مقالات 2005 = 13 اليابانيون.. لايحبون عنترة بن شداد إإ...


اليابانيون.. لايحبون عنترة بن شداد إإ...



بعد ضرب اليابان بالقنابل الذرية ، واحراق مدينتين كبيرتين بها - هيروشيما وناجازاكي – وابادة ما يقرب من ربع مليون ياباني في ساعات قليلةفي الحرب العالمية الثانية .. فرك اليابانيون أعينهم ليحسنوا رؤية ما حدث ، ودعكوا أصابعهم في آذاهم ونظفوها جيدا ليتأكدوا مما سمعوا ، ثم وضعوا عقولهم وثبتوها في رؤوسهم ليفهموا بالضبط ويعوا الدرس ..
وبالفعل .. فهموا وتيقنوا بأن عصرا جديدا قد بدأ في حياة البشر .. انه عصر الدمار الشامل الذي يمكن أن يبيد الجنس البشري كله، والحياة برمتها علي وجه الأرض ، فلآ غالب ولا مغلوب وانما الدمار يمكن أن يحل بالجميع
ولأن اليابانيين قد حكموا عقولهم وفهموا .. لذا لم يخرج من يهتف منهم في الشوارع قائلا " بالروح ، بالدم نفديك يا هيرو هيتو – امبراطور اليابان وقتذاك – " فكيف يهتف عاقل بالفداء لزعيم مهزوم ؟؟!! ، جلبت سياسته الدمار لبلاده .. وكيف يكون الهتاف لشخص وليس للوطن ؟!، وفي مثل تلك الظروف ؟!!.. .. .. ولم يخرج منهم من ينادي " بالروح بالدم ؛ نكمل المشوار .." !! أي مشوار ؟! أتراه مشوار الدمار الشامل ؟! ولم يظهر مؤلف أغاني ياباني يقول في زمن القنبلة الذرية " أصبح عندي الآن بندقية ، الي هيروشيما خذوني معكم" * ..!! ، وان كان قد ظهر مؤلف أغاني ليقول مثل تلك الكلمات .. فأكيد لم يجد مطربة كبيرة تغنيه ولا ملحن يلحنه .. .. ولم تصيح مطربة يابانية بأغنية حماسية تقول فيها ما يستغفل الناس ويستخف بعقولهم " وعضم ولادنا نلمه نلمه نسنه نسنه ونعمل منه مدافع وندافع" ** .. !! 
فهل سمعتم عن عاقل يلم العظام ويسنها ويصنع منهامدافع ويدافع ؟؟!!، وأية مدافع في زمن القنبلة الذرية والدمار الشامل الذي يمكن أن يحصد الجميع ؟؟!!.. .. ولم يعد فيهم من يتحرق شوقا لسماع البلاغات العسكرية أو الأناشيد القتالية ليلا ونهارا .. ولا من يتلهف تلهفا علي الحرب ، تلهف الصغير علي لعبة يلهو بها !! .. ولا من يطالب بضرورة صناعة قنبلة ذرية كتلك التي ضربتهم بها أمريكا أولا وقبل كل شيء حتي ولو كان الثمن هو الجوع والفقر والتخلف بعد انتهاء الحرب بنصف قرن من

الزمان - كما فعل آخرون - ! .. ، حقا لقد أدرك اليابانيون أن عصرا جديدا قد حل علي الجنس البشري لا مكان فيه للفخر بالحرب وسفك الدماء ، عصر يجب أن تأخذ في البطولات أشكالا وألوانا مختلفة .. ، عصر يؤذن بانتهاء زمن الشاعر العربي " عنترة بن شداد " الذي لم يكن يملك شيئا يفخر به أمام الآخرين سوي القتل بالسيف ، ولم يكن يري شيئا رائعا يشبه به ثغر حبيبته سوي بريق السيف !! ولا يعرف شيئا جميلا كالوردة الا الأرض وقد صارت حمراء بدماء من قتلهم من البشر :
فاذا ما الأرض صارت وردة مثل الدهان
ولا يجد نغما يطربه أفضل من صليل السيوف :
حتي تطربان فاسمعاني نغمة الأسياف 
(!!) أطيب الأصوات عندي حسن صوت الهندوان 
والهندواني هو السيف المصنوع في الهند .. لأن عنتره لم يكن يعرف هو أو أحد في بلده كيف يصنع سيفا يحارب به أعداءه كذاك الذي تصنعه الهند .. - نفس حال أسلافه العناترة العرب الآن ، وبالضبط .. - .. ، لم يكن بوسع عنترة أن يفخر بأشياء غير ذاك الشيء الدموي لأن عصره لم يكن يعرف ناطحة سحاب يفخر الانسان بأنه بناها - مثلا – فزمنه وبلده لم يكن يري سكنا أعظم من الخيمة البدوية، ولم يكن في زمنه صناعة لطائرة يطير بها مسافرا بين الدول . اذ لم يكن سوي الجمل أو الحصان وسيلة للانتقال ، ولم يكن أحد قد عرف صناعة الصاروخ أو المدفع أو حتي البندقية فيصنعها ويفخر بها أمام محبوبته عبلة" "" ولم يكن التليفون أو التليفزيون قد عرفته أمة من الأمم في ذاك الوقت .. فمثل تلك الأشياء وغيرها من صناعات عصرنا الحديث لم يكن عصر عنترة بن شداد يعرفها كي يلجأ الراغبون في عمل بطولات الي صنعها .. لذا لم يكن أمام عنترة لتحقيق بطولة يفخر بها سوي الاندفاع بشجاعة وسط المعركة حاملا سيفه ليقاتل أعداء قبيلته ويطير رقابهم ويجندلهم صرعي من فوق جيادهم فتصبغ دماؤهم الأرض حمراء بلون الوردة (!) وقد فعل اليابانيون مثل تلك البطولات العنترية – بل أكثر منها - بطريقتهم حتي عام 1945 في الحرب العا لمية الثانية ، اذ فعلوا ما لم يفعله أي عنترة بأي أمة أخري من قبل ، وهو العمليات

الانتحارية أو ما يسميهاغيرهم الآن بعد أن تعلمها منهم - العمليات الاستشهادية - .. ولكن اليابانيين صحوا علي واقع رهيب عندما صدموا بسلاح الدمار الشامل في هيروشيما وناجازاكي الذي يبيد في الحال لا العشرات ولا المئات ولا الآلاف وانما مئات الآلاف جملة واحدة - تلك كانت القنبلة القديمة 1945 !! وبضربة واحدة ولا يدمر أو يحرق عدة مساكن أو أـبنية ولا بضعة أحياء سكنية وانما مدينة كاملة بكل ما ومن فيها !! وأنه لم يعد أمامهم سوي السلام أو الفناء بالدمار الشامل .. وهنا حكم اليابانيون عقولهم وفكروا ولم يستسلوا كما يعتقد البعض وكما يقال .. كلا وانما رأوا أن الانسان قد دخل عصرا جديدا ممكن أن تأخذ فيه الحرب بل يجب أن تأخذ شكلا جديدا وطريقة مغايرة لما عرفه الانسان طوال تاريخه الطويل ، وكذلك البطولة والرغبة في احرازها يجب أن تأخذ مفهوما جديدا ومختلفا عن البطولة التي كان يفهمها عنترة بن شداد - أي عنترة بأي بلد وبأي عصر سابق لعام 1945 وحادثة هيروشيما وناجازاكي ... فماذا فعل اليابانيون ؟ أعلنوا الاستسلام التقليدي - ونقول التقليدي - 
لأمريكا ، ووقعوا علي ذلك وفتحوا بلادهم للقواعد العسكرية الأمريكية ، ثم بدأوا الحرب ضد أمريكا بالطريقة الجديدة ، ومضوا يحققون البطولات المدهشة - بالطريقة الجديدة - .. تركوا القوات الأمريكية فوق أراضيهم في قواعدها ، ووضعوا ألسنتهم داخل أفواههم وأحكموا الغلق عليها ، ولم يعلن زعيمهم أنه سيحرر كل ذرة رمل من بلاده من " دنس " الأجنبي ، ولم يعلن أنه لن يتنازل عن شبر واحد من أرض الوطن الطاهرة " ولو مر علي ذلك 30 سنة بلا عمل سوي الكلام ..! " ، ولم يرددوا شعارات من نوع : لا صلح ، ولا تفاوض ، ولا اعتراف بالاحتلال .. ، ثم يكررونها ويعيدونها ويزيدونها دونما معني !! ولم يكونوا ميلشيات لضرب قواعد المحتل الغاصب ..! ليرد عليهم بالطبع دونما نتيجة سوي المزيد من القتلي والدماء ! ولم يخرج من يصيح " سنحارب من أجل الشرف الياباني ! " ، " سنقاتل من أجل الكرامة اليابانية ! " ، و " الموت الزؤام أو الاستقلال التام !" ... وانما كانت حربهم أن مضوا في بناء بلادهم واقامة المصانع وتطوير الصناعات ، والعمل والعمل والتقدم بالتفاني في العمل والاخلاص فيه حتي أعادوا بناء بلادهم وتفوقوا علي المحتل الأجنبي في الصناعات ، فراح يستورد منهم وغزوه في عقر داره بصناعاتهم ! فلم يعد بمقدور أمريكا أن تشغل عندها أسرع وأرقي قطار طائر الا اذا استوردته من اليابان 

ولم يعد بمقدور أمريكا أن تطلق سفينة فضاء تحمل أرقي الالكترونيات – شرائح الكومبيوتر - الا اذا استوردت تلك الالكترونيات الراقية من اليابان ! وأصبح لناطحات السحاب الأمريكية مثيلا وندا لدي اليابان ..، وأصبح المواطن الأمريكي الذي يفخر بالرفاهية وبأعلي مستوي معيشة في العالم لا يزيد في ذلك بشيء عن المواطن الياباني ! ، ورغم وجود قواعد أمريكية داخل اليابان الا أنها لم تمنع اليابانيين من تحقيق كل هذا النصر علي أمريكا .. ، ولم يكتف اليابانيون بالصراخ والصياح دونما عمل : " ان الاستعمار لايريد لنا التقدم " مثلما يفعل آخرون ! ، " ولا بالقول " ان الاستعمار يكره لنا النمو والنهوض " ! كما يقول غيرهم ببلاد حصلت علي استقلالها وطردت القواعد الأجنبية من بلادها من عشرات السنين ، وصلت في بعضها الي نصف قرن وأكثر من الزمان ولم تتقدم قيد أنملة للأمام ! بل رجعت كثيرا للوراء ولا تكف عن الصراخ والصياح مشيرة بأصابع الاتهام – بأصابع اليدين معا – نحو الاستعمار الذي رحل عنها منذ زمن بعيد ! - لتبرر وكستها ونكستها ! –
وتحول الثأر بين اليابان وأمريكا الي صداقة - مثلما يتحول الثأر بين عائلتين بصعيد مصر الي مصاهرة .. ! !
والآن لا يشغل اليابانيون أنفسهم بالقواعد العسكرية الموجودة علي أراضيهم ، ولا يعنيهم كثيرا ان كانت تذهب أو تبقي فهي لا تعوق تفوقهم علي أصحاب تلك القواعد .. ويقولون عنها " نحن لا ننظر الي الوراء " .. ، وفوق ذلك فهم واثقون من أنهم لو طلبوا اخلاء تلك القواعد من أراضيهم ، وبعد أن توافرت النوايا الحسنة بين الطرفين فلن يكون الجواب سوي : ليكن لأصدقائنا ما يريدون .. .. ، صحيح أن ذلك لن يكون في يوم وليلة ، ولكنه سيكون بلا حرب .. مثلما استردوا بعض جزرهم بلا حرب .. نعم اليابانيون يمكنهم أن يقولوا : لا .. وبدون طلقة رصاص واحدة يمكنهم تحرير أراضيهم وأصبحت أياديهم
- المجتهدة والمكافحة : بالعمل - ، والمناضلة : بالابداع والابتكار والتحديث .. هي اليد العليا التي تعطي وتمنح الآخرين الأرقي والأدق من التكنولوجيات والصناعات الحديثة ..، وأصبح لديهم الكثير والكثير جدا مما يفخرون به مفاخرة غير مفاخرة عنترة بن شداد حين كان يخاطب حبيبته عبلة :

يخبرك من شهد الوقيعة أنني أغشي الوغي وأعف عند المغنم 
ولعل مفاخرة عنترة الياباني الآن أمام عبلة اليابانية هي :

يخبرك رفاق المصنع أنني : أصنع تليفزيونا أو كومبيوتر في ساعة ! 

صلاح الدين محسن و .. أمجاد يا يابانيين أمجاد .. بحق ، وليس بالأغاني و الأناشيد .....
------------------------------------------
* ، ** من أناشيد عربية ظهرت بعد الوكسة في 1967 
الأول كانت تغنيه أم كلثوم ، والثاني كانت تغنيه المطربة المعتزلة فايدة كامل – عضو البرلمان المصري الآن - . 

و .. أمجاد يا يابانيين أمجاد .. بحق ، وليس بالأغاني و الأناشيد .....
------------------------------------------
* ، ** من أناشيد عربية ظهرت بعد الوكسة في 1967 
الأول كانت تغنيه أم كلثوم ، والثاني كانت تغنيه المطربة المعتزلة فايدة كامل – عضو البرلمان المصري الآن - . 
---

تعليقات