مقالات 2005 = 45


الولد الصعلوك العكروت مع الوزير بالتليفزيون (!)



القصة رقم 14
الولد الصعلوك العكروت مع الوزير في التليفزيون (!)
قصة من الواقع بقلم : صلاح الدين محسن
كنا قد وعدنا القاريء بنشر بعض القصص من مجموعة قصصية من الواقع ، عن شخصيات ، قابلناها في حياتنا.. وتلك المجموعة حوالي 30 قصة كتبناها في كتاب بعنوان " من حديقة البشر" ، وهو لم ينشر بعد .. ونشرنا بالفعل قصتين منها منذ أيام قليلة مضت هما " مها زهرة الياسمين البيضاء " ، والأخري " شلضم .. التلميذ الذهبي يبيع الخضار بالشارع " واليوم ننشر تلك القصة والتي ترتيبها بالكتاب رقم 14 " :
========== 

حتي سن 27 من عمره ، لم يكن بعد قد تعلم القراءة أو الكتابة .. ، وكان يعمل مساعد نجار مع والده بقريتهم الصغيرة بمحافظة المنوفية 
تلك المحافظة التي ينتمي اليها كل من الرئيسين السادات ومبارك - ، وفي الأيام التي يختلف فيها مع والده – لكونه كثير الشغب سليط 
اللسان – كان يلجأ للعمل في صيد السمك مع ابن عمه ، فينزل في برد الشتاء الي ماء النهر خالعا ملابسه كاملة لنصب شباك الصيد ..
ولما ضاق من هذا العمل وذاك ترك القرية كلها وذهب للقاهرة ، حيث عمل هناك في بيع طوابع التمغة المزورة أمام الجامعة للطلاب والطالبات - وكان ذلك قبل اصابته بمرض في احدي قدميه أعجزه عن القدرة علي الجري فرارا من الشرطة التي كانت تطارد باعة التمغة المزورة عند الجامعة 
ثم ترك هذا العمل والتحق بعمل آخر لا يقدر عليه سوي الفتوات أو البلطجية من أرباب السوابق ممن تابوا أو يتظاهروا بالتوبة – وفي رعاية
الشرطة – وهذا العمل اسمه " عامل الكارتة " يقوم بتحصيل الكارتة - شيء أقرب للاتاوة - من سائقي الميكروباصات طواعية وكرها ، بالشجار والصياح – وفي
حماية الشرطة – 
وذات يوم قادته أقدامه الي مقهي صغير يفترش الرصيف ، بشارع جانبي وسط القاهرة بالقرب من ميدان التحرير يرتاده المثقفون – أدباء صحفيون ، شعراء ، فنانون تشكيليون .. وغالبيتهم من فقراء وصعاليك المثقفين .. 
والتقطت أذناه كلمات أعجبته كان أحدهم يلقيها بالعامية لزميل له ، وعرف أن هذا الكلام اسمه شعر ..
ويومها أحس بأنه باستطاعته أن يقول مثل ذاك الكلام ، ويصبح اسمه : شاعر مثل هؤلاء .. فالكلام بلدي جدا وسهل جدا أ ن يقول مثله
..ولم يجد أمامه من عقبة سوي أن يتعلم الكتابة والقراءة ..، فذهب لأحد فصول محوالأمية وتعلم بسرعة .. 
وفي نفس الوقت كان يواظب علي الجلوس علي ذاك المقهي ومصادقة الشعراء والمثقفين الذين قربوه منهم ، ثم بدأ يكتب شعرا حرا عاميا
بلا وزن ولا قافية – عملية سهلة لكل من لديه شاعرية– ونال منهم الاعجاب والتشجيع ، ولمسوا فيه موهبة ذات رائحة وطعم و لون 
جديد ، ولكثرة تداخلاته معهم وعلاقاته وصداقاته وطبيعته الاجتماعية وحضوره الشخصي ، بالاضافة الي سلاطة في اللسان –لازمة – يتمتع
بها .. ساعدوه علي نشر ما يكتبه ، ثم قدموه لبعض الصحف والمجلات العربية والأجنبية التي تهتم بشباب الشعراء والأدباء الذين يكتبون 
- بالعامية ، فكتبوا عنه بالألمانية والفرنسيبة ، ثم شجعوه علي التقدم لمسابقة شعرية تقيمها احدي المؤسسات الثقافية للدولة ففاز باحدي الجوائز ، واختاروه للقاء تليفزيوني مع وزير الثقافة الذي سلم الجوائز بنفسه للفائزين ..!
- ويروي لي ما حدث بقريتهم عندما فتح ابن عمه التليفزيون بمنزله الريفي الفقير ليفاجأ بابن عمه الصعلوك العكروت الذي رك القرية أميا بائسا.. يجلس مع وزير الثقافة ، فدفعه جنون الفرحة المفاجئة لاخراج جهاز التليفزيون الي الشارع والصياح بأعلي صوته علي أهل القرية داعيا اياهم الي
- مشاهدة هذا الحدث ..!!
- ثم طبع ديوانه الأول ، فالديوان الثاني ..، وراح النقاد يكتبون عنه وهو في الثانية والثلاثين من العمر .. أي أن كل ذلك تحقق في مدة لا تتجاوز 5 سنوات .. ولكثرة ما كتبت عنه الصحف والمجلات – ولا سيما الأجنبية – راح يردد أنا أكبر شاعر عربي .. ، بل وسعي لمناطحة شاعر عامية كبير في حجم الأبنودي ..!
- وذات يوم ، وأنا جالس علي احدي مقاهي وسط القاهرة - يرتادها المثقفون - ، دخل وحياني ، وجلس قريبا مني وراح يكتب ، لعله كان يكتب احدي قصائده ، ثم توقف فجأة ليسألني بشجاعة أدبية وبموضوعية شديدة وبلا أدني حرج - كمن يسأل عن عنوان شارع أو مكان ما – عن كلمة صعب عليه تهجيها .. ، وبنفس البساطة وبمودة ساعدته دون أن أشعره بأي حرج لأنه حتي تلك 
- اللحظة لم يكن قد حصل علي أكثر من شهادة محو الأمية ..، ولم تكن تلك هي المرة الأولي التي يسألني فيها عن كلمة بسيطة عجز عن تهجيها
- وفي اليوم التالي مباشرة ، جاءني علي نفس المقهي وجلس بجانبي بهدؤ وقال وكله احساس بالراحة ووبفرح راح يخفيه في بساطة وتواضع" لقد جاءتني دعوة لالقاء شعري بالجامعة الأمريكية بالقاهرة "... ، وقبل أن أسأله عن تفاصيل ، أخرج من جيبه خطابا مكتوبا بخط اليد ، تخاطبه فيه الدكتورة ، الراسلة ب : " أستاذي ..." وتدعوه للتفضل بقبول الدعوة لالقاء شعره علي طلبة الجامعة الأمريكية بالقاهرة والتوقيع:
- ( دكتورة : سامية .....) . .. .. 
- ثم عرفت فيما بعد أن شعره يدرس بالفعل في الجامعة الأمريكية !!
نشر بموقع الحوار المتمدن-العدد: 1347 - 2005 / 10 / 14

تعليقات