مقالات 2005 = 9


عمر بن الخطاب يزور - جوانتانامو -


تنويه : ( كان قد أشيع الاعلام . أن معتقل جوانتانامو - الأمريكي - الذي أعد لسجناء تنظيم القاعدة الاسلامي . أن الجنود الأمريكان , يستخدمون أوراق المصحف , بدورات المياه ) .


كان لعمربن الخطاب مواقف ونظرات سابقة لعصره تدل علي رؤي مستقبلية كان يتمتع بها ، و يعدمها اناس كثيرون يعيشون بعصرنا 

هذا ..! 
فمنذا أيام التقيت في مؤتمر عقد في مونتريال – كندا – عن حقوق الانسان بمجوعة من الضيوف المحاضرين ، أساتذة وفقهاء في 
القانون ... وقد توقفت عند ترديد أحد هؤلاء الأساتذة الأفاضل – أستاذ في القانون الجنائي – لضرورة تقديس الثوابت ، وأن لكل أمة ولكل مجتمع ثوابت ولابد من الحفاظ عليها وعدم المساس بها ..، وهو ما يردده ويرهب من الاقتراب منه أو المساس به فقهاء العقائد فاذا بي أسمعه أيضا من فقيه قانوني.. .. وعندما أخذ دوره في القاء كلمته كرر ما قاله في حديثي معه قبل المحاضرة ..
وقد توقفت كثيرا عند ما رأيته مفارقة عجيبة .. فبينما هذا الأستاذ الجليل عبر المحيط بطائرة طارت به هو وعدة مئات من البشر حاملة معهم حقائبهم وطعامهم وشرابهم في الهواء علي ارتفاع آلاف الأمتار ولمدة 10 ساعات .. من بلده الي كندا ..كان عمر بن الخطاب لا يعرف ولم يري سوي الناقة أو الجمل أو الحصان !! ومع ذلك لم يكن يقيد نفسه كثيرا بشيء اسمه "ثوابت " بالمفهوم المطلق الذي يقصده ويعنيه فقيه القانون الفاضل ، وفقهاء العقائد ، وانما بمفهوم أن كل شيء نسبي بما في ذلك الثوابت .. ليست مطلقة في ثبوتهاوانما ثبوتها هو نسبي قابل للحركة والتغير والتحول .. 
ومن المواقف الجريئة لعمر ، والسابقة لعصره – المدونة بكتب السيرة والمشهورة عنه – انه عندما سأل القائمين علي توزيع الزكاة: لمن هذا الجزء ؟ فقالوا : للمؤلفة قلوبهم .... ، وكانت وكانت الأحوال لم تعد تدع مبررا لمنحهم نصيب في الزكاة كما كان الحال من قبل ..
فقال : كلا ، بل أعيدوه ولا تعطوهم شيئا .. 
فردوا : انه نص قرآني يا أمير المؤمنين .. 
فأجاب : لقد تغيرت الظروف ..
فعادوا يقولون : ولكنه نص ياأمير المؤمنين! .. ، يقصدون أن النص هو ثابتة من الثوابت التي لا يجوز تحريكها أو المساس بها
ولكن عمر كان حاسما فاهما واعيا مقداما دينا ميكيا فقال جازما : بل أعيدوها ولا تعطوهم شيئا .. .. فأعادوها 
وبذلك يكون عمر قد حرك النص من خانة الثوابت الي موقع آخر وبقي مجرد كلمات يحفظها ويرددها من يصرون علي مواصلة حفظها وترديدها دون تفعيل .. .. 
ومرة أخري وجد المعنيين يهمون بقطع يد رجل، فسألهم: ماذا تفعلون ؟
قالوا: نطبق الحد والشرع ونقطع يد هذا السارق ..
فقال لهم : ولكننا في عام مجاعة وطبيعي أن يسرق الجائع ونعذره 
فردوا : ولكن النص القرآني هكذا يأمر يا أمير المؤمنين ..
فأجابهم : ولكن الظروف الآن متغيرة ، وصرف الرجل دون أذي 
ومعني ذلك أنه حرك النص القرآني الثابت من خانة الثبوت الفعال الي خانة الحفظ الارشيفي لحين الحاجة اليه ثانية لوجود ظروف مستجدة .. وعندما تزول الظروف يعود النص الي مكانه مرة أخري ، فان عادت الظروف الاستثنائية عاد به مرة أخري للارشيف ..
أي أن عمر أعطي النص القرآني صفة الديناميكية.. لا الثبوتية.. 
وكما كانت عقلية عمر الديناميكية الجسورة سابقة لعصره - بعكس رجال كثيرين يعيشون بيننا وقد انفلتت عقولهم ساقطة في زمن ما قبل 1400 سنة تتكلم بقوانين ذاك الزمن وتستميت في الدفاع عنها ! - ، وهو عقلية قادرة علي تحريك الثوابت ، وايقاف أوارجاء فعاليتها ، كذلك كانت عقليته لديها القدرة علي صناعة ثوابت ! ، ولكن لا خوف من ذلك مادامت عقليته تعي أن الأمور كلها نسبية وبالتالي فان أية ثوابت قابلة للتغيير ، وذاك موضوع آخر ومن الممكن أن يكون له حديث آخر .. 

ذاك ما كان يفعله عمر بن الخطاب مع ما يسميه البعض ثوابت قرآنية لاتحرك ولا تتحرك وبينما كان القرآن لم يمض عليه سوي أقل من 40سنة .. والآن بعد مضي 1400سنة ختلفت فيها كل أمور الحياة - طعام وشراب : من الثريد الي البيتزا والهامبورجر ، ومن الخيمة الي العمارة ذات الطوابق العديدة ، ومن الناقة الي الطيارة ، ومن الحمام الزاجل ل الموبايل والانترنت ، ومن العلاج بحبة البركة الي العلاج بالليزر ، ومن الحجامة الي نقل و زرع الأعضاء ... !!
فتري لو كان ذاك القائد الجسور الواعي الفاهم المفتوح الذهن ، الذي لم يكن يعاني من قفلة المخ وقاكم الله واياي شر قفلة المخ ..
أقول لوكان يعيش معنا عصرنا هذا فماذا كان يمكن أن يفعل ذاك القائد الجسور؟!
لاأدري .. فربما استقل طائرة ، وتحت ابطه نسخة قرآنية وذهب لزيارة : جوانتانامو .. 
الحوار المتمدن-العدد: 1233 -  

تعليقات