كتابات مختارة - اميركا تقع في فخ كوريا الشمالية
- الحصول على الرابط
- X
- بريد إلكتروني
- التطبيقات الأخرى
أميركا تقع في فخ كوريا الشمالية
إعداد: جورج حداد *
الحوار المتمدن 2018 / 2 / 1
الحوار المتمدن 2018 / 2 / 1
لدى قيام نظام صدام حسين السابق باجتياح الكويت في 1991، شرب الرئيس الاميركي جورج بوش الاب حليب السباع واعلن انشاء النظام العالمي الجديد، الذي يقوم على محور القطب الاميركي الاوحد. ومنذ ذلك الحين اخذت اميركا تنهى وتأمر وكأنها السيد المطاع في العالم. وطوال السنوات الماضية عادت اجواء "الحرب الباردة" والمؤامرات والانقلابات والحروب الاهلية والاقليمية كما كانت عليه قبل انهيار المنظومة السوفياتية وأسوأ.
وبالرغم من غياب العامل الايديولوجي المتمثل في "معاداة الشيوعية"، فإن تطويق وخنق واخيرا السيطرة على روسيا اولا، والصين ثانيا، والعالم العربي ـ الاسلامي ثالثا، كانت – ولا تزال ـ هي الاهداف الاكبر للجيوستراتيجية العالمية لاميركا.
ونظرا لان اميركا تدرك ان مصدر قوة روسيا هو قوتها العسكرية وقدرتها على ضرب اميركا نوويا، من البر والبحر والجو والفضاء الكوني، فإنها ركزت في هجومها الستراتيجي ضد روسيا على الجانب الاقتصادي والمالي، المتمثل في الحصار والمقاطعة والعقوبات الاقتصادية والمالية، لاخضاع روسيا عن طريق اضعاف الاقتصاد الروسي.
ونظرا لانها ـ اي اميركا ـ كانت تدرك ان مصدر القوة الاول للصين هو في اقتصادها الضخم الذي يسير بسرعة الى التفوق على اميركا ذاتها والتحول الى اضخم اقتصاد عالمي في السنوات القليلة القادمة، فإن اميركا ركزت هجومها الستراتيجي ضد الصين على الجانب العسكري، وسحبت غالبية جيوشها من جميع انحاء العالم وحشدتها حول الصين في البلدان الموالية لها (اليابان وتايوان وكوريا الجنوبية) وجمعت في البحار المحيطة بالصين اكبر حشد عسكري بحري عرفه التاريخ من سفن حربية وقوات انزال وغواصات نووية وحاملات طائرات، ووضعت الخطط الجاهزة لضرب الصين نوويا واحتلالها واخضاعها، واجبارها على عدم الخروج عن الارادة الاميركية. وفي السنتين او الثلاث سنوات الاخيرة اجرت اميركا مع اليابان وتايوان وكوريا الجنوبية اضخم المناورات العسكرية الشاملة، بحجة الخطر الكوري الشمالي. والواقع ان هذه المناورات كلها كانت تجري لتهديد الصين بالذات.
اما فيما يتعلق بالعالم العربي ـ الاسلامي فكانت الامبريالية الاميركية واليهودية العالمية تعتمد ستراتيجية "فرق تسد" بتمزيق البلدان والدول العربية وضرب بعضها بالبعض الاخر، داخليا وخارجيا.
وكانت الادارة الاميركية بأسرها (من البيت الابيض والبنتاغون والمخابرات الاميركية الى آلة البروباغندا الاميركية اليهودية العالمية) تمارس العهر السياسي والكذب الرسمي على الشعب الاميركي ذاته ناهيك عن الشعوب الاوروبية وبقية شعوب العالم بأنها تعمل لنشر الدمقراطية(!!!)، وان المناورات الكبرى حول الصين وعلى حدودها انما هي موجهة ضد خطر كوريا الشمالية ذات النظام الدكتاتوري!!!
كيف واجهت واحتوت روسيا حرب العقوبات الاقتصادية والمالية ضدها؛ وكيف واجهت واحتوت الصين الشعبية الحرب البسيكولوجية ـ العسكرية ضدها... تلكم مسألة ينبغي التوقف عندها بشكل خاص.
ولكن، وبمعزل عن ذلك، فإن روسيا والصين دفعتا اميركا لان تتجرع كأس السم ( تعليق من المدونة : ربما الكاتب يقصد : كاس الذل ) الذي حضرته للعالم، وتصدق هي نفسها كذبتها عن كوريا الشمالية، بتحويل الكذبة الى واقع فعلي.
كيف؟
1ـ تظاهرت روسيا والصين بأنهما تصدقان فعلا ان كوريا الشمالية تعمل (وقادرة لوحدها!) على امتلاك القنبلة النووية والصواريخ الباليستية التي تهدد بها اميركا وحلفاءها. وشاركتا في التصويت في مجلس الامن ضد البرنامج النوويي ـ الصاروخي لكوريا الشمالية، طبعا مع الحديث عن انهما تدعوان الى ايجاد مخرج دبلوماسي للازمة. وهذا الموقف الروسي ـ الصيني بالتظاهر بتصديق الكذبة الاميركية دفع اميركا الى "ابتلاع الطعم" وتصديق كذبتها ذاتها بذاتها.
ـ2ـ ان روسيا والصين كانتا حليفتين لكوريا الشمالية في الحرب الكورية (سنة 1950 ـ 1953). وهذه الحرب لم تنته حتى الان ولم توقع كوريا الشمالية وكوريا الجنوبية معاهدة صلح الى الان. وليس هناك ما يدفع روسيا والصين لتغيير موقعهما وموقفهما من هذه الحرب بل على العكس.
ـ3ـ طالما ان اميركا اطلقت كذبة الخطر النووي ـ الصاروخي الكوري الشمالي، فلماذا لا تنتهز روسيا والصين الفرصة وتحولان هذه الكذبة الى واقع؟
ـ4ـ ان هملقار برقة اوصى ابنه هنيبعل برقة قائلا: "ادرس ميدان القتال جيدا. ودع الارض تقاتل عنك".
ولدى استرجاع روسيا لشبه جزيرة القرم كشف الروس عن وجود تجويف تحت الارض وفي اتصال مع البحر على ساحل يالطا. ويتألف هذا التجويف (الموروث من العهد السوفياتي) من ثلاث طبقات تتسع كل طبقة لغواصة تربض في تلك الطبقة لاجل اجراء التصليحات الضرورية والتزود بالماء والمؤن والذخيرة والاسلحة وتغيير طواقم البحارة.
وفي هذا الصدد ايضا فإن شبكة مترو الانفاق في العاصمة الكورية الشمالية بيونغ يانغ هي محفورة على عمق مائة متر، لتستخدم كشبكة مترو في زمن السلم وكملجأ ضد القنابل النووية في زمن الحرب. وتقول الدراسات الجيولوجية ان 80% من الارض الكورية الشمالية هي كناية عن سلاسل جبال متوسطة الارتفاع تتخللها سهول ضيقة. فماذا يمنع روسيا والصين وكوريا الشمالية من التعاون سرا، علميا وتكنولوجيا وماليا واقتصاديا وسياسيا، لتحويل الاراضي والسواحل الكورية الشمالية الى "مدن انفاق" في بطون الجبال وتضاريس السواحل، تتكدس فيها المؤن والذخائر والاسلحة الكلاسيكية المتطورة والصواريخ من مختلف الاحجام والابعاد والقنابل النووية وغير النووية والغواصات الشبحية والمشاغل والمصانع الحربية، وتتكدس الجيوش؟ ان مثلل هذا التعاون بين روسيا والصين وكوريا الشمالية لا ينتقص بتاتا من اهمية الدور الذي يضطلع به العلماء والخبراء والاختصاصيون والعمال المهرة الكوريون الشماليون وتضحيات الشعب الكوري الشمالي البطل ( تعليق المدونة : مًكره لا بطل )، بل يؤكده ويضاعفه.
5ـ لقد ارتكبت اميركا خطأ فظيعا باختراع كذبة خطر كوريا الشمالية ( تعليق إدارة المدونة : لا نظنها كذبة بل حقيقة , كل من الدول الثلاث جعلوا من كوريا الشمالية ملعباً لصراعاتهم ) ، بحيث تحولت بوصلة "الحرب الباردة" الاميركية موجهة ضد كوريا الشمالية، اكثر مما هي موجهة ضد روسيا والصين. وقد ادركت اميركا بعد فوات الاوان ان الكذبة تحولت الى واقع. وهذا ما يدفع اميركا الان، المرعوبة من الصواريخ والقنابل النووية الكورية الشمالية، الى تبريد الحملة ضد كوريا الشمالية ومحاولة التقرب منها، وبعد ان كانت وسائل الاعلام الاميركية التافهة تكيل اقذع الشتائم والافتراءات ضد نظام بيونغ يانغ، اخذت الان تلاطفه بطريقة "ذكية!!!" وتنشغل بالحديث عن وزن كيم تشين اون وهل زاد او نقص عن 130 كلغ، وما هو الريجيم الذي يتبعه، وهل يلعب البنغ بونغ او الشطرنج، وما نوع وثمن حقيبة يد امرأته ولون وموديل فستانها، وما هو لون وموديل حذاء شقيقته (التي هي سكرتيرته ومستشارته في الوقت نفسه).
6ـ وفي المقابل صار الشغل الشاغل للعلماء وخبراء المخابرات الاميركيين ان يحزروا كم صاروخا وكم قنبلة نووية صار يوجد في كوريا الشمالية واذا كانت قد اصبحت قادرة على تركيب القنابل على الصواريخ.
ولم يبق احد يتذكر روسيا والصين بالحرب الباردة وصار كل هم اميركا محصورا ضد كوريا الشمالية ومحاولة استرضائها. بل ان الرئيس ترامب ذهب الى حد التعبير عن "اسفه" بأنه لا يوجد تقارب بين اميركا وروسيا في الموقف من كوريا الشمالية.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــ
* كاتب لبناني مستقل
تعليقات
إرسال تعليق