مقالات وآراء - اكذوبة مؤتمرات اعمار العراق

                                    
                             اكذوبة مؤتمرات اعمار العراق                                  


 الوقت الافضل للاستثمار حين يكون الدم ما زال على الارض، جملة اطلقها احد المندوبين في المؤتمر الثاني لأعادة أعمار العراق، وهي تفتح الطلاسم لفهم ما وراء عقد العديد من المؤتمرات حول اعمار العراق دون حدوث اي تحسن في توفير مياه الشرب والصرف الصحي والصحة والكهرباء والطرق والجسور والمرور العامة. اي بمعنى اخر ان الناس يكونو مشتتي الانتباه ومشدوهين اثر الغزو والاحتلال والحرب الاهلية وصعود نجم داعش مما يجعلهم غير قادرين على التصدي لما خطط لهم.
مؤتمر الكويت الذي عقد قبل ايام حول اعمار العراق، يعد المؤتمر الرابع بعد مؤتمر مدريد في تشرين الاول عام 2003 بعد غزو واحتلال العراق ومؤتمر طوكيو من نفس الشهر من عام 2004، ومؤتمر الاردن في تموز عام 2005، والتي نظمت جميعها تحت عنوان اعمار العراق او مؤتمر المانحين لإعمار العراق.
الدفوف الاعلامية والطبول الدعائية من قبل الحكومة العراقية التي دقت لمؤتمر الكويت لم تكن بمستوى النتائج التي اسفرت عنه، بالنسبة لطموح الوفد العراقي الذي ترأسه العبادي وضم 200 شخص من المسؤولين الحكوميين وممثلي الشركات المملوكة للأحزاب والمليشيات الحاكمة في العراق.
منذ المؤتمر الاول الذي عقد في مدريد كما أشرنا اليه لم تجني جماهير العراق بأغلبيتها المحرومة حتى فتات من الاموال التي خصصت للإعمار العراق. ورب سؤال يطرحه أحد القراء ماذا تجني تلك الدول من مثل هذا النوع من المؤتمرات، واين هي الاموال التي خصصت لإعمار العراق منذ مؤتمر مدريد؟ والجواب الذي طالما جرى التعتيم عليه في اروقة الحكومية العراقية ومؤسساتها الرسمية واعلامها المدفوع الاجر، ان تلك الدول تحاول عن طريق اعمار العراق احراز موطئ قدم في السوق العراقية التي بات تشرف عليه المؤسسات الدولية مثل صندوق النقد الدولي والبنك الدولي، لتهيئة البيئة والظروف للاستثمار ومن خلال ممارسة الضغوط لتصفية القطاع العام وخصخصة الخدمات، مثل الكهرباء والتعليم والصحة ورفع اسعار الوقود وفرض شروط عمل قاسية على العمال، مثل زيادة ساعات العمل وتقليل الاجور وغياب التأمينات الاجتماعية وشروط السلامة العامة، والتعامل مع اي احتجاج عمالي بقانون (4) ارهاب والطرد التعسفي، الى جانب توفير حزمة من الحوافز مثل تقليل الضرائب على الشركات الاجنبية والتي شرعها بول بريمر من 45 % الى 15 %. ومنح الارض والخدمات بشكل مجاني او بأسعار رمزية ونسبة التمليك تصل الى حد 100 %. اي ان تلك الدول وشركاتها لن توظف او تمنح دولار واحد الى الاعمار ما لم تضمن جني 10 دولارات عن كل دولار على اقل تقدير. ونورد بعض الأمثلة حول مصير اموال اعمار العراق منذ المؤتمر الاول المذكور أعلاه، فقد ذهب 3,2 مليار دولار الى شركة بكتل الامريكية للبناء والانشاءات والتي انسحب من العراق بعد 3 سنوات ونصف، ولم تنجز اي مشروع يذكر بحجة الاوضاع الامنية، وجنت شركة هاليبرتون الامريكية ٢٠ مليار دولار من اطفاء حرائق النفط وهي الاخرى لم تنجز اي شيء يذكر سوى سرقة النفط العراقي وبيعه، و١٦٨ مليون دولار الى شركة "بارسونز" لبناء 142 عيادة طبية ولكن لم تنجز سوى 6 عيادات، وفي عام 2007 توصل المفتشون الأمريكان بعد التحقيق الى ان من اصل 8 مشاريع مثل مستشفى للتوليد ومنشأة لتعقيم المياه وخصص لها اموال من اعمار العراق ولكن لم تنجز غير مشروع واحد، كما كشف مفتش من "جنرال اوفيس" عن 86 حالة احتيال من قبل الشركات الامريكية. وهكذا فمن 18.4 مليار دولار انفق فقط ٢٩ مليون دولار على الخدمات العامة ـانظر عقيدة الصدمة- (نعومي كلاين) الفصل السادس عشر – الفصل الثامن عشر.
ما يردده ابراهيم الجعفري وزير الخارجية في كل مرة في احاديثه الى المسؤولين في دول العالم بأن العراق بحاجة الى مشروع مارشال، وهو المشروع الذي قام بأعمار المانيا واليابان بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية، ليس له علاقة من الناحية العملية بما حدث منذ الغزو ويحدث في العراق. ونحن متأكدين بأن الجعفري لا يعرف شيء عن مشروع مارشال سوى حاسة شمه العالية للاموال التي جمعت ثم انفقت على البلدين المذكورين. فمشروع مارشال يتضمن بناء اسواق ذات اكتفاء ذاتي وخلق فرصة عمل لمواطني البلدين واحياء نظام ضريبي يأمن تمويل الخدمات الاجتماعية. لكن في حال العراق، فأن حكومة العبادي التي الجعفري وزيرا فيها، عملت بالتعاون الوثيق مع المؤسسات الدولية المذكورة في فتح الاسواق العراقية للتجارة الحرة والمطلقة ووضعت خطة لتصفية المصانع والمعامل التابعة للدولة وعددها 200 مصنع، وتحويل عمالها اما الى التقاعد او تحويلهم الى وزارة اخرى وتقليل رواتب من بقى منهم الى جانب الموظفين، وفرض الضرائب عليهم دون تقديم اية خدمات. وهناك خطة للحكومة بتخفيض رواتب العمال والموظفين خلال السنوات القادمة كما اشرنا في اكثر من مناسبة بنسبة 20 %. وما زالت حكومة العبادي تنفذ قانون بريمر بعدم السماح للبنك المركزي العراقي بتمويل اي مصنع من مصانع القطاع العام، وكما منع ايضا في حينه بتزويد المولدات الكهرباء الى مصانع الأسمنت في العراق التي يقدر عددها 17 معمل من اجل خصخصتها، والذي نجح في مسعاه حيث اصبحت اغلبية معامل الأسمنت تدار من قبل الشركة الفرنسية لافارج التي تمارس اساليب بشعة ضد العمال، تمضي حكومة العبادي بنفس الخطى وتحت عنوان تشجيع الاستثمار والقطاع الخاص. ان هذه الشروط التي توفرها حكومة العبادي وقبلها حكومة المالكي هي التي تدفع الدول وشركاتها باللهاث الى السوق العراقية وتحت عنوان اعمار العراق. بالنسبة للطرف العراقي فان مؤتمرات اعادة الاعمار هي فرصة ذهبية، ومصدر جديد لزيادة اثراء الاحزاب والمليشيات التي تدير الشركات التي أنشأتها بعد غزو واحتلال العراق.
وهذا يفسر عدم اعتراض حكومة العبادي على تدمير الموصل والفلوجة وتكريت وبيجي والرمادي.. وتسويتها مع الارض من قبل التحالف الدولي. فبمقدار ما دمر التحالف الدولي بأموال مدفوعة له من عرق العمال والموظفين وخزائن المجتمع وثرواته الطبيعية، بنفس المقدار تسلب اموال جديدة لشركاتها لأعمار المدن التي دمرتها مع اقتسامها مع القوى الاسلامية والقومية المشاركة في العملية السياسية.
ان مؤتمرات اعمار العراق هي كذبه كبيرة يجري تسويقها من قبل كل من الحكومة العراقية واطرافها، وبالتعاون مع الدول وشركاتها لافقار المجتمع حتى العظم، فأعمار العراق هو عنوان جديد لنهب جماهيره بشكل اخر.

تعليقات