التي ارهقت الجيش ، واثرت على النسيج الاجتماعي والاقتصادي بالمغرب ، ان اتخذ قرارا يقضي بتسليح السكان الصحراويين وتدريبهم ، لإشراكهم في مواجهة وصد العدوان الجزائري الذي كانت تشنه بالنيابة قوات البوليساريو . لكن هذه الخطة ستفشل لاحقا ، لأنه تبين من بعد ، انّ بعض الجماعات خططت لاستغلال التسليح الشعبي لتوظيفه في حرب شعبية ضد النظام لتحرير المغرب منه ، لا لتحرير الصحراء التي يجب استعمالها في قلب النظام . وبسرعة اكثر من سرعة البرق تم جمع السلاح ، وأوكلت مهمة المواجهة للجيش الذي كان يتلقى الضربات ، الى ان تمكن الحسن من نصب كمين ومقلب سقطت فيه الجزائر ومعها طابورها ، عندما بعث الى مجلس الامن يطلب منه الإسراع بوقف اطلاق النار ، وبالإشراف على تنظيم الاستفتاء الذي كان متوقعا تنظيمه في سنة 1992 او 1993 ، وفي ابعد تقدير في سنة 1994 ، وهو الاستفتاء الذي لم يُنظّم الى الآن ، رغم مرور سبعة وعشرين سنة من صدور القرار 690 في سنة 1991 .
ان وضعية اليوم ليست هي وضعية الأمس ، والحاجة أضحت ماسة لإنشاء حشد شعبي يتحرك باسم الجماهير الصحراوية ، لاعتبارات لها علاقة بالتاريخ ، والانتساب الجغرافي ، وبالموروث الثقافي التراثي للمغاربة . فالشعب الذي قاوم الظهير البربري في اعز قوة الاستعمار الفرنسي ، سيكون من السهل عليه الحاق الهزيمة بفلول الانفصاليين وبعرابهم الجزائر .
ولنا ان نتساءل عن الأهمية – القيمة المضافة التي سيضيفها الحشد الشعبي للجيش النظامي في الدفاع عن وحدة المغرب ارضا وشعبا . لان الحرب ستطول اكثر مدة ممكنة ، لأنها ستكون حرب استنزاف ، ومواجهتها تتطلب خطة تستجيب لطبيعة المرحلة المفروضة ، أي خوض حرب استنزاف مقابلة .
قد يطرح البعض سؤالا حول ما إذا كانت هناك من علاقة ، وفي وضع صحراوي ، بين الحرب التي سيخوضها الحشد الشعبي باسم الجماهير المغربية في الصحراء ، وبين الحرب النظامية إن نشبت مع الجزائر ، وليس فقط مع طابورها الخامس جبهة البوليساريو الملحقة بجيشها .
اعتقد ان الإجابة ، ومن خلال استقراء العديد من التجارب التي حارب فيها الشعب ، كرديف للجيش النظامي ، فان حرب الحشد الشعبي لن تكون مفصولة عن خطة دفاع الجيش النظامي ، بل ستكون مكملة لها ومتممة لها ، أي ستنسج بينهما علاقة طردية حيث يصبح كل واحد منهما متفاعلا ومكملا للآخر .فكما ان العدو يخوض حرب عصابات وحرب استنزاف ، فلتفادي اصطدام مباشر مع جيش العدو ، يبقى الرجوع الى حرب عصابات ، وحرب استنزاف مقابلة ، امرا لازماً ، و خاصة وان الحرب في مثل هكذا أوضاع ستطول اكثر مدة ممكنة .
ان القيمة المضافة التي سيضيفها المتطوعون الى الجيش النظامي ، انهم باعتبارهم ينتمون الى الشعب ، فان تحركم لا ولم يكن ليحصل ، الاّ لأنهم آمنوا بقضية عادلة صادقة تناضل كل الجماهير من اجلها ، وليس فقط الجيش النظامي الذي يبقى تكوينه ومهامه يختلفان عن مهمة الحشد الشعبي الصحراوي .
كذلك ان ما يضفي ميزة خاصة عن الحشد الشعبي الصحراوي ، انه وبخلاف الجيش النظامي المحترف ، فان المتطوعين في الحشد ، يشكلون قوات عصابات خاصة ، لأنها تبقى وحدات صغيرة تكبر نسبيا بمقدار و حسب الحاجة لها .
ان قوات العصابات التي ستخوض حرب استنزاف تخضع لخط استراتيجي سياسي وعسكري واحد ، لكنها لا تخضع لنظام موحد في التدريب والتسليح والحياة اليومية . ان ما يشدها هي علاقات أخوة ، وتمسك وارتباط بالأرض ، وبالعائلة ، والقبيلة ، والتاريخ المشترك .
وبخلاف الجيش النظامي الذي قد يتعرض لنكسة او هزيمة ، خاصة إذا كانت الحرب المفروضة هي حرب استنزاف وحرب عصابات ، فان حشد المتطوعين يقوم بمعارك على مستوى المجموعات الصغيرة ، أي اضرب واهرب . وهو ما يلحق الأذى المباشر بالعدو سواء من حيث الاستنزاف العضوي ، او من حيث التسبب في استنزاف داخلي يصيب الاقتصاد والوضع الاجتماعي . ان الجيوش النظامية تكون عرضة للهزيمة ، اما الشعب فلن ينهزم ابدا .
ان ما يحفز على حرب الحشد الشعبي الجماهيري الصحراوي ، ان الحرب المفروضة على المغرب من طرف العدو ، هي حرب طويلة المدى ، وبما انها حرب عصابات وحرب استنزاف ، فقد تؤثر مع طولها على سير المعارك ، وقد تتسبب في نزيف للجيش ، ونزيف للوضع الاقتصادي المهترئ والوضع الاجتماعي الأكثر من مريض . لذا فان الخلاص لمواجهتها ، وكحل انجع ، تبقى حرب العصابات ، وحرب الاستنزاف التي سيخوضها الحشد الشعبي الصحراوي ضمن تضامن قبائلي وعائلي يعرف بهما المجتمع الصحراوي .
ان اعتماد حرب العصابات التي سيتولاها الحشد الشعبي الجماهيري الصحراوي ، تعطي رسالة واذلة للرأي العام الخارجي ، وللمنظمات الدولية ، وللأمم المتحدة ، والاتحادات الدولية كالاتحاد الأوربي ، بان الذي يحارب ليس هو الجيش النظامي ، بل الأهالي الصحراويين سكان الأرض ، وهو ما يعطي المشروعية المحلية والدولية لكل محاولات الدفاع عن الأرض ووحدة المغرب . فكما ان هجومات العدو تتم باسم الشعب الصحراوي المُغيب لصالح القرار الجزائري ، فان حق الدفاع ،وحق المطاردة ، والهجوم ، يتم باسم الجماهير المغربية الصحراوية المدافعة عن عرضها ورزقها وارضها .
وإذا كانت حروب الجيش النظامية استمرارا للسياسة بوسائل أخرى ، فان السياسة في حرب العصابات تبقى هي أساسها ، وروحها ، والعامل الحاسم فيها ، لأنها هي الضامنة للتوحيد روحيا بين الضباط والجنود في الجيش أولا ، والتوحيد الروحي بين الجيش والشعب ثانيا ، وتحطيم وحدة ومشاريع العدو ثالثا .
الحرب على الأبواب ، والعدو يحضر لها بشكل دقيق ، ومنذ زمن طويل وهو يراهن على عنصر المفاجئة والمباغتة ، بعد استنفاذ المعركة الدبلوماسية والسياسية بالأمم المتحدة وبمجلس الامن ، واستنفاذ المعركة القانونية – القضائية ، بالتوازي مع العمل على خلق انتفاضة شعبية محلية ، تكون مصحوبة بمقاومة مسلحة بالمدن الجنوبية . كل هذا يسير في خط واحد مع التحضير للعدوان ضد المغرب .
ان آخر جلسة لمجلس الامن ستكون في أكتوبر 2019 ، وبما ان اطراف النزاع متباعدان في مواقفهما ، فالفشل يبقى سيد الموقف ، ومثل القرار 2414 ، فان القرارات التي ستصدر في أكتوبر 2018 ، وفي ابريل 2019 ، واكتوبر من نفس السنة مآلها الفشل .
ان نهاية 2019 ستكون حاسمة لمواجهة وضع جديد – قديم ، ومواجهته للحفاظ على وحدة المغرب ارضا وشعبا ، تقتضي الارتباط بالوحدة ، لتجنيب التقسيم ( الأرض ) وتجنيب التشتيت ( الشعب ) . وعند مرور الخطر المشجع من قبل الغرب الصهيو – امبريالي ، آنذاك يمكن طرح التناقض الأساسي في العمل السياسي ، ومدخله الوحيد سيكون من ربح معركة الصحراء ضمن الوطن لا خارجه .
ان حرب الصحراء القادمة ، وهي قادمة ، ستفرض الحل الديمقراطي لبناء الدولة الديمقراطية ، دولة المؤسسات ، دولة العدل والمساواة ، وعدم الإفلات من العقاب ، كما ستكون دولة ربط المسؤولية بالمحاسبة .
ان الشعب الذي ضحى ولا يزال يضحي من اجل وحدة المغرب منذ الظهير البربري ، والى حين طرح مشكل الصحراء ، لا يمكن ان يُسْتبْلَدَ مرة أخرى بشعارات كاذبة وخادعة أضحت مفروشة امام الجميع .
ان هذا الشعب العظيم لا ولن يغمض له جفن ، الاّ عند دحر الدولة الظالمة المعتدية ، ودحر الاستبداد والطغيان والفساد بكل اشكاله وانواعه المختلفة . ولنا ابسط مثال سجله هذا الشعب في مقاطعة الاحتكار والفساد والارتفاع في الأسعار.
ان ربح وحدة المغرب ارضا وشعبا ، هو الباب الكبير للدخول الى الدولة الديمقراطية التي ينشدها الجميع . اما إذا خسرنا معركة التحرير ، فأكيدا سنخسر معركة الدولة الديمقراطية ، وعند ضياع الصحراء المهددة بالضياع ، سنفقد المغرب الموحد ، لفائدة مغرب الطوائف ، مغرب التجزئة ، وسيصبح افراد العائلة الواحدة الذين يسكنون مناطق متفرقة ، مجبرين على الحصول على تأشيرة دخول الى المناطق الجديدة لزيارة افراد عائلاتهم .
اليس هذا ما خطط له مشروع الشرق الأوسط الكبير وشمال افريقيا ؟
الجميع سيكون دمية بيد التحالف الصهيو – امبريالي .
سيناريوهات الحرب القادمة والخطة المحكمة لمواجهتها ( تابع )
مأساة عرفتها حرب الصحراء التي استغرقت ستة عشر سنة ، من 1975 الى 1991 ، السنة التي صدر فيها قرار مجلس الامن رقم 690 بتوقيع وقف اطلاق النار. نعم كانت تلك الحرب وفي تلك الظرفية اكثر من مأساة ، لان الذي إكتوى بنيرانها ، هو الشعب الذي استشهد من ابناءه الألوف بعد ان دُفنوا في حفر جماعية ، ومنهم وبالآلاف أصيبوا بعاهات مستديمة ، وتركوا لوحدهم يتجرعون الفاقة والمذلة امام أبواب العمالات والولايات للظفر برخصة طاكسي صغير ، وهي الرخصة التي لم تمنح لهم أصلا ، كما ان اكثر من أربعة آلاف اسير حرب سقطوا في الاسر ، ومنهم من قضى حوالي ستة وعشرين سنة في سجون الجبهة -- الجزائر التي لاقوا فيها كل اشكال العذاب والتعذيب على ايدي الانفصاليين ، وتحت إمرة ضباط الجيش الجزائري الذين كانوا يتولون بأنفسهم اطوار الاستنطاق ، فسجن إگدزْ ، وقلعةْ مگونة ، وتزمامارت ، ودرب مولاي الشريف ، والكوربيس ، والنقطة الثابتة 1 و 2 و 3 .... الخ ، كانوا اكثر رحمة من سجون الجزائر – البوليساريو الرهيبة .
فهل ستتكرر نفس المأساة إذا نشبت الحرب وهي حتما قادمة بعد ( فشل ) الأمم المتحدة في إيجاد حل لنزاع يعتبر من اقدم النزاعات الدولية ؟
ان الأوضاع والظروف التي تحكمت في حرب السبعينات والثمانينات كانت هي السبب في كل ما حصل . وهي ظروف لم يكن المغرب على ادراك بها حتى باغتته الحقيقة ، سواء اكانت الغدر الجزائري ، او تدني مستوى التسليح ، او جهل تضاريس الصحراء ذات الرمال المتحركة ، او غدر بعض الضباط . وهي الظروف التي تم التخطيط لها بإتقان من قبل عسكر الجزائر وطابورهم جبهة البوليساريو .
ان الحرب التي نشبت بالمنطقة ، وليبرع فيها الجيش المغربي ، لم تكن نظامية بين جيشين متساويين في العدد والعدة والتجهيز مثل حرب الرمال في سنة 1963 التي لا تزال تشكل عقدة إهانة للدولة الجزائرية ، بل كانت حرب عصابات لمجموعات صغيرة تعتمد السرعة والمباغتة ، وتنهج تكتيك أضرب وأهرب .
ان هذا الأسلوب في الحرب الذي فاجئ الجيش المغربي ، يعتمد خطة الاستنزاف لإرهاق العدو ، ببعثرة صفوفه ، وتشتيت قوته ، فكان قد اعطى ثماره التي اثرت على الوضع الاجتماعي والاقتصادي بالمغرب ، والكل يتذكر كيف وافق الحسن الثاني على حل الاستفتاء وتقرير المصير في مؤتمر قمة منظمة الوحدة الافريقية الثاني في نيربوي ، بعد انتفاضة الدارالبيضاء في يونيو 1981 ، وكيف بعث الى الأمين العام للأمم المتحدة يطلب منه التدخل لوقف اطلاق النار ، والشروع في تنظيم مسطرة الاستفتاء ، لان النظام كان على وشك السقوط .
الحسن الثاني سيلعب على الوقت لتقويض انتصارات الخصم ، فعوض الاستفتاء المعروف في القانون الدولي ، إبتكر الاستفتاء التأكيدي غير الموجود في هذا القانون ، وبعد وقف اطلاق النار بمقتضى قرار مجلس الامن 690 الموقع في سنة 1991 ، حيث كان من المنتظر تنظيم الاستفتاء في غضون 1992 او 1993 على أبعد تقدير ، ستمر سبعة وعشرين سنة على توقيع اتفاق وقف اطلاق النار ، والمينورسو عاجزة عن فرض الحل الذي يؤكده القرار 690 . وهو ما يعني فشل الأمم المتحدة المُتعمّد في إيجاد الحل ، والمراهنة على اطالة الصراع أطول مدة ممكنة ، لاستنزاف المتصارعين وتوظيفهم لخدمة اجندات لا علاقة لها بموضوع النزاع المفتعل .
الآن هناك ظروف أخرى ومعطيات أخرى تتحكم في الوضع ، وهي ليست الظروف والمعطيات السابقة . فالمغرب استفاد من مدة سبعة وعشرين سنة من وقف الحرب ، استفاد عسكريا في المعرفة الكافية للتضاريس الصحراوية ، وبالأسلحة النوعية الفتاكة ، وبتدريب الجيش الذي يضاهي العديد من الجيوش المتقدمة ، كما استفاد من المدة كاستراحة لإعادة دراسة كل الجوانب والسناريوهات الممكنة لأية حرب متوقعة .
اما جبهة البوليساريو فقد اثرت فيها مدة سبعة وعشرين سنة من الانتظارية القاتلة ، حيث تحولت الى جماعات من الثرثارين التي تتقن فن الخطاب والبلاغة في الميدان الدبلوماسي بالمنتديات الدولية التي تجهل كل شيء عن الصراع الحقيقي للصحراء ، كما ان الشباب – الصقور التي باشرت العمل المسلح الأولي في سنة 1975 ، قد هرمت وتقدمت في السن ، والصراع على السلطة في الجبهة انتهى لصالح السياسيين البيروقراطيين ، وتم ابعاد عناصر الجيل الثاني والثالث التي لا تزال تحن الى السبعينات والثمانينات ، واصبح هم الشباب الصحراوي التفكير في الهجرة الى أمريكا واوربة بدل الهجرة الى كوبا او انغولا او الجنوب افريقيا .
كل هذه التطورات والمعطيات الجديدة ، خاصة بدأ العديد من الدول بمراجعة مواقفها من الصراع ، كالبرغواي والبرازيل والسويد ، وتأييد الولايات المتحدة الامريكية لحل الحكم الذاتي الذي اعتبرته جديا يستوجب الاهتمام والمناقشة كأرضية ، والدعم الكامل لدول الخليج العربي ومصر للموقف المغربي من قضية الصحراء ... لخ ، أعطت للمغرب متنفسا جعل وضعه الحالي يختلف بالتمام والكمال عن الأوضاع التي سادت طيلة الستة عشر سنة من الحرب .
قفر وفقر وبنادق :
ان اية حرب هي خديعة ، وان اية نتائج وتطورات ، رغم ان أي حرب تبقى مأساة ، تتوقف على طبيعة الحرب الدائرة ، وتتوقف على شكل جغرافية التضاريس ، والاعداد اللوجيستيكي القوي لأي جيش قد يفاجئ او يدخل غمار حرب . وبالنسبة للوضع الحالي في الصحراء ، فليس هناك اكثر من نوعين من الحروب ان حصلت . الحرب النظامية بين جيشين نظاميين متساوين في العدة والعتاد ، والحرب بالوكالة عن طريق دفع طابور ملحق بالجيش النظامي ليخوض الحرب باسم ( شعب ) ، للإضفاء نوع من الراديكالية الشعبوية على الحرب لاستجلاب عطف المجتمع الدولي .
الحرب النظامية بين الجيشين المغربي والجزائري تبقى مستبعدة ، لأنها ليست في صالح احد ، لأنها ان حصلت ستكون مدمرة لكلا الطرفين ، أي التدمير من اجل التدمير دون ان يتمكن طرف من تحقيق النصر ، لان الحرب سيكون متحكما فيها من قبل الدول الصهيو – امبريالي لتطول أطول مدة ممكنة ، كالحرب الإيرانية – العراقية الذي دامت ثماني سنوات ، وانتهت بالدمار دون ان يحقق فريق نصرا على الآخر .
لكن رغم ذلك فيجب الحيطة والاستعداد للمفاجئات التي قد تأتي بغتة وفي آخر لحظة . وهنا يجب توقع جميع الاحتمالات مع عدو يحضر ويهيئ في صمت ، وقد فضحته المناورات الأخيرة باسم ( الطوفان ) ، وفضحته الطائرة الجزائرية المنكوبة ، والضباط الصحراويين المتخرجين من الاكاديمية العسكرية الجزائرية . لكن وكما قلت أعلاه فان الحرب المباشرة بين المغرب والجزائر تبقى مستبعدة .
ومن خلال تحليل كل التطورات الجديدة التي فرضت نفسها في الساحة ، ومقارنة بالأوضاع الداخلية بين المغرب والجزائر ، وإعادة تحليل الظروف التي تحكمت في حرب الستة عشر سنة من 1975 الى 1991 ، نكاد تجزم ان الحرب ستكون بالوكالة ، أي عودة الجزائر بواسطة جبهة البوليساريو ، الى حرب العصابات التي تتقنها الجزائر بسبب اعتناقها للثقافة الشرقية العسكرية .
الحرب هذه المرة ستكون طويلة ، وأكرر انها ستكون طويلة اكثر من المتوقع . ورغم امتلاك جبهة البوليساريو للمنزنجرات ، والدبابات ،وناقلات الجند ، فان هذه الأسلحة لا ولن تستخدمها ابدا في أي حرب بمقبلة ، لأنها ستكون عرضة للتدمير بسهولة .
ان الجبهة تستعمل هذا العتاد فقط لأنها تريد ان تقنع مجتمع الدولي بوجود دولة اسمها الجمهورية الصحراوية ، كما تستعملها كل مرة لضغط فاشل على مجلس الامن ، او على اللجنة الرابعة لتصفية الاستعمار ، كلما قرب موعد عقد اجتماع من اجل الصحراء .
اما أسلوب وشكل الحرب فسيتركز على سيارات ( الطويوطا ) اليابانية ، والأسلحة الخفيفة والمتوسطة ، والصواريخ المضادة للطائرات، والسرعة في المباغتة ، وتسجيل اكبر خسارة في صفوف العدو من حيث تدمير المعدات وكسب الباقي منها ، واسقاط اكبر عدد من الشهداء والضحايا ، واسر الذين سيقعون في الاسر . أي خوض حرب العصابات التي تستهدف الاستنزاف .
لكن السؤال : هل تستطيع جبهة البوليساريو الرجوع الى سابق عهدها خلال السبعينات والثمانينات من القرن الماضي ؟
ان القول بهذا يجانب الحقيقية الفائقة للأعين . اليوم الجيش المغربي في وضع مريح ، سواء من حيث ضبط الجغرافية الصحراوية وتضاريس المنطقة ، او العدة والعتاد الباهر للاعين والذي تأخذه الجزائر والجبهة على محمل الجد .
هناك الحزام – الحائط الذي يؤمن كل أراضي ما وراء الحزام ، والتحكم المعرفي بالأراضي المسماة عازلة خارج الحزام . إضافة الى ملايين القنابل المزروعة خارج الجدار . فاي هجوم للجبهة لن يكون هذه المرة نزهة ، بل سيكون انتحارا عن طيب خاطر .
لكن رغم ذلك فان طبيعة الهجومات عندما تتكرر وستتكرر ، فأنها مع مرور الوقت قد تحدث منافد مرور في الحزام – الحائط ، ونظرا لنوع الحرب التي تخوضها الجبهة ، حرب العصابات المعروفة بطولها وبتكتيكها المتميز ، فقد تسبب الاحراج للجيش المغربي ، وقد ترهقه وتستنزفه ، لأنها أي الحرب ، ليست ثابتة بل متحركة تقودها مجموعات لا تتعدى الخمسين او المائة نفر . وهنا يصبح السؤال : ما هي الخطة الحربية التي يجب اعتمادها لمواجهة حرب العصابات في بيئة صحراوية شاسعة ومتغيرة الرمال والكثبان ، ووعرة التضاريس ؟
فإذا كانت الجزائر تخوض الحرب الوكالة باسم ( الشعب ) الصحراوي ، فان اعتماد المغرب فقط على الجيش النظامي المتمترس وراء الحزام لن يكون كافيا لضبط الوضع والتحكم في المتغيرات ، والحاق الأذى البالغ بالعدو المهاجم .
ان الحرب بالوكالة خاصة حرب العصابات المفروضة ، تستوجب ابتكار آلية متوازنة ، تعتمد إضافة الى الجيش النظامي الذي يبقى متمترسا داخل الحزام . ان هذه الآلية – الخطة تقتضي ان تكون متجاوبة مع الحرب التي يخوضها العدو ، لان التعويل فقط على الجيش النظامي المتمترس من وراء الحزام ، قد يحدث مع مرور الزمن ، ثقوبا في الجدار الأمني ، وقد يرهق الجيش بان يتسبب له بالاستنزاف الداخلي مع طول الحرب .
وبما ان الحرب القادمة التي ستخوضها الجزائر بالوكالة ستكون اكثر من طويلة ، أي حرب استنزاف ، فان احسن خطة لمواجهتها ، تبقى تكوين حشد شعبي من جماهير الصحراء ، ومن منطقة واد نون ، وكل من ينحدر من الصحراء ، يتم تدريبه تدريبا عاليا ، وتعطى له مهمة تعقب القوات المهاجمة بالمناطق الخارجة عن الجدار ، وتحت تغطية المدفعية التي سيتكفل بها الجيش النظامي ، إضافة الى الطائرات المقاتلة التي يجب ان تدك وبدون شفقة كل قوات العدو الفارة داخل المنطقة العازلة باعتبار انها أراضي مغربية .
أما إذا انطلق الهجوم من تندوف القاعدة العسكرية الرئيسية للرديف الجزائري ، فالحشد الشعبي الصحراوي يبقى من حقه تنظيم هجومات داخل تندوف ، لإلحاق اقصى الضربات الموجعة بالانفصاليين ، وأسر من سيقع في الاسر منهم ، أي اعتماد خطة السرعة والمباغتة ، واضرب واهرب باقل الخسائر .وكما ان العين بالعين والسن بالسن ، فطبعا ان البادئ سيكون اظلم . فإذا كانت الجزائر تراهن على حرب استنزاف وهي خطيرة ، فان على المغرب كذلك ان يعتمد حرب استنزاف ترهق الجيش الجزائري ، وترهق اقتصاده المبني على الريع ، كما ترهق وضعه الاجتماعي المُتداعي نحو الانهيار .
لقد سبق للحسن الثاني ، عند اشتداد ضربات البولياسريو التي ارهقت الجيش ، واثرت على النسيج الاجتماعي والاقتصادي بالمغرب ، ان اتخذ قرارا يقضي بتسليح السكان الصحراويين وتدريبهم ، لإشراكهم في مواجهة وصد العدوان الجزائري الذي كانت تشنه بالنيابة قوات البوليساريو . لكن هذه الخطة ستفشل لاحقا ، لأنه تبين من بعد ، انّ بعض الجماعات خططت لاستغلال التسليح الشعبي لتوظيفه في حرب شعبية ضد النظام لتحرير المغرب منه ، لا لتحرير الصحراء التي يجب استعمالها في قلب النظام . وبسرعة اكثر من سرعة البرق تم جمع السلاح ، وأوكلت مهمة المواجهة للجيش الذي كان يتلقى الضربات ، الى ان تمكن الحسن من نصب كمين ومقلب سقطت فيه الجزائر ومعها طابورها ، عندما بعث الى مجلس الامن يطلب منه الإسراع بوقف اطلاق النار ، وبالإشراف على تنظيم الاستفتاء الذي كان متوقعا تنظيمه في سنة 1992 او 1993 ، وفي ابعد تقدير في سنة 1994 ، وهو الاستفتاء الذي لم يُنظّم الى الآن ، رغم مرور سبعة وعشرين سنة من صدور القرار 690 في سنة 1991 .
ان وضعية اليوم ليست هي وضعية الأمس ، والحاجة أضحت ماسة لإنشاء حشد شعبي يتحرك باسم الجماهير الصحراوية ، لاعتبارات لها علاقة بالتاريخ ، والانتساب الجغرافي ، وبالموروث الثقافي التراثي للمغاربة . فالشعب الذي قاوم الظهير البربري في اعز قوة الاستعمار الفرنسي ، سيكون من السهل عليه الحاق الهزيمة بفلول الانفصاليين وبعرابهم الجزائر .
ولنا ان نتساءل عن الأهمية – القيمة المضافة التي سيضيفها الحشد الشعبي للجيش النظامي في الدفاع عن وحدة المغرب ارضا وشعبا . لان الحرب ستطول اكثر مدة ممكنة ، لأنها ستكون حرب استنزاف ، ومواجهتها تتطلب خطة تستجيب لطبيعة المرحلة المفروضة ، أي خوض حرب استنزاف مقابلة .
قد يطرح البعض سؤالا حول ما إذا كانت هناك من علاقة ، وفي وضع صحراوي ، بين الحرب التي سيخوضها الحشد الشعبي باسم الجماهير المغربية في الصحراء ، وبين الحرب النظامية إن نشبت مع الجزائر ، وليس فقط مع طابورها الخامس جبهة البوليساريو الملحقة بجيشها .
اعتقد ان الإجابة ، ومن خلال استقراء العديد من التجارب التي حارب فيها الشعب ، كرديف للجيش النظامي ، فان حرب الحشد الشعبي لن تكون مفصولة عن خطة دفاع الجيش النظامي ، بل ستكون مكملة لها ومتممة لها ، أي ستنسج بينهما علاقة طردية حيث يصبح كل واحد منهما متفاعلا ومكملا للآخر .فكما ان العدو يخوض حرب عصابات وحرب استنزاف ، فلتفادي اصطدام مباشر مع جيش العدو ، يبقى الرجوع الى حرب عصابات ، وحرب استنزاف مقابلة ، امرا لازماً ، و خاصة وان الحرب في مثل هكذا أوضاع ستطول اكثر مدة ممكنة .
ان القيمة المضافة التي سيضيفها المتطوعون الى الجيش النظامي ، انهم باعتبارهم ينتمون الى الشعب ، فان تحركم لا ولم يكن ليحصل ، الاّ لأنهم آمنوا بقضية عادلة صادقة تناضل كل الجماهير من اجلها ، وليس فقط الجيش النظامي الذي يبقى تكوينه ومهامه يختلفان عن مهمة الحشد الشعبي الصحراوي .
كذلك ان ما يضفي ميزة خاصة عن الحشد الشعبي الصحراوي ، انه وبخلاف الجيش النظامي المحترف ، فان المتطوعين في الحشد ، يشكلون قوات عصابات خاصة ، لأنها تبقى وحدات صغيرة تكبر نسبيا بمقدار و حسب الحاجة لها .
ان قوات العصابات التي ستخوض حرب استنزاف تخضع لخط استراتيجي سياسي وعسكري واحد ، لكنها لا تخضع لنظام موحد في التدريب والتسليح والحياة اليومية . ان ما يشدها هي علاقات أخوة ، وتمسك وارتباط بالأرض ، وبالعائلة ، والقبيلة ، والتاريخ المشترك .
وبخلاف الجيش النظامي الذي قد يتعرض لنكسة او هزيمة ، خاصة إذا كانت الحرب المفروضة هي حرب استنزاف وحرب عصابات ، فان حشد المتطوعين يقوم بمعارك على مستوى المجموعات الصغيرة ، أي اضرب واهرب . وهو ما يلحق الأذى المباشر بالعدو سواء من حيث الاستنزاف العضوي ، او من حيث التسبب في استنزاف داخلي يصيب الاقتصاد والوضع الاجتماعي . ان الجيوش النظامية تكون عرضة للهزيمة ، اما الشعب فلن ينهزم ابدا .
ان ما يحفز على حرب الحشد الشعبي الجماهيري الصحراوي ، ان الحرب المفروضة على المغرب من طرف العدو ، هي حرب طويلة المدى ، وبما انها حرب عصابات وحرب استنزاف ، فقد تؤثر مع طولها على سير المعارك ، وقد تتسبب في نزيف للجيش ، ونزيف للوضع الاقتصادي المهترئ والوضع الاجتماعي الأكثر من مريض . لذا فان الخلاص لمواجهتها ، وكحل انجع ، تبقى حرب العصابات ، وحرب الاستنزاف التي سيخوضها الحشد الشعبي الصحراوي ضمن تضامن قبائلي وعائلي يعرف بهما المجتمع الصحراوي .
ان اعتماد حرب العصابات التي سيتولاها الحشد الشعبي الجماهيري الصحراوي ، تعطي رسالة واذلة للرأي العام الخارجي ، وللمنظمات الدولية ، وللأمم المتحدة ، والاتحادات الدولية كالاتحاد الأوربي ، بان الذي يحارب ليس هو الجيش النظامي ، بل الأهالي الصحراويين سكان الأرض ، وهو ما يعطي المشروعية المحلية والدولية لكل محاولات الدفاع عن الأرض ووحدة المغرب . فكما ان هجومات العدو تتم باسم الشعب الصحراوي المُغيب لصالح القرار الجزائري ، فان حق الدفاع ،وحق المطاردة ، والهجوم ، يتم باسم الجماهير المغربية الصحراوية المدافعة عن عرضها ورزقها وارضها .
وإذا كانت حروب الجيش النظامية استمرارا للسياسة بوسائل أخرى ، فان السياسة في حرب العصابات تبقى هي أساسها ، وروحها ، والعامل الحاسم فيها ، لأنها هي الضامنة للتوحيد روحيا بين الضباط والجنود في الجيش أولا ، والتوحيد الروحي بين الجيش والشعب ثانيا ، وتحطيم وحدة ومشاريع العدو ثالثا .
الحرب على الأبواب ، والعدو يحضر لها بشكل دقيق ، ومنذ زمن طويل وهو يراهن على عنصر المفاجئة والمباغتة ، بعد استنفاذ المعركة الدبلوماسية والسياسية بالأمم المتحدة وبمجلس الامن ، واستنفاذ المعركة القانونية – القضائية ، بالتوازي مع العمل على خلق انتفاضة شعبية محلية ، تكون مصحوبة بمقاومة مسلحة بالمدن الجنوبية . كل هذا يسير في خط واحد مع التحضير للعدوان ضد المغرب .
ان آخر جلسة لمجلس الامن ستكون في أكتوبر 2019 ، وبما ان اطراف النزاع متباعدان في مواقفهما ، فالفشل يبقى سيد الموقف ، ومثل القرار 2414 ، فان القرارات التي ستصدر في أكتوبر 2018 ، وفي ابريل 2019 ، واكتوبر من نفس السنة مآلها الفشل .
ان نهاية 2019 ستكون حاسمة لمواجهة وضع جديد – قديم ، ومواجهته للحفاظ على وحدة المغرب ارضا وشعبا ، تقتضي الارتباط بالوحدة ، لتجنيب التقسيم ( الأرض ) وتجنيب التشتيت ( الشعب ) . وعند مرور الخطر المشجع من قبل الغرب الصهيو – امبريالي ، آنذاك يمكن طرح التناقض الأساسي في العمل السياسي ، ومدخله الوحيد سيكون من ربح معركة الصحراء ضمن الوطن لا خارجه .
ان حرب الصحراء القادمة ، وهي قادمة ، ستفرض الحل الديمقراطي لبناء الدولة الديمقراطية ، دولة المؤسسات ، دولة العدل والمساواة ، وعدم الإفلات من العقاب ، كما ستكون دولة ربط المسؤولية بالمحاسبة .
ان الشعب الذي ضحى ولا يزال يضحي من اجل وحدة المغرب منذ الظهير البربري ، والى حين طرح مشكل الصحراء ، لا يمكن ان يُسْتبْلَدَ مرة أخرى بشعارات كاذبة وخادعة أضحت مفروشة امام الجميع .
ان هذا الشعب العظيم لا ولن يغمض له جفن ، الاّ عند دحر الدولة الظالمة المعتدية ، ودحر الاستبداد والطغيان والفساد بكل اشكاله وانواعه المختلفة . ولنا ابسط مثال سجله هذا الشعب في مقاطعة الاحتكار والفساد والارتفاع في الأسعار.
ان ربح وحدة المغرب ارضا وشعبا ، هو الباب الكبير للدخول الى الدولة الديمقراطية التي ينشدها الجميع . اما إذا خسرنا معركة التحرير ، فأكيدا سنخسر معركة الدولة الديمقراطية ، وعند ضياع الصحراء المهددة بالضياع ، سنفقد المغرب الموحد ، لفائدة مغرب الطوائف ، مغرب التجزئة ، وسيصبح افراد العائلة الواحدة الذين يسكنون مناطق متفرقة ، مجبرين على الحصول على تأشيرة دخول الى المناطق الجديدة لزيارة افراد عائلاتهم .
اليس هذا ما خطط له مشروع الشرق الأوسط الكبير وشمال افريقيا ؟
الجميع سيكون دمية بيد التحالف الصهيو – امبريالي .
تعليقات
إرسال تعليق