شخصيات فوق المعتاد
"مولاي هشام"... أمير مغربي يواجه المنع والرقابة في مملكة ابن عمه الملك
نقلاً عن مجلة " رصيف 22 " يوم 13-6-2018
مكالمة هاتفية أجراها الأمير مولاي هشام بالملك محمد السادس، وشكره فيها على اهتمامه بتخرج ابنته فايزة من جامعة "ييل" الأمريكية، وتهنئته إياها، شكّلت خبراً أحيا العلاقات بين ابني العم وأثار اهتمام وسائل الإعلام المغربية، نظراً للأهمية البالغة التي تكتسيها الأخبار المتعلقة بالأمير مولاي هشام.
ومولاي هشام، 54 سنة، يُعتبر استثناءً داخل الأسرة الملكية في المغرب. قصة ومسار
ابن عم الملك الحالي للبلاد، والثالث في ترتيب الصعود إلى العرش، أثارا فضول الصحافيين المغاربة طوال السنوات الماضية، وهو ما دفع عدداً منهم إلى ربط الاتصال به ونسج علاقات معه جعلتهم يتمكنون من الوصول بسهولة إليه.
في المغرب، يبدو هذا الأمر مدهشاً للغاية، نظراً لعدم تواجد فرد آخر داخل الأسرة الحاكمة يدلي برأيه في القضايا الشائكة ويعبّر عن مواقفه من التطورات السياسية والاجتماعية التي تشهدها البلاد.
ففي التقاليد المرعية للملكية في المغرب، لا يحق لأي فرد من أفراد الأسرة الحاكمة أن يتحدث لوسائل الإعلام، لأن الملك هو "رئيس العائلة" وممثلها الوحيد في كل الشؤون التي تخصها، وبالتالي، لا يحق لأي كان أن يقوم بنفس الدور.
الأمير الممنوع
قبل أسبوع، ذهبت إلى إحدى المكتبات الشهيرة في العاصمة الرباط للبحث عن النسخة العربية من كتاب الأمير، ولمّا عرضت على العاملين في المكتبة صورة الكتاب، أنكروا تواجده فيها.
بعد ذلك بقليل، جاء إلي شاب يعمل في المكتبة ودار بيننا الحوار التالي :
ـ هل تريد كتاب مولاي هشام؟
ـ تماماً، أريد النسخة العربية من الكتاب.
ـ لماذا تريده؟ ماذا تفعل؟
ـ أنا صحافي.
ـ أعطني رقم هاتفك. سأتصل بك.
لم تمرّ سوى نصف ساعة حتى اتصل بي الشاب. كنت أظن أن الأمر قد قضي وأنني سأحصل على نسخة من الكتاب، إلا أنني تفاجأت لما أخبرني أنه لا يمكنهم أن يبيعوا الكتاب لأي أحد. "ما السبب إذن؟"، سألته. يقول الشاب إن السلطات المغربية أمرتهم بعدم عرض كتاب الأمير للبيع، كما طالبتهم بإعادة النسخ المتوفرة لديهم إلى دار النشر التي أصدرت الكتاب، "إلا أن النسخ بقيت مودعة في مستودع المكتبة منذ 2015".
"صاحب المكتبة أمرنا بعدم بيع الكتاب لأي أحد أياً يكن. لا يريد المتاعب مع السلطات. فإذا علموا أن الكتاب خرج من هنا، بلا شك سندخل في دوامة من المتاعب"، قال.
هكذا إذن، أصبح كتاب الأمير مولاي هشام ممنوعاً في المكتبات المغربية دون صدور أي قرار رسمي يعلن ذلك. يبدو الأمر غريباً جداً في الحقيقة: أمير مغربي يواجه المنع والرقابة في مملكة ابن عمه الملك.
أمير يكتب مذكراته :
أواخر سنة 2013، تداولت عدة جرائد فرنسية خبراً يتحدث عن عزم أمير مغربي إصدار مذكراته. بدا الخبر صادماً منذ الوهلة الأولى، لكن وما إن تبيّن أن هذا الأمير هو الأمير مولاي هشام، أصبح الخبر مزلزلاً.
أحدث الخبر الذي نشرته مجلة "لونوفيل أوبسيرفاتور" الفرنسية حالة ترقب في الأوساط السياسية والإعلامية في المغرب، فالجميع يعرف جيداً مَن يكون مولاي هشام، الأمير الذي لا يشبه أمراء الأسرة المالكة في المغرب، والذي أراد أن يكون أميراً ليس كباقي الأمراء، الشيء الذي كلّفه الكثير من المتاعب والمحن، منذ أن تقرر إبعاده عن القصر الملكي بعد أيام قليلة على دفن عمه الحسن الثاني، صيف 1999.
وإذا كانت الصحافة المغربية والدولية قد دأبت على إطلاق لقب "الأمير الأحمر" على مولاي هشام، نظراً إلى مواقفه الجريئة والصريحة إزاء الملكية في المغرب، فإن هذا الأخير حسم الأمر لما أصدر مذكراته، مطلع أبريل 2014، عندما اختار لها عنوان "سيرة أمير مبعد". هكذا إذن يرى الأمير نفسه: أمير تقرر إبعاده بعدما صار مزعجاً لعائلته الحاكمة وللحاشية المقربة منها.
فور طرح الكتاب في المكتبات الفرنسية، جرى تداوله على نطاق واسع عبر شبكات التواصل الاجتماعي. وبعد قراءته، كان هناك شبه إجماع على أنه عادي جداً. ففي الوقت الذي توقع الجميع أن يوميات الأمير ستكون بمثابة "قنبلة"، تبيّن أنها لم تكن سوى تكرار لما سبق أن نُشر وجرى تداوله على صفحات بعض الجرائد والمجلات المغربية التي كانت معروفة بقربها من الأمير.
لكن "المذكرات" تميّزت بالتطرق إلى حكايات ممتعة جداً جرت داخل القصر على مدار خمسين سنة من العلاقات العائلية، من الطفولة إلى العلاقة بين مولاي هشام ووالدته اللبنانية لمياء الصلح، ووالده الأمير مولاي عبد الله، وعلاقة هذا الأخير بأخيه الملك الحسن الثاني، مروراً بالعلاقة بالملك محمد السادس الذي كان ولياً للعهد آنذاك، ووصولاً إلى "القطيعة" مع الملك الجديد واختيار "المنفى" الأمريكي.
لكن كل هذه الأشياء كانت بسيطة جداً من الناحية السياسية، ولم تخلّف أي جدل في الصالونات أو خلف أسوار القصر الملكي.
مع الملكية... لكن ضد المخزن "لم يسبق لي أن كنت شيوعاً ولا اشتراكياً، بل أنا لست من روافض النظام الملكي... لست جمهورياً ولست ملكياً بالمطلق... وأنا مستعد أن أضرب صفحاً عن الملكية إذا اقتنعت أنها لم تعد صالحة للمغاربة... لقد تبين بعد الربيع العربي أن الملكية نافعة للمغرب، ولكن يجب أن يتم تفكيك المخزن".
بهذه العبارات استهل الأمير كتاب مذكراته، وذلك من خلال "عقد ثقة" توجه به إلى جميع المغاربة "بدون تمييز"، ليضع حداً لكل الغموض الذي كان يلف موقفه تجاه نظام الحكم في المغرب. فالأمير لطالما كان ضحية هجمات ممنهجة من قبل بعض الجهات وكذا بعض وسائل الإعلام، كان الهدف من ورائها تصويره كـ"عدو للملكية يسعى إلى إسقاط النظام وإشعال الفتنة في المملكة".
وحتى قبل إصدار مذكراته، كان الأمير واضحاً في هذا الباب، ولطالما أكد أنه ليس ضد النظام الملكي في المغرب، وأن أمله هو أن يكون له دور إيجابي في لرقي بالبلاد، والمساهمة في إطلاق انتقال ديموقراطي حقيقي في مملكة ابن عمه.
"أريد أن تتقدم بلادي إلى الأمام، أن تتطور، وأنا أعتزم المشاركة. أنا واع بموقفي ومن ثم ‘بالفوضى’ التي أستطيع إثارتها، ولكن كذلك بالمساهمة الإيجابية التي يمكنني أن آتي بها... لقد كنت نشيطاً في زمن حكم عمي الراحل الحسن الثاني، أما الآن، فسأكون أكثر من ذلك في عهد يعرّف نفسه كعهد للانفتاح وترسيخ دولة القانون"، يقول الأمير في حوار له مع إحدى المجلات المغربية.
كان هو الفرد الوحيد في الأسرة الملكية الذي لا يتردد في الحديث مع الصحافيين وإعطاء حوارات وتصريحات للجرائد بدون أية تحفظات.
بقي الأمير متفائلاً على الرغم من أنه أصبح "أميراً منبوذاً" في القصر، تفاؤل سرعان ما سينتهي عندما سيقرر في يناير 2002 مغادرة المملكة باتجاه الولايات المتحدة الأمريكية للاستقرار هناك برفقة أسرته الصغيرة.
لم يستطع الأمير أن يتعايش مع واقعه. فكونك أمير، أمير مغربي بالخصوص، يفرض عليك العديد من القيود، قيود لم يتقبل مولاي هشام أن يفرضها على نفسه، ومَن يدري؟ فقد تكون "التربية الأمريكية" التي تلقاها في طفولته وشبابه هي التي أدت به إلى هذه النتيجة وجعلته مختلفاً عن باقي أفراد عائلته.
"إننا في القصر نعيش وسط فقاعة، إنه تشويه رهيب للواقع... بل يمكن أن يؤدي إلى الخراب! لو كنت قد أردت تثبيت مكانتي كأمير، ما كنت لأترك مكاني بجوار الراحل الحسن الثاني". ا
وفاة الحسن الثاني... نهاية العلاقة مع القصر
في مساء 22 يوليو 1999، كان مولاي هشام متواجداً في باريس لمّا بلغه خبر إدخال عمه الحسن الثاني إلى قسم العناية المركزة. أراد الأمير أن يعود في الحين إلى الرباط، إلا أن الملك أمسك السماعة من يد الطبيب ليقول له "لا تسرع، انتظر، غداً تأتي".
في اليوم التالي، سيرنّهاتف الأمير من جديد عندما كان يتناول وجبة الغداء مع الأكاديمي اللبناني غسان سلامة. هذه المرة، كان ولي العهد محمد هو المتصل. أخبره أن الحسن الثاني مريض جداً وأنهم "بصدد إنقاذه"، وأن عليه العودة فوراً إلى الرباط. وقال له إنه يخبره هو والوزير الأول آنذاك عبد الرحمن اليوسفي فقط "لأسباب سياسية".
حلّ مولاي هشام في القصر الملكي بالرباط في حدود السابعة والنصف مساءً. "فهمت بمجرد وصولي أن الحسن الثاني قد توفي"، كما يروي في مذكراته عن تلك اللحظة. لكن وبمجرد وصوله، سيتفاجأ بحادث غريب. ففي تلك اللحظات، ستشهد ردهات القصر "اعتقال" وزير داخلية الملك الراحل والرجل القوي في نظامه، إدريس البصري، في إحدى قاعات القصر.
"لفت انتباهي حدث غريب: رأيت اثنين من عناصر الدرك في فرقة حراس الملك المقربين يمسكون إدريس البصري في أحد المكاتب ويهددونه، على بعد أمتار قليلة من الجنرالين بوشعيب عروب وحسني بنسليمان، وسمعت البصري يصيح: ‘أوقفوا هذا الاستفزاز! إنني وزير الداخلية!’ فاستفسرت الجنرال عروب، فأجابني بأنه إجراء وقائي، فأشرت إلى أن هذه الطريقة سيئة للغاية، وأن وسائل الإعلام العالمية في حالة ترقّب وإنْ علمت بالخبر ستعطي صورة بائسة عن الملكية. مات الملك الذي كان يحمي البصري، وها هو وزير الداخلية يتلقى الضربات بعدما أسرف في تسديديها، فسبحان مبدل الأحوال"، كتب الأمير. غداة جنازة الحسن الثاني التاريخية التي حضرها أشهر قادة العالم، ستعرف علاقة الأمير بمحمد السادس منعطفاً جديداً سيعجل بالقطيعة، وذلك بعدما أصر مولاي هشام على مفاتحة الملك الجديد، بحضور أفراد الأسرة الملكية، بمواضيع شائكة تهم مستقبل المملكة المغربية التي طوت صفحة حكم الحسن الثاني الذي دام 38 سنة.
"أعلم أنه من واجبي أمام التاريخ والمغاربة أن أطلع ابن عمي على ما يدور في خلدي، فعزمت على الوفاء بهذا الالتزام، على الرغم من أن فرص تحسين علاقتي مع محمد السادس بعد وفاة والده تكاد تكون منعدمة. غداة يوم الجنازة، استجمعت شجاعتي وذهبت للقاء محمد السادس في القصر لأصارحه برأيي في النظام الملكي، والمخزن، وحول الجيش والتناوب، بحضور وجهاء القصر والأسرة. خلال حديث عفوي، قلت له إن ثروة العائلة المالكة يجب أن تعود إلى الأمة، وناشدته ألا يعطي أية ضمانات لجنرالات الجيش، وألا يعقد اجتماعاته في مقر القيادة العامة للقوات المسلحة. ألا يكفي أن تكون شمال إفريقيا كلها محكومة من طرف العسكريين؟ كما طلبت منه تنحية إدريس البصري من وزارة الداخلية برفق، وأخيراً ألححت عليه لأجل تعزيز انفتاح النظام على اليسار. لم يجبني الملك وظهر كأنه لا يدري ما يقول، وتجنب أن أكلمه على انفراد، وتكفل الوجهاء الحاضرون بتقويض كل طروحاتي واقتراحاتي بقوة، مع احترام اللياقة". هكذا تحدث مولاي هشام عن اللحظة التي قرر خلالها أن يفتح قلبه لابن عمه الملك، والتي جعلت منه أميراً غير مرغوب فيه، إذ بعد مرور 48 ساعة على هذا اللقاء، أبلغه مدير البروتوكول الملكي بأن الملك محمد السادس يفضّل عدم حضوره مجدداً إلى القصر، إلا إذا كان "مدعواً". أمير في البلقان
في أوائل عام 2000، وأمام حاجته الماسة إلى خوض تجربة جديدة مختلفة تماماً عن تجاربه السابقة، تقدّم مولاي هشام بطلب للعمل مع هيئة الأمم المتحدة. طلب الأمير موعداً مع كوفي أنان، الأمين العام السابق للأمم المتحدة. استقبله الأخير رغم مساعي سفير المغرب لدى الأمم المتحدة لنسف مشروعه، إلا أنه حسب أقوال الأمير تلقى تعليمات من الملك محمد السادس من قبيل "دعه يمضي حيث يشاء وليتركنا وشأننا".
هكذا إذن، أصبح مولاي هشام مستشاراً للشؤون المجتمعية غير الألبانية لدى برنار كوشنير، ممثل الأمم المتحدة في كوسوفو، مقابل الامتثال لشرط كوفي أنان المتمثل في أن تكون كل تحركاته تحت مواكبة خمسة حراس شخصيين، لأن كونه شخصية مسلمة، قد يجعل منه هدفاً رئيسياً للاغتيال من طرف ميلوسيفيتش وجنوده.
كان مولاي هشام العربي المسلم الوحيد ضمن مستشاري كوشنير في تلك المنطقة البلقانية المدمرة بالحروب والكراهية، إلا أن المثير كان تكليف هذا الأمير الشاب بملف حقوق الإنسان والأقليات في الوقت الذي تُعتبر هذه الحقوق مهضومة في المنطقة العربية التي ينتمي إليها.
لكن، لا مجال للتشكيك في الإرادة الديمقراطية لمولاي هشام، وهو الذي كان قد نشر مقالاً مثيراً سنة 1996 على صفحات جريدة "لوموند ديبلوماتيك" الفرنسية، دعا فيه الزعماء العرب، بمَن فيهم عمه الحسن الثاني، إلى إرساء دعائم الديمقراطية ومفهوم المواطنة، إضافة إلى إقرار سلسلة من الإصلاحات السياسية والدستورية.
لكن ذهاب الأمير إلى البلقان سيثير تساؤلات عدة في الصالونات المغربية، خاصة لدى "الإنتليجينسيا الليبرالية": لماذا نترك شخصاً مثله يحظى بمصداقية في الداخل والخارج يذهب إلى كوسوفو، في حين أن بلاده في حاجة ماسة إليه؟ البعض قال إنه يرفض أن يشتغل داخل وسط يتغلغل فيه رموز "المخزن" الذين يتولون مسؤوليات كبيرة في مناصب حساسة داخل الدولة المغربية.
في بريشتينا، كان الجميع يناديه "أمير المغرب" على الرغم من أنه لم يذهب إلى كوسوفو بصفته الأميرية، بل باعتباره ناشطاً في مجال حقوق الإنسان من أجل المساهمة في بناء الديمقراطية في هذه المنطقة التي استُنزفت بفعل الهمجية اليوغوسلافية لقوات ميلوسيفيتش.
تأقلم حفيد السلطان محمد الخامس بسهولة مع حياته الجديدة، بعيداً عن أي امتياز، إذ أنه لم يكن يتوفر له لا الماء الساخن، ولا الكهرباء، بل إنه كان يشتغل مقابل دولار رمزي، وبالتالي، فإنه يكون بذلك قد كسر الصورة النمطية للأمراء العرب.
عندما سُئل لاحقاً برنار كوشنير عن رأيه بالأمير، قال: "رغم أن عدداً من زملائي حدثوني بطريقة إيجابية عن مولاي هشام، كانت لدي تحفظات في بادئ الأمر، بسبب ما يُحكى حول عدد من الأمراء العرب. لكنه وبمجرد ما بدأ العمل معنا، اكتشفت أنني أمام مناضل مقتنع تماماً بحقوق الإنسان، وليس أمام أمير".
فلاش باك قطيعة معلنة
بداية عام 2000: عندما أرسلت القناة الرسمية المغربية طاقماً صحافياً لتغطية أنشطة المغرب في كوسوفو، كانت تعطى تعليمات، حسبما راج آنذاك، بعدم الاقتراب من مولاي هشام، حتى لا تظهر صورته في نشرة الأخبار.
أكتوبر 2001: ستتفجر قضية مثيرة تمثلت في اختطاف سائق الأمير واقتياده إلى مكان خال والضغط عليه حتى يؤكد أن مولاي هشام على علاقة ببعض ضباط الجيش في إطار أهداف مشبوهة، الأمر الذي سيدفع الأمير إلى توجيه أصابع الاتهام إلى الجنرال حميدو لعنيكري الذي كان مديراً للمخابرات آنذاك. وتم تشكيل لجنة للتحقيق في الموضوع من طرف وزير الداخلية إدريس جطو الذي اتصل به الأمير لتوضيح الأمور، لكن نتائج ذلك التحقيق لم ترَ النور أبداً.
نوفمبر 2005: لأول مرة بعد "طرده" من القصر، سيتم استدعاء الأمير لحضور احتفالات الذكرى الذهبية لمرور نصف قرن على عودة جده محمد الخامس وحصول المملكة على الاستقلال. هذه المرة، ستتم معاملة مولاي هشام باعتباره "أميراً" إلى جانب باقي الأمراء، ولن تعمد التلفزة إلى تجنبه. وبهذه المناسبة، سيتم التقاط صورة تذكارية تجمع كل أفراد الأسرة الملكية ستنفرد مجلة "باري ماتش" الفرنسية بنشرها، وهي الصورة التي كان مولاي هشام غائباً فيها.
سبتمبر 2009: سيعود مولاي هشام إلى القصر الملكي لحضور حفل زفاف أخيه الأمير مولاي إسماعيل، وسيتم التقاط صورة للملك برفقة باقي أفراد عائلته ستنشر لاحقاً على صدر جريدة "لوماتان" المقربة من القصر. غاب الأمير عن الصورة الرسمية الملكية، لكنه حضر في صورة ثانية جمعته بأخيه وأخته الأميرة للا زينب ووالدتهم اللبنانية الأميرة لمياء الصلح وبعض المقربين، في مشهد يؤكد بالملموس أن لا شيء تغيّر في علاقة الأمير بالقصر.
أكتوبر 2012: لأول مرة في تاريخ القضاء المغربي، يحضر أحد أفراد العائلة الملكية بنفسه جلسة في إحدى محاكم المملكة. فبعد اتهامه بالاستفادة من قرض بدون ضمانات من أحد البنوك المغربية، سيقرر مولاي هشام مقاضاة القيادي في حزب الاتحاد الاشتراكي عبد الهادي خيرات، الذي سيعتذر للأمير في ما بعد، وذلك بعد الجلسة الأولى التي حضرها ابن عم العاهل المغربي شخصياً برفقة محاميه. أبريل 2014: في سابقة جديدة ينفرد بها مولاي هشام، أصدر كتاب مذكراته الذي يلخص فيه تفاصيل تجربة نصف قرن من العلاقات العائلية وموقفه من الملكية. لن يثير كتاب الأمير جدلاً في الأوساط المغربية لأنه لم يتضمن شيئاً عن "أسرار الدولة"، وهي الأسرار التي أكد الأمير لاحقاً عبر قناة "فرانس 24" أنه يعرفها لكنه لن يكشف عنها نظراً لحساسيتها.
سبتمبر 2017 : أقدمت السلطات التونسية على طرد الأمير بعيد وصوله إلى تونس العاصمة للمشاركة في ندوة جامعية، في إطار منتدى كانت تنظمه جامعة ستانفورد الأمريكية، مخصصة لانتقال السلطة في بلاد الياسمين بعد ثورة 2011. اقتحمت عناصر من الأمن التونسي مسبح فندق موفنبيك الذي كان يقيم فيه الأمير بالعاصمة، واقتادوه إلى مركز الشرطة، ليتم اصطحابه إلى مطار تونس-قرطاج وسط حراسة أمنية مشددة من أجل ترحيله إلى باريس.
هكذا، سيغادر الأمير تونس باتجاه فرنسا على متن طائرة تابعة للخطوط الجوية الفرنسية، دون الكشف عن ملابسات الإجراء الذي اتخذته السلطات التونسية والذي أعطى الانطباع بأن تونس عادت إلى استخدام أساليب الرئيس المخلوع زين العابدين بن علي.
======
نقلاً عن مجلة " رصيف 22 " يوم 13-6-2018
مكالمة هاتفية أجراها الأمير مولاي هشام بالملك محمد السادس، وشكره فيها على اهتمامه بتخرج ابنته فايزة من جامعة "ييل" الأمريكية، وتهنئته إياها، شكّلت خبراً أحيا العلاقات بين ابني العم وأثار اهتمام وسائل الإعلام المغربية، نظراً للأهمية البالغة التي تكتسيها الأخبار المتعلقة بالأمير مولاي هشام.
ومولاي هشام، 54 سنة، يُعتبر استثناءً داخل الأسرة الملكية في المغرب. قصة ومسار
ابن عم الملك الحالي للبلاد، والثالث في ترتيب الصعود إلى العرش، أثارا فضول الصحافيين المغاربة طوال السنوات الماضية، وهو ما دفع عدداً منهم إلى ربط الاتصال به ونسج علاقات معه جعلتهم يتمكنون من الوصول بسهولة إليه.
في المغرب، يبدو هذا الأمر مدهشاً للغاية، نظراً لعدم تواجد فرد آخر داخل الأسرة الحاكمة يدلي برأيه في القضايا الشائكة ويعبّر عن مواقفه من التطورات السياسية والاجتماعية التي تشهدها البلاد.
ففي التقاليد المرعية للملكية في المغرب، لا يحق لأي فرد من أفراد الأسرة الحاكمة أن يتحدث لوسائل الإعلام، لأن الملك هو "رئيس العائلة" وممثلها الوحيد في كل الشؤون التي تخصها، وبالتالي، لا يحق لأي كان أن يقوم بنفس الدور.
الأمير الممنوع
قبل أسبوع، ذهبت إلى إحدى المكتبات الشهيرة في العاصمة الرباط للبحث عن النسخة العربية من كتاب الأمير، ولمّا عرضت على العاملين في المكتبة صورة الكتاب، أنكروا تواجده فيها.
بعد ذلك بقليل، جاء إلي شاب يعمل في المكتبة ودار بيننا الحوار التالي :
ـ هل تريد كتاب مولاي هشام؟
ـ تماماً، أريد النسخة العربية من الكتاب.
ـ لماذا تريده؟ ماذا تفعل؟
ـ أنا صحافي.
ـ أعطني رقم هاتفك. سأتصل بك.
لم تمرّ سوى نصف ساعة حتى اتصل بي الشاب. كنت أظن أن الأمر قد قضي وأنني سأحصل على نسخة من الكتاب، إلا أنني تفاجأت لما أخبرني أنه لا يمكنهم أن يبيعوا الكتاب لأي أحد. "ما السبب إذن؟"، سألته. يقول الشاب إن السلطات المغربية أمرتهم بعدم عرض كتاب الأمير للبيع، كما طالبتهم بإعادة النسخ المتوفرة لديهم إلى دار النشر التي أصدرت الكتاب، "إلا أن النسخ بقيت مودعة في مستودع المكتبة منذ 2015".
"صاحب المكتبة أمرنا بعدم بيع الكتاب لأي أحد أياً يكن. لا يريد المتاعب مع السلطات. فإذا علموا أن الكتاب خرج من هنا، بلا شك سندخل في دوامة من المتاعب"، قال.
هكذا إذن، أصبح كتاب الأمير مولاي هشام ممنوعاً في المكتبات المغربية دون صدور أي قرار رسمي يعلن ذلك. يبدو الأمر غريباً جداً في الحقيقة: أمير مغربي يواجه المنع والرقابة في مملكة ابن عمه الملك.
أمير يكتب مذكراته :
أواخر سنة 2013، تداولت عدة جرائد فرنسية خبراً يتحدث عن عزم أمير مغربي إصدار مذكراته. بدا الخبر صادماً منذ الوهلة الأولى، لكن وما إن تبيّن أن هذا الأمير هو الأمير مولاي هشام، أصبح الخبر مزلزلاً.
أحدث الخبر الذي نشرته مجلة "لونوفيل أوبسيرفاتور" الفرنسية حالة ترقب في الأوساط السياسية والإعلامية في المغرب، فالجميع يعرف جيداً مَن يكون مولاي هشام، الأمير الذي لا يشبه أمراء الأسرة المالكة في المغرب، والذي أراد أن يكون أميراً ليس كباقي الأمراء، الشيء الذي كلّفه الكثير من المتاعب والمحن، منذ أن تقرر إبعاده عن القصر الملكي بعد أيام قليلة على دفن عمه الحسن الثاني، صيف 1999.
وإذا كانت الصحافة المغربية والدولية قد دأبت على إطلاق لقب "الأمير الأحمر" على مولاي هشام، نظراً إلى مواقفه الجريئة والصريحة إزاء الملكية في المغرب، فإن هذا الأخير حسم الأمر لما أصدر مذكراته، مطلع أبريل 2014، عندما اختار لها عنوان "سيرة أمير مبعد". هكذا إذن يرى الأمير نفسه: أمير تقرر إبعاده بعدما صار مزعجاً لعائلته الحاكمة وللحاشية المقربة منها.
فور طرح الكتاب في المكتبات الفرنسية، جرى تداوله على نطاق واسع عبر شبكات التواصل الاجتماعي. وبعد قراءته، كان هناك شبه إجماع على أنه عادي جداً. ففي الوقت الذي توقع الجميع أن يوميات الأمير ستكون بمثابة "قنبلة"، تبيّن أنها لم تكن سوى تكرار لما سبق أن نُشر وجرى تداوله على صفحات بعض الجرائد والمجلات المغربية التي كانت معروفة بقربها من الأمير.
لكن "المذكرات" تميّزت بالتطرق إلى حكايات ممتعة جداً جرت داخل القصر على مدار خمسين سنة من العلاقات العائلية، من الطفولة إلى العلاقة بين مولاي هشام ووالدته اللبنانية لمياء الصلح، ووالده الأمير مولاي عبد الله، وعلاقة هذا الأخير بأخيه الملك الحسن الثاني، مروراً بالعلاقة بالملك محمد السادس الذي كان ولياً للعهد آنذاك، ووصولاً إلى "القطيعة" مع الملك الجديد واختيار "المنفى" الأمريكي.
لكن كل هذه الأشياء كانت بسيطة جداً من الناحية السياسية، ولم تخلّف أي جدل في الصالونات أو خلف أسوار القصر الملكي.
مع الملكية... لكن ضد المخزن "لم يسبق لي أن كنت شيوعاً ولا اشتراكياً، بل أنا لست من روافض النظام الملكي... لست جمهورياً ولست ملكياً بالمطلق... وأنا مستعد أن أضرب صفحاً عن الملكية إذا اقتنعت أنها لم تعد صالحة للمغاربة... لقد تبين بعد الربيع العربي أن الملكية نافعة للمغرب، ولكن يجب أن يتم تفكيك المخزن".
بهذه العبارات استهل الأمير كتاب مذكراته، وذلك من خلال "عقد ثقة" توجه به إلى جميع المغاربة "بدون تمييز"، ليضع حداً لكل الغموض الذي كان يلف موقفه تجاه نظام الحكم في المغرب. فالأمير لطالما كان ضحية هجمات ممنهجة من قبل بعض الجهات وكذا بعض وسائل الإعلام، كان الهدف من ورائها تصويره كـ"عدو للملكية يسعى إلى إسقاط النظام وإشعال الفتنة في المملكة".
وحتى قبل إصدار مذكراته، كان الأمير واضحاً في هذا الباب، ولطالما أكد أنه ليس ضد النظام الملكي في المغرب، وأن أمله هو أن يكون له دور إيجابي في لرقي بالبلاد، والمساهمة في إطلاق انتقال ديموقراطي حقيقي في مملكة ابن عمه.
"أريد أن تتقدم بلادي إلى الأمام، أن تتطور، وأنا أعتزم المشاركة. أنا واع بموقفي ومن ثم ‘بالفوضى’ التي أستطيع إثارتها، ولكن كذلك بالمساهمة الإيجابية التي يمكنني أن آتي بها... لقد كنت نشيطاً في زمن حكم عمي الراحل الحسن الثاني، أما الآن، فسأكون أكثر من ذلك في عهد يعرّف نفسه كعهد للانفتاح وترسيخ دولة القانون"، يقول الأمير في حوار له مع إحدى المجلات المغربية.
كان هو الفرد الوحيد في الأسرة الملكية الذي لا يتردد في الحديث مع الصحافيين وإعطاء حوارات وتصريحات للجرائد بدون أية تحفظات.
بقي الأمير متفائلاً على الرغم من أنه أصبح "أميراً منبوذاً" في القصر، تفاؤل سرعان ما سينتهي عندما سيقرر في يناير 2002 مغادرة المملكة باتجاه الولايات المتحدة الأمريكية للاستقرار هناك برفقة أسرته الصغيرة.
لم يستطع الأمير أن يتعايش مع واقعه. فكونك أمير، أمير مغربي بالخصوص، يفرض عليك العديد من القيود، قيود لم يتقبل مولاي هشام أن يفرضها على نفسه، ومَن يدري؟ فقد تكون "التربية الأمريكية" التي تلقاها في طفولته وشبابه هي التي أدت به إلى هذه النتيجة وجعلته مختلفاً عن باقي أفراد عائلته.
"إننا في القصر نعيش وسط فقاعة، إنه تشويه رهيب للواقع... بل يمكن أن يؤدي إلى الخراب! لو كنت قد أردت تثبيت مكانتي كأمير، ما كنت لأترك مكاني بجوار الراحل الحسن الثاني". ا
وفاة الحسن الثاني... نهاية العلاقة مع القصر
في مساء 22 يوليو 1999، كان مولاي هشام متواجداً في باريس لمّا بلغه خبر إدخال عمه الحسن الثاني إلى قسم العناية المركزة. أراد الأمير أن يعود في الحين إلى الرباط، إلا أن الملك أمسك السماعة من يد الطبيب ليقول له "لا تسرع، انتظر، غداً تأتي".
في اليوم التالي، سيرنّهاتف الأمير من جديد عندما كان يتناول وجبة الغداء مع الأكاديمي اللبناني غسان سلامة. هذه المرة، كان ولي العهد محمد هو المتصل. أخبره أن الحسن الثاني مريض جداً وأنهم "بصدد إنقاذه"، وأن عليه العودة فوراً إلى الرباط. وقال له إنه يخبره هو والوزير الأول آنذاك عبد الرحمن اليوسفي فقط "لأسباب سياسية".
حلّ مولاي هشام في القصر الملكي بالرباط في حدود السابعة والنصف مساءً. "فهمت بمجرد وصولي أن الحسن الثاني قد توفي"، كما يروي في مذكراته عن تلك اللحظة. لكن وبمجرد وصوله، سيتفاجأ بحادث غريب. ففي تلك اللحظات، ستشهد ردهات القصر "اعتقال" وزير داخلية الملك الراحل والرجل القوي في نظامه، إدريس البصري، في إحدى قاعات القصر.
"لفت انتباهي حدث غريب: رأيت اثنين من عناصر الدرك في فرقة حراس الملك المقربين يمسكون إدريس البصري في أحد المكاتب ويهددونه، على بعد أمتار قليلة من الجنرالين بوشعيب عروب وحسني بنسليمان، وسمعت البصري يصيح: ‘أوقفوا هذا الاستفزاز! إنني وزير الداخلية!’ فاستفسرت الجنرال عروب، فأجابني بأنه إجراء وقائي، فأشرت إلى أن هذه الطريقة سيئة للغاية، وأن وسائل الإعلام العالمية في حالة ترقّب وإنْ علمت بالخبر ستعطي صورة بائسة عن الملكية. مات الملك الذي كان يحمي البصري، وها هو وزير الداخلية يتلقى الضربات بعدما أسرف في تسديديها، فسبحان مبدل الأحوال"، كتب الأمير. غداة جنازة الحسن الثاني التاريخية التي حضرها أشهر قادة العالم، ستعرف علاقة الأمير بمحمد السادس منعطفاً جديداً سيعجل بالقطيعة، وذلك بعدما أصر مولاي هشام على مفاتحة الملك الجديد، بحضور أفراد الأسرة الملكية، بمواضيع شائكة تهم مستقبل المملكة المغربية التي طوت صفحة حكم الحسن الثاني الذي دام 38 سنة.
"أعلم أنه من واجبي أمام التاريخ والمغاربة أن أطلع ابن عمي على ما يدور في خلدي، فعزمت على الوفاء بهذا الالتزام، على الرغم من أن فرص تحسين علاقتي مع محمد السادس بعد وفاة والده تكاد تكون منعدمة. غداة يوم الجنازة، استجمعت شجاعتي وذهبت للقاء محمد السادس في القصر لأصارحه برأيي في النظام الملكي، والمخزن، وحول الجيش والتناوب، بحضور وجهاء القصر والأسرة. خلال حديث عفوي، قلت له إن ثروة العائلة المالكة يجب أن تعود إلى الأمة، وناشدته ألا يعطي أية ضمانات لجنرالات الجيش، وألا يعقد اجتماعاته في مقر القيادة العامة للقوات المسلحة. ألا يكفي أن تكون شمال إفريقيا كلها محكومة من طرف العسكريين؟ كما طلبت منه تنحية إدريس البصري من وزارة الداخلية برفق، وأخيراً ألححت عليه لأجل تعزيز انفتاح النظام على اليسار. لم يجبني الملك وظهر كأنه لا يدري ما يقول، وتجنب أن أكلمه على انفراد، وتكفل الوجهاء الحاضرون بتقويض كل طروحاتي واقتراحاتي بقوة، مع احترام اللياقة". هكذا تحدث مولاي هشام عن اللحظة التي قرر خلالها أن يفتح قلبه لابن عمه الملك، والتي جعلت منه أميراً غير مرغوب فيه، إذ بعد مرور 48 ساعة على هذا اللقاء، أبلغه مدير البروتوكول الملكي بأن الملك محمد السادس يفضّل عدم حضوره مجدداً إلى القصر، إلا إذا كان "مدعواً". أمير في البلقان
في أوائل عام 2000، وأمام حاجته الماسة إلى خوض تجربة جديدة مختلفة تماماً عن تجاربه السابقة، تقدّم مولاي هشام بطلب للعمل مع هيئة الأمم المتحدة. طلب الأمير موعداً مع كوفي أنان، الأمين العام السابق للأمم المتحدة. استقبله الأخير رغم مساعي سفير المغرب لدى الأمم المتحدة لنسف مشروعه، إلا أنه حسب أقوال الأمير تلقى تعليمات من الملك محمد السادس من قبيل "دعه يمضي حيث يشاء وليتركنا وشأننا".
هكذا إذن، أصبح مولاي هشام مستشاراً للشؤون المجتمعية غير الألبانية لدى برنار كوشنير، ممثل الأمم المتحدة في كوسوفو، مقابل الامتثال لشرط كوفي أنان المتمثل في أن تكون كل تحركاته تحت مواكبة خمسة حراس شخصيين، لأن كونه شخصية مسلمة، قد يجعل منه هدفاً رئيسياً للاغتيال من طرف ميلوسيفيتش وجنوده.
كان مولاي هشام العربي المسلم الوحيد ضمن مستشاري كوشنير في تلك المنطقة البلقانية المدمرة بالحروب والكراهية، إلا أن المثير كان تكليف هذا الأمير الشاب بملف حقوق الإنسان والأقليات في الوقت الذي تُعتبر هذه الحقوق مهضومة في المنطقة العربية التي ينتمي إليها.
لكن، لا مجال للتشكيك في الإرادة الديمقراطية لمولاي هشام، وهو الذي كان قد نشر مقالاً مثيراً سنة 1996 على صفحات جريدة "لوموند ديبلوماتيك" الفرنسية، دعا فيه الزعماء العرب، بمَن فيهم عمه الحسن الثاني، إلى إرساء دعائم الديمقراطية ومفهوم المواطنة، إضافة إلى إقرار سلسلة من الإصلاحات السياسية والدستورية.
لكن ذهاب الأمير إلى البلقان سيثير تساؤلات عدة في الصالونات المغربية، خاصة لدى "الإنتليجينسيا الليبرالية": لماذا نترك شخصاً مثله يحظى بمصداقية في الداخل والخارج يذهب إلى كوسوفو، في حين أن بلاده في حاجة ماسة إليه؟ البعض قال إنه يرفض أن يشتغل داخل وسط يتغلغل فيه رموز "المخزن" الذين يتولون مسؤوليات كبيرة في مناصب حساسة داخل الدولة المغربية.
في بريشتينا، كان الجميع يناديه "أمير المغرب" على الرغم من أنه لم يذهب إلى كوسوفو بصفته الأميرية، بل باعتباره ناشطاً في مجال حقوق الإنسان من أجل المساهمة في بناء الديمقراطية في هذه المنطقة التي استُنزفت بفعل الهمجية اليوغوسلافية لقوات ميلوسيفيتش.
تأقلم حفيد السلطان محمد الخامس بسهولة مع حياته الجديدة، بعيداً عن أي امتياز، إذ أنه لم يكن يتوفر له لا الماء الساخن، ولا الكهرباء، بل إنه كان يشتغل مقابل دولار رمزي، وبالتالي، فإنه يكون بذلك قد كسر الصورة النمطية للأمراء العرب.
عندما سُئل لاحقاً برنار كوشنير عن رأيه بالأمير، قال: "رغم أن عدداً من زملائي حدثوني بطريقة إيجابية عن مولاي هشام، كانت لدي تحفظات في بادئ الأمر، بسبب ما يُحكى حول عدد من الأمراء العرب. لكنه وبمجرد ما بدأ العمل معنا، اكتشفت أنني أمام مناضل مقتنع تماماً بحقوق الإنسان، وليس أمام أمير".
فلاش باك قطيعة معلنة
بداية عام 2000: عندما أرسلت القناة الرسمية المغربية طاقماً صحافياً لتغطية أنشطة المغرب في كوسوفو، كانت تعطى تعليمات، حسبما راج آنذاك، بعدم الاقتراب من مولاي هشام، حتى لا تظهر صورته في نشرة الأخبار.
أكتوبر 2001: ستتفجر قضية مثيرة تمثلت في اختطاف سائق الأمير واقتياده إلى مكان خال والضغط عليه حتى يؤكد أن مولاي هشام على علاقة ببعض ضباط الجيش في إطار أهداف مشبوهة، الأمر الذي سيدفع الأمير إلى توجيه أصابع الاتهام إلى الجنرال حميدو لعنيكري الذي كان مديراً للمخابرات آنذاك. وتم تشكيل لجنة للتحقيق في الموضوع من طرف وزير الداخلية إدريس جطو الذي اتصل به الأمير لتوضيح الأمور، لكن نتائج ذلك التحقيق لم ترَ النور أبداً.
نوفمبر 2005: لأول مرة بعد "طرده" من القصر، سيتم استدعاء الأمير لحضور احتفالات الذكرى الذهبية لمرور نصف قرن على عودة جده محمد الخامس وحصول المملكة على الاستقلال. هذه المرة، ستتم معاملة مولاي هشام باعتباره "أميراً" إلى جانب باقي الأمراء، ولن تعمد التلفزة إلى تجنبه. وبهذه المناسبة، سيتم التقاط صورة تذكارية تجمع كل أفراد الأسرة الملكية ستنفرد مجلة "باري ماتش" الفرنسية بنشرها، وهي الصورة التي كان مولاي هشام غائباً فيها.
سبتمبر 2009: سيعود مولاي هشام إلى القصر الملكي لحضور حفل زفاف أخيه الأمير مولاي إسماعيل، وسيتم التقاط صورة للملك برفقة باقي أفراد عائلته ستنشر لاحقاً على صدر جريدة "لوماتان" المقربة من القصر. غاب الأمير عن الصورة الرسمية الملكية، لكنه حضر في صورة ثانية جمعته بأخيه وأخته الأميرة للا زينب ووالدتهم اللبنانية الأميرة لمياء الصلح وبعض المقربين، في مشهد يؤكد بالملموس أن لا شيء تغيّر في علاقة الأمير بالقصر.
أكتوبر 2012: لأول مرة في تاريخ القضاء المغربي، يحضر أحد أفراد العائلة الملكية بنفسه جلسة في إحدى محاكم المملكة. فبعد اتهامه بالاستفادة من قرض بدون ضمانات من أحد البنوك المغربية، سيقرر مولاي هشام مقاضاة القيادي في حزب الاتحاد الاشتراكي عبد الهادي خيرات، الذي سيعتذر للأمير في ما بعد، وذلك بعد الجلسة الأولى التي حضرها ابن عم العاهل المغربي شخصياً برفقة محاميه. أبريل 2014: في سابقة جديدة ينفرد بها مولاي هشام، أصدر كتاب مذكراته الذي يلخص فيه تفاصيل تجربة نصف قرن من العلاقات العائلية وموقفه من الملكية. لن يثير كتاب الأمير جدلاً في الأوساط المغربية لأنه لم يتضمن شيئاً عن "أسرار الدولة"، وهي الأسرار التي أكد الأمير لاحقاً عبر قناة "فرانس 24" أنه يعرفها لكنه لن يكشف عنها نظراً لحساسيتها.
سبتمبر 2017 : أقدمت السلطات التونسية على طرد الأمير بعيد وصوله إلى تونس العاصمة للمشاركة في ندوة جامعية، في إطار منتدى كانت تنظمه جامعة ستانفورد الأمريكية، مخصصة لانتقال السلطة في بلاد الياسمين بعد ثورة 2011. اقتحمت عناصر من الأمن التونسي مسبح فندق موفنبيك الذي كان يقيم فيه الأمير بالعاصمة، واقتادوه إلى مركز الشرطة، ليتم اصطحابه إلى مطار تونس-قرطاج وسط حراسة أمنية مشددة من أجل ترحيله إلى باريس.
هكذا، سيغادر الأمير تونس باتجاه فرنسا على متن طائرة تابعة للخطوط الجوية الفرنسية، دون الكشف عن ملابسات الإجراء الذي اتخذته السلطات التونسية والذي أعطى الانطباع بأن تونس عادت إلى استخدام أساليب الرئيس المخلوع زين العابدين بن علي.
======
تعليقات
إرسال تعليق