حول فوز أردوغان


مبروك لأردوغان رغم أنفي!



أختلف تماما مع الإسلام السياسي، وأرى تدخلات الجيش التركي في سوريا عدوانا غير مقبول، ودعم أنقرة لجماعة الاخوان المسلمين في مصر تدخلا غير مبرر، والقاعدة العسكرية التركية في الدوحة لا تختلف عن نظيرتها الأمريكية في العيديد، واعتقال عشرات الآلاف من المتعاطفين مع الانقلاب العسكري ضد أردوغان مقدمة لغول الاستبداد.
وأتفق مع الخيار الشعبي التركي الذي تجاوز الخمسين بالمئة في انتخابات نزيهة حيث يحصل زعماء العالم العربي على نسبة تقترب من 100%!
الرئيس الشيخ رجب طيب أردوغان ليس وجها واحدًا، لكنه كتلة من عشرات السلبيات ومثلها من الإيجابيات، وهو الحُلم العثماني في بسط هيمنة على الجيران، وفي استقطاب قوى التطرف الديني مع قليل من الاعتدال.
تختلف معه، مثلما أفعل، أو تتفق معه، مثلما أيضا أفعل، لكنه التوافق الجديد بين القبعة والطربوش، والرجل الثاني القوي بعد مصطفى كمال أتاتورك، والعلمانية المحَجَّبة، ويضع قدما في استانبول وأخرى في برلين، يصافح أنجيلا ميركل ويعانق القرضاوي.
الشعب يختار الاستبداد ديمقراطيا، ولا يتردد في اختيار الزنزانة مع لقمة عيش كريمة.
الشخصية التركية مُرَكَّبة من حلم السلطان، لكنها تحصل على الثمن في السراء والضراء، فثلاثة ملايين تركي في ألمانيا يرفعون مستوى معيشة أهل بلدهم في الوطن الأم، وثلاثة ملايين سوري في تركيا تحصل أنقرة من الغرب على مليارات الدولارات ثمنا لاستضافتهم لدىَ الشيخ أردوغان.
أنا لا أحب أردوغان ولا أبغضه رغم تحفظاتي على عثمانيته في سوريا وسيناء والخليج، لكنني أحاول تتريك نفسي، لبعض الوقت، في حلم شعب يريد أن يكون أوروبيا مُعَمَّما، ديمقراطيا مع رشّة استبداد، ديكتاتوريا داخل صناديق الاقتراع.
سيقول قائل: كيف ترى انتخابات تركيا نزيهة، وانتخابات تأتي بمحمد مرسي غير نزيهة؟
الحقيقة أن نسبة الأمية للمقترعين المصريين جعلت وصول مرسي إلى الاتحادية تزويرًا في الصدر قبل غمس الإصبع في الحبر الفوسفوري، ثم إن مرسي كان مرشحا أمام المخلوع حسني مبارك العائد في صورة أحمد شفيق، ووصول مرسي كان مصحوبا بكل قوى التخلف والمزايدة والانتقام والطائفية، فرفض أكثر أعضاء مجلس الشعب الوقوف للعـَـلــَـم المصري، وتضاعف النقاب، وأصبحت الفتاوى بورنوجرافية وغيرها من الطالبانية المصرية المخيفة.
في تركيا مثــَّـلَ أردوغان الدين السياسي وفي مصر كان مرسي يقود السياسة الدينية؛ والنتيجة أن أنقرة جاءت بالاستبداد الراغب فيه الشعب وفي القاهرة حضر التخلف يقوده الدراويش.
في تركيا لا يستطيع الرئيس أن يحلم بعيدا عن أتاتورك، وفي مصر سبقت روح حسن البنا المجلس العسكري إلى المُقطم.
نفخ أردوغان شعبه من أجل أن يطرق حدود أوروبا وكأن خيوله على أبواب النمسا وبلغاريا؛ وفي مصر طرقت الدول المجاورة أبواب مصر، ودخل السلاح من ليبيا والسودان وتأخونت رمال سيناء.
كانت الفرصة سانحة في مصر لمحاكمة مبارك والمجلس العسكري ومحمد مرسي لتأسيس الدولة القوية القائمة على روح ميدان التحرير، وفي تركيا كاد أردوغان يُلقي بثلث شعبه بعد انقلاب يوليو في سجون تصغر بجانبها يوميات ميدنايت إكسبرس!
أردوغان زعيم حزب ديني يحترم العلمانية؛ وفي مصر كان محمد مرسي زعيم جماعة إرهابية تتنفس من ( معالم على الطريق) ويحتقر المواطنة ( جنسية المسلم عقيدته) ويرى شعبه غارقا في الجاهلية.
الشعب التركي المسلم يرفع صورة مؤسس العلمانية، ومسلمو مصر من جماعة مرسي يصابون بالأرتكاريا إذا أطلت عليهم صورة عبد الناصر، ويرون ثورة طردت الاستعمار البريطاني من قناة السويس انقلابا ونكسة واشتراكية كافرة.
يعزّ عليَّ ويؤلمني وتؤسفني تهنئة أردوغان وأفكر في دول الخليج( باستثناء قطر ) وشمال العراق وسوريا واليمن، لكن الحقيقة المُرّة لنا هي بطعم الشهد في حلوق الأتراك، ولا يمكن إلا أن نصالح الرئيس التركي للسبع سنوات القادمة ونزيح أحلامه بعيدًا عنا، فهي كوابيس إذا كبرت بها جماعة مرسي والبنا!
إن مصالحة عربية/تركية/إيرانية قد تقطع الطريق على قوى الاستعمار خارج المنطقة، فأوهام وأطماع سلاطين أنقرة وطهران والدوحة وأديس أبابا والخرطوم وتل أبيب قد تُقلب الطاولة على عالمنا العربي الممتد من الماء إلى الماء، وعدوانية نظام الحمدين وتميمهما تسعى لاستنزاف دولة الإمارات العربية المتحدة وهي المنافس الأكبر لدولة قطر، والدولة العربية الوحيدة التي كشفت وفضحت مراكز الإرهاب المتأسلم في العالم برمته.
نجاح أردوغان أثبت أن لقمة العيش في الداخل والكرامة في الخارج تمثل ثلثي ما تحويه صناديق الاقتراع، ورغم أن الزعيم التركي متواضع أمام مساكين شعبه ومتكبر في مواجهة القوى البيضاء الأكبر، إلا أن أكثر زعمائنا متكبرون أمام شعوبهم وصغار في لقاءاتهم وحواراتهم مع الترامبيين في الغرب وأمريكا.
سأبعث تهنئة للشيخ أردوغان إذا أطال الله في عُمري سبع سنوات أخريات، لكنني لن أبعثها للاخوان أو السلفيين أو الدواعش حتى بعد زيارة حفار القبور لي!
محمد عبد المجيد
طائر الشمال
عضو اتحاد الصحفيين النرويجيين
أوسلو في 25 يونيو 2018 
=====

تعليقات