كتابات مختارة


                         إمبراطورية الغرب المتوحش الطفرة الثالثة للعم سام

ناصر تليلي   - ناشط سياسي تونسي
الحوار المتمدن 2018 / 2 / 26
رغم قتامه الصورة للكثيرين إلا أنه لمن يتمعن في المشهد العالمي سيجد حتما متعة في مراقبة صعود و تشكل إمبراطورية . فنحن فعلا نعيش مرحلة ميثالوجية تماما كما قرأنا في الكتب و إن كانت ساحرة و تدهشنا على الورق إلا أنها جافة و قرقعة خطاها على أرض الواقع تؤلم الكثيرين .
ما تم اكتشافه من وثائق مدونة للذاكرة البشرية. بداية من ما رسم على جدران الكهوف و مرورا بالحفر على الأحجار و الأخشاب وما كتب على جلود الحيوانات و أوراق الشجر. وصولا إلى ما تم تخزينه في الأقراص المدمجة والاقراص الصلبة وخزانات الذاكرة الضخمة لمراكز القيادة المعلوماتية في العالم ألتابعة بالطبع للدول المسيطرة حاليا.
تؤكد كلها و تشير إلى أن كل المجموعات و القبائل و الحضارات و الإمبراطوريات و الدول التي غزت واجتاحت و هزمت و سادت كل المجموعات و القبائل و الحضارات و الإمبراطوريات و الدول الأخرى قد أنجزت سيطرتها بناء على ركيزة أولى من القيم الإنسانية السامية النسبية. طبقا للمفاهيم السائدة في حينه. للحفاظ و تمتين الجبهة الداخلية. وركيزة ثانية و هي امتلاك قوة التفوق المعرفي و القوة الخالصة للسيطرة على العدو المستهدف الخارجي .
و إلى الآن لم تزل تلك القيم الإنسانية تدور في نفس المتاهة و لم تتغير بما يخص الجبهة الداخلية من أكليشيهات العدالة الإلهية أو حتى الأرضية كالكرامة الوطنية و حق الحياة و الحق في الأمان و الانتماء الوطني الخ...الخ . و طبعا أهم الأشياء و هي إرضاء الآلهة أو ممثليهم على الأرض من زعماء و قادة و ملهمين.
بالطبع لم و لن يتحقق ذلك إلا في السيطرة على الآخرين أو إلغاءهم.ولم و لن يتحقق ذلك و لا قيمة لكل تلك القيم إن لم تكن محصنة و امتلاك التفوق المعرفي و القوة الخالصة .
سيداتي و سادتي الكرام إخواني في الإنسانية شركائي في الكرة الأرضية. ما يهم من كل ذلك و أنا من مواليد 1957 ميلادية بأنني عاصرت الحرب الباردة و نهايتها. و استمعت إلى من عاصر الحرب العالمية الأولى. و إلى من خاض الحرب العالمية الثانية. و شاهدت بأم عيني انهيار المعسكر الاشتراكي نتيجة الطفرة الثانية للولايات المتحدة الأمريكية في عهد الرئيس ريغان .
إخوتي و أخواتي في الهواء و الماء و السماء و الأرض إن أكثر ما يهم ألان هو الكشف عن أن نظرية موت و نهاية الدولة الوطنية و تحكم الحكومة العالمية في العالم قد أصبح واقعا ملموسا و إن لم تتضح بعد الصورة إلا أنها تتضح رويدا رويدا من الحالة الضبابية ذات البعدين إلى حالة الصورة المجسمة الواضحة بأبعادها الأربعة .
و ليس سرا إن قلت لكم أن الولايات المتحدة الأميركية هي من تقود عمليا تلك الحكومة بصيغتها التجريبية و بمساعدة وزراء دولة كروسيا و الصين و أوروبا .
و إلى حين انتهاء الفترة التجريبية للحكومة العالمية فان الرئيس ترامب كعنوان يمثل الطفرة الثالثة لتأكيد دورة حياة جديدة للولايات المتحدة الأمريكية تمتد إلى عقدين من الزمن كحد أدنى في قيادة العالم .كما كان الرئيس روزفلت في الطفرة الأولى و الرئيس ريغان في الطفرة الثانية .
فلا بد لنا من الاعتراف بأن هؤلاء المغامرين المجانين. قطاع الطرق المهووسين.الباحثون عن الذهب. الهاربين من العالم القديم إلى أرض العجائب.
هؤلاء الذين استولوا على أراضي السكان الأصليين لما يسمى أمريكا. الذين عملوا على إبادة عشرات الملايين من السكان الأصليين . الذين شيدوا أمريكا على مفاهيم ثقافة البقاء للأقوى و الأفضل. هؤلاء الذي كان يخط قوانين دستورهم مسار رصاصة أطلقها من كان الأسرع في سحب مسدسه .
هؤلاء بناة حضارة الحرية المطلقة لتحقيق الأفضل و الأقوى . هؤلاء اللذين أتوا من كافة أصقاع العالم . وخاضوا تجربتهم المغمسة بالدم و النار و الحديد فكانوا نموذجا للحدود القصوى للأسوأ و الحدود القصوى للأحسن .
لكنهم عادوا للعالم حاكمين. فكانت طفرتهم الأولى في عهد الرئيس روزفلت . و سرعان ما دخلوا في الحرب العالمية الثانية ليتربعوا سادة من أسياد العالم إلى جانب الاتحاد السوفيتي و فرنسا و بريطانيا .
دون نسيان انتشار و تعميم ثقافة الاستهلاك على العالم قاطبة بدأ من أزقة لاس فيغاس و مرورا بأحياء الصفيح حول المدن و وصولا إلى أقاصي المناطق المهمشة و المنسية . و استحواذ نجوم و أفلام و سحر هوليود الفاتنة على مخيال الكبير و الصغير لمجمل سكان الكرة الأرضية من البشر .
الولايات المتحدة الأمريكية ليست كما يحب الكثيرين تصويرها دولة كبرى غاشمة تريد مهاجمة الدول الضعيفة لأنها تكره من فيها او تكره أفكار أو دين أو لون سكانها .
أمريكا بكل بساطة مكينة عملاقة تحركها حضارة حيوية بشكل مذهل تستفيد من معارفها و تستطيع امتصاص و قبول و هضم المعارف من خارجها و أمريكا تمتلك القدرة على التأقلم السريع مع كل مكامن الضعف و العمل على تطوير آليات مكامن القوة و ميزتها في ذلك امتلاكها لعقل بركاني متفجر و لكن عند إصداره القرارات تكون قراراته باردة تبعا للمصلحة الدائمة لأمريكا .
هذه الماكينة العظيمة تحكمها إدارة تعرف كيف تختار قياداتها في الواجهة و التي تتناسب مع الوعي الجمعي للعالم كله و خصوصا سكان أمريكا .
عندما ذهب الرئيس روزفلت الى مؤتمر يالطا كان جسديا مريضا جدا و لكن ذلك لم يمنعه من فرض أمريكا شريكا أساسيا في سيادة العالم و بكل ثقة أمام أساطين العالم في حينه زعيم الاتحاد السوفيتي ستالين و زعيم بريطانيا تشرشل.
فلقد كان الئيس روزفلت مستندا على أساطيله التي تجوب بحار و محيطات العالم و قنبلتي هيروشيما و ناكازاكي لتكون تلك الطفرة الاولى للولايات المتحدة الامريكية ببصمة الرئيس روزفلت .
لا شك بأنه لم يتعرض رئيس كالرئيس رونالد ريغان للسخرية بشكل واضح داخليا و خارجيا و مع ذلك كان الرئيس رونالد ريغان نجم انهيار الاتحاد السوفيتي و عنوانا و واضحا للطفرة الثانية التي نصبت أمريكا سيدة العالم دون منازع ببصمة جلية لريغان و خديعة حرب النجوم .
يتعرض اليوم الرئيس ترامب لحملة من السخرية و التشويه تذكرنا بالحملة على الرئيس ريغان في بداية الثمانينات . بكل الاحوال هذا ليس موضوعنا فلكل امرئ ما يهوى 
و لكني أكاد أن أجزم بأننا في مخاض الطفرة الثالثة لامريكا و التي سينتج عنها تنصيب امريكا كسيدة للعالم و للفضاء و للخريطة الجينية للبشرية فكل الدلائل تؤكد بأن امريكا قد سبقت العالم كله بثلاثة عقود تكنولوجية و هي تكنولوجيا النانو و تكنولوجيا الجينيات و تكنولوجيا الفضاء القريب و الفضاء البعيد .
يبدو أنه قد حان الوقت لتجديد دورة حياة أخرى لأمريكا و عليه فقد حان الوقت لتغيير خارطة العالم و توزيع الأدوار و الموارد .
لكل دوره المرسوم و لا مكان للخارجين عن الإيقاع. فتلك رقصة الزمان.
فإيقاع المكان تراث للذاكرة فإما نحن صنوا للتاريخ و الزمان و نرتب إيقاع رقصنا بخطوات إلى الأمام و إلا فلا .
فنعلق لوحة ذاكرة في أي مكان خال من أي زمان .
-------                                      

تعليقات