مقالات عام 2005 = 11


في بيتنا عانس..! مأساة كل بيت في مصر


لعلنا جميعا قد قرأنا ما نشرته العديد من الصحف والمجلات المصرية ، من أن تعداد من فاتهم سن الزواج المعتاد في مصرمن الجنسين – اناث وذكور – هو 9 ملايين ( تسعة ملايين ..!) وهو رقم بلا شك مخيف ، بل يبعث علي الفزع من شدة الأسي ، فكل انسان مصري ، بل وكل انسان في أي مكان يتمتع بكامل نعمة الوعي والاحساس ، لابد وأنه سوف يدرك أننا أمام محنة ، مأساة قومية – بل وانسانية بشكل عام – تثير الشجن وتبعث علي الكآبة ... 
واسمحوا لنا في البداية أن نستخدم كلمة " عانس " باعتبارها تعني الجنسين – الذكور والاناس – كي لا نضطر في كل مرة نذكر فيها الحالة الي أن نصف من تعدت سن الزواج ا لمعتاد بأنها عانس ، ونقول عن الذكور : ( الذكور الذين تجاوزوا أوفاتهم سن الزواج المعتاد ) .. لما في ذلك من اطالة يمكن تجنبها ، بالاضافة الي أن الرقم ( تسعة ملآيين ) نفضل أن نبقي عليه هكذا جامدا ، معبرا أكثر عن حجم المأساة التي أمامنا ، أفضل مما لو جزأناه فنقول 5 ملايين عانس ، 4 مليون ذكر تجاوزوا سن الزواج المعتاد .. 
ثم نقول : ان تعداد مصر الآن حوالي 67 أو 70 مليون - تقريبا - ، ولو افترضنا أن كل أسرة مصرية تتكون من الأم والأب وعدد 5 من الأولاد والبنات ، أي اجمالي عدد الأسرة هو 7 أفراد فان عدد الأسر : 67 ÷ 7 = 9 مليون أسرة تقريبا .. في مصر ..
ولو أننا قسمنا عدد العوانس ال9 تسعة ملايين علي عدد الأسر ( التسع ملايين أسرة ) لاتضح لنا أنه يوجد عانس – أنثي أو ذكر – في كل أسرة مصرية .. قي كل بيت مصري ..!! 
ما معني أن يكون البيت المصري ( كبيت شرقي له تقاليده التي نعرفها .. ) به عانس ؟!!
معناه أن الأب يبيت في كل ليلة مهموما مغموما يفكر في مصير ابنته بالذات – وابنه أيضا بالطبع ..- وهو لا يعرف كيف يتصرف ؟ ولا ما الذي يمكن أن يفعله لأجلها ؟!!
هل يخرج الي الشارع ويمسك بأحد الشباب أو الرجال ويقول له تعالي لتتزوج ابنتي ؟! واذا كان هذا من قبيل الممكن أو اللآئق .. فكم من الشباب أو الرجال مهيء الآن لتحمل نفقات الباءة - الأعباء الزوجية - ؟!! 
وها هو الأب يري عنكبوت التجاعيد وقد بدأ ينسج خيوطه حول عيني الابنة مؤذنا بأن الشباب سوف يولي عنها ، وستدخل في طور الشيخوخة ، وسيبدأ الشيب في طلاء شعرها باللون الأبيض ..!فماذا يمكن أن يفعل الأب ؟! ويمضي يسأل نفسه في كل ليلة قبل أن ينام .. ولا غرو اذا ذرفت من عينيه الدموع وهو يسأل نفسه أسئلة من نوع : لو لم تتزوج ابنتي وفاتها قطار الزواج نهائيا فتري ماذا ستفعل من بعدي ؟!! ومع من سوف تقيم ؟ مع أخيها وزوجته ؟! ، وهل ستجد الراحة مع زوجة أخيها ؟أم ستعيش مع خالتها ؟ أم مع عمتها ؟!! أم ستفضل العيش بمفردها ، وهل ستكون حينها في مأمن من ألسنة الناس ونحن مجتمع شرقي لا شغلة له سوي جلد بعضه البعض والتربص كل للآخرين علي مسائل وأمور الجنس ؟!!! 
هذا عن حال كل أب .. أما الأم فالبطبع سوف تكون أكثر تعاسة من زوجها علي حال ابنتها التي تري شبابها ينزوي أمام أعين الام ، وعمرها يجري دون اكمال دورة حياتها .. ودون أن تصبح زوجة وأما لها زوجها وبيتهاالخاص وأولادها وبناتها .. تربيهم ككل الأمهات ، تحبهم ويحبونها ، ككل أنثي .... هم مشروعها الذي تكبره وتنميه ، وتسعي جاهدة لانجاحه .. فالأمومة حياة الأنثي .. 
وترقب الأم ابنها " العانس .. " الذي أشرف عمره علي سن الأربعين ..! فتلبسها الحسرة ويكسوها الغم عندما تري الصلع – أو الشيب - وقد راح يغزو رأسه دون أن يتمكن من تدبير نفقات الزواج وبناء عش للزوجية .... وتري أن عمرها قد يولي دون أن تري له أولادا ..! ، وان ذلك ليس فشلا لابنها وحده وانما كل أم في مثل تلك الحالة تعتبر نفسها هي التي فشلت في حياتها كلها ، ما دامت لم تتمكن ، أو لم يتمكن ابنها من – فهذا لا يفرق عند الأم - من أن تزوج أولادها وبناتها جميعهم ، قلوا أم كثروا وتري كلا منهم ومنهن له بيت وله ذرية ..
وتدخل أم العانس فجأة لتجدها وحيدة في غرفتها وقد أحنت رأسها بين يديها وراحت في دوامة من الحزن و اليأس من أن تصبح أما في يوم من الأيام ، يأس من أنها سوف تسمع من يناديها بكلمة " ماما " في يوم من الأيام .. وتفيق الابنة علي هدهدات يد الأم الحانية ، وصوتها وهي تواسيها ، محاولة تخفيف وجع قلبها وحسرة نفسها ..، فتنهض الابنة وترسم علي وحهها ابتسامة مصطنعة .. ، وتخفي دموعها ، وتنفي للأم أنها كانت تبكي ، وتدعي وحسب أن النعاس كان قد غلبها ..رفقا بالأم وبقلبها من الحزن والنكد من حال ابنتها ..
ولا سيما اذا كانت الأم مريضة – وغالبا ما يكون مرض الأم بسبب تأخر زواج ابنتها وتحولها لعانس ..وتواسي الأم الابنة ببعض كلمات الصبر والأمل حتي يحين الأوان ..!،وتسارع الأم فورا بالخروج الي غرفتها لتنام بدورها علي سريرها وتدفن وجهها في وسادتها وتبكي حال ابنتها - أو ابنها العانس - فان كان للأم ابنة أو ابنا أصغر ولمح حزنها ودموعها في عينيها أصابه – أو أصابها – الغم والنكد أيضا ..، ثم يأتي دور الأب .. كذلك أيضا يشاركهم الحزن والنكد .. وبذلك يعم الاكتئاب علي البيت كله بفعل: العنوسة !!
لماذا لا يكون للعانس حق الحياة؟!!

، وتنجب عصافيرا صغيرة تفرح ان العصفورة بمجرد أن تتعلم الطيران وتستطيع الاعتماد علي نفسها : يكون لها عش تحيا به 
وتطعمها وترعاها وتعلمها الطيران ، أي تعيش الحياة .
وكذلك القطة .. بمجرد أن تكبر وتقدر علي الاعتماد علي نفسها ، تجد لها زوجا ويكون لها صغارا ترضعهم وتربيهم وتمارس أنوثتها ، وأمومتها كحق طبيعي لها .. 
وكذلك الحمامة ، وكل الاناث بكل الكائنات تحصل علي حقها في الحياة ، في العيش والزواج .. ، فلماذا تحرم 5 خمس ملايين أنثي في مصر من ذاك الحق ؟!! !! ولماذا يعشن في يأس وحزن يخيم عليهن وعلي أسرهن ..؟! أي ذنب ارتكبته 5 مليون أنثي مصرية ، 4 مليون ذكر ( عوانس ..) في مصر حتي يحموا من مثل ما تتمتع به العصافير والقطط وغيرها من الكائنات.. من حق الزواج والانجاب وممارسة الحياة كباقي المخلوقات والبشر .. 

دعوة لانشاء حزب - أوجمعية – للعوانس باسم " حزب – أو جمعية – " الحق في الحياة "

مادام تعداد العوانس في مصر9 تسع ملايين .. فهو بالتأكيد رقم ضخم للغاية وكفيل بأن يقلب أية انتخابات – صحيحة - .. فهم بذلك أكثر من 10% من اجمالي تعداد مصر وكلهم لهم حق الانتخاب بحكم السن أما نسبتهم فيمن يحق لهم الانتخاب ، فالرقم بالطبع سوف يتضاعف أضعافا ، وأتخيل أنه من الممكن ، بل من الواجب قيام حزب – أو جمعية – للعوانس باسم " حزب الحق في الحياة " - مثلا .. 
و يلزم الحزب جميع أعضائه بضرورة حمل بطاقة انتخابية ، ويعلن الحزب صراحة عن أن أعضاءه لن يمنحوا أصواتهم في أية انتخابات برلمانية ، أو رئاسية ، أو غيرها الا لمن يقف بجانب حقوقهم ، ويدخل مصالحهم في برنامجه ، ويضع برنامجا محدد الخطوات والمدة لحل مشاكلهم .
ومن حق الحزب – أو الجمعية – أن تكون له جريدة تتكلم باسم أعضائه وتنقل مشاعرهم وأحاسيسهم وتجاربهم الانسانية وظروفهم وأحوالهم وآلامهم وآمالهم .. ويجب أن تكون الجريدة مرآة لشعب مصر ، ومصر بكل ما فيها لتري حجم الورم والألم الذي تطوي عليه جنبها وقلبها وتتوجع بلا كلام ، وتئن بلا صوت - عفة واستحياء - ، ولا بأس من أن تنشر المجلة ابداعات المبدعين منهم من غير المشهورين .. 
ويجب ألا يقتصر دور الحزب علي اصدار جريدة شأنه شأن بقية الأحزاب التي تكاد تكون مجرد مؤسسات صحفية ! وانما يجب أن يكون له نشاط فعال في ايجاد حلول عملية لمشاكل أعضائه الذين قام الحزب لأجل حل مشكلتهم ، ولا يكتفي بمجرد دعوة الدولة لايجاد الحل وانما يعمل من ناحيته بكل ما يستطيع ، فتكون به أمانة خاصة بالعمل الفعلي لمساعدة الأعضاء .

ما هو حل مشكلة ومأساة العنوسة ؟!

ما هو الحل حقا وما هو المخرج من تلك المأساة القومية ؟! 
هذا هو ما كان يشغلني منذ بدأت المشكلة تظهر أوجاعها .. وكان يتبدي أمامي شكل للحل .. ، ولكنني عندما دخلت السجن السياسي من عام 2000 وحتي عام 2003 وجدت معي اناسا كان واجبا علي أن أستطلع آراءهم في كيفية حل تلك المأساة القومية الكئيبة .. اذ كان معي نزلاء من مختلف الجماعات الاسلامية – الجهاد ، والتكفير والهجرة ، والجماعة الاسلامية ، وجماعة التبليغ والدعوة .. ، والاخوان المسلمون .. 
وقد أجمع الكل – فيما عدا جماعة الاخوان المسلمين – علي أن الحل هو تعدد الزواج ، وبقول فيه حسم وقطع .. وكان سؤالي قد حمل للجميع مفاجأة لم تكن في حسبان أحد منهم أصلا .. وهم الذين يحلمون ، ويخططون لحكم مصر !!! –
أما جماعة الاخوان المسلمين فقد سألت ثلاثة منهم هم : الأستاذ مختار نوح - وهو اسم اخواني معروف ، وعضو سابق بمجلس نقابة المحامين - ، وقد فاجأه أيضا السؤال ونوع المشكلة .. ففكر قليللا ثم قال بهدؤ وأدب " أنا بصراحة ليست لدي مفاتيح للمشكلة " ، ثم استطرد " .. وان كان البعض يري الحل في تعدد الزواج " ، وقال ذلك بحيادية شديدة .. ، ثم سألني عما اذا كانت لدي مفاتيح للقضية ؟ ، فأجبته : بل انني أيحث عن مفاتيح ، ومن يتوصل اليها منا فليطلع الآخر عليها .. 
أما زميله الأستاذ " خالد نبوي " وهو محامي أيضا ، فقد أجاب بنفس الصراحة والأدب بما معناه أن القضية وحلها ليست حاضرة بذهنه حتي يفتي باجابة علي السؤال ..
أما ثالثهم فهو : الأستاذ أحمد الحلواني - ويعمل مدير مدرسة – فقد أعطي حلا وان كان جزئيا ، الا أنه لا بأس به ..، قاله بعد أن فكر قليلا واجتهد ، حيث فوجيء أيضا بالسؤال ونوعية المشكلة المطروحة - وكأنها مشكلة ليست موجودة بمصر (!!) 
وكان الحل عنده هو : زواج المسيار ...
سألته : كيف ؟ فأجاب : أن تبقي الفتاة في بيت أهلها الذي تقيم فيه ، ويتم الزواج بنفس ما لديها من أثاث ، وبنفس ما لديها من سكن ، علي أن يتردد عليها الزوج مرة أو مرتين في الأسبوع حسب اتفاقهما .. ليقضي معها بعض الوقت ، ثم يعود الي بيته .
وفي ذلك - في رأيي - حل جزئي ، لا بأس به سوف يغني عن عدة معضلات منها ، الشقة ، والأثاث .. ولكن بالطبع لن يكون زواج المسيار هذا حلا شاملا ولا دائما للقضية بكل أبعادها وطبقاتها .. فقد يتبرم أحد أفراد الأسرة من كثرة حضور الزوج المسيار .. وان لم يحدث ذلك ، فماذا بعد سنة ؟ .. طفل طبعا .. ، وبعد سنة أخري ؟ طفل آخر .. وان كانت الأسرة سوف تحتمل دخول الزوج المسيار وخروجه فتري هل ستحتمل أطفالا جدد بالشقة ؟!! 
وان كان بالأسر أكثر من ابنة .. فأحيانا تكون بالأسرة 3 و 4 بنات .. وكل واحدة بالطبع من حقها أن تتزوج زوجا مسيارا كأختها لتستقبل زوجها بشقة الأسرة كأختها .. وبعد ام أو عامين تتحول الشقة الي دار للحضانة ..! 
ومع ذلك فان ذاك النوع من الزواج من الممكن أن يكون حلا وبلا مشاكل لبعض الأسروبعض الحالات .. ولكن لكي يمكن الأخذ به فلا بد من الدعوة له وتهوين مسألة الأخذ به ، كشكل من أشكال حل تلك المشكلة .. 
هذا عن زواج المسيار كحل مقترح –بشكل فوري تلقائي دون سابق تفكيرفي المشكلة ، دون العيش في همها .. 
فماذا اذن عن تعدد الزوجات كحل ؟!! 
نقول : ان تعدد الزوجات لن يكون بالطبع الا لميسوري الحال الذين يستطيعون تحمل أعباء الباءة لأكثر من زوجة .. أليس كذلك ؟! أم هو لكل رجل قادر كان أم غير قادر؟! بالطبع هو للقادر الميسور وليس المعسر .. حسنا ، ولكن هل ميسور الحال عندما نحثه علي زواج آخر – أو يسعي هو لذلك – لحل مشكلة العنوسة ، هل سيذهب للزواج ممن عمرها بين 35 :40 سنة ؟!! .. بالطبع لا لأن ميسور الحال سوف يتزوج من واحدةعمرها من 18 : 20 ربيعا ... – بفلوسه ..! أم أنه سيدفع فلوسه للزواج ممن غزا الشيب مفرقها وزحفت التجاعيد علي وجهها؟! لا طبعا ..
بينما المشكلة التي نحن بصدد حلها هي تزويج الكبيرات وليست تزويج الصغيرات ..
هذا من ناحية ، ومن ناحية أخري فانه اذا قيل بوجوب تعدد الزواج ، فان أغلب من سيفعلون ذلك من الموسرين ستكون أعمارهم فوق الخمسين ، وربما فوق الستين ، أو علي الأقل فوق الأربعين – في الغالب - وسيتزوجن كما قلنا صغيرات – بفلوسهم ..- أي أن فارق السن سوف يكون كبيرا – بين 25 : 45 سنة فارق في السن !! – وبذلك تكون مثل ذاك الزواج هو مشروع لترميل زوجة بعد 10 أو15 سة بالأكثر ، و تيتيم أطفال وهم في سن العاشرة !! ،أو الخامسة عشر علي الأكثر حيث يكون الأب قد توفي الأب ، ويترك الأم الشابة مع أولادها اليتامي في سن حرجة .. ، ولا تدري هل تتزوج ولا ندري ماذا يمكن أن يحدث لأولادها مع زوجها الجديد ؟! أم تقضي باقي حياتها معذبة بلا زواج ، راهبة في محراب الأمومة ؟ وكم واحدة هي التي تقدر علي ذلك ؟ ، قليلات هن اللآئي يقدرن علي ذلك ، وفي أغلب الحالات يتشرد الأولاد والبنات وينحرفوا .. 
اذن تعدد الزواج ليس حلا ، وانما هو حل استسهالي ، ارتجالي ، اعتباطي ينم عن عدم فهم أبعاد وعواقب هذا الذي يظن أنه حل ، وعدم فهم المشكلة أو التفكير فيها من البداية أصلا كما سبق وذكرنا ..
وليسمح لنا القاريء بالاستطراد أو الاستدراك بالقول : لو افترضنا أن تعدد الزواج ممكن أن يكون حلا .. فطبعا تعدد الزواج هوبالنسبة للرجال ، حيث لا يوجد تعدد زواج للنساء .. ولنفترض أن رجالا متزوجين قاموا بفعل تعدد الزوجات وتزوج كل رجل متزوج من 3 أخريات فاقترن مليون ونصف مثلا من الرجال أو مليونين بالخمس ملايين عانس .. نفترض ذلك .. فهل هكذا تم حل المشكلة ؟! كلا .. فهناك 4 ملين رجل عانس .. ، ولم يحل سوي نصف المشكلة فقط وهذا دليل علي أننا لم نحسن رؤيتها جيدا .. ، رأيناها من جانب واحد دون الآخر ، اذ أن مشكلةالعنوسة ليست قاصرة علي ال5 مليون أنثي ، بل 4 ملايين ذكر وجودهم هكذا ليس أقل ضررا ولا أقل في حجم الذنب الذي يتحمله المجتمع تجاههم ولا أقل من حيث الثمن الذي يدفعه المجتمع بسبب عنوستهم .. 
فهل نزوجهم أو نساعدهم علي الزواج من فتيات صغيرات في السن 20 سنة ، لنخلق بذلك مشكلة تفاوت الأعمار بين الأزواج ومضارها التي سبق وأن ذكرناها ؟..
وأيهما أفضل : أن يتزوج هؤلاء – الملايين من الذكور العوانس - من ملايين الاناث العوانس اللآئي يتناسبن معهم في العمر والظروف .. أم من صغيرات لا يتناسبن معهم في العمر والظروف ولا في التفكير ؟! 
وأيهما أفضل وأكثر حكمة : أن نزوج العانسات الاناث لرجال متزوجين - أخذا بنظرية التعدد في الزوجات – ليواجهن وبعد طول صير مشكلة وجود ضرة ، ويواجه أولادهن فيما بعد مشاكل توزع مشاعر واهتمام آبائهم بينهم وبين أخوتهم من زوجته الأولي – وربما زوجاته .. الأخريات ..! - ؟؟!
أم الأصوب هو أن يتزوج العوانس الذكور من العوانس النساء ؟
لعل الصواب هو : أن يتزوج طرفا المشكلة بعضهما البعض ويلتئما ، فالطرفان هما الأقرب لبعضهما والأنسب من كافة النواحي ، العمر والتفكير ، والجيل ..وبذك تفند وتسقط نظرية تعدد الزوجات ، حيث تبين من تحليليها أنها فاسدة من كل الاتجاهات ..

جمعيات تيسير الزواج .. أم تيسير الحج ؟!! 

أذكر أن من بين من كنت أستطلع رأيهم في كيفية حل المشكلة والمأساة القومية تلك ، أن أحد أفراد الجماعات العقائدية الذين التقيت بهم في السجن السياسي كما سبق أن ذكرت ..، قال لي : ان هناك عدد كبير جدا من الجمعيات الخيرية تحمل اسم " جمعية تيسير الحج " ، ومن رأيه أن كلمة تيسير معناها افتعال اليسر ، بينما المفروض ألا يأتي الحج الا من يسر وليس من افتعال اليسر افتعالا ، ومن رأيه ان مثل ذاك التيسير سواء كان المقصود به التيسير المادي أو التيسير الجهدي ، فان الشخص الذي عنده ابن أو ابنة في حاجة للزواج فان ابنه أو ابنته أولي وأحق بهذا التيسير بكل أنواعه .. وأن مثل تلك الجمعيات لو قصدت عمل الخير فعلا لحولت نشاطها لتيسير الزواج .
ونضيف : ولعل أيضا الأمة التي يحتاج أبناؤها وبناتها الي الزواج ، لا يجوز أن تنفق المليارات كل سنة علي الحج في بلد يعاني من كثرة المليارات والملايين والبليونات من أموال النفط ، وان شاء من يدفعون تلك الأموال للحج أن يفعلوا خيرا أكبر فليدفعوا تلك الأموال في تيسير الزواج .. 
ولعل ذلك لو حدث ، وقامت الجمعيات بالاجتهاد كل جمعية بطريقتها وتنافست لأجل عمل الخير لرفع الحزن من قلوب الملايين ، وازاحة الغمة عن الآباء والأمهات .. بل الأخوة والأخوات ممن تظلل بيوتهم سحابة العنوسة القاتمة الجالبة للكآبة لأثمرت جهود تلك الجمعيات أطيب ثمار الرحمة والبركة ، ، وفي ذلك أتصور احدي الجمعيات وقد جمعت التبرعات من القادرين لدعم المشروع ، وأخري تقيم حفلا خيريا لصالح النشاط ، وثالثة تنظم حفلات الزفاف الجماعي لتجنب المتزوجين عبء النفقات الباهظة للزفاف ، ولا يحتملها هؤلاء الذين تعثروا وتأخروا في الزواج لقلة الامكانيات المالية ، وأتصور جمعية أخري تقوم بعمل جهاز بسيط وجميل وقليل التكلفة – الأثاث أو السكن - ، وجمعية تحث المقتدرين علي اهداء ما يقدرون عليه من السكن – وربما المساكن - لمساعدة العوانس في الزواج ، وجمعية تحث أصحاب العمارات علي تقديم عقد ايجار بدون مقدم لشقة بكل عمارة لا يزيد الايجار الشهري عن ربع الحد الأدني للأجور ، وأتخيل جمعية أخري تقوم ببناء المساكن بالصحراء - بالجهود الذاتية والتبرعات – وتسلمها مجانا لهؤلاء ، بيوت مصممة نموذجيا ، ومهيأة لممارسة نشاط انتاجي منزلي .

من يدفع ثمن عنوسة 9 ملايين مصرية ومصري، أم هي بلا ثمن ؟!

كلا بل لها ثمن وثمن باهظ للغاية ، والذي يدفع ثم عنوسة 9 ملايين مصري ومصرية هو المجتمع بأكمله .. 
كيف ؟
الجواب هو : أن هؤلاء الملايين التسعة هم جميعا عاملون ، لا تنقصهم خبرة ولا تدريب .. 
فتري : كبف تكون أحوال الصحة النفسية والعصبية لديهم بعد أن فقدوا الأمل في - أو كادوا أن يفقدوه – في أن يكملوا دورة حياتهم مثل العصافير والقطط ، ومثل باقي البشر الذين تزوجوا ، وأصبح لهم عش ، وأطفال ؟!!
كيف للعمال منهم أن يحسنوا عملاأو يحسنوا انتاجا ، وهم ليسوا في حالة استقرار مع أنفسهم - بيولوجيا أو نفسيا - اذ يعيشون بلا زواج ، مخالفة لسنة طبيعة كل الكائنات الحية ؟! 
وكيف لا ينتقم العامل في عمله من مجتمع ظالم يحرمه من حق الحياة ؟! ، ينتقم من العمل وصاحب العمل والمستفيد من العمل - أي من الجميع - .. وتكون النتيجة أن مصر تستورد كل شيء - هل يمكن تجاهل عامل كهذا ؟! - أوليس لظلم 9 ملايين دور في ذلك بقدر أو بآخر ، ولو كان الدور خفيا ولا يراه الكثيرون .
والذين يعملون بالتدريس من هذه الملايين التسعة كيف يربون وينشون أجيالا وهم ليسوا مستقرين نفسيا وعصبيا وبيولوجيا - فضلا علي الأسباب الأخري - ؟!
وأية أجيال تلك التي يمكن أن تخرج من بين أيادي مثل هؤلاء المدرسات والمدرسين ؟!
وكيف لا ينتقموا من المجتمع بالدروس الخصوصية وهم يرون أمامهم مئات الآلاف من المساكن – الشقق – مغلقة من عشرين عاما ( حكومية وأهلية ) انتظارا لمن يدفع الآلاف ، ومن أين لهؤلاء بالآلاف ؟ ، وهم يعرفون أن تلك المساكن، لو سكنت لهم بأقل من 20 جنيها شهريا وبدون مقدمات ومن 20 سنة لكان أصحابها قد استعادوا تكلفة بنائها الآن .. أو نصف التكلفة علي أقل تقدير ، وأنقذوا شباب الكثيرين من هؤلاء من أن يتبخر أمام أعينهم هم وآلهم محسورون .. ولكن : لا ملاك تلك المساكن ( حكومة أو أهالي ) قد استعادوا شيئا من تكلفة بنائها ولا الناس عاشت .. !!
كم ثمن الأدوية التي يتعاطاها هؤلاء شهريا ( مهدئات ، ضغط دم ، سكر ، قلب ، اكتئاب .. ) بسبب ما أصابهم من اليأس والاحباط 
؟ وما تكاليف استيرادها سنويا ؟! وما تأثير ذلك علي الاقتصاد العام للدولة ؟! 
ونعود لنسأل : من يدفع ثمن عنوسة 9 ملايين مصرية ومصري ؟!
لعل الجواب قد أصبح واضحا :
1 – كل من تكويه نار الدروس الخصوصية 
2- كل من له مصلحة عند موظف أو موظفة - محبط أو محبطة - معقد من حياته كلها – بفعل العنوسة – فينتقم من الجميع بتعطيل مصالحهم واهدار وقتهم واذلالهم ، واضاعة أوراقهم وملفاتهم . 
3 - كل من له ابنة – طالبة أو موظفة - ، أو زوجة ، تأخرت في العودة الي منزلها بسبب المواصلات أو أي سبب بسيط عادي ، فيتملكه الرعب والفزع خوفا من أن تكون قد اختطفت واغتصبت ، بعد انتشار ظاهرة اغتصاب الاناث بشكل لم يحدث له مثيل من قبل 
بسبب الكبت ويبقي الأب أو الزوج متوترا حتي تعود ابنته أو زوجته الي المنزل .. 
4 - كل من له عمارة وأبقي عليها مغلقة عشرين عاما انتظارا لمن يدفع الآلاف ، وبعد القانون الجديد للايجارات وما سيجد بعده سوف يكتشف بأن عمارته ستدخل عصر تبخير الشقة ليمن الله عليها بمن يسكنها ، بينما لم يسترد شيئا من ثمنها طوال السنوات الكثيرة التي مضت وضاعت منه تلك السنوات هباء مثلما ضاع شباب تلك الملايين التسعة من المصريين 
5 - الذين تشهر بهم صحف المعارضة في كل عدد من أعدادها بسبب فشلهم في ادارة شئون البلاد والعباد - عسكر ومباحث .. أو عسكر وحرامبة بمعني أصح - ، فضلا عما سيقوله التاريخ عنهم وعما لاقاه المصريون وعانوا منه في ظل حكمهم الأغبر ، وسواء شعروا بدخول ثمن العنوسة فيما يوجه اليه ويوخز أحاسيسيهم البليدة ، أو لم يشعروا.. !
وهكذا .. ثمن العنوسة تلك المأساة القومية المصرية والانسانية يشترك جميع المصريون في دفعه بلا استثناء .

واجب الدولة ودورها تجاه حل تلك المأساة القومية " العنوسة"

لأن جميع المصريين – وكما سبق وبيننا – متضرر من وجود كابوس ومأساة العنوسة ، ولأن مسئولية الحل يجب أن يشارك فيها الجميع لتستقيم حياة الجميع بعد انعكاس استقرار حياة 9 ملايين مصرية ومصري علي المحيطين بهم من أهل وجيران وكافة المتعاملين معهم من أبناء الشعب مما يعود علي الجميع بالخير والأمن والأمان – حيث لا يخفي علي لبيب أنها عامل من العوامل الخفية وراء الارهاب – نري أنه من واجب الدولة ، ومادامت الحكومة قد أبرمت معاهدة سلام مع اسرائيل ، وننتظر.. أن تبرم معاهدة سلام مع شعب مصر أيضا .. .. أن تستخدم المجندين للجيش في انشاء مجتمع كامل وعصري للملايين التسعة من العوانس يضمهم ، علي أن يكون في الوادي الجديد ، سيناء شمالا وجنوبا والصحراء الشرقية – لاعمارها – لبناء مساكن من ذوات الطابق الواحد بتكاليف اقتصادية بخامات البيئة – مواصفات نابغة المعمار المصري العالمي دكتور حسن رجب - ، وتجهيز تلك البيوت بسخانات وطباخات شمسية سهلة وخفيفة ، قليلة التكاليف ، وأجهزة بيوجاز ، يقوم بتصنيعها خريجو الجامعات والمدارس الفنية والمهندسين المجندين 
وتسلم لهم كاملة المرافق ، وتصمم مساحات البيوت بحيث تكون وحدات انتاجية – زراعية وحيوانية ، كما كان الريف من قبل ، وبطريقة نموذجية صحية ، وأن يتسلموا الشوارع كلها مشجرة بأشجار مثمرة ، وتسلم تلك الوحدات السكنية لكل زوجين ممن فاتهم سن الزواج – كلاهما .. وليس لمن فاته سن الزواج ويعقد قرانة علي شابة صغيرة 18 سنة ! - . 
ان قبول حياة بسيطة والرضا بها هو أفضل من الموت خنقا في بئر العنوسة المظلمة .. 
والرضا والقبو بحياة بسيطة كثيرا ما يحتاج الي قدوة .. 
والصين التي تعتمد عليها مصر الآن في كل ما هو بين أيادي شعبها من المنتجات الصناعية ، لم تكن بدولة صناعية ذات قيمة ، ولكي تنهض وتصل الي ما وصلت اليه الآن ، كان لابد من البساطة في الحياة ، ولابد من القدوة في ذلك ، وكان رئيس أكبر دولة تعدادا في العالم يلبس بدلة عمالية بسيطة ، كي لا يتحرج أحد من أبناء الشعب من البساطة وكان يضع في قدميه نعلا بسيطا – كالشبشب الخدوجة- الذي نستخدمه في المنزل نحن المصريين ، وكان يستقبل رؤساء العالم بحاله هذا وبمنزله الأكثر بساطة .. 
حتي نهضت الصين .. ، وأصبحت الآن دولة كبري وعظمي صناعيا وتكنولوجيا ، فأصبحنا نري زعماء الصين الآن يلبسون البدلات الأنيقة والكرافتات –رابطات العنق – الوسيمة .. ..
فهل اذا بدأت حملة قومية لنصرة ضحايا العنوسة ، سوف يساهم فيها رئيس الوزراء بأن يعلن عن بيع الأثاث المكتبي لمجلس الوزراء في المزاد العلني واستبداله بأثاث شعبي بسيط .. 
وهل سيساهم وزير الشباب من ناحيته بأن يشتري أثاث الزوجية لابنته أو حفيده من النوع الشعبي البسيط المعد للعوانس ..ويصور التليفزيون الحدث القدوة ..؟!
وهل ستصدر الدولة قرارا بحظر اقامة حفلات زفاف فردية لمدة 5 سنوات واقتصار ذلك علي الزفاف الجماعي في الاستاد الرياضي بكل مدينة ؟! وهل تفرض الدولة عوائد عاليةعلي علي الشقق المغلقة دون تأجير ، وتسلم كل الشقق المملوكة لها وتتدخل لوضع حد أدني لايجارات المساكن ؟!
وهل يقوم الاعلام بواجبه نحو تبصير أصحاب المساكن بأن حجبها عن الراغبين في السكني هو عمل غير مشروع ، وغير معقول ، وكيف أن غياب الأمن الاسكاني – أمن المأوي – من شأنه أن يزعزع – بل وزعزع بالفعل – أمن وأمان المجتمع بأكمله ، وأن كل
صاحب عمارة حتي قبل الستينيات كان يسترد قيمة عمارته في عشرين سنة لأن الجشع والمغالاة علي الناس عمل غير مشروع ، وغير أخلاقي ؟؟
لو قام كل بواجبه علي ذاك النحو لأمكن بالفعل وضع حد لتلك المأساة القومية وخلاص المجتمع كله من ذنب 9 ملايين عانس من مواطني مصر سقطوا في بئر العنوسة ، اشترك جميع أطراف المجتمع في اسقاطهم ، ويجب أن يشترك الجميع في اخراجهم من ظلمة البئر – وهذا لصالح الجميع - .
الحوار المتمدن-العدد: 1254 - 2005 / 7 / 10

تعليقات