كتابات مختارة - الإبداع ومواسم الخداع

                                    الإبداع ومواسم الخداع 


 أحمد الخميسي  - أديب  وكاتب  وناقد - مصري -

الحوار المتمدن  2018 / 2 / 5

السرقة الأدبية والفنية عامة، قديمة في تراثنا الأدبي، وقد أشار إليها القاضي الجرجاني في أواخر القرن العاشر ميلادي بقوله إنها:" داء قديم وعيب عتيق 
ومازال الشاعر يستعين بخاطر الآخر ويستمد منه قريحته ويعتمد على معناه ولفظه". ومازال ذلك الداء القديم ساريا يظهر في أيامنا في اشكال السطو الصريح على أعمال الغير كما في حال الشاعر هشام الجخ الذي حكمت عليه المحكمة بغرامة خمسين ألف جنيه لاستيلائه على 35 مربعا شعريا من ديوان"الواو" تأليف عبد الستار سليم، وأيضا في حال الموسيقار عمار الشريعي الذي أدانته لجنة تحكيم فنية بتهمة سرقة موسيقا مسلسل رأفت الهجان، وطالت الاتهامات يوسف زيدان بسرقة روايته " عزازيل" من رواية " أعداء جدد بوجه قديم" التي كتبها تشارلز كينجسلي في القرن 19. 
أما في مجال السينما فحدث ولاحرج. والحق أنني طول عمري كنت أرى في اللصوص الذين ينقضون جهارا نهارا على أملاك وأعمال الغير درجة من الشجاعة والمغامرة لا تتوفر للكثيرين، وربما لهذا السبب احتفى الأدب الشعبي بنموذج اللص الشجاع، أما في الأدب المكتوب فقد رسم نجيب محفوظ نموذجا لهم في شخصية " سعيد مهران" بطل اللص والكلاب التي نشرها محفوظ عام1963. وقد رأت المستشرقة الروسية الكبيرة فاليريا كيربتشنكو في نموذج " سعيد مهران" : " تمردا جديرا بالإجلال وإن ضل الطريق". بالقدر ذاته فإنني أبغض مختلف أشكال الاحتيال والخداع في الأدب والفن لأنه تجسيد لنفسية مراوغة وهابطة. ولقد تفشت في حياتنا الثقافية مختلف أشكال الخداع في الإبداع تحت مسميات ومصطلحات ولغويات مختلفة. على سبيل المثال حدث أن قدمت فرقة مسرح الشباب مسرحية شكسبير " يوليوس قيصر" التي ترجمها د. محمد عناني، وجاء في إعلانات العرض: " يوليوس قيصر. دراماتورج سيد الإمام. أشعار مصطفى علي"! ومن ذلك الاعلان عرفت لأول مرة أنه اذا اجتمع الشاعران شكسبير ومصطفى علي فإن اسم مصطفى علي هو الذي يكتب في الاعلانات! وأن على شكسبير أحد أعظم شعراء الانسانية أن يمزق أوراقه إذا حضر مصطفى! وعليه أيضا أن ينكسر محزونا مهزوما بفنه الدرامي في مواجهة " الدراماتورج" سيد إمام!. مع ذلك القصة ليست في الاعلان، القصة هي : ما الذي أضافه الاثنان ليوليوس قيصر؟ وهل يحق لأحد أصلا أن يعبث بالتراث المسرحي الانساني؟ وهل عاش شكسبير خمسة قرون في انتظار اضافة ؟. كلا بالطبع. المسألة أن البعض يمارس الخداع ويوحي بأنه قام بدور ليته لم يقم به ! لكن كلمتى " دراماتورج"، و" أشعار " خادعتان وبراقتان، وتمنحان دورا لمن لا دور له سوى التعيش على حساب الأعمال الكبيرة. كان هناك أيضا عرض مسرحي آخر باسم " فيفا ماما" تم اعداده عن ثلاثة كتب: كتاب د. سيد عويس "التاريخ الذي أحمله على ظهري"، و مجموعة صبري موسى القصصية " السيدة التي والرجل الذي"، ثم رواية بهيجة حسين"حكايات عادية"، وقد تم كل ذلك تحت إشراف مخرجة قدمت نفسها بصفتها صاحبة " فكرة وحدوتة النص"! مرة أخرى أسأل ما الذي يعنيه ذلك المصطلح"صاحبة فكرة وحدوتة النص"؟ ومن هو المؤلف هنا : د. سيد عويس؟ أم موسى صبري؟ أم بهيجة حسين؟ أم المخرجة؟ أم ما أسمته " ورشة التأليف الجماعي"؟، ما من إجابة إلا أن ظاهرة خلط الأوراق ولعبة الثلاثة كتب وخلطها تسمح لشخص عديم الموهبة بالزج باسمه مؤلفا! الآن تأمل مصطلحا أكثر أناقة ورواجا وهو:" رؤية "! منذ عدة أعوام عرضت مسرحية توفيق الحكيم " السلطان الحائر" مصحوبة باعلان عن أن المخرج يقدم العمل " برؤية عصرية"! ياسلام على الجمال! فما الذي فعله صاحب"الرؤية"؟ أدخل الموبايلات والفيس بوك وغير ذلك على نص توفيق الحكيم، فلا هو ألف نصا، لأنه عاجز عن التأليف، ولا ترك عبقرية الحكيم في حالها! لكنه بمصطلح " رؤية " وضع نفسه في موضع ممتاز كأنه مفكر أو مبدع يقترن اسمه باسم توفيق الحكيم! وإذا كان ثمة شخص ما مصابا بحساسية أو كرشة نفس أو مصابا برؤية فلماذا لا يؤلف بنفسه مباشرة ويرحم نصوص الآخرين؟ لكنها أشكال الخداع. " الرؤية " تمتد أيضا إلي مجال الموسيقا، وقد حضرت حفلا قدم ألحان عبقري الموسيقا العربية محمد عبد الوهاب، وتضمن الاعلان بالبنط العريض" رؤية موسيقية فلان الفلاني"، فإن كانت لدي فلان ذلك قدرة أي قدرة على الابداع فلماذا لا يؤلف بنفسه؟ ويترك الفن في حاله؟ وما الذي تعنيه " رؤية " هنا؟ هل غير اللحن؟ كلا، هل ألفه؟ كلا، أضاف إليه طبلة هنا وصاجات هناك واعتبر أن تلك التفاهة " رؤية"، والمهم أن يضع نفسه في موضع المبدع وخلاص. في اعتقادي أن السرقة والسطو الفني الصريح كما في حالة هشام الجخ أو غيره أفضل بكثير من الخداع في الابداع، وعلى الأقل فإن السرقة الفنية تقدم البضاعة المسروقة كما هي، ولاتشوهها برؤية أو خلافه. أما ألوان الخداع المختلفة التي لا يقدم عليها إلا عديمو الموهبة فإنها بالغة الخطورة لأنها تشوه كل شيء، وهو أمر يستلزم صحوة من المجلات الثقافية لمكافحة تلك الظاهرة التي جعلت شكسبير يقف تلميذا متواضعا مطاطيء الرأس في حضور مصطفى! 
د. أحمد الخميسي. قاص وكاتب مصري

تعليقات