من الارشيف - مسرحية نوادر بوكاسا



نوادر بوكاسا /  مسرحية من 8 فصول

  نوادر بوكاسا ( مسرحية )
المؤلف : صلاح الدين محسن
طبعت بالقاهرة   عام 1981 
                                        (      الحلقة الاولي   )

************************************************************************
تنويه هام : نظرا لمرور قرابة  38 عاما علي تاريخ طباعة المسرحية للمرة الأولي . .. لذا
لزم التنويه الي أن المؤلف انما قصد بشخصية بوكاسا ، وما يجري من أحداث بالمسرحية فيما يخص السياسة  ، هو عمل اسقاطات سياسية علي عصر الرئيس السادات  . وحال مصر وقتها والظروف التي أحاطت بالحكم وادارة البلاد  في ذلك الوقت  .
*********************************************** ***************** ****
*   *   *   *
شخصيات المسرحية :
======
طارق             مدرس ، ويعد أطروحة  حول دور الفرد في التاريخ ، ويهوي القراءة في الفلسفة .
سوزان             زوجة طارق  - موظفة . تساعده في كتابة أبحاثه .
شريف             ابنهما  .  طالب بالسنة الأولي بكلية الزراعة .
ناجي               ابنهما الأصغر . يبلغ من العمر 10 سنوات .
نظمي              أخصائي اجتماعي . زميل لطارق في العمل ، وصديق له
ناهد                زوجة نظمي
الطفل علاء        ابن نظمي  - 9 سنوات –
الطفل أحمد          "          7 سنوات.
لؤي                طفل عمره عام  - ابن نظمي . ويحتلون بعيد ميلاده –
فاطمة              شقيقة ناهد – تشاركها في الاحتفال بعيد ميلاد ابنها .
محمود              محاسب . وصديق لكل من طارق ونظمي .
ياسر                مدرس . وصديق لكل من طارق ونظمي ومحمود .
المعلم بطيخة        صاحب فرقة مسرحية . جاهل واثق من نفسه .
نوسة              راقصة مبتذلة بفرقة المعلم بطيخة .
زوبة اللهلوبة      "         "      "       "       "             
الشبح                شبح يظهر في صورة ستالين . يحتج علي ادانته بالقتل .
الجوكر              يقوم بدور واحد من العامة الدهماء المتفائلين باستمرار .
مجموعة أطفال      7 أطفال تتراوح أعمارهم بين 7 و12 عام  .
 ****************************

                     الحلقة الأولي
                              = = = = = =
يرفع الستار
( ممثلان وممثلتان يقفون علي المسرح   ليقدموا العمل  والمسرحية للجمهور ) علي النحو التالي :
الممثل الأول : لاتظنوا يا حضرات الأفاضل أن المسرحية سياسية  لا .. أرجوكم ألا تظنوا بنا السؤ .                                                               فالمسرحية ليست سياسية . لأننا لا نحب السياسة ولا نحب أن نتكلم عنها . ولا أن يحدثنا  فيها أحد . .  ولا تضطروننا الي القول بأننا لا نحب أيضا المشتغلين بها .
الممثلة الأولي : ولا تظنوا أن لها مضمونا سياسيا أو شبه ذلك . نرجوكم لأننا في الحقيقة ، ونقسم لكم ان أردتم :                                                    اناس طيبون . نرضي بالقليل . وأقل من القليل ولا شأن لنا بأحد . ونقنع بأردأ أنواع الخبز حتي ولو كان  معجونا  ببعض المسامير ، أو محشوا ببعض خيوط الدوبارة الرفيعة  أو الحصي الصغيرة .
الممثل الثان :    نعم . نحن اناس مسالمون . ولا نحب طريقة توجيه الاتهامات أو القاء المسئولية علي أحد أبدا   فكل شيء في رأينا له ما يبرره . ولكل خطأ سبب بريء. ولا يوجد في قانوس تعبيراتنا أي شيء  من الكلمات غير اللائقة التي يتلفظ بها الناس غيرنا . مثل اهمال . لا سمح الله ! ، أو تسيب .(  بصوت عال جدا ) والعياذ بالله .. و... الي آخر مثل تلك الكلمات التي تأنف لياقتنا أن تتلفظ بها ألسنتنا .

الممثلة الثانية          نعم يا حضرات  . نحن اناس اناس مسالمون  ولا شأن لنا بأحد ولا بشيء أيضا . . 
                       فمثلا اذا وجدنا شارعا قد بقرت بطنه . وخرجت أحشاؤه وامتلأ وجهه بالحفر   والندب والأخاديد . علي سبيل المثال . فاننا نعزي ذلك الي فعل  الأمطار .اذا كنا في فصل الشتاء  .
                        وان لم نكن في الشتاء قلنا انه شدة حرارة الشمس هي التي أدت الي تشقق وجه الشارع .
الممثل الأول :      وان كان الجو ربيعا حيث لا توجد أمطار ، ولا شمس شديدة الحرارة . فاننا نلقي باللوم علي .. عفوا .. لا نقصد لفظ لوم .. عفوا . نرجو المعذرة .. كان السبب في رأينا هو ضعف القشرة الأرضية لأرض الشارع                                            القشرة الأرضية  بهذا الشارع .  .
المثلة الثانية :       فاذا أنكر أحد الجيولوجيين وجود مثل هذا السبب
 .. كان لدينا سبب آخروهو وبالتأكيد وجود نوع من النمل الأبيض الذي لا يري بالعين المجردة ، ولا  بالميكروسكوب  أيضا . وهو الذي يقوم بمثل هذا العمل وهو في نفس الوقت معذور أيضا حيث أ ن طبيعة حياته تستدعي منه ذلك .
الممثل الثاني :      هذا بالنسبة للشارع .. أما اذا انقطعت الكهرباء بشكل مستمر أو متقطع طويل المدي في أوقات امتحانات المدارس والجامعات بالذات . فاننا لا نتهم أحدا أيضا بأي شيء. فقد تكون قطة
                        تعلقت ببعض أسلاك الكهرباء . أو فأرا من الفئران السمان أو النحاف .قرض تلك الأسلاك.
                        لأي سبب علمي آخر لا يدركه سوي أهل العلم الفيزيقي أو الميتا فيزيقي .
الممثل الأول         أما اذا فتحنا الصنبور في الصباح  لنغسل وجوهنا  قبل الذهاب لأعمالنا . ووجدنا الماء بلون أسود فاتح أو قاتم .. هللنا وكبرنا وهنأ بعضنا البعض .. فهذه بشري سعيدة . وفأل حسن . اذ يعني ذلك أن بشائر الذهب الأسود الذي سيتفجر ببلادنا قد ظهرت في الصنبور وسيعم الخير أرجاء البلاد . وسيتمكن أفقر فقرائنا من السفر الي أوربا واللهو بشقراواتها .
                           وعندما تسقط بنا  سيارة في جوف ترعة . أو تنهار بأحدنا  عمارة من الطراز البيومي (( مقاول
                           مسئول عن بناء عمارات ورقية في عهد السادات وانفتاحه الاقتصادي علي الفساد ))  
                           وكان من الجرحي أو المتضررين   قلنا له . الحمد لله . قضاء أخف من غيره . أما ان كان من القتلي . فهذا فخر لنا فقد مات شهيدا . وسيحيا بأحضان الأنبياء والقديسين .
الممثلة الأولي :     ذاك بالنسبة للكبائر .. أما ان مرت علينا هنات هينات . مثل ارتفاع سعر اللحوم . فاننا نري بأن ذلك بسبب ارتفاع سعر الذهب في الأسواق العالمية .. وثمن الحذاء الواحد اذا تجاوز مرتب شهر كامل للموظف .. فتفسيره عندنا هو انخفاض سعر الدولار الكندي . أو ارتفاع سعر الفول السوداني في الأسواق المحلية
                           أو أي شيء آخر بعيدا عن سؤ الظن . والعياذ بالله بأشقائنا الجزارين . و باخوتنا المسئولين عن مراقبتهم . ولا بأصدقائنا المسئولين عن مراقبة هؤلاء المسئولين .
الممثل  2               ومن صغائر الأمور أيضا يا حضرات . التي نستسمحكم في ايضاح موقفنا منها : أننا اذا فشلنا في العثور علي مسكن نتزوج فيه ونعيش . مثل كل الكائنات الحية  أو لم نفلح في ايجاد موطيء لنصف القدم علي سلم الأتوبيس العام فالمبرر موجود وجاهز  .. وهو زيادة النسل وكثرة العدد ولعدم وجود بترول ببلادنا . فنحن نشفق علي المسئولين . وكان الله في عونهم اذ بلغ عدد سكان بلادنا : ( وهو يضخمها جدا )  1/20  وااااحد علي عشرييييين . من تعداد الصين ..!! انظروا كيف وصل تعداد السكان عندنا لهذا العددمن التضخم والتورم ..( يخفض صوته قليلا ) ولكن نرجو ألا يسألنا سائل قائلا : ولكن الصين لا تعاني تلك المشكلة كما نعانيها نحن ....! واليابان التي صارت قوية الاقتصاد وتنعم بالخير . ليست دولة بترول ..! ..هنا نقول : تلك مسائل لا شأن لنا بها ..اذ ليس من الواجب أن نتكلم عن غيرنا ففضلا علي كون ذلك غيبة ونميم نحاسب عليها يوم القيامة فهو أيضا يعد تدخلا في الشئون الداخلية لدول أجنبية وتلك قضية سياسية دولية وقد قلنا بأننا لا شأن لنا بالسياسة . ولا نحبها
الممثلة 2              حقا لقد بلغ تعدادنا يا حضرات حدا رهيبا من لزيادة . لقد بلغنا 1/200 من تعداد العااااالم ! و1/ علي ديشيلوين .. من سكان جميع كواكب المجموعة الشمسية . من الكائنات العاقلة التي قد ..  يتعرف عليها علماء الفضاء في المستقبل القريب . ان شاء الله . وهذا هو أس البلاء . وسبب كل المشاكل .
الممثل  1               ونضيف الي ذلك يا حضرات فضلا علي كوننا نفسر الأمر علي هذا النحو الحسن النية . كما رأيتم  فاننا عندما لا نجد غرفة متواضعة بأي بيت بدون خلو أو مقدم . وكلما طوردنا من حملة الصناديق كل مكان وهم يتوسلون الينا للتبرع لبناء بيت لله.. وهذا فرض يجب تدبيره قبل كل  شيء . أما أمرنا نحن .. فنفوضه لله. هو يتولاه . وبعد ذلك يوفقنا في الحصول علي شقة في مدة  بين 6 و 7 سنوات بالكثير .. وهكذا يتدبر أمر الجميع بالتعاون المتبادل وحسب الأولوية . وطبعا  الأولوية لبيت ربنا ونحن يأتي دورنا في الحصول علي بيت علي مهل .       
الممثل 1  والآن يا حضرات . نرجو أن تكونوا قد عرفتم كم نحن طيبون . وتأكدتم من أننا أبرياء من تهمة احراز أي مقصد سياسي. أو اخفاء أي مضمون يمت له بصلة نسب أو قرابة . فنحن لا نقصد سوي أن نسعد بلقائكم . ونرجو أ ننجح باسعادكم بلقائنا . بعملنا هذا الذي لا نقصد به سوي وجه التاريخ . ان تفضل علينا ولم يعطنا ظهره . ونقصد أيضا علم الاجتماع والفيزياء . وأي علم أو شيء آخر بعيدا عن المشطوب اسمها المدعوة : سياسة .. ونتوسل اليكم بألا يكون ( بهلجة شاعرية فكهة  ) : هناك أي تأويل آخر لمقاصدنا ، أو تحويل معاكس لمرامينا .. لأننا اناس لا نطمع في شيء من الحياة أكثر من أكل الخبز السابق وصفه . ولا نمشي سوي بجانب الحائط ..
(( يصطفون جميعهم  في طابور ويمشون وراء بعضهم البعض . ويدورون في خشوع وانكسار حول خشبة المسرح وهم يرددون  :
                                بجانب الحائط .. بجانب الحائط .. ( وهو يطأطئوا رؤسهم بالتدريج أكثر فاكثر ) :
                                بجانب الحائط    بجانب الحائط    بجانب الحائط .
                          ( ستار )
                               *****   ****    ***     
                                  
        نوادر بوكاسا  - مسرحية - 
المؤلف : صلاح الدين محسن
طبعت بالقاهرة   عام 1981 
                                          ( الحلقة الثانية )

الفصل الأول
--------

( المنظر ) : غرفة مكتب فسيحة بها مكتب صغير بالجانب الأيمن 
علي بعد خطوات من المكنب توجد منضدة صغيرة عليها آلة كاتبة .وبجانبها رزمة من الورق الأبيض، وبالجانب الآخر علبة كربون ، في مؤخرة الغرفة تحفتان . التحفة الأولي عبارة عن نموذج صغير لأبي الهول ، بينما التحفة الثانية عبارة عن نموذج صغير أيضا لهرم صقارة المدرج طول قاعدته حوالي المتر. مدرجاته مصنوعة من الكرتون ومرصوصة فوق بعضها البعض . بالغرفة ’ أريكة و3 مقاعد . وخلف المكتب يجلس طارق . أمامه بعض الأوراق عبارة عن مسودة لبحث يجري اعداده حول شخصية بوكاسا . وعلي الأريكة يجلس أصدقاؤه لثلاثة : نظمي ، محمود ، ياسر .
( تدخل سوزان . زوجةته . حاملة صينية من الشاي )
سوزان : طاب مساؤكم يا سادة .
الجميع طاب مساؤك يا أم شريف .
سوزان ( تضع صينبية الشاي . وتدعوهم لتناوله - باشارة من يدها فقط بلطف وابتسام -. وقبل أن تنصرف تخاطب زوجها طارق )
سوزان هل أتممت بضع صفحات أخري من البحث . كي أطبعها لك علي الآلة الكاتبة ؟
طارق جزاك الله خيرا يا سوزان . لكم تتعبين معي . أوشكت علي اتمام العشر صفحات الأخريات 
وسأعطيك اياها لكتابتها .
سوزان حسنا .. حسنا ( تخرج )
ياسر بحث ؟ عن ماذا يا تري ؟ عن ماذا يا طارق ؟
طارق انه عن " جان بيدل بوكاسا " امبراطور افريقيا الوسطي السابق .
نظمي يا له من موضوع شيق أتوقع أن يكون ها البحث عملا كبيرا .وقيما . فموضوع البحث – بوكاسا - . هو ظاهرة مدهشة في تاريخ الحكم والحكام . جديرة بالبحث والدرسة والوقوف أمامها بتمعن .
محمود تري . هل نتجاوز يا طارق لو طلبنا اعطاءنا نبذة مختصرة عن البحث ؟ فقد تشوقت لمعرفة 
بعض الشيء عن بوكاسا . فمعلوماتي عن تلك الشخصية .أعتقد بأنها قليلة .
ياسر وأنا أريد معرفة المزيد ان أمكن من طارق بالذات .
طارق لا بأس . ( بجدية ووقار المحاضر الأكاديمي ) في الحقيقة . لقد كان بوكاسا انسانا لطيفا ظريفا . 
يأتي من الأفعال و التصرفات ما يدعو الي السرور ويبعث علي الضحك الشديد حتي الاستلقاء 
ظهرا 
ياسر ( يضحك ) حلوة : حتي الاستلقاء ظهرا .!
الجميع ( يضحكون .. ) .
طارق ( بنفس الجدية والوقار ) فطرائفه اللطيفة كثيرة جدا . ونوادره تفوق نوادر جحا .. ( باستدراك ) 
ولكنها . ولكنها تختلف عنها طبعا في كونها : نوادر امبراطورية عظيمة القدر، رفيعة الشأن . 
منهاعلي سبيل المثال .. حيث يصعب الحصر. أنه أصدر أمرا امبراطوريا رفيعا .بالا يعتمد أي 
شيك باي مكان بالامبراطورية.. الا اذا كان موقعا عليه منه شخصيا ..!
( الجميع يضحكون بصوت عال )
ياسر ( وهو يضحك ) لطيف .. ظريف .. خفيف الظل ..) .
طارق ( مستعيدا جديته ) وكان بوكاسا يحب محاسبة المخالفين والمذنبين بنفسه . وعلي طريقته 
الخاصة.. 
رجاله قبضوا ذات مرة علي صحفي أوربي وهو يصور احدي المناطق بالبلاد . فامسكوا به 
وحبسوه عدة أيام .. ثم أخذوه بعد ذلك وأفهموه بأنه في طريقه لمقابلة الامبراطور العظيم بوكاسا .. فاستبشر الصحفي خيرا .. اذ سيتمكن من مقابلة الامبراطور ، ويشرح له موقفه . اذ 
كان يلتقط بعض الصور التي تعزز مقالا عن جمال الطبيعة بالامبراطورية .. وعندما دخل
القصر في حراسة الجنود وجد الامبراطور في انتظاره .. وبعد أن أصبح علي بعد خطوات قليلة 
منه انحني الرجل أمام بوكاسا قائلا :سيدي الامبراطور . وقبل أن يكمل نطق الكلمة . أجابه 
بوكاسا بقضيب من الحديد كان يخبئه وراء ظهه .. وبضربة واحدة علي أم رأسه أفاق بعدها 
بأسبوع ليجد نفسه علي سرير هاديء ومريح باحدي المستشفيات الجميلة . !
طارق ( مستطردا ) ولكن الامبراطور بوكاسا كان رؤوفا ورحيما رغم ذلك ..اذ أفرج عنه بعد
شهور قليلة عقب تبادل عدة رسائل وبرقيات مع زوجة هذا الصحفي التي أرسلت تتوسل
للافراج عن زوجها . فاستجاب الامبراطور تقديرا منه للعلاقات الأسرية وتقديسا لها ..! 
ياسر - ( برنة سخرية واندهاش مكتومين ) ظريف ..
نظمي ( بنفس لهجة ياسر ) لطيف .. 
محمود ( بنفس اللهجة ) خفيف . امبراطور رحيم ..وماذا بعد ؟!
نظمي ( يضحك بمرارة ) أعتقد الي هنا يكفي ..
الجميع ( تتداخل أصواتهم ) لا .. أكمل ..بعد .. نريد المزيد 
طارق وعندما قام بوكاسا بالانقلاب الذي استولي به علي الحكم.. كان علي درجة كبيرة من حسن 
بعض الناس( يضع كفه حول فمه ويهمس : هبل ) ..لدرجة أنه اندفع في باديء الأمر ناحية 
. مكتب رئيس الجمهورية السابق الذي خلعه . وانقض علي أدراج المكتب ويفتش فيها عن 
( ينظر للجمهور مبتسما ) فقد كان بوكاسا بحسن نيته يعتقد في أن رؤساء الجمهوريات 
يحتفظون بماليات الدول في مكاتبهم الخاصة .!
الجميع ( يقهقهون ويدقون الأرض بأياديهم وأرجلهم ) 
نظمي ( يضحك ) ظريف جدا .. ( يكح ) وماذا بعد ؟!!
طارق كفي . كفي الآن ..لأن له نوادر كثيرة . لا يتسع الوقت لذكرها كلها مرة واحدة ..
ياسر ( يضحك ) .

نريد سماع المزيد . فيا له من رجل ظريف حقا ..!
محمود اسمع .. اسمع ..لقد حدثتنا عن بعض مزاياه ومناقبه الطبيعية . من حسن نية وظرف
ولطف .. أوليس له من عيوب ؟ أيضا تحدثنا عن بعضها . حتي نتعرف علي ما للرجل 
وما عليه كواحد من ثلاثة أباطرة عرفتهم أيامنا ؟
طارق لا بأس.. في الحقيقة . الرجل كان منزها من كافة العيوب . اذ كان يتصف بأنبل الصفات 
باستثناء بعض التقاليد التي لا تروق لبعض الناس ويعدونها مأخذا عليه في حين أنها عرف 
اجتماعي لاغبار عليه .
ياسر لنعرف اذن . شيئا عن ذلك .
طارق حسنا .. لنعطيكم مثالا ..: ( ببساطة شديدة ) مثل أكل لحوم البشر .
الجميع ( الجميع . يهبون من أماكنهم فزعين . محدقين فيه .) ماذا تقول ؟! أكل لحوم البشر ..!
عرف اجتماعي لا غبار عليه ؟!
طارق الهدؤ .. الهدؤ .. أرجوكم الهدؤ .. لماذا انزعجتم.. الموضوع ليس بهذه الخطورة حتي 
تنزعجون.. الهدؤ من فضلكم .. سأشرح لكم الموقف 

الجميع ( يجلسون فاغرين أفواههم من الدهشة ) .
طارق انني أقصد ..
نظمي ( مقاطع) آااه .. فهمت . لعلك لا تقصد أكل لحوم البشر بمعناه الحرفي .. أي ليس أكلها 
بأسنانه . ولكن عن طريق نهب ثروات البلاد تجويع الشعب . مثلا .. أو ترك أقربائه و
أحسابه وأنسابه يتاجرون ويزدادون ثراء علي حساب قوت الناس وأرزاقهم .. أو 
اغماض عينيه عن التجار الجشعين الذين يسلخون الناس بالأسعار التي لا يقدر هليها
سوي رب القدرة ..لعلك تقصد هذا . لأنه يعد أكلا حقيقيا للحوم البشر ولكن بطريق غير 
مباشرة .. أليس كذلك ؟
طارق كلا .. كلا .. لا أقصد ذاك النوع من أكل البشر ..
ياسر ( باستغراب ) اذن ماذا تقصد ؟!!
طارق أقصد أكل لحوم البشر أكلا . بكل ما في الكلمة من معني حرفي ..
الجميع ( بحالة هي مزيج من الذعر والدهشة ) يأكلهم أكلا ؟!! ياكلهم أكلا ؟؟!! كيف ؟!!
( يضربون كفا بكف . تعجبا )
طارق ألا تدرون كيف؟! هكذا ( يزحف علي يديه ورجليه ويزوم زوم توحش . ويتوجه
نحوهم كما ذئب يشرع في نهش لحمهم ) هم هم .. هم هم 
الجميع ( يجرون بفزع . وهو يطاردهم . ينزوون في جانب من المسرح . يجلس هو في 
الجانب الآخر ) .
( لحظات صمت والجميع يحدقون في طارق بخوف واندهاش ) 
نظمي ( يسخرية ) ؟! أكل لحوم البشر عرف اجتماعي لا غبار عليه ؟!
طارق عجبا .. وماذا في ذلك ؟! ( يتربع في جلسته ) أولسنا نأكل لحوم الحيوانات التي 
تحس وتشعر وتتألم مثلنا ولها عيون تنظر الينا بها . وتري الحياة 
التي نراها بل ونحن لا ناكل من هذه الحيوانات والطيور الا الاليف ؟!
منها ( يضحك عاليا باستنكار ، ثم يواصل ) ونترك المفترسة والجارحة .. اذن ما الفرق 
الفرق بين هذه الحالة وتلك ؟! لا أري فرقا .. – يستطرد - ثم هب أنه لم يأكل البشر 
الذين أكلهم .. هل كانوا سيخلدون علي الأرض دائما وأبدا ..؟!
سوزان ( تدخل وتجلس علي أحد المقاعد ) .
نظمي بصراحة .. لا طبعا.. سيموتون مهما طال بهم العمر .. الموت علينا حق .. ( بلهجة فيها تهكم مخخف )
طارق ( يهب واقفا ) حسن جدا .. اذن سوف يموتون في حادث تصادم. مثلا أي تأكلهم سيارة .. أو بفعل زلزال يأتي بعاليها الي سافلها .. أي تأكلهم الأرض ..أو بسيل جارف .. أي تاكلهم المياه .. أو يموتون بفعل احتضان عنيف من أحد القطارات.. أي تأكلهم عجلات القطار.. أو بأحسن الأحوال وأفضلها سيموتون علي فراشهم بأمان وهدؤ ثم ينقلون الي القبر .. أي يأكلهم الدود .. ( يعلو صوته ) فهل كل هؤلاء : الدود والقطارات والسيارات والسيول وغيرها .. أحق من الانسان بأخيه الانسان.. يا للغرابة ؟! انني لا أدري أية جريمة ارتكبها الرجل !! ( يتلفت حوله . ثم يستطرد ) ثم .. ثم انه ليس وحشا ولا مجرما كما يتصور البعض وانما المسألة لا تعدو عن كونها تقليد اجتماعي وحسب .. مجرد تقليد من التقاليد التي نشأ عليها وتوارثها هو وقبيلته أبا عن جد .. كما توارثنا نحن وكما يتوارث أي شعب من الشعوب الكثيرة جدا من العادات والتقاليد السخيفة أو حتي البشعة النكراء التي نقدسها ولا نملك القدرة علي نبذها أو الخلاص منها .. والعالم مليء بشتيالمذاهب المتنافرة .. اناس نباتيون يحرمون اللحوم .. واناس يأكلون لحوم الحيوان والطير.. واناس ياكلون لحوم البشر( ينظر الي زوجته سوزان موجها الحديث اليها) : وأصارحك يا زوجتي الغزيزة بأنني لا أري الفارق كبيرا بين أن تأكليني أنا زوجك الذي عاشرك وأسعدك وأسعدتيه . وبين أن تأكلي خروفا – مثلا .. طالت عشرتحت يديك وربيتيه بنفسك . وكان يسعدك باستقباله لك عندما تعودين للبيت بالاقبال نحوك ركضا ويتظر اليك بسرور بالغ ويداعبك بالرقص حولك أو بمناطحتك برفق وحنان مازح .. ثم تذبحيه بعد ذلك وتأكليه !! لا فرقا بين الحالتين .. وان كان العض يري فارقا . فلا أظنه يصل الي حد التحريم والاباحة .. ألا شعرتي بالأسف الشديد أبدا يا سوزان بعد ذبح ديك أو دجاجة . وكان الديك قد كبر تحت عنايتك وارتبط بك لدرجة تقترب من الصداقة ..؟!
سوزان : ( تصمت قليلا كمن يتذكر ثم ترد بصوت خفيض ) حقيقة .. حدث كثيرا .
طارق : انني لا زلت أتذكر مثل ذلك .. فقد كنت طفلا . وعندما أبديت أسفي أمام أمي لذبح أوزة وديعة كنت 
قد تعودت علي اطعامها ورؤيتها كل يوم ومداعبتها .. نهرتني أمي وامرتني بألا آسف مرة 
أخري علي مثل تلك الحالة لأن العناية الالهية قد أحلت هذا العمل المؤسف. فيجب ألا آسف عليه 
ما دامت العناية قد أحلته .
المعلم بطيخ ( صاحب الفرقة . يدخل غاضبا صائحا في وجوههم ) ما هذا العبث ؟! ما هذه الهلوسة والهذيان
الذي تهذون به ؟! دود .. ! قطارات .. ! سد نفس ..!!
طارق أي عبث يا سيدي .. وأية هلوسة ؟! ما في عبث ولا هلوسة ..
بطيخة هذا النكد والغم الذي تطرحونه علي السادة المشاهدين الأفاضال ! ما ذنبهم ؟!
طارق يا سيدي اننا هكذا نكرم حضرات المشاهدين ونحترمهم أشد الاحترام .. لأننا نتحاور مع 
عقولهم التي هي أقيم ما في بني الانسان ..
بطيخة عقولهم ؟! عقولهم ؟! أتريدونهم يخرجوا ليلعنوا المسرحية والمسئول عنها . فلا يقبل عليها 
المشاهدون بعد ؟! وحينئذ من أين أدفع لكم مرتباتكم يا عزيزي ؟!

طارق هكذا لقننا المخرج . نقلا عن المؤلف .
بطيخة لا .. لا لا شأن لي بكل هؤلاء .. فأنا الذي يدفع أجور الجميع . انا صاحب الفرقة وليست 
محاورة العقول متكفلة بدفع أجور العاملين .. المتفرج يريد شيئا يسعده .. ينشيه .. ينسيه ..
( يشيح له بيده ) تنحي جانبا .. ( يشير للباقين ) تنحوا أنتم أيضا جانبا ( ينادي بصوت
عال منغم فيه خلاعة ) هيا يا نوسة يا ننوسة تعالي يا ونوسة ...
صوت ( صوت يأتي من خلف الستارة بغنج مغني ) ايوه آه .. ايوه آه ..
موسيقي ( موسيقي راقصة ، وتدخل الراقصة نوسة من الناحية اليمني للمسرح . رقصا وهزا لردافها 
التي توجهها للمتفرجين وتمضي في هز أردافها بطريقة هزلية تثير ضحكات المشاهدين. 
حتي تصل للناحية اليسري من المسرح لتختفي خلف الستار وسط ضحكات الجمهور من 
هزل رقصها الساخر العابث .)
( ستار )
---
المنظر الثاني
***
( نفس غرفة المكتب سابقة الوصف الخاصة بطارق .. مع وجود راديو مسجل علي المكتب ..يجلس طارق علي أريكة بجانبه بعض الأوراق التي يحاول ترتيبها ..)
طارق ( ينادي زوجته ) سوزان .. سوزان ..
سوزان ( من الخارج ) دقيقة يا طارق ..
" ( تدخل ) ماذا يا طارق ؟ أتريد شيئا ..؟
طارق تري . ماذا تفعلين ؟
سوزان أرتب بعض الأدوات في المطبخ ( تنشف يديها بوطة معها ) 
طارق دعيها الآن .. هلا تساعدينني في كتابة ما أتممته من البحث ؟ بكتابته علي الآلة الكاتبة لاتمكن من
تقديمه في الأسبوع المقبل .
سوزان لا مانع يا أبا شريف ولكن عليك أن تقرأ لي ما كتبته طلمة كلمك فأنت تعرف بأنني لا أستطيع 
قراءة خطك .
طارق هذه مسألة بسيطة . هيا اجلسي بجانبي .
سوزان ( تجلس بجواره ليقرأ أمامها ..)
طارق ( يقرأ بصوت عال ) وبعد خلع بوكاسا من الحكم . تمت محاكمته غيابيا .. وصدر ضده حكم .. 
وكذلك الأمر بالنسبة لشقيقته " كاترين جياحالاما " . التي أصدرت محكمة الاستئناف في افريقيا
الوسطي حكما بسجنها 3 ومنعها من الاقامة بقرية لبيساعدة لمدة 5 أعوام وذلك لكونها قامت 
بتعذيب المواطنين خلال حكم شقيقها .. كما قامت باعتقال الأشخاص بصورة تعسفية ومصادرة 
الأملاك واستغلال وارتكاب أعمال العنف العديدة ضد سكان القرية .. وجدير بالذكر أن " كاترين " شقيقة بوكاسا لم تكن تتولي أي منصب قبل تولي شقيقها الحكم في افريقيا الوسطي ولم يكن لها أي دور أو نشاط اجتماعيأو خيري وذلك بحكم مستواها التعليمي البسيط والثقافي الضحل وقدراتها المتدنية . ولكن مواهبها تفتقت فجأة بعد تولي شقيقها للحكم.. حسبما قالت وسائل الاعلام وقتها !- عن قدرات ونشاط خلاق وعمل دائب لاجل خير البلاد وخدمة العباد !.. حسبما كانت تقول عنها الصحافة أثناء حكم شقيقها .. وتظهرها علي صفحاتها وهي تتقدم كبار رجال العلم والراي بالقرية .. وهم يسيرون حولها وخلفها كالنجوم الباهتة حول القمر. مما كان يثير امتعاض وسخط أهل القرية وشبابها بوجه خاص وأسفهم لحال رجال قريتهم العلماء منهم والأجلاء .. وهي المرأة الجاهلة .. وقد ينتظرون قدومها للقاء لها مع المفكرين والأدباء والصحفيين الكبار . ويطول بهم الانتظار بقاعة
المؤتمر . و قد يصل لساعات ..!
سوزان ( باستنكار ) يا لها من سافلة ..! كيف تهين رجال العلم والفكر هكذا ؟!
طارق ( بحدة ) لا .. ليست هي السافلة من فضلك . ولكنهم هم ليسوا برجال علم أو فكر وثقافة .. . ولو 
كانوا لأبوا أن تتقدمهم امرأة ليست ربع عالمة . ولمجرد أنها شقيقة الحاكم . الأجهل منها !
( جرس الباب يدق .. يتوقفان .. الجرس يدق ثانية . تتأهب سوزان للقيام لاستقبال القادم .. يشير لها طارق للجلوس وينهض هو .. يفتح الباب . ثم يصيح : مرحبا مرحبا تفضلا . يدخل صديقاه نظمي و ياسر ) . 
 ====
(  الحلقة الثالثة  )

المنظر :  ( غرفة مكتب السيد  " طارق " ومعه زوجته تساعده  كالعادة )
طارق               ( يرحب بصديقه نظمي وياسر ) تفضلوا .. تفضلوا  لا أحد معي سوي سوزان   زوجتي .
نظمي وياسر      (  يدخلان  ويقدمان التحية لسوزان . - أم شريف زوجة طارق -  طاب مساءك يا أم شريف .
سوزان              وطاب مساؤكما . تفضلا ( تشير لهما بالجلوس ) .
نظمي وياسر        يجلسان  بينما تمتد يد طارق نحو احدي الأوراق الملقاة علي الأريكة والمكتوب بها جزء من
                        مسودة البحث. ويستأذن طارق في الاطلاع عليها . فيأذن له فيمضي في قراءتها ) .
سوزتن              ( تنصرف ) .
طارق                لعلكما جئتما لسماع المزيد من نوادر بوكاسا وطرائفه ..( يضحك ) .
نظمي                لا نخفي عليك  أننا متشوقون لسماع المزيد من نوادره الظريفة . وأقترح بأن يكون ذلك غدا
                       وبشقتي . حيث جئت لأدعوكما  أنت والسيدة سوزان . لتشرفوننا غدا ..
ياسر                 ( مقاطعا .. بعد طرح ورقة كان تناولها ويقرأ بها ... ) كل تلك الأفعال قد صدرت من شقيقة
                        بوكاسا ..؟! يا للهول ..! كل تلك الأفعال فعلها هو وشقيقته وأقاربه بابناء الشعب ؟! هو
                         يأكل لحوم البشر من أبناء الشعب يذبح الاطفال والتهام لحومهم   وشقيقته وأقاربه يفعلون 
                         بالناس ما لم يفعله الاستعمار الفرنسي أيام احتلاله للبلاد . شيء مذهل  ومؤسف حقا ,,
                         اسمع يا طارق . لقد خطرت ببالي فكرة .  لماذا لا تجري بحثا حول حال شعوب العالم
                         الثالث أيام احتلالها من قبل الاستعمار  ،  وحالها  بعد ما يسمي استقلال ؟؟ انني أعتقد في
                         أن ذاك البحث سيكون أفضل وأجدي ..
طارق                  نعم  ؟؟!  .. نعم ؟؟!  . اقتراحك مرفوض يا صديقي ..
ياسر                   لماذا يا طارق ؟ .. لماذا ؟
طارق                  لأنه لو نشر مثل هذا الذي تقترحه .. فانه سيسبب قلائل واضطرابات بالغالبية العظمي  
                         من دول العالم الثالث التي حصلت علي استقلال من الاستعمار ..!
ياسر                   كيف ؟
طارق                  سوف تخرج تلك الشعوب عن بكرة أبائها  لتهتف بحياة الاستعمار ..!مطالبة اياه بأن
                          يعود ، وعلي جناح السرعة ..
الجميع                  ( يقهقهون عاليا ..) .
ياسر                     وسنسمع من يهتفون : الاحتلال التام –يضحك – أو الموت الزؤام
الجميع                   ( يضحكون )
تظمي                    هل أفهم من ذلك أنك تؤيد فكرة الاستعمار واستعباد الشعوب ؟!
طارق                     كلا كلا .. فأنا انسان حر والحرية هي الهي الواحد الأحد الذي أعبده ولا أشرك به
نظمي وياسر            ( يضحكان  )
ياسر                       ( وهو لا يزال يضحك )  سبحانها وتعالي قدرها .. الحرية ..ألا ما أروعها الحرية !
ياسر                        ولكن لو كان من الضروري أن نخير بن استعمار محلي من زمرة من أبناء الوطن
                              غير الأوفياء . وبين استعمار أجنبي ..  ان كان ولا بد اما هذا أو ذاك ..
طارق                       ( يبتسم لياسر مكملا له ) فالنختار الاستعمار الأقل غشما .. والأقل جورا
ياسر                         وصاحب القدر الأكبر من الرحمة الهامشية  والفائدة  العارضة .. ..
نظمي                        هكذا فهمتني .. ولنبدل استعمارا باستعمار .. ( يضحك .. ) أيهما أخف وطأة .. حتي
                                حتي يمكننا الحصول علي استقلال حقيقي .. ما لم  يتحقق ذلك مرة واحدة .
طارق                         ( يضحك ، بينما يبتسم نظمي )
ياسر                                  آااه لو عاد الاستعمار .. فسوف تعود بعودته شعلة النضال التي انطفأت في  
                                         نفوس تلك الشعوب بفضل أبنائها البررة ..! ( بتهكم شديد ممن دعوا أنفسهم   
                                          ثوارا  وضباطا أحرار )
طارق                                  ( يضحك بهيستريا ساخرة ) أبنائها البررة ..!  ( يغني متسائلا ) أبناؤها ايه ؟!
نظمي وياسر                          ( يرددان خلفه  ترديا غنائيا هاتفا )  أبناءها  البررة .. !!
طارق                                   ( ممسكا بطرفي ردائه محركا اياهما مدا وجذرا  وهاتفا بغنائية ) يا لهوي
                                            يا لهوي ايييه ؟!
ياسر ونظمي                           ( يردون عليه هاتفيا بغنائية هزلية ) أبناءها البررة   ..!
طارق                                    ( يكرر . وبماساوية ) يا خرااابي  اييييه ؟!
ياسر ونظمي                            ( يهتفان خلفه بغنائية مأساوية ساخرة ) أبناءها البررة  ..!
طارق                                     ( بنفس الطريقة السابقة )  يامصيبتي ايه ؟!
ياسر ونظمي                             ( يواصلان الرد عليه بنفس الطريقة السابقة ) أبناءها البررة !!)
 طارق                                      آه يا  خيبتي  ايه ؟؟؟
ياسر ونظمي                               ( يرددان بنفس الطريقة السابقة ) أبناءها البررة ..!
طارق                                        ( بسخرية شديدة غنائية ضاحكة قاتمة )  آه .. يالهوي  يا لهوي .. !
الجميع                                        ( بنفس الطريقة ) ع البررة  وأيام البررة .. ع البررة سنين البررة ..!!)
                          ( يرددون ويكررون ما سبق . وهم يجرون  فوق خشبة المسرح جريا عشوائيا  كمن يبحث
                            عن مخرج ولكنه لا يدري كيف ؟ ولا من أين  ..  ؟!) .
                                          ( ستار .. )
   --------
  نوادر بوكاسا ( مسرحية ) 
المؤلف : صلاح الدين محسن 
طبعت بالقاهرة   عام 1981 
                                                 
********************  الحلقة  الرابعة  -   المنظر الثالث  -  *****************  
تنويه هام : نظرا لمرور قرابة  38 عاما علي تاريخ طباعة المسرحية للمرة الأولي . .. لذا  
لزم التنويه الي أن المؤلف انما قصد بشخصية بوكاسا ، وما يجري من أحداث بالمسرحية فيما يخص السياسة  ، هو عمل اسقاطات سياسية علي عصر الرئيس السادات  . وحال مصر وقتها والظروف التي أحاطت بالحكم وادارة البلاد  في ذلك الوقت  . 
*********************************************** ***************** ****  
                                           
( طارق وصديقاه ياسر ونظمي يجلسان بغرفة الصالون .. تدخل عليهما سوزان تحمل صينية عليها فناجين  من القهوة ) 
سوزان     ( تقدم القهوة ) تفضلوا  ( ثم تنصرف ببطء وهدؤ ) 
طارق       خيرا . وما المناسبة السعيدة التي تدعونا لأجلها ؟ 
نظمي        عيد ميلاد .. 
طارق        ( ينهض من مقعده ويقاطعه باشارة من يده لكي يتوقف ) . 
                     ( لحظات صمت . واندهاش من الصديقين . حتي تنصرف سوزان تماما ) . 
طارق         عفوا صديقي .. ماذا كنت تريد أن تقول ؟ قلت دعوة لحفل عيد ميلاد .. 
نظمي           ( باندهاش ) نعم .. وماذا في ذلك ؟ ألا تحبون أعياد الميلاد ؟! 
طارق           أرجو ألا تذكر تلك الكلمة مرة أخري أمام زوجتي سوزان . والحمد لله لأنها 
                   لم تسمعها  والا لتحولت ليلتنا  الي مبكي . نقضيها في جو كئيب للغاية .. 
نظمي            لماذا ؟ ( باندهاش شديد )  لماذا يا طارق ؟ 
طارق            يا عزيزي ( يخفض من صوته ) أرجو أن نخفض صوتنا قليلا كي لا تسمعنا  
                    سوزان زوجتي ..لأن زوجتي ليس لها عيد ميلاد مثل الناس .. 
نظمي             كيف ؟ ألم تولد مثل كافة البشر ؟  لماذا لا تعرف لها تاريخ ميلاد ؟! انه حتي 
                     اللقطاء يعرفون تواريخ ميلادهم ويحتفلون بها .. 
طارق             لا أقصد ذلك يا أخي .. ولكنني أقول لك أن ميلاد سوزان لا تحتفل به بالحلوي والشموع والفرح 
                     والتهاني ككل الناس . ولكن بالحبس الانفرادي في غرفتها والبكاء الدائم طوال اليوم والعزوف 
                     عن الأكل .. وان شئت أن أهديها شيئا بهذه المناسبة المشئومة فيجب أن تكون هديتي لها سوداء 
                      قاتمة . دليلا علي الحزن . سواء كانت حقيبة . أو قطعة قماش أو أي شيء آخر . 
نظمي               ولماذا يا طارق ؟ 
طارق               لأن عيد ميلاها هو صفقة مؤذية  فرضت عليها فرضا ..! وهذه الصفقة عقدتها العناية الالهية      
                        مع سوزان . ووقعت العناية العقد بمفردها ..! ويقضي عقد الصفقة بأن توهب لها االحياة     
                        في مقابل . وهذا المقابل هو أن تدفع سوزان ثمنا لذلك  : أجمل وأعذب كلمة في الوجود ..  
                        وهي كلمة " ماما " ست الحبايب .. وبالفعل تمت الصفقة ..! ولدت سوزان  زوجتي  وماتت                                     
                        أمها في نفس اللحظة .. وبهذا يكون عيد ميلادها هو نفسه ذكري ممات أمها .. 
نظمي                 وتمت الصفقة .. ! 
طارق                 نغم ..! تمت الصفقة ..!  
نظمي                  تري لو أن العناية استنطقتها وهي جنين في بطن أمها لتعرف رأيها . ماذا كان  يمكن أن 
                         تقول في تلك الصفقة .  ..؟! 
طارق                 حسبما أراه علي زوجتي من حزن وكآبة لا حدود لها .. أؤكد بأنها لو استنطقت وسئلت   
                         حول تلك الصفقة . لرفضت بالقطع .. ( يخفض صوته قليلا ) بل .. وبصقت في وجه 
                         العناية ..! 
نظمي                  اذن سوزان ليست راضبة غن تلك الصفقة .. 
طارق                  وهل لنا نحن البشر حق الاعتراض ؟! اننا رقيق .. عبيد  لدي العناية الالهية .. وليس للرقيق رأي   
                          عند سادتهم  رأيا في صفقات البيع  أوالشراء  .. 
نظمي                   حقا ولكن تاريخ نظام الرق الأرضي لا أظنه شهد عسفا أو يكتاتورية بهذا الشكل ..! علي 
                          أية حال قلوبنا معك ومعها . وسنعتبر ذلك اعتذارا عن حضور الحفل . والعذر مقبول . 
طارق                   بل سأحاول الحضور لمشاركتكم الفرحة ولكن دون علم سوزان . ولبعض الوقت فقط . 
ياسر                     لك الشكر .. 
نظمي وياسر          ( يهبان  واقفين للانصراف ) .. 
ياسر                     قبل أن ننصرف قل لنا نادرة من نوادر بوكاسا ... نكتة من نكاته ..  
طارق                   عندما قام بوكاسا بالانقلاب وتولي السلطة كرئيس لجمهورية افريقيا الوسطي . أصدر 
                           قرارا جمهوريا بتعيين الرئيس السابق مستشارا له ..! 
الجميع                   ( يقهقهون ويهرول نظمي وبياسر خارجين وهم يضحكون ..) 
طارق                    ( وهو يمضي في تقليب أوراقه ) ايه يا بوكاسا .. ايه .. سيذكرك التاريخ وستخلد .. ايه   
                            يا بوكاسا سيذكرك التاريخ . وكم من اناس يتمنون لو تفقأ عيونهم ويدخلون التاريخ   
                            حتي ولو تحت بند القوادين .. ! .. ايه يا بوكاسا ايه ..! سيذكرك التاريخ .. لا بأس .. 
                            فأنت مثله وهو مثلك ..ظريف . متسامح ..! يفتح أبوابه للجميع . العمالقة والأقزام 
                            العباقرة والبلهاء ! وكأنه خمارة ..! 
سوزان                    ( تدخل حاملة بعض الفاكهة وتقدمها أمام طارق )  ايه يا طارق .. هل نواصل الكتابة ؟ 
طارق                      ( نعم لنواصل .. ساكمل لك قراءة هذه الأوراق لتباشري كتابتها.. 
سوزن                      ( تجلس بجانبه ) . 
طارق                       اسمعي يا سيدتي ( يقرأ )  فكان بوكاسا متزوجا بعدد كبير من النساء احداهن لبنانية  
                              وكان يحبها حبا جما . وقد استطاع شقيقها وبعض أقاربها  من اللبنانيين وهم تجار  
                               بطبيعتهم كمعظم اللبنانيين . ان يستثمروا مكانتها كزوجة محبوبة لبوكاسا .   
                               امبراطور البلاد.. بأن فتحوا الكثير من المتاجر . واحتكروا وكالات بعض  
                                الشركات كما احتكروا تصدير بعض السلع . 
طارق                        ومن أول السطر تكتبي :ولأن بوكااسا كان يحب زوجته اللبنانية تلك حبا جما . فقد 
                                كانت أول من أسر له  برغبته الجياشة في أن يصبح امبراطورا قبل اعلانه ذلك . 
                                وكم كان يتمني أن تكون تلك الزوجة الحبيبة هي امبراطورة البلاد وتجلس بجانبه  
                                كباقة الوردبجمالها وشقرتها وحلاوتها ورشاقتها وهي تضع تاج الامبراطورية علي  
                               رأسها يوم حفل التنصيب . ولكنه احتراما للشعب وتحسبا لغضبته ان  وضع امرأة  
                                علي عرش البلاد . فكرامته الوطنية تأبي الا أن تكون حاملة تاج البلاد افريقية   
                                 لذا فقد اضطر بوكاسا واحتراما منه للشعب لأن يأتي بزوجته الافريقية  
                                 السوداء ابنة الوطن أما عن جدة  وأبا عن جد . ويجلسها بجواره يوم حفل   
                                 التنصيب الامبراطوري. وهي تحمل علي رأسها تاج وطنها .. وتلك حسنة له . 
                            ( صوت شريف –ابنهما – يأتي من الخارج . ينادي )  
شريف      أماه  .. أماه .. 
سوزان      تعالي .. تعالي يا شريف . نحن هنا بغرفة المكتب . 
 (يدخل شرف ) 
شريف      أحضر والدي ؟ مساء الخير يا والدي  
طارق       مساء الخير يا ابني .كيف حال خالك وزوجته والأولاد ؟ 
شريف      بخير يا والدي  وجميعهم يهدونك السلام ( يفتح قرطاس  الفيشار  
               يضع بعضه أمام والده والبعض منه أمام والدته . ويضع القرطاس فارغا  
              بجانب " الفشار" علي المنضدة . 
         ( ناجي – ابنهما الأصغر – يدخل مسرعا ويرتمي في حضن امه  )  
ناجي      ( يلتفت لأبيه ) كبف حالك يا أبي ؟ 
طارق      كيف حالك يا ناجي ؟ وكيف حال خالك ؟ 
ناجي       ( لأمه ) سأذهب لأنام يا أمي النعاس يغالبني . 
سوزان     أفلن تتناول عشاءك ؟  
ناجي        لست جائعا . سأذهب لأنام . سعدت مساء يا أبي .سعدت مساءا يا أمي . 
              ( وهو متوجه لغرفة نومه يأخذ القرطاس الفارغ  من فوق المنضدة . يعبث به قليلا  
               بينما هو خارج يمر بالتحفة  - الهرم المدرج –  فيضع القرطاس باعلي درجات الهرم 
                ثم يمضي لينام ) 
شريف        ماذا تفعل يا والدي ؟ أما زلت مشغولا بموضوع بوكاسا ؟ 
طارق         نعم يا ابني . وأرجو أن اتمكن من الانتهاء منه قريبا . وهاهي أمك تساعدني كثيرا . 
شريف         لماذا لا أساعدك بعض الوقت في الكتابة ؟  
طارق          لا بأس . علي ألا يعطلك ذلك عن دروسك . 
سوزان         دقيقة يا طارق لأعد  العشاء . ومعك شريف سيساعدك .( تنصرف ) 
طارق           اسمع يا شريف .. هذه الأوراق التي قرأتها علي والدتك  لكي تكتبها  هي علي الآلة الكاتبة .   
                    دعها لكي تكتبها هي .وسأفقرأ عليك بضعة أوراق لتكتبها أنت بنفسك . ولأجنب نفسي مشقة   
                    اعادة قراءة ما قرأته علي أمك لتكتبه هي .. 
شريف            تفضل يا أبي  
طارق             تحت عنوان المزاج الشخصي لبوكاسا . تكتب ومن أول السطر . بعد أن تضع خطا تحت  
                     العنوان  ( يقرا امامه الورقة ) . 
طارق             وكان بوكاسا شغوفا بالقاء الخطب والبيانات الهامة وغير الهامة ويلهث كادحا وراء  
                     المناسبات وشبه المناسبات لاقاء الخطب التي تكون مكررة في أغلب الحالات . وكان  
                     يشعر بسغادة غامرة لا حدود لها . كغبطة العصفور وسعادة الطفل . عندما تسلط عليه  
                     الأضواء ولاسيما عدسات التليفزيون ..  (.. بس وأول السطر تكتب )  
                     ولشدة عطف وعاطفية قلب بوكاسا ولطهارة نفسه . فقد كان لا يشعر بالانجذاب الروحاني 
                     الشديد الا  تجاه الواقعين والساقطين من الرؤساء  والأمراء ويحب مصادقة السلاطين .   
                      والأباطرة  الفارين من شعوبهم . 
                     من شعوبهم ولاسيما  اللصوص والطغاة جدا منهم ولا يجدون أحدا يمد لهم يد العون ويتخلي 
                     عنهم كل دول ورؤساء العالم من أصدقائهم السابقين حرصا علي مصالح بلادهم  .. بعد أن    
                     غدرت بهم الأيام . وكان يري أن الدين يدعو للوقوف بجانب هؤلاء . ويري أن  قيم     
                     الوطن وأصالته  تدعو أيضا للتضامن معهم ..  ..  *   
طارق              أرايت يا ابني ؟ 
شريف              نعم .. نعم . ( يضحك . ويعلق بصوت خفيض ) لعب بالدين والوطن واقحام لهما . ما علينا . 
طارق              ولشدة عطف بوكاسا ورقة نفسه وسماحه الزائد مع هذه النوعية المسكينة من الملوك 
                      والرؤساء والأباطرة بشكل خاص الذين تتنكر لهم الدنيا .. وأيضا بسبب قرار جريء كان  
                       قد أصدره بعد الأخذ بنصيحة بعض العلماء بمنع صيد بعض أنواع الحيوانات التي كانت  
                       معرضة لخطر الانقراض انهالت عليه الجوائز والأوسمة والنياشين من مختلف جمعيات 
                       الرفق بالحيوان بأوربا خاصة . كما منحته  بعض تلك الجمعيات رئاستها الفخرية وكذالك 
                       حصل علي درجة الدكتوراه في الطب البيطري وبحوث صحة الحيوان من الجامعات الغربية 
                        وعندما علم رئيس احدي هذه جمعيات الرفق بالحيوان التي منحت  بوكاسا جوائزها  .. 
                        أنه يأكل لحوم  البشر . اعلن بان الجمعية قد كرمته ومنحته وساما  فقط  
                        لكونه قد قدم خدمات في مجال نشاط الجمعية . وهو الرفق بالحيوان . واضاف ان أكل لحوم  
                        البشر هو قضية أخري خارج اختصاص الجمعية . بل تعتبر  من قبيل الرفق بالحيوان . 
                        وأكد سيادته علي أن الجمعية لا تعطي نياشينه وأوسمتها جزافا . وانما بعد طول فحص   
                        وتمحيص .   
 == 
* اسقاط علي الرئيس السادات الذي منح اللجؤ   لشاه ايران الذي فرهاربا من الثورة الايرانية  في نهاية السبعينيات من القرن الماضي ولم يجد من رؤساء العالم من يضحي بمصالح وطنه ويمنحه اللجؤ سوي الرئيس السادات . فقد طالبت ايران باعادته لمحاكمته وهددت بقطع العلاقات مع الدولة التي تمنحه  اللجؤ . فأحجم كل رؤساء العالم ومنها كبريات الدول الصديقة للشاه حرصا علي مصالح بلادهم . فيما عدا الرئيس السادات . الذي ضحي بمصلحة بلده ومنحه اللجؤ – بعد مقتل السادات علي يد الجماعات الاسلامية عام 1981 وضعت ايران اسم قاتل السادات علي أحد شوارع العاصمة طهران . تكريما له -  لقاتل السادات - .- كانت تلك خلفية للقاريء . نظرا لمرور سنوات كثيرة علي طبع المسرحية . وكانت حينذاك مفهومة الاسقاط . 
  =====
نوادر بوكاسا - الحلقة الرابعة /  والخامسة
نوادر بوكاسا ( مسرحية )
المؤلف : صلاح الدين محسن
طبعت بالقاهرة عام 1981

 ****************** الحلقة الرابعة   **************** 
تنويه هام : نظرا لمرور قرابة 27 عاما علي تاريخ طباعة المسرحية للمرة الأولي . .. لذا 
لزم التنويه الي أن المؤلف انما قصد بشخصية بوكاسا ، وما يجري من أحداث بالمسرحية فيما يخص السياسة ، هو عمل اسقاطات سياسية علي عصر الرئيس السادات . وحال مصر وقتها والظروف التي أحاطت بالحكم وادارة البلاد في ذلك الوقت .
*********************************************** ***************** **** 
المنظر الثالث 
( طارق وصديقاه ياسر ونظمي يجلسان بغرفة الصالون .. تدخل عليهما سوزان تحمل صينية عليها فناجين من القهوة )
سوزان :  ( تقدم القهوة ) تفضلوا ( ثم تنصرف ببطء وهدؤ )
طارق  :  خيرا . وما المناسبة السعيدة التي تدعونا لأجلها ؟
نظمي  :  عيد ميلاد ..
طارق  :  ( ينهض من مقعده ويقاطعه باشارة من يده لكي يتوقف ) .
( لحظات صمت . واندهاش من الصديقين . حتي تنصرف سوزان تماما ) .
طارق  :  عفوا صديقي .. ماذا كنت تريد أن تقول ؟ قلت دعوة لحفل عيد ميلاد ..
نظمي   : ( باندهاش ) نعم .. وماذا في ذلك ؟ ألا تحبون أعياد الميلاد ؟!
طارق  :  أرجو ألا تذكر تلك الكلمة مرة أخري أمام زوجتي سوزان . والحمد لله لأنها
لم تسمعها والا لتحولت ليلتنا الي مبكي . نقضيها في جو كئيب للغاية ..
نظمي  :  لماذا ؟ ( باندهاش شديد ) لماذا يا طارق ؟
طارق  :   يا عزيزي ( يخفض من صوته ) أرجو أن نخفض صوتنا قليلا كي لا تسمعنا 
سوزان زوجتي ..لأن زوجتي ليس لها عيد ميلاد مثل الناس ..
نظمي كيف ؟ ألم تولد مثل كافة البشر ؟ لماذا لا تعرف لها تاريخ ميلاد ؟! انه حتي
اللقطاء يعرفون تواريخ ميلادهم ويحتفلون بها ..
طارق لا أقصد ذلك يا أخي .. ولكنني أقول لك أن ميلاد سوزان لا تحتفل به بالحلوي والشموع والفرح
والتهاني ككل الناس . ولكن بالحبس الانفرادي في غرفتها والبكاء الدائم طوال اليوم والعزوف
عن الأكل .. وان شئت أن أهديها شيئا بهذه المناسبة المشئومة فيجب أن تكون هديتي لها سوداء
قاتمة . دليلا علي الحزن . سواء كانت حقيبة . أو قطعة قماش أو أي شيء آخر .
نظمي ولماذا يا طارق ؟
طارق  :  لأن عيد ميلاها هو صفقة مؤذية فرضت عليها فرضا ..! وهذه الصفقة عقدتها العناية الالهية 
مع سوزان . ووقعت العناية العقد بمفردها ..! ويقضي عقد الصفقة بأن توهب لها االحياة 
في مقابل . وهذا المقابل هو أن تدفع سوزان ثمنا لذلك : أجمل وأعذب كلمة في الوجود .. 
وهي كلمة " ماما " ست الحبايب .. وبالفعل تمت الصفقة ..! ولدت سوزان زوجتي وماتت 
أمها في نفس اللحظة .. وبهذا يكون عيد ميلادها هو نفسه ذكري ممات أمها ..
نظمي  :   وتمت الصفقة .. !
طارق  :   نغم ..! تمت الصفقة ..! 
نظمي  :   تري لو أن العناية استنطقتها وهي جنين في بطن أمها لتعرف رأيها . ماذا كان يمكن أن
تقول في تلك الصفقة . ..؟!
طارق  :   حسبما أراه علي زوجتي من حزن وكآبة لا حدود لها .. أؤكد بأنها لو استنطقت وسئلت 
حول تلك الصفقة . لرفضت بالقطع .. ( يخفض صوته قليلا ) بل .. وبصقت في وجه
العناية ..!
نظمي  :   اذن سوزان ليست راضبة غن تلك الصفقة ..
طارق :   وهل لنا نحن البشر حق الاعتراض ؟! اننا رقيق .. عبيد لدي العناية الالهية .. وليس للرقيق رأي 
عند سادتهم رأيا في صفقات البيع أوالشراء ..
نظمي  :   حقا ولكن تاريخ نظام الرق الأرضي لا أظنه شهد عسفا أو يكتاتورية بهذا الشكل ..! علي
أية حال قلوبنا معك ومعها . وسنعتبر ذلك اعتذارا عن حضور الحفل . والعذر مقبول .
طارق  :   بل سأحاول الحضور لمشاركتكم الفرحة ولكن دون علم سوزان . ولبعض الوقت فقط .
ياسر لك الشكر ..
نظمي  :   وياسر ( يهبان واقفين للانصراف ) ..
ياسر قبل أن ننصرف قل لنا نادرة من نوادر بوكاسا ... نكتة من نكاته .. 
طارق  :   عندما قام بوكاسا بالانقلاب وتولي السلطة كرئيس لجمهورية افريقيا الوسطي . أصدر
قرارا جمهوريا بتعيين الرئيس السابق مستشارا له ..!
الجميع ( يقهقهون ويهرول نظمي وبياسر خارجين وهم يضحكون ..)
طارق  :   ( وهو يمضي في تقليب أوراقه ) ايه يا بوكاسا .. ايه .. سيذكرك التاريخ وستخلد .. ايه 
يا بوكاسا سيذكرك التاريخ . وكم من اناس يتمنون لو تفقأ عيونهم ويدخلون التاريخ 
حتي ولو تحت بند القوادين .. ! .. ايه يا بوكاسا ايه ..! سيذكرك التاريخ .. لا بأس ..
فأنت مثله وهو مثلك ..ظريف . متسامح ..! يفتح أبوابه للجميع . العمالقة والأقزام
العباقرة والبلهاء ! وكأنه خمارة ..!
سوزان  :   ( تدخل حاملة بعض الفاكهة وتقدمها أمام طارق ) ايه يا طارق .. هل نواصل الكتابة ؟
طارق  :   ( نعم لنواصل .. ساكمل لك قراءة هذه الأوراق لتباشري كتابتها..
سوزن  :   ( تجلس بجانبه ) .
طارق  :   اسمعي يا سيدتي ( يقرأ ) فكان بوكاسا متزوجا بعدد كبير من النساء احداهن لبنانية 
وكان يحبها حبا جما . وقد استطاع شقيقها وبعض أقاربها من اللبنانيين وهم تجار 
بطبيعتهم كمعظم اللبنانيين . ان يستثمروا مكانتها كزوجة محبوبة لبوكاسا . 
امبراطور البلاد.. بأن فتحوا الكثير من المتاجر . واحتكروا وكالات بعض 
الشركات كما احتكروا تصدير بعض السلع .
طارق  :   ومن أول السطر تكتبي :ولأن بوكااسا كان يحب زوجته اللبنانية تلك حبا جما . فقد
كانت أول من أسر له برغبته الجياشة في أن يصبح امبراطورا قبل اعلانه ذلك .
وكم كان يتمني أن تكون تلك الزوجة الحبيبة هي امبراطورة البلاد وتجلس بجانبه 
كباقة الوردبجمالها وشقرتها وحلاوتها ورشاقتها وهي تضع تاج الامبراطورية علي 
رأسها يوم حفل التنصيب . ولكنه احتراما للشعب وتحسبا لغضبته ان وضع امرأة 
علي عرش البلاد . فكرامته الوطنية تأبي الا أن تكون حاملة تاج البلاد افريقية 
لذا فقد اضطر بوكاسا واحتراما منه للشعب لأن يأتي بزوجته الافريقية 
السوداء ابنة الوطن أما عن جدة وأبا عن جد . ويجلسها بجواره يوم حفل 
التنصيب الامبراطوري. وهي تحمل علي رأسها تاج وطنها .. وتلك حسنة له .
( صوت شريف –ابنهما – يأتي من الخارج . ينادي ) 
شريف أماه .. أماه ..
سوزان تعالي .. تعالي يا شريف . نحن هنا بغرفة المكتب .
(يدخل شرف )
شريف  :   أحضر والدي ؟ مساء الخير يا والدي 
طارق  :   مساء الخير يا ابني .كيف حال خالك وزوجته والأولاد ؟
شريف  :   بخير يا والدي وجميعهم يهدونك السلام ( يفتح قرطاس الفيشار 
يضع بعضه أمام والده والبعض منه أمام والدته . ويضع القرطاس فارغا 
بجانب " الفشار" علي المنضدة .
( ناجي – ابنهما الأصغر – يدخل مسرعا ويرتمي في حضن امه ) 
ناجي  :   ( يلتفت لأبيه ) كبف حالك يا أبي ؟
طارق  :   كيف حالك يا ناجي ؟ وكيف حال خالك ؟
ناجي  :   ( لأمه ) سأذهب لأنام يا أمي النعاس يغالبني .
سوزان  :   أفلن تتناول عشاءك ؟ 
ناجي لست جائعا . سأذهب لأنام . سعدت مساء يا أبي .سعدت مساءا يا أمي .
( وهو متوجه لغرفة نومه يأخذ القرطاس الفارغ من فوق المنضدة . يعبث به قليلا 
بينما هو خارج يمر بالتحفة - الهرم المدرج – فيضع القرطاس باعلي درجات الهرم
ثم يمضي لينام )
شريف  :   ماذا تفعل يا والدي ؟ أما زلت مشغولا بموضوع بوكاسا ؟
طارق  :   نعم يا ابني . وأرجو أن اتمكن من الانتهاء منه قريبا . وهاهي أمك تساعدني كثيرا .
شريف  :   لماذا لا أساعدك بعض الوقت في الكتابة ؟ 
طارق   :  لا بأس . علي ألا يعطلك ذلك عن دروسك .
سوزان  :   دقيقة يا طارق لأعد العشاء . ومعك شريف سيساعدك .( تنصرف )
طارق  :   اسمع يا شريف .. هذه الأوراق التي قرأتها علي والدتك لكي تكتبها هي علي الآلة الكاتبة . 
دعها لكي تكتبها هي .وسأفقرأ عليك بضعة أوراق لتكتبها أنت بنفسك . ولأجنب نفسي مشقة 
اعادة قراءة ما قرأته علي أمك لتكتبه هي ..
شريف  :   تفضل يا أبي 
طارق  :   تحت عنوان المزاج الشخصي لبوكاسا . تكتب ومن أول السطر . بعد أن تضع خطا تحت 
العنوان ( يقرا امامه الورقة ) .
طارق  :  وكان بوكاسا شغوفا بالقاء الخطب والبيانات الهامة وغير الهامة ويلهث كادحا وراء 
المناسبات وشبه المناسبات لاقاء الخطب التي تكون مكررة في أغلب الحالات . وكان 
يشعر بسغادة غامرة لا حدود لها . كغبطة العصفور وسعادة الطفل . عندما تسلط عليه 
الأضواء ولاسيما عدسات التليفزيون .. (.. بس وأول السطر تكتب ) 
ولشدة عطف وعاطفية قلب بوكاسا ولطهارة نفسه . فقد كان لا يشعر بالانجذاب الروحاني
الشديد الا تجاه الواقعين والساقطين من الرؤساء والأمراء ويحب مصادقة السلاطين . 
والأباطرة الفارين من شعوبهم .
من شعوبهم ولاسيما اللصوص والطغاة جدا منهم ولا يجدون أحدا يمد لهم يد العون ويتخلي
عنهم كل دول ورؤساء العالم من أصدقائهم السابقين حرصا علي مصالح بلادهم .. بعد أن 
غدرت بهم الأيام . وكان يري أن الدين يدعو للوقوف بجانب هؤلاء . ويري أن قيم 
الوطن وأصالته تدعو أيضا للتضامن معهم .. .. * 
طارق  :   أرايت يا ابني ؟
شريف  :  نعم .. نعم . ( يضحك . ويعلق بصوت خفيض ) لعب بالدين والوطن واقحام لهما . ما علينا .
طارق  :   ولشدة عطف بوكاسا ورقة نفسه وسماحه الزائد مع هذه النوعية المسكينة من الملوك
والرؤساء والأباطرة بشكل خاص الذين تتنكر لهم الدنيا .. وأيضا بسبب قرار جريء كان 
قد أصدره بعد الأخذ بنصيحة بعض العلماء بمنع صيد بعض أنواع الحيوانات التي كانت 
معرضة لخطر الانقراض انهالت عليه الجوائز والأوسمة والنياشين من مختلف جمعيات
الرفق بالحيوان بأوربا خاصة . كما منحته بعض تلك الجمعيات رئاستها الفخرية وكذالك
حصل علي درجة الدكتوراه في الطب البيطري وبحوث صحة الحيوان من الجامعات الغربية
وعندما علم رئيس احدي هذه جمعيات الرفق بالحيوان التي منحت بوكاسا جوائزها ..
أنه يأكل لحوم البشر . اعلن بان الجمعية قد كرمته ومنحته وساما فقط 
لكونه قد قدم خدمات في مجال نشاط الجمعية . وهو الرفق بالحيوان . واضاف ان أكل لحوم 
البشر هو قضية أخري خارج اختصاص الجمعية . بل تعتبر من قبيل الرفق بالحيوان .
وأكد سيادته علي أن الجمعية لا تعطي نياشينه وأوسمتها جزافا . وانما بعد طول فحص 
وتمحيص . 
==
* اسقاط علي الرئيس السادات الذي منح اللجؤ لشاه ايران الذي فرهاربا من الثورة الايرانية في نهاية السبعينيات من القرن الماضي ولم يجد من رؤساء العالم من يضحي بمصالح وطنه ويمنحه اللجؤ سوي الرئيس السادات . فقد طالبت ايران باعادته لمحاكمته وهددت بقطع العلاقات مع الدولة التي تمنحه اللجؤ . فأحجم كل رؤساء العالم ومنها كبريات الدول الصديقة للشاه حرصا علي مصالح بلادهم . فيما عدا الرئيس السادات . الذي ضحي بمصلحة بلده ومنحه اللجؤ – بعد مقتل السادات علي يد الجماعات الاسلامية عام 1981 وضعت ايران اسم قاتل السادات علي أحد شوارع العاصمة طهران . تكريما له - لقاتل السادات - .- كانت تلك خلفية للقاريء . نظرا لمرور سنوات كثيرة علي طبع المسرحية . وكانت حينذاك مفهومة الاسقاط .

=====
                                                  الحلقة الخامسة 
**********************************************************  
تنويه هام : نظرا لمرور قرابة  38 عاما علي تاريخ طباعة المسرحية للمرة الأولي . .. لذا  
لزم التنويه الي أن المؤلف انما قصد بشخصية بوكاسا ، وما يجري من أحداث بالمسرحية فيما يخص السياسة  ، هو عمل اسقاطات سياسية علي عصر الرئيس السادات  . وحال مصر وقتها والظروف التي أحاطت بالحكم وادارة البلاد  في ذلك الوقت  . 
*********************************************** ***************** ****  
 سوزان  :               (  تدخل وبيدها جريدة ) 
سوزان  :   الجريدة يا طارق .. ألا تريد تصفحها ؟ الساعة الآن التاسعة مساء ولم تقرأ جريدة اليوم علي غير 
                 ناجي تصفحها ولم يعد ترتيبها بعد .. عبث صغار  .. 
                 فلنأت بها من الأول  ( تحاول البحث عن الصفحة الأولي ) 
طارق   :       يا سيدتي لا يهم .. من أية صفحة أولن نتصفحها كلها .. لنري ما بها ؟ 
سوزان   :      حسنا .. لا بأس . فالنقرأ من أية صفحة . : يقول  لك يا أٍستاذ ( تتوقف  فجأة . وتكاد تقضم  
                  شفتها اليسري بأسنانها بانزعاج )  يا له من خبر مؤسف : الخلافات بين المغرب والجزائر تنذر  
                  بنشوب حرب كبري شاملة بينهما ..! شيء مؤسف حقا يا طارق .. أليس كذلك ؟ 
 طارق   :       أبدا .. ( ببرود ..) شيء عادي .. ما هي دواعي الأسف ؟  
سوزان          ( بدهشة شديدة ) ما هي دواعي الأسف ؟! غريبة .. ألا يحزنك أن تتقاتل دولتان جارتان شقيقتان  
                   ؟   اوليس من الأجدر حقن دماء وحفظ أرواح  الأبرياء ؟ ( بعصبية ) ولا أدري كيف يقبل الأخ  
                   أن يحارب أخاه ؟ ولماذا يحارب بعضهم البعض ؟! 
طارق   :         ليتحاربوا يا سوزان .  فما هو الغريب أو الجديد في ذلك ؟ 
سوزان   :        ألا تراي كارثة في مقتل آلاف وأسر آلاف آخرين ؟ وما ينتج عن ذلك من ترمل نساء وتشر  
                    وتيتم أطفال ؟ لماذا يسعي الناس للحرب ؟ أوليس من الأفضل أن يسود السلام بينهم ؟ 
طارق    :         ( وهو يقلب في أوراقه )  لا ليس من الأحري فالأمر سيان حرب أم سلام لا فرق ؟ 
سوزان    :        ( باندهاش ) ان لدي اعتقادا يا طارق .. 
طارق     :         أي اعتقاد لديك يا زوجتي ؟ 
سوزان    :          لدي اعتقاد في أنك تريد أن تجنني وتفقدني عقلي .. ! سيان الحرب والسلام يا طارق ؟! 
طارق     :          طبعا يا زوجتي سيان الحرب والسلام  .. وسيان عندي السلام وحقن المورفين ؟ فمن ام 
                       يقتله الحرب قتله السلام  ... ومن لم تترمل بقتابل الحرب ومدافعها ترملت في ظلال  
                        السلام ومن لم يتشرد من اليتامي من جراء الحرب .. تشرد وهو في أحضان السلام .. 
                        وهناك ملايين من المتعبين بعالمنا يبحثون عن مهرب بأي شكل من الأشكال .. ايه .. ايه ..  
                        منذ ملايين السنين .. أثبت الانسان وتاريخه أنه لم ولن يكون هناك هذا الشيء الخرافي  
                        الذي تتحدثين عنه ..ويحكي أنه منذ من سحيق وغير معلوم علي وجه التحديد لا للعلماء ولا  
                        غيرهم .. متي كان ذاك التاريخ : أنه كان هناك شخصان فقط يعيشان وحدهما علي ظهر هذ   
                         العالم الفسيح .. كان يمتلكان  هذه الدنيا وحدهما وهما  المستر قابيل ، والمسيو هابيل ..ومع 
                         ذلك قامت الحرب بينهما وقتل أحدهما الآخر ! فخبريني كيف يكون الحال الآن ؟! عندما 
                         يصل تعداد القبيليين والهبيليين 4000 مليون * ؟ 
سوزان      :             ( تصمت ) 
طارق       :            سوزان .. قولي لي : كم تقدرين ضحايا الحرب بين المغرب والجزائر فيما لو قامت ؟ 
سوزان      :            ربما قتل وجرح من كل طرف ألف أو ألفان .. وربما يصل الأمر  لخمسة آلاف ..  
طارق      :              ( يهز رأسه ويبتسم باستخفاف ) فقط ..؟!هذا شيء جيد . لو كان الحرب بين المغرب   
                            والجزائر تودي بذاك العدد فقط  .. وليس أكثر . فليتها تقوم .. 
سوزان       :            ( بانزعاج  ولوم ) طارق .. عجبا .. لقد عرفناك زوجا وأبا حنونا عطوفا . فماذا 
                             يعني هذا القول الذي لا يصدر الا عن فاشي  دموي!!؟ 
طارق       :               دعينا من هذا ونحي الجريدة جانبا فما بها من أخبار كان جب قراءتها في الصباح 
                             .. وها نحن نقرءها في المساء بينما الدنيا تجري والأحداث فيها تتغير بين ساعة  
                              وأخري ز اوليست هناك أخبار طازجة أفضل ؟ ( ينظر الي الساعه ) آه  لقد حان 
                               موعد قراءة نشرة الأخبار . اسمعنا نشرة الأخبار يا شريف  من المذياع . 
شريف     :                  ( ينهض ويدير زر المذياع . يجلس  ثانية ) . 
المذيع بالراديو  :            هزات أرضية عنيفة تقع بمدينة الأصنام بالجزائر تؤدي الي دفن المدينة بأكملها تحت  
                                سطح الأرض وقتل حوالي 20 ألف من أهاليها. ولا زالت فرق الانقاذ هنا وهناك في  
                                في محاولة لانتشال الجثث من بين الأنقاض .. 
طارق      :                   ( بفزع وحزن عميق ) أرايتي يا سيدتي ؟ ارايتي ؟ ها هي الحرب لم تقم بعد حتي  
                                 نتهمها بأنها هي المسئولة عن قتل كل هؤلاء المساكين ودفنهم أحياء تحت الأرض ! 
                                 ولكنهم لقوا ما لاقوه في ظل سلام  وليس بآلات الحرب .. تحت خيام السلام التي لم  
                                تقتلعها الحرب بعد ! نعم لم تقم الحرب بعد يا زوجتي العزيزة. بين المغرب والجزائر .  
                                  وقد لا تقوم وتطمئني الي أن المغاربة ولا الجزائريين سيقتلوا ألفا أو الفين ..  
                                   من أخوتهم وجيرانهم .. أرايتي كيف  الانسان ضد بعضه العض أرحم وأخف  
                                   كثيرا من حرب العناية الالهية ضده ..؟ كم كنتي تقدرين عدد الضحايا منذ دقيقة  
                                    فيما لو حارب الانسان أخاه شقيقه الانسان ؟ ولكن ها هم عشرون ألفا يقتلون شر  
                                    قتلة ..! والآن أريد أن أعرف لماذا تتحاملين عليالحرب هكذا وتنبذينها . علما بأنها 
                                    ليست بشعة كما تتصورين . ؟! ان لحروب  قد تكون كالمطر نتضرر منه  بالبلل  
                                    وبعض التلفيات  . ولكنه يفيد الزرع والضرع وينشر الخضرة والنماء .. 
سوزان       :                    ( تشهق بعمق وفزع وتنهض واقفة ) ماذا ؟! ماذا ؟! أعد ..! أعد  أفادك الله !  أعد 
                                     يا طارق واطربنا بهذا التغريد ! الحرب مثل المطر ؟! قد نبتل منها ونلقي بعض  
                                     التلفيات ولكنهها تفيد الزرع والضرع ؟! ..؟!  وماذا بعد ؟!( تجلس ) وماذا بعد ؟ 
طارق        :                      بل وينقي الهواء الجوي من الأتربة والغبار العالق به . 

سوزان          :                  ( بصوت عال وبتهكم )  الله الله . غني يا وحيد . عظمة علي عظمة يا أستاذ 
                                     طارق .. وماذا بعد ..؟ 
طارق           :                  ( يحدق فيها مبتسما . ثم ينهض ليجوب فوق المسرح ) وكفي .. هذا هو .. 
سوزان          :                  حسنا ..حسنا . وكيف يتم ذلك يا سيد طارق ، يا زوجي الحنون ؟ كيف ذلك 
                                     لم تقل لنا كيف يكون الحرب كالمطر ؟! 
طارق          :                    ان لحرب يا سوزان يا زوجتي تنظف نفوس الشعوب مما يعلق بها من أتربة  
                                     الفردية والأنانية وغبار التنكر لروح المجتمع والكفر بها .. مثلما ينقي المطر 
                                     الهواء الجوي .. اذ ينسي الفرد أنانيته وجشعه وطمعه بل وحسبه ونسبه وكل شيء  
                                     عندما يري منجل الموت يحصد الناس بأيسر مما تحصد أعواد البرسيم الخضراء ! 
                                      عندما يري حياة الناس تسقط وآمالهم العريضة في الحياة وأطماعهم تسقط كما  
                                      يسقط طفي السيجارة !  فيتعلم لانسان في ذات اللحظة انكار الذات بشكل لا  
                                      تستطيع أن تعلمه له أية مدرسة أو جامعة . ويتعلم الانسان أيضا المحبة والتراحم  
                                      والتعاطف والزهد .. والشعوب التي تخوض الحروب تعرف الكثير جدا من  
                                       الفضائل  عقب الحرب .. وتري الفضائل تسعي بينها بألفة شديدة  بعد أن كانت 
                                       كما لو أن حظر التجول مفروضا عليها ..! 
سوزان     :                          هه .. وماذا بعد ..؟ 
طارق      :                          وبعد . فان خامات الشعوب تصقل بالحروب .. اذ أن الشعوب الرخوة التي تحبذ   
                                        الجوع والراحة.. وتطلب السلامة من الخوف . تكويها الحروب فتشفي مما بها  
                                         من شلل الخوف ومن  روما تيزم البلادة والخمول .. أي أن الحرب  تعيد الخضرة والنماء  
                                        للشعوب كما يفعل المطر بأشجار الصحراء الجاقة بفعل الخريف و مع قدوم   
                                         الربيع بالصحراء .. فماذا تقولين ..؟ 
سوزان      :                          ( صمت قليل ) وماذا بعد ؟ أكمل .. 
طارق      :                            وبعد ذلك تأتي الفوائد الرياضية والترفيهية للحرب . فالحرب فن وذكاء .. 
سوزان     :                            ( تقهقه ) أهناك فوائد رياضية وترفيهية أيضا ؟!! 
طارق      ::                             نعم .. وهذه بالذات كيف تنكريها ؟ فأنتي من المغرمين جدا بتتبع ومشاهدة  
                                           أفلام المعارك الحربية سواء كانت برية أم جوية أم بحرية . وألحظ دائما 
                                           استغراقك التام وأنت تتابعين القصف بالمدافع . وسقوط الطائرات مشتعلة  
                                           وتطاير الأجساد والأشلاء وسقوطها بغزارة كما المطر . والأمر ليس  
                                            بالنسبة لك بالذات.. كلا فالأغلبية الساحقة للناس لديهم فضول كبير لمشاهدة 
                                            أفلام الحرب والضرب والملاكمة والمصارعة والفروسية ومصارعة الثيران .                                           وكلها ألعاب حربية عنيفة ..ولكن الناس يشاهدونها للاستمتاع بما فيها من فنون  
                                            وذكاءوحسن حيلة . فلماذا تتحاملين علي الحرب وهي نعمة ؟ 
سوزان    :                                ( بتلعثم ) ما تسببه الحروب من ضحايا يا طارق .. القتلي والجرحي الذين  
                                             تخلفهم  الحروب .. المآسي والفواجع التي يصاب بها الناس ..الخراب  
                                             والدمار الاقتصادي اللذان تسببهما الحروب .. 
طارق      :                                 يا سيدتي .. تلك  أمور هينة .. وسواء قامت الحروب أم لم تقم فان وقوعها   
                                             كما قلت لك لا مفر منه .. اسمعي يا زوجتي الحنون ( يقلب قليلا بالأورق  
                                             المرصوصة فوق مكتبه . ثم يستل ورقة ويقرأ منها ) أشارت الدراسات التي  
                                             أصدرها المؤتمر الدولي للزواحف السامة . الذي عقد في جزيرة أوكيناوا 
                                             اليابانية الي أن عدد ضحايا الزواحف السامة يبلغ نصف مليون شخص  
                                             سنويا .  يموت منهم أربعون ألفا ( يطرح الورقة جانبا ويسألها )  
                                             سمعتي ؟ ! أربعون ألفا يموتون سنويا لسبب قد لا يخطر علي بال أغلب 
                                             الناس ..! بسبب نوع من أبسط أنواع الحروب التي تشنها العناية .. ضد 
                                             الانسان ..تري هل الانسان هو الذي يصنع هذه الزواحف السامة ؟!  
                                              بالعكس انه يحاربها .. اذن ما رأيك ف ههذا العدد الضخم من الضحايا ؟  
                                              هؤلاء .. أفلا تترمل نساؤهم ؟ أفلا تتيتم أطفالهم ؟ أفلا تثكل أمهاتهم ؟ 
                                              شأنهم في ذلك شأن ضحايا حروب الانسان ضد أخيه الانسان ؟!  
تعداد العالم وقتذاك – وقت كتابة المسرحية - 4000 مليون وتجاوز الآن  6000 مليون .  
------ 
                       
نوادر بوكاسا ( مسرحية )  الحلقة  6
المؤلف : صلاح الدين محسن
طبعت  بالقاهرة   عام 1981
                                                  الحلقة  السادسة
*********************************************************************
تنويه هام : نظرا لمرور قرابة 38 عاما علي تاريخ طباعة المسرحية للمرة الأولي . .. لذا
لزم التنويه الي أن المؤلف انما قصد بشخصية بوكاسا ، وما يجري من أحداث بالمسرحية فيما يخص السياسة  ، هو عمل اسقاطات سياسية علي عصر الرئيس السادات  . وحال مصر وقتها والظروف التي أحاطت بالحكم وادارة البلاد  في ذلك الوقت  .
*********************************************** ***************** ****
 طارق      ( يستطرد ) ثم بعد ذلك يا عزيزتي سوف تعرفين أن مسألة ضحايا الحروب هي مسألة   
               هينة جدا لا تستحق مجرد النظر اليها عندما تعرفين الاحصائيات الدولية لضحايا أنواع خري
               من الحروب التي تشنها العناية الالهية ضد الانسان .. مثل الزلازل والبراكين والعواصف
               والأعاصير والأمطار الشديدة الغزيرة التي تسقط البيوت علي ساكنيها والصواعق والنيازك والأوبئة
                 الفتاكة . والقحط . كل هذه الأسلحة تستخدمها العناية الالهية في حربها الشعواء ضدنا نحن بني
                 البشر..! ولكننا نغض أعيننا عنها ونتجاهلها تماما ولا نستنكر سوي غارة متواضعة قامت بها
                 طائرة احدي الدول ضد دولة أخري وسقطت حمولتها بمحض الصدفة علي مدرسة للأطفال أو
                 مصنع فأوضت ببعض العاملين .. فنبكي ونقول : المجرمون ..( يتباكي ) النازيون يعتدون علي
                 المدنيين الآمنين الأبرياءالودعاء العزل من السلاح .. أما عندما يقوم زلزال أو يأتي سيل جارف 
                 تبعث به العناية السماوية ولا يفرق بين معبد أو خمارة أو روضة أطفال . بل يكتسح كل شيء أمامه     
                 فلا يوجه أحد الاتهام تجاه العناية بل الجميع يتوجهون اليها بالحمد والشكر علي ما تلطفت به علينا ..
                 .. ( يضحك ) انه تملق . وليته يجدي ..
شريف :       ولكن اسمح لي يا أبتاه ولا تؤاخذني ..
طارق  :       تفضل يا ابني وقل ما شئت ..
شريف  :      عفوا .. لماذا تري السلام بعيدا جدا وكانه مستحيل ؟ مع أن هناك دول استطاعت ومنذ عشرات ال
                   السنين  . أن تبتعد تماما عن الحروب وتسعد شعوبها وترفهها مثل ..
طارق  :        ( مقاطعا ) اعرف .. أعرف مثل من .. أعرف ما تقوله يا بني .. لا العالم كله يحاربوبدون استثناء .                  .. الأفراد يحاربون بعضهم البعض ..علي الرزق أو علي السيادة الزائفة .... والدول أيصا ولكن
                    الدول تحارب بأشكال مختلفة .. دول تحارب بعضها بالسلاح ودول تقوم بتصنيع وبيع السلاح
                    للمتحاربين وحسب العلاقات والمصالح .. أي تحارب أيضا ..ودول تقوم بدور الوسيط لبيع
                    لسلاح ليتستر خلفها المنتج الأصلي ويختفي وراءها كي لا تتضرر مصالحه . ودول تتاجر في
                    السلاح وتتمني قيام الحرب كي تنتعش تجارتها كما يتمني اللحاد قيام وباء يحصد الأرواح 
                     بالموت كي تروج شغلته .. والنوع الأخير وهو أخطر واسوأ أنواع الحرب وأبشعها . قيام   
                    دول بدور المستودع الأمييييين والمأموووون لحفظ واستثمار الأموال التي تسرق من قوت
                    الشعوب الفقيرة بمخالب ثعالبها ..
شريف  :         مخالب ثعالبها ..؟!! ( تبدو عليه الدهشة وعدم الفهم ..)
طارق  :          أقصد .. ابناءها البرررة .!!( بتهكم شديد ) هه  هه .. ( يتضاحك ويكرر ) ابناءها البررة !
                      ( يتضاحك بسخرية ) ( وبحركة خفيفة ساخة يتوجه نحو ولده ثم نحو زوجته متسائلا بطريقة
                     تنتزع ضحكاتهم الساخرة ) أبناءها ايه ؟؟؟
شريف وأمه   :   ( يضحكان ويرددان خلفه بنفس طريقته الساخرة  بغنائية ) أبناءها البرررة .. !
طارق  :           ( يكرر تساؤله بنفس السخرية المنغمة ) والنبي اييييه ؟!

شريف وأمه :     ( وهما يضحكان بسخرية .  ويرددان بترنيم ) أباءها البررة ..
طارق  :            ( بتهكم مر ) يا حلاوة ايييه ؟
شريف وأمه  :     ( وهما يضحكان بسخرية  و. وكما لو كانا  يغنيان ) يا حلاوة البررة ..
طارق          :     ( بنفس الطريقة السابقة . وبلهجة هتافية ) يا حلولي اييييه ؟!
شريف وأمه  :      يا حلولي البرررة  ...!
طارق          :     ( يمسك بطرفي قميصه ويحركهما مدا وجذرا . مكررا هتافه وهم يرددون ) .
              ( يستمروا قليلا علي ذاك الهتاف ، ثم ينزع طارق بروازا علي الحائط يحمل
                 صورة جماعية لأعضاء مجلس قيادة انقلاب الجيش المصري 23 يوليو 1952 . ثم
                 يمثلون لعبة القطار . كما يلعبها الأطفال . يتقدمهم طارق وخلفه زوجته وابنهما شريف .
                 ويدور بهما طارق وهو يحرك يدا كما  ذراع ون القطار . رافعا يده الأخري لأعلي وبها
                 البرواز بصورة ضباط الانقلاب ملوحا بها في الهواء وهو يردد بسخرية مرة وهما
                 يرددان خلفه وبسخرية ): أبناءها البرررة .. أبناءها البرررة .. ( ويدورون
                 حول خشبة المسرح ) .
                                                 ( ستار...)

                                        (((  الفصل الثاني )))        

           المنظر    :  ( غرفة أستقبال بمنزل نظمي -  صديق طارق  - معلق بسقفها أوراق زينة كتلك الخاصة 
                            بأعياد الميلاد . في الوسط منضدة عليها تورتة كبيرة  تتوسطها شمعة واحدة . ويجلس
                             حول المنضدة الأصدقاء الثلاثة – طارق  . نظمي . ياسر - )
ناهد     : ( تدخل ناهد زوجة نظمي ومعها ابنهما  " لؤي "  الذي يحتفلون بعيد ميلاده وبصحبتها خالة لؤي –
              كل من طارق وياسر يتبادلان تناول لؤي من أمه لتقبيله وتهنئته ومداعبته وتهنئة أمه 
             
             أختها .  التي تدخل مهللة ومطلقة للزغاريد  . ومعها بعض الاطفال . اعمارهم  بين السابعة والتاسعة .      
             بعيد ميلاده متمنين له عمرا ألف عام  . ثم  ينشد الجميع كبارا وصغارا : هابي بيرث داي تو يو "
              يعقب ذلك تصفيق . تقوم الأم بحرق البخور وحمل المبخرة وتدور بها علي أركان الشقة كلها لتدفع
              عن ولدها الحسد . ويسير وراءها شقيقتها والأطفال مهللين وراءهما . ولؤي مع والده . )
طارق   :  ( يداعب لؤي ويخرج له قطعة شيكولاتة من جيبه  ) كل سنة وأنت طيب يا جميل وعقبال ما تكبر
               وتصير رجلا مثلنا وتري ما نراه . وتدور مثلنا بساقية الحياة كما ندور .( يضحك ويشاركه صديقاه)
طارق      :( يستطرد موجها حديثة للطفل لؤي ) ولا تتعظ  كما لم نتعظ نحن . وتنجب مزيدا من الأطفال 

                ويواصلوا مهانة الدوران بساقية الحياة ! ويورثوا أطفالهم أيضا تلك المعرة الازلية .
ياسر        : أوه  يا طارق .. حقا ما تقوله .. ولكن دعنا نتناسي تلك الحقيقة المفجعة . ومن الأفضل أن تضحكنا
                 باحدي نوادر بوكاسا ..قل لنا آخر ما كتبته في بحثك عنه .
طارق        : ( يتذكر احدي نوادر بوكاسا فيضحك وحده طويلا ) .
ياسر          :  لا .. بل نريد أن نضحك معك لا تضحك وحدك فقل لنا ماذا فعل ؟
طارق    :   (  يوقف الضحك . ثم يعود لينفجر ضاحكا )
ياسر      :  يا سيدي قل لنا أولا ثم نضحك معا ..
طارق     : بمناسبة تنصيب بوكاسا امبراطورا . بعث برسالة رسمية الي الرئيس الفرنسي  يقول له  " حيث
               أن امبراطورية وسط افريقيا وجمهورية فرنسا بلد واحد ..لذا فنحن نري أن الاحتفال بمناسبة
                   اعتلائنا العرش يجب أن يكون في قلب باريس . ويمر موكبنا بكبري شوارعها ..
الجميع      :  ( يضحكون ... ) .
نظمي      :  ( بكلمات متقطعة من شدة الضحك  ) بالله عليك . وماذا قال له الرئيس الفرنسي ردا علي
                     رسالة رسمية من ذاك النوع البالغ الغرابة والهزلية من رئيس دولة ؟!
طارق     :  كادت أن تطير أبراج عقل الرئيس الفرنسي . وكلف وزير الدفاع بالرد عليه بالقول : ان فرنسا   
               ترحب به كجندي سابق  بقواتها التي حاربت في آسيا .. ولكن التقاليد الدبلوماسية في فرنسا
               لا تسمح بذلك .
الجميع       :   ( يضحكون ) .
ياسر         :  ( مخاطبا طارق ) هات غيرها . هات .. ماذا أيضا ؟! ( يضحك ) .
طارق       :  ( يفكر قليلا  وهو يعبث بشعر رأسه  ويضحك بصوت خفيض ) اييه ايه اسمع يا سيدي كان
              :   بوكاسا من المعجبين جدا بالجنرال شارل ديجول  - رئيس فرنسا السابق . وبطل التحرير  ،
                   وكان يناديه ب " بابا " وكان يحبه حبا شديد بالرغم من أن ديجول . كان يضيق به ذرعا
                  ويسميه . المتخلف عقليا . .. ! وعندما توفي الجنرال ديجول . سافر بكاسا للمشاركة في
                  تشييع جنازته . وسار بين الملوك والرؤساء وهو يبكي وينوح " بابا .. بابا .. بابا مات "
الجميع            ( يقهقهون ...) .
طارق            : لقد كان بوكاسا شخصية مرحة  وظريفة وانسانا لطيفا لولا بعض الهنات البيسطة . 
                    كموضوع الكهرباء ...
نظمي            :  وما هي حكاية موضوع الكهرباء ؟
طارق            : موضوع بسيط لا يعد من الكبائر ..
ياسر             : ما هي ؟
طارق           : لقد خص قبيلته بادخال الكهرباء لها رغم وجود قبائل أخري كثيرة أكبر منها . وكانت
                   أولي منها واقرب الي محطات الكهرباء . بل ان العاصمة نفسها بها ضواحي هي
                    في أمس الحاجة الي الكهرباء . ولكن بوكاسا جعل الاولوية لقريته  ولقبيلته.
نظمي            :  وما اسم قبيلته تلك ؟!
طارق           : اسمها .. ( يحاول التذكر .. )  اسمها .. آه ..  اسمها :  ميتابوجلامبو * .. مالم تخني ذاكرتي .
ياسر            : تلك يا سيدي ليست هينة . بل هي من الكبائر ..فما هكذا يجب أن يتصرف رئيس الدولة .
طارق           : وما في ذلك يا صديقي .. انه نوع من الوفاء لقبيلته .. .  القبيلة التي أنجبته .
نظمي           :  ( بسخرية ) ولكنه وقتذاك لم يكن مجرد شيخ قبيلة .. بل هو مسؤول عن دولة بأكملها .
                    ويجب عليه أن يفكر ويتصرف بعقلية رجل الدولة وليس شبيخ القبيلة . ورجل الدولة
                   يدرك دائما أن القبيلة او القرية أو المدينة التي ينتمي اليها لابد وان تأخذ دورها في
                    الخدمات والاصلاح وبالترتيب دونما تخطي او استثناء أ تمييز حتي ولو كان الاصلاح
                    علي نفقته الخاصة ..
ياسر             : والحاكم الذي يميز محافظته عن باقي المحافظات . فانه يميز مدينته عن باقي المدن .
                    ويفضل قبيلته عن باقي القبائل والذي يؤثر قبيلته عن باقي القبائل يؤثر عائلته عن
                    باقي العائلات والذي يؤثر عائلته عن باقي العائلات .. فانه يميز نفسه عن كل أفراد
                    أي ما كان يستحق أن يولد لأنه أناني بينما  الزعيم يجب أن يكون أكبر من ذلك  ..
                    الجميع ابناؤه ويجب عليه العدل بين ابنائه .  وعدم التمييز بينهم .
  نظمي          :  ( بتهكم ..) لا لا  لا يا ياسر  ان بوكاسا رجل مرح وانسان ظريف وخفيف الظل .
ياسر              ( يلتفت نحو طارق ) وماذا بعد من حكايات بوكاسا ..!
طارق            :  ومن الهنات الهينات أيضا .. ( يتوقف  .  اثر سماع أصوات شجار وبكاء أطفال 
                      خلف ستارة المسرح ) .
طارق               : ما هذه الضجة ؟!
نظمي               :  ( بضيق ) انهما ولداي عليهما اللعنة  . لا يكفان عن الشجار وضرب بعضهما .
                      ( يهب واقفا بغضب ) الا يكفيما شجارا بالبيت . حتي عند  الناس ؟! 0 يناديهما
                       بلهجة غاضبة ) أحمد .. علاء .. تعالي يا ولد انت وهو .( يدخلان . أحمد يبكي)
الطقل أحمد            :  ( يبكي ) ضربني يا أبي ..كاد أن يكسر ذراعي ..
الطفل علاء            :  كاذب  كاذب . والله يا أبتاه . بل هو الذي بدا بالاعنداء علي ركلا بقدمه ..
الطل أحمد              : لا تصدقه يا أبتاه أقسم لك بأنه كاذب ..
الطفل علاء             : أبدا والله يا أبتاه . بل هو الكاذب ..
نظمي                    :   ينهر علاء  بحده : اخرس تماما .. لا تتكلم  . بعد أن تضرب أخاك وتكذب أيضا ؟!
                             كل شيء يغتفر الا الكذب. عقابك سيكون مضاعفا وصبرك حتي نعود للبيت ..
                            كم مرة أقول لك عليك بالصدق .. كاذب لعين ..!
الطفل علاء              : ( بصوت متهدج )  ولماذا أنا  بالذات يا أبي أعاقب علي الكذب ؟! ألم تقل  
                              لنا بالأمس أن الدول    تكذب ورؤساؤها يكذبون أيضا .. ؟!
ياسر وطارق              ( يقهقهان )
نظمي                      ( بغضب ) ماذا تقول يا ولد ؟! ماذا تقول ؟!
الطفل علاء              :   ( لا يرد يتراجع في خوف )
طارق                    : ( بلهجة عشم ولوم ) دعه يا نظمي ..  لا تكلمه ..
نظمي                    : ( يبتسم . ثم يتراجع  ليجلس علي كرسيه حيث كان يجلس ) .
طارق                    : أكمل يا علاء لا تخف يا حبيبي . ماذا قال لكم بابا . عن الدول ورءسائها ؟
الطفل علاء             : ينظر بحذر تجاه والده ليري ان كان سيأذن له أم ينهاه عن القول ..
نظمي                    :   ( يبتسم ) تكلم .. قل لعمك طارق ماذا قلت لكم ..
الطفل علاء             :  ( موجها كلامه لطارق ) كانت الاذاعة يا عمي تقول بالنشرة . ان كلا من 
                            الصين وروسيا يتهمان بعضهما بحشد قوات علي الحدود  ..
طارق                    :  هيه .. وماذا بعد ..؟!
الطفل علاء             :  وسألنا بابا : نصدق من ؟ ونكذب من ؟ أي الدولتين صادقة ؟  فقال بابا :
                            كلهم كاذبون .. هكذا تفعل كل الدول وكل الرؤساء .. كلهم  يكذبون ولا
                                             أحد يحاسبهم .. فلماذا يريد بابا محاسبتي أنا بالذات  ؟!
                        ( الجميع يضحكون ...)
==  ==
 *  المقصود باسم القبيلة ( ميتا بو جلمبو ) هو اسقاط سياسي علي قرية ( ميت أبو الكوم ) – مسقط رأس الرئيس السادات – التي أدخل بها الخدمات قبل القري الأخري السابقة لها والمجاورة لها وبشكل استثنائي  لكونها قرية رئيس الجمهورية .  
 ==  ==                
                                       
  نوادر بوكاسا ( مسرحية )  الحلقة   7
المؤلف : صلاح الدين محسن
طبعت  بالقاهرة   عام 1981
                                                  الحلقة  السابعة
*********************************************************************
تنويه هام : نظرا لمرور قرابة  27 عاما علي تاريخ طباعة المسرحية للمرة الأولي . .. لذا
لزم التنويه الي أن المؤلف انما قصد بشخصية بوكاسا ، وما يجري من أحداث بالمسرحية فيما يخص السياسة  ، هو عمل اسقاطات سياسية علي عصر الرئيس السادات  . وحال مصر وقتها والظروف التي أحاطت بالحكم وادارة البلاد  في ذلك الوقت  .
***************************************
 طارق     : ( يضحك ) صحيح ما قاله .. بل وكان بوكاسا أيضا يكذب .. ولكن وللأمانة وللتاريخ : لم يكن الرجل 
                يتحري سوي الكذب الأبيض فقط .. وكان يفعل ذلك مع الشعب علي سبيل المزاح . لاغير .. مزاح
نظمي      : ( يضحك ) ظريف .. لطيف .. مزاح مع الشعب .. ظريف جدا ..
طارق      : نعم . كان يمزح مع الشعب .. اذ كان يعد الشعب بزيادة في الأجور 40% مثلا ..فيهلل الشعب
               المتعب اقتصاديا . فرحا واعتقادا منه في أن أزمته سوف تنفرج . وقبله تهلل الصحافة الحكومية ،
                وترقص الاذاعة  ويغني التليفزيون وكلاهما يتبعان الحكومة . وفي النهاية يتضح بأن الزيادة ما
               هي الا مجرد سلفة * .. وستقتطع من العلاوات السنوية ( يقف ويصفق بطفولة مصطنعة ) هييييييه !
                وضحكت عليكم ..! فيضحك الشعب لظرفه وخفة ظله ..
نظمي       : ظريف ..! ( بتهكم ) خفيف ..
ياسر         : ( بسخرية ) لطيف ..!
طارق       :  ومن ضمن مزاحه أيضا مع الشعب. ان اعلن ذات يوم عن تثبيت الأسعار. فهلل الشعب واستبشر
                  خيرا ..، وهللت قبله جرائد الحكومة ورقصت وزمرت علي الأرغول .( باستدراك ..)  لا ياربي ..
                 ليس علي الأرغول .. وانما علي المزمار الافريقي..! وفي صباح اليوم التالي كانت الأتوبيسات
                  العامة وباقي وسائل النقل العامة . التابعة للدولة . قد قامت برفع أجرة الركوب . وجعلتها جميعها 
                  درجة موحدة ، وباسلوب خفيف أخف من ريش النعام ! **
نظمي وياسر  : خفيف.. لطيف .. ظريف .. أخف من ريش النعام ( يضحكان )
طارق           : وقال . والله علم . أن القائمين بالثورة التي خلعت بوكاسا . حاكمته غيابيا وقررت ضمن ما
                    قررت فعله . نقل اهالي القبيلة . قبيلة بوكاسا التي خصها بادخال الكهرباء . الي مكان آخر
                    لم تدخله الكهرباء .. علي أن يحل محلهم عمال مصنع أو مزرعة تعاونية تقام هناك حتي
                    لا يبقي أثر لتلك السابقة والتي لا يمكن أن تكون في صالح الشعب ولا قدوة حسنة للشعوب
                    الأخري. لما بها من مسلك قبلي من الحاكم  . ضيق الأفق .
نظمي           : وهو ؟ بوكاسا نفسه .. بماذا حكموا عليه ؟
ياسر             :  المفروض انه  يستحق الاعدام ..
نظمي           : نعم انه يستحق ذلك ..
  طارق          : هنا أصوات كانت تعارض الاعدام
ياسر              :  بل الأصول أن يجرد من أمواله ويمنع من مغادرة البلاد مدي الحياة ويعاد الي أدني وظيفة شغلها
                     في حياته وهي " جندي عادي " ويسكن ويعيش بمسكن الجندي العادي مدي حياته .
نظمي             ( موجها سؤال لطارق ) وما رأيك أنت يا طارق ؟
طارق            : لست مع الاعدام ولا السجن المؤبد . اذ لا توجد عبرة لأحد . ان كان الغرض جعل عبرة .
ياسر              : العقوبة للجزاء قبل أن تكون للعبرة . والعبرة للغير أيضا شيء هام  يحد من الجريمة .
نظمي            :  ( مخاطبا طارق ) كيف  تري أنه لا توجد هناك عبرة لأحد ؟!
طارق            : هكذا يحدثنا التاريخ .. والا لاتعظ بوكاسا .. وغير بوكاسا .. وأمثال بوكاسا في أي مكان وأي
                    زمان . ألم يكن قبل هتلر من يتعظ منه ؟! أولم يكن قبل موسوليني  أو نيرون  .. من يتعظوا منهم
                    ؟! بلي .. فتاريخ الانسانية مليء بالطغاة والقساة الذين لقوا نهايات مهينة ومفجعة ولا أحد يتعظ ،
                    لا الطغاة الديكتاريون يتعظون من نهايات أمثالهم علي مر العصور فيكفون عن أعمالهم .... ولا
                    المصلحون أو الثوار قد زعزعهم ما لاقاه  من سبقوهم .. فالنبي يونان – أو يوحنا – فقد رقبته علي يد
                    الملك الطاغية " هيرودس "  وهو يدافع عن الحق . ولم تنقذه العناية الالهية رغم  أنه كان يدافع
                    عن تعاليمها .. ولا حتي جعلت من دمائه نورا  تهتدي به الأجيال القادمة . ويكون ذلك عزاءا له .
                    وقع هذا الحادث في زمن المسيح . وكان حادثا مروعا يكفي لأن يكون عبرة لمن يعتبر الي أبد
                    الأبدين. الا أحدا لم يعتبر منه ولا حتي ممن عاصروه.. ومضي المسيح في نفس الطريق !والتقي  
                    بحر اللاجدوي مع سالفه  .. ولو عاد الآن ورأي من ضحي بنفسه لأجلهم في لحصدهم جميعا      
                    بالسيف ، وهو  القائل " من أخذ بالسيف . بالسيف يؤخذ " !ولا يزال التاريخ يدور ويدور
                    ويذهب بمسيح ليأتي بمسيح آخر يصلب كما صلب من قبله ..!ويذهب هيرودس ونيرون ويأتي
                    غيرهما .. دون أن نسأل أنفسنا : الي متي سيبقي الانسان هكذا . ثورا ومصارعا في ساحة
                    الدنيا يدمي نفسه  أو ينكل ببعضه كل هذا التنكيل بايعاز من متفرج واحد هو القدر .. أما
                    يحق أن نحرق ها الملعب بمن وما فيه ؟! وليحرق نفسه ذاك المتفرج الأحمق . او ينتحر مللا
                    بعدما يفقد هوايته الشريرة .. وضيقا من الوحدة والملل ..
                      ( صوت المعلم بطيخ يأتي ن خلف الكواليس هائجا مستنكرا . يدخل علي خشبة المسرح بيده
                         عصا طويلة )
الملم بطيخ     : ( بغضب هائج ) فسق ، فجور .. زندقة ..الحاد ..
الممثلون          ( طارق وزملاءه في صوت واحد ) حقائق . لم نختلق شيء من عندنا .. أشياء تاريخية معروفة 
المعلم بطيخ    : ( باستهزاء ) حقائق ؟! هأ أو أو   هل يوجد سوق للحقلئق ولا مشتري لها .. أين تباع الحقائق . ومن
                     يشتريها ؟!!  أعرف هدفكم .. تتآمرون علي بالخروج عن النص بقول الأكاذيب والافتراءات
                     غير المقبولة ... لكي يطفش الجمهور و أفلس وأغلق المسرح .. لا ..
الممثلن          : ( بصوت واحد متهدج ) حقائق . حقائق ..
المعلم  بطيخ    : (  يصرخ فيهم ) حقيقة ؟؟  أية حقيقة يا أستاذ أنت وهو ..؟!الحقيقة الوحيدة الرائجة في السوق 
                     والتي يحب كل الناس سماعها هي  ( يلتفت نحو الكواليس وينادي )
المعلم بطيخ      : ( مناديا علي الراقصة ) : لهلوبة .. لهلوبة .
                     ( موسيقي راقصة . تعزف . وتدخل الراقصة لهلوبة . تهز بطنها تارة في وجه الجمهور .  ثم 
                     تستدير بحركة أتو ماتيكية فكهة  وتهز أرادفها بشكل كاريكاتيري ساخر يثير الضحكات .
المعلم بطيخ      : ( يشيح بعصاه في وجوه الممثلين – طارق وأصداقاؤه -  ويطاردهم بعصاه حتي يختفون خلف
                        الكواليس ) .
                                            ( ستار )
                                  --   --   --   --   --  --
                                           الفصل الثالث
المنظر    :  ( طارق يقف قلقا بغرفة مكتبه . ينادي زوجته ..)
طارق     :  سوزان . سوزان ..
سوزان    : ( تدخل مضطربة )
طارق     :  أين ابننا شريف ؟! لم أره منذ الصباح ..
سوزان    :  ( تتلعثم وتضطرب )
طارق      : ماذا؟.. ماذا يا سوزان ..؟! هل بالأمر شيء ؟.. أمريض ابننا ؟!
                هل أصابه مكروه ؟؟
سوزان     : لا لا  لاشيء .. ولكن لا أدري . لقد جاء بالأمس الي المنزل وهو عصبي ومتوتر للغاية .. رفض 
                 تناول الغذاء ونام أيضا دون تناول عشاء ..! واليوم خرج مبكرا وهو مكتئب  .. مع أن اليوم
                 عطلة عيد الجلاء ولا توجد دراسة بالجامعات وجميع المصالح معطلة أيضا ..
طارق      :  عجبا .. وهل كان يحمل كتبا عند خروجه ؟
سوزان     :   كلا ..
طارق      : ألم تسألينه عما به ؟ ومما يعاني ؟!
سوزان     : حاولت كثيرا . وهو يلوذ بالصمت ويرجوني أن أتركه في حاله ..
طارق      :  وماذا ؟؟!! الم يقل الي أين هو ذاهب ؟!
                  ( صوت أقدام ..)
سوزان     :  ( بفرح ) يبد و أنه قد عاد .. هذه خطواته . أنا أعرف
شريف      : ( يتقدم ببطء . مكتئبا مضطربا )  مرحبا يا والدي ..
طارق       : مرحبا بك يا شريف . مرحبا يا ولدي .. هيه يا ابني كيف حالك ؟ أين كنت ؟
شريف      : خرجت أتمشي قليلا في الهواء الطلق ..
طارق       :  مالك ؟ ماذا بك ؟ أراك ساهما واجما .. دعك من الحزن يا ابني . لا زلت صغيرا
                 .. اطرح الحزن جانبا وهيا .. ( يربت علي كتفه بأبوة )  هيا لتساعدني فيما أكتبه .

شريف     :  ( باندهاش)  ما الذي تكتبه ؟ ماذا تكتب؟!
طارق      : البحث الذي اعده عن بوكاسا ..
شريف     :  ( بصوت عال) بوكاسا بوكاسا .. لم يعد لك حديث يا أبي سوي بوكاسا ؟1 قائم في بوكاسا
                 نائم تفكر في بحثك حول بوكاسا .. وكانه لم يخرج من العالم بوكاسا الا بوكاسا الذي خرج من دولة
                 افريقيا الوسطي ! دعنا من بوكاسا يا أبي ولنتدبر أمورنا نحن . فذاك افضل ..
طارق     : ايه .. يبدو أنك ضجر جدا من شيء ما قل لي ماذا يغضبك ؟!
شريف     : ( يهتف بصوت عال ) الاستعمار .. الاستعمار لا يزل موجودا ببلدنا ..
شريف     :  الاستعمار لم يرحل بعد عن بلادنا ..
طارق      :   ( يقترب من  ابنه هدؤ وهو يتفحص وجهه باندهاش ) ماذا ؟! ماذا تقول يا بني ؟ ان  اليوم
                عطلة عيد الجلاء .. الذي تم منذ كثر من عشرين عاما .. ! هل تقصد أنه عاد من جديد؟!
شريف     :  ( بحدة ) لا  لا أقصد ذلك .. لم يعد .. لم يعد .. لأنه لم يخرج ..
طارق      : ( يضحك ) ومن أخبرك ذلك ؟!
شريف      : اخبرني بذلك بالامس . أحد الموظفين باحدي الوزارات بينما كنت أقضي مصلحة لي عنده
                أحسسني بانني أقل من مزارع لدي اقطاعي كبير .. دحض كرامتي بنظراته الاعلي من التعالي .
                وسكب انسانيتي واعتزازي بنفسي بكلمات اللامبالاة الأكثر استخفافا من الاستخفاف نفسه ..!
                حدثني بلهجة تفوق آلاف المرات اللهجة التي تحدث بها الخديو توفيق  الي أحمد عرابي الزعيم
                الوطني . قائلا له " ما أنتم الا عبيد احساناتنا " ملامحه أخبرتني بأنه اله يفعل ما يشاء بمصلحتي 
                الماثلة بين يديه والتي تمس في الصميم حياتي ومستقبلي .. بوسعه أن يحييني بانجازها . 
               وباستطاعته أن يميتني  بدفنها !بامكانه أن ينعم علي بفورية اتمامها أو يذلني بتعمد ارجائها ! ايه
                يا ابتاه .. ايه يا أماه ..  كادت يدي أن تقبض بدون أن اشعر علي عنقه فلا تتركه الا جثة هامدة
                 وكاد اصبعي أن تطير مني صوب عينيه فيقتحمها فلا خرج الا من العين الاخري ( يعلو صوته )
                ولكنني وجدت نفسي أمام معادلة صعبة .. لو فعلت معه مايرد الاعتبار لكرامتي المدهومة وما يشفي
                غليلي.. لعددت مجنونا ومعتديا. وأنا لمعتدي عليه ! بل  وعدوني خارجا علي القانون ووجهت لي 
                تهمة الاعتداء  علي بك ..! موظف حكومي أثناء أداء مهام عمله الوظيفي ..( بتهكم ) فياله من عمل  
                .. ذاك الذي يقوم به ذاك البيك !  طار صوابي .. ماذا افعل؟!  ماذا أفعل؟! هل أشكوه لرئيسه ؟!
                ( يقهقه بغيظ وسخرية ) هاهاهاااي .. لو كانت الشكوي لرئيسه مجدية لما فعل ذلك ؟!هل أشكو 
                 رئيسه لرئيسه ؟  ( يقهقه بغيظ وسخرية ) هاهاها ( يتلفت حوله . ثم يتجه نحو احدي التحفتين اللتين
                 بالغرفة( الهرم الورقي المدرج علي شكل هرم سقارة )  - ثم يضع يده علي أولي الدرجات من 
                أسفل ويتدرج به لأعلي متسائلا ) ك أشكو رئيسه لرئيسه : ههها هاها .. نفس الشيء ( يمضي في
                التدرج بغضب وانفعال حتي آخر درجة حتي يتقابل مع القرطاس الذي وضعه شقيقه ناجي بأعلي
                الهرم . فيمسكه ويتأمله بدهشة ) أنت هنا ؟!! .. آااه .. عرفت .. فهمت .. لذلك حق الانسان في
                مجرد الشكوي: عيب كبير .. بل ومعرة، وتعارف الناس علي ذلك بالقول : الشكوي لغير الله مذلة !
                ( يضحك باستخفاف ) ههههها ( وبصوت خطابي عال ) : أنا لا أشكو ففي الشكوي انحناء ! وأنا
               نبض عروقي كبرياء !! لماذا لا يشكو الانسان ؟! ولماذا يكون حقه في الشكوي  ضد الكبرياء ؟! ( 
               يعود ليخاطب القرطاس بودة  ولطف مصطنعين ) ما دمت أنت هنا .. حصلت البركة ..أنت شكل 
               بوكاسا بالضبط....!( يعظم له تعظيم سلام . ويعود ليضعه فوق الهرم كما كان ، ثم  يشير الي
               درجات الهرم من أعلي لأسفل ) حصلت البركة هنا .. ( يتدرج لأسفل درجة  درجة من درجات
               الهرم ) وحصلت البركة هنا أيضا، وهنا أيضا ، وهنا أيضا ,, 0 حتي يصل لآخر درجة ، وبسرعة
               وبسرعة وغضب يركل الهرم ركلة شديدة فانار درجاته الورقية وتتطاير . ثم يتوجه نحو  والديه )
شريف   :    حدثتمونني كثيرا عن الاحتلال الانجليزي وكيف كان يعامل ابن البلد المصري ، وكذلك حدثونا في
               المدرسة .. عن كيف عامل الاقطاع الفلاحين بعجرفة واستعلاء مذل ..فلماذا لا تحدثوننا عن معاملة ابن البلد لابن البلد ؟! أبهذا القدر
               من الاحتقار والاذلال كان المحتل الانجليزي يعامل ابن البلد ؟! لا أظن . وحتي لو كان بأكثر.. فهو
               أهون ..  فما أصدق الشاعر الذي قال :
               وجرح ذوي القربي أشد مضاضة       علي النفس من وقع الحسام المهند ...!
 شريف   :           ( يتوحه نحو القرطاس فيضحده  بيديه ، ثم يلقي به علي الأرض وفوقه يعيد وضع درجات
               الهرم المدرج  واحدة  فوق أخري  ويختفي القرطاس تحتها )
سوزان    :  ( تربت علي كتف ابنها " شريف " ، وتدغوه للجلوس ) اهدأ يا ولدي . ارحم أعصابك يا ابني ..
شريف     :  يا أماه .. يا أماه .. من أين يأتي الهدؤ ؟ وكيف تأتي الراحة  وبلدنا محتل ؟ لا بد من تطهير البلد من
                 استعباد البيروقراطية واستعمارها  .. لابد لي من النضال .. آه لو كنت مسئولا بهذا البلد .. آه  لو
                 أصبحت مسئولا بهذا البلد ... لانتقمت من البيروقراطية ..  لقتلتها . لشنقتها شنقا . ومثلت بجثتها ..
                      ( سوزان وطارق . كلاهما ينظر للآخر  ولا يتكلمان )
سوزان    :  ( وهي تمسح دموعها ) ابننا  يا طارق . يبدو أنه قد جن ..
شريف     :   ( يستمر دون اصغاء لما قالته أمه : سأعلم كل موظف بيروقراطي كيف يهب أمام المواطن ذي
                 المصلحة لديه ليوفه التبجيلا .. سألقن كل ( بك ) يجلس خلف مكب يحسب نفسه يجلس علي عرش
                 امبراطورية من امبراطوريات القرون الوسطي .. درسا أعلمه فيه كيف يتفنن في ارضاء أصغر
                 مواطن له طلب عنده أو حتي عند موظف آخر بالغرفة المجاورة للغرفة المجاورة لغرفة مكتبه .
                 سأعلمه كيف يتفوق علي البائع الذي يقف أمام حل تجاري ليبتسم ليبتسم في وجه كل من يقترب من
                 المحل ليجد كل ما يسره.. سأحفظه بأن المواطن هو السيد ، وليس مجرد طالب احسان منه . كما
                 يعامله .. وبأنه مجرد خادم للمواطن وليس ولي نعمته كما يظن .. ( يصمت قليلا وقد وضع يديه
                 حول رأسه  من الارهاق ) ولكن ماهو السبيل الي ذلك ؟ ( يفكر قليلا ) آه .. عرفت السبيل .. أن
                 أعمل بالسياسة حتي أصل لموقع المسئولية ..
طارق      :  ( ينتفض فزعا .. ) شريف .. شريف .. ارجع ارجع .. كن عاقلا .. ارجع يا ابني . ماذا دهاك . لقد
                 عرفناك عاقلا لا طائشا أو متهورا ..طيبا ، صريحا ، واضحا . لا كاذبا ولا مراوغا ولا مخادعا ..
                 فلماذا هذا الانحراف المفاجيء يا شريف يا ولدي ؟
شريف     :  يا أبتاه .. اسمعني يا ابتاه ..
طارق      :  لا لا  يا شريف لا يا ابني . ابحث لك عن أي طريق آخر شريف او شبه شريف . عدا طريق  
                 السياسة ..
                 والا لا انا بابيك ولا أنت بابني ، لك طريق ولي طريق آخر..

  --  --  --                                                                                                
                           
 * هذا كان يحدث في عهد الرئيس السادات – وهو اسقاط سياسي مسرحي . مقصود . وحينها كان مفهوما  -
** هذا أيضا ما كان يحدث في عصر السادات  وهو اسقاط سياسي – كان مفهوما وقت  صدور المسرجية - . 
 -------

نوادر بوكاسا ( مسرحية ) الحلقة 8
   
صلاح الدين محسن
salahmohssein@hotmail.com
الحوار المتمدن - العدد: 2360 - 2008 / 8 / 1
المؤلف : صلاح الدين محسن
طبعت بالقاهرة عام 1981
الحلقة الثامنة
************************** 
تنويه هام : نظرا لمرور قرابة 38 عاما علي تاريخ طباعة المسرحية للمرة الأولي . .. لذا 
لزم التنويه الي أن المؤلف انما قصد بشخصية بوكاسا ، وما يجري من أحداث بالمسرحية فيما يخص السياسة ، هو عمل اسقاطات سياسية علي عصر الرئيس السادات . وحال مصر وقتها والظروف التي أحاطت بالحكم وادارة البلاد في ذلك الوقت .
******************************************** 
شريف : والدي .. والدي ..حلمك .. صبرا . اعطني الفرصة لأبين لك وجة نظري . وسأستمع لك بكل طاعة 
واهتمام كما عهدتني .
طارق : ( طارق . يجلس في حزن وهم وهو يضع رأسه بين يديه كمن أصابه صداع .، يلهث ، باديا عليه
الخوف والقلق ) : قل .. قل يا شريف .. قل ما عندك ..
شريف : يا أبتاه لنكن واقعيين ولنتفاهم بهدؤ .. هل تنكر أن السياسة هي المسؤول الأول والأخير عن كل 
شيء في حياة الانسان ابتداء من نوعية وسعر القميص الذي يرتديه هذا ( يشير الي قميصه ) 
ومرورا بالحذاء .. و ,, و .. و حتي ( يلف حول نفسه ) آه .. وحتي الهواء الذي نتنفسه ؟
سوزان : ( بسخرية ) حتي الهواء الجوي الذي نتنفسه أيضا ؟
شريف : نعم نعم .. فان كانت السياسة حكيمة . ادركت الفائدة الصحية والحضارية عامة للشجر والتشجير . 
فلم تترك شبرا واحد دون أن تكسوه بالخضرة الجميلة ..لما في ذلك من دور في تنقية الهواء الجوي 
من ادخنة المصانع وعادم السيارات وخلافه . فضلا علي العائد النفسي الطيب لشكل الخصر علي 
الصحة النفسية للناس . والسياسة ليست فقط هي المسئوول عن سعر القميص والبنطلون والحذاء 
ولكنها مسؤولة أيضا عن تحديد سعر الانسان .. ان كان لا يساوي خردلة ..أم يساوي الدنيا كلها ..
والسياسة تحدد أيضا نوعية الانسان .. فاذا كانت السياسة حكيمة .. فعلي سبيل المثال : لما خرج 
التلميذ من المدرسة الابتدائية بعد الدراسة بها 6 سنوات كاملة . كما دخلها تماما في اول يوم .
وفي ظل انظمة سياسية . خريج الجامعة يشعر بالابتهاج الشديد عقب تخرجه لمجرد أنه سيستريح 
الي الابد من قراءة الكتب !! . اولست معي في ذلك يا والدي ؟
طارق : معك حق يا شريف في كل ما قلته .. ولبكن يا ابني . قل لي . اجبني بصراحة عن سؤال بسيط ..
شريف : تفضل يا والدي ..
طارق : مادمت يا ولدي تريد الاتجاه نحو العمل بالسياسة .. قل لي من ذا مثلك الاعلي ؟ اية سياسة .. 
سواء كانت وضعية ام سماوية ميتافيزيقية .. من هو . قل لي ؟ وهل هناك منهم جميعا من لا تربأ 
بنفسك من أن تري ما رأي أو تمر بما مر به او تفعل ما فعل او يفعل فيك ما حدث له ؟! مثل من 

تريد أن تكون ؟ ومن منهم قد نجح وتريد ان تكون مثله ؟ ولو أن واحدا فقط منهم جميعا نجح
في أن يخلق سعادة او يحقق امنا وأمانا او حياة متوسطة الكرامة لقومه أو لشعبه ..لما سعيت أنت 
للعمل بالسياسة . فلكل شعب من شعوب الدنيا من يقدسونهم منذ عشرات أو مئات أو من آلاف 
السنين بينما كافة شعوب الأرض تتخبط اما في الجهل والفقر والتخلف .. أو في الشقاء والمرارة 
المظللين بالرخاء الحضاري الآلي التكنولوجي .. وجميعهم السياسيون مجرد موجات في محيط 
الدهر قامت واحدثت ما احدثت ، ثم ذهبوا ولم يتركوا سوي مشوهين بالوراثة . يتباهون بتشوهاتهم 
ويعتزون بها ويدافعون عنها حتي الموت ! ( يتوقف لحظات .. يحاول فيها تبديد انفعاله ) . قل لي
من هو الذي تتخذه مثالا من هؤلاء جميعا الذين لو عادوا للحياة مرة اخري ورأوا ما يفعله تباعهم 
ونظروا ثمرة ما قدموه من نظريات او عقائد لانتحروا جميعا وتمنوا العودة للحياة ثانية لينتحروا 
مرة أخري عسي أن يكفروا عن خطاياهم ، ولصرخوا في أتباعهم والمدعين : نحن أبرياء أبرياء ، 

ولزعقوا فيهم : لكل مذهب .. زماااان ومكان .. .. نحن ابرياء مما تفعلون ( يمضي في تدفقه 
الغاضب ) مثل من تريد أن تكون .. قل لي بربك ؟ كمن ؟ من الوضعييين او السماويين مثل 
مثل المسيح ؟ ( يحدق في ابنه ) ايه ؟ اولم يكن سياسيا ؟ أولم تكن مبادؤه نوعا من السياسة ؟ لم 
يغفل حق القيصر الحاكم . كما لم ينس حق الله .. سياسة ودبلوماسية ..
مثل من تريد أن تكون ؟ مثل محمد بن عبد الله ؟ الذي اقام دولة بالحروب وبالسيف . وأتباعه الآن 
ينتشرون بالدنيا وينشرون فيها العنف والجهل والتعصب ؟! ان صحابة محمد فعلوا بأهله بعد مماته 
مثل ما فعله هو بمن حاربهم ..قتل وذبح وأسر ..! ابني .. شرف ..: هل تقبل بأن تكون لك دولة 
ويكون لك أتباع بهذا الكم والكيف . غير المشرف في مقابل أن يقتل وبذبح ويؤسر أحفادك ؟!
شريف : ( بشدة ) كلا .. ولا أضعاف هذا الكم وهذا الكيف ..
( صوت عال فيه انذار مخيف ... ثم يدخل المعلم بطيخة ) .
المعلم بطيخة : ( يدخل هائجا مائجا ) ممثلون متعبون .. تخرجون عن النص .. مخصوم عشرة أيام من كل منكم 
أنتم متآمرون .. تريدون خراب بيتي .. تسعون للوقيعة بيني وبين الرقابة ! ما لنا نحن وهذه 
القضايا ؟! ما لنا نحن ( يشير الي طارق . موجها له الحديث ) انت السبب .. مطرود انت من 
الفرقة .. أنت مطرود ..
طارق : بذعر .. أنا طفل .. متنازل عن كل ما قلته أمام الناس .. أولادي في حاجة للخبز .
سوزان : ( بتودد ) يا معلم بطيخة ..( باستعطاف ) هل سمعتني تفوه بأية كلمة ؟
بطيخة : ( ينظر اليها بازدراء ، ولا يرد ) 
بطيخة : ( ينهرهم جميعا ويصيح فيهم ) انكسحوا جميعكم من أمامي .
الممثلون : ( يتجمعون في جانب من خشبة المسرح ويتكومون جالسين القرفصاء ) .
بطيخة : ( ينادي الراقصة . منغما نداءه ) زووووبة يا لهلوبة .... ( يوجه حديثه للجمهور ) : 
نقدم لكم الراقصة الفاتنة : زوبة ... ( صوت موسيقي راقصة ..)
الراقصة : ( تدخل الراقصة زوبة فترقص وتهز اردافها بشكل تهريجي ساخر ضاحك ، يرقص معها 
المعلم بطيخة رقصا ساذجا ماسخا . يمضيان في الرقص معا حتي الجانب الآخر من المسرح
ثم يختفيان خلف الستار ) . 
( فترة صمت قصيرة من طارق وشريف وسوزان ) 
سوزان : ( بضيق هاديء ساخر ) : اننننكشح ..
طارق : ( ينهض بهدؤ .. يتجول قليلا مشبكا يديه خلف ظهره ، ثم يرفع وجهه نحو شريف ) : اذكر لي
سياسيا واحد لم يضطهد رفاقه في النضال في الكفاح المر . ولم يسجنهم أو ينفيهم ويشتتهم في 
بلاد العالم .. مالم يقتلهم ويمثل بهم .. ! هل تعرف واحدا لم يفعل ذلك ؟ او لم يفعل به رفاقه 
ذلك ؟؟!
شريف : ( يهز رأسه بأسف ولا يرد ) .
طارق : مثل من اذا من السياسيين تريد أن تكون هل تعرف سياسيا واحد لم يتهم بالعمالة والخيانة 
أوالجاسوسية ..؟! وهل تقبل ذلك يا شريف علي نفسك .. حتي ولو كان الاتهام باطلا؟!
شريف : ( بهدؤ وحزن ) لا ...
طارق : مثل من تريد ان تكون اذا ؟ مثل تروتسكي..؟ تنظر وتفكر وتفلسف وتشرك في قيادة ثورة 
بلادك ، ثم تطرد لخارجها ، ويرسل اليك رسول يقتلك بالغربة ؟ ! ام مثل ط ذو الفقار علي
بوتو " الزعيم الباكستاني " تعدم علي يد من رقيته واستأمنته وفضلته علي كافة زملائه الذين 
كانوا يسبقونه في الرتبة ؟! ام تريد أن تكون كضياء الحق .. تقتل من كرمك ؟! هه . قل لي ؟
شريف : ( باسف وحزن ) لا يا أبتاه .. حتي ولو ان ذلك من أجل مبدأ فلا كان المبدأ ولا كانت كل 
المباديء .. لا أقبل أن أكون هذا ولا ذاك ..
طارق : حسنا .. لا هذا ولا ذاك ..اذا مثل من تريد أن تكون ؟! مثل " ستالين " يعبدونك ويقدسونك في
حياتك ، ثم ترجم بعد مماتك علي يد اخلص اتباعك وأطوع مساعديك ؟! ام مثل خروتشوف 
. جبانا ، تبحث عن بطولة وتصنع علمك من كفن الموتي ..!
( صوت مذياع يقدم النشرة الاخبارية )
طارق : صه ..استمعوا ..( ينظر الي ساعته ) انها نشرة السادسة مساء .. 
الجميع : ( يستمعون في صمت ) 
المذيع : زلزال عنبف بمدينة " بوتنزا " الايطالية بؤدي الي قتل وجرح 6000 شخص . وقد ادت
الغزيرة والثلوج التي هطلت بكثافة الي عرقلة وفشل جهود رجال الانقاذ وتعريضهم للخطر .
( .. يتوقف المذيع ) .
شريف : يا لها من كارثة .. يا للفجيعة .. أيضا منذ سنتين تقريبا قام زلزال بايران ، اختفت معه مدينة 
باكملها من الوجود ..
طارق : ( بنظرة سريعة نحو كل من شريف وسوزان ) هيه . طبعا لا دخل للحرب بذلك كله ؟ لا احد 
يتكلم الآن .. ولا احد يدان هنا .. فالعناية الالهية هي المسئولة وحدها .. ولو كان أحد غيرها 
لصرخ الجميع ووصفوه بالاجرام !.. ايه .. ايه . لقد بلغت القسوة وبلغ العناد بالعناية . الي حد 
انزال الأمطار والثلوج لعرقلة أية محاولة للانقاذ ..! ياللقسوة يا للفظاعة ! .
( اظلام سريع ، صوت موسيقي مخيف ، اضاءة خفيفة خلف المسرح ، تظهر صورة شبح ..) .
سوزان : ( يتملكها الرعب ) ما هذا ؟ ما هذا يا طارق ؟ انني خائفة ؟؟
طارق ( صمت ودهشة ) .
الشبح : ( لا زالت صورته تهتز امامهم .. وتصاحبها موسيقي مخيفة ، اطفاء سريع ، ثم اضاءة فتظهر
صورة ستالين . بالملابس العسكرية . ) 
الشبح : ( بصوت مؤثر ) أرايتم ؟ اسمعتم يا حضرات ؟ هكذا فعلت العناية الالهية وتفعل كل يوم ، وانا 
لم اجرم بقدر ما أجرمت ..
طارق : ( محاولا الثبات والتماسك ) من انت ؟
الشبح : من انا ؟! الا تدري من أنا ؟! يا لك من ساذج .. انا لذي نقل بلده من الحضيض الي الفضاء 
الخارجي وصعد به الي القمر ، انا اول من بني أول واعظم مجتمع اشتراكي علمي في تاريخ 
البشرية . ثم .. (يتهدج صوته ) جرموني وادانوني بعد مماتي .. ان بناء عمارة متواضعة يا 
حضرات ، باية مدينة غر معروفة باية دوبلة صغيرة لا بد وان ينتج عنها حوادث وآثار 
سلبية وضحايا ن سواء عن عمد أو بدون عمد .. فماذا تقولون عن عملية بناء دولة عظمي 
في عصر غزو الفضاء ..؟ لا توجد عمارة باي مكان بالعالم قامت الا بجرح عامل أو بفصل 
عامل أخطأ أو بالاعتداء علي مقصر او بمقتل احد المارة لسقوط شيء ثقيل فوقه او لانهيار
السقالة من تحت أرجل البناء .. فهل طلب أحد بتجريم المقاولين أو طالب احد بوقف البناء 
أو المصانع والمنشآت .. أي وقف الحياة كلها بسبب مخاطرها ..( صوته يزداد تهدجا ) 
جرمني واثمني وشهر بي خروشوف ، سامحك لينين يا خروشوف وغفر لك ماركس..
أيرضيكم يا حضرات ؟ أيرضيكم هذا بعد مماتي ؟ ، وممن كان في حياتي اطوع من بناني 
وأخلص خلصائي المخلصين . المطيعين المصدقين علي كل ما أقول ..! لم يبد اعتراضا 
واحدا طوال حياته ولا تحفظ علي ما أفعل أو اقول .. بل كانت كل ملامحه الظاهرة لي
مشبعة بالاعجاب والانبهار لكل حركة او سكنة من سكناتي (*)..أيرضيكم يا حضرات ؟ 
( يخفض صوته قليلا فقليلا) أيرضيكم ، ايرضيكم .. أيرضيكم ..؟ 
( اظلام متقطع تتخلله أنوار خافتة متعددة .. يختفي الشبح ، ثم اضاءة كاملة .. لحظات صمت ) .
طارق : هيه يا شريف .. هيه يا ابني .. مثل من تريد ان تكون من السياسيين ؟ مثل ستالين ؟ يشهر
بك اقرب معاونيك ويحاولون تغطية ما بنيته بستائر الاخطاء التي تبددت وانتهت بينما
القلعة شامخة وستشهدها اجيال واجيال ..؟ ام تريد ا تكون مثل خروشوف ؟
شريف : لا اريد ان اكون هذا ولا ذاك .. لا اريد اطعام جيل لأجيال ..ولا أكون جبانا أبحث عن 
بطولة واصنع مجدا من كفن الموتي .. لا اريد ان اكون هذا ولا ذاك .. ولا اي مثال آخر 
ممن كرر به التاريخ قصة ستالين وخروشوف بعد مماتهما .. لا لا . لا اريد أن اكون
هذا او ذاك . 
( فترة صمت صمت قصيرة ، تعقبها زفرة طويلة من شريف ) ولكن .. ولكن يا ابتاه : ما هو الحل؟
ما الحل فيما يفعله الانسان بنفسه ؟ ما السبيل لاصلاح حال الانسان مع نفسه ؟ ما الوسيلة
لعلاجه ؟ والي متي سيظل الانسان هكذا عليلا يعجز داؤه كل الاطباء ؟!
طارق : الحل ؟ ان داء البشرية يا ولدي مزمن ولا براء منه .. ولا علاج .. هكذا حدثنا التاريخ ومنذ
أقدم العصور والانسان يعاني مما يعاني منه الىن .. وقد فشل كل الاطباء والادعياء في
العلاج .. وخاست كل تشخيصاتهم ووصفاتهم وتشريعاتهم وقوانينهم .. 
شريف : ( يصيح ) وما الحل ؟ وما العلاج ؟والي متي ؟ ما الخلاص من تلك الساقية .. ساقية الوجود نريد 
الخلاص ، نريد الخلاص ..

( صوت زاعق يخرج من بين صفوف الجمهور . من قاعة المسرح ، يصرخ فيهم مستنكرا وهو يتوجه 
نحوهم صاعدا فوق خشبة المسرح ) : قف عندك قف عندك انت وهو .. ماذا تقولون ( بسخرية ) 
أتريدون الخلاص من الوجود ؟ اخلصوا انتم وخلصونا ولا تعقدوننا من حياتنا .. ان الحياة حلوة ، حلوة 
حلوة جدا ، وما احلاها . ومن يعجبه الكحل فليتكحل ، ومن لا يعجبه .. وحده يرحل .. يرحل .. ( 
يرقص بحركات الجوكر ويغني ) :
أنا سعيد ، أنا سعيد عييد ( يقفز لأعلي في مرح ) عيييد .. سوا كنت عبدا أو كنت سيد سييد ( يقفز اغتباطا )
ألقي حذاء علي أم راسي .. وابقي سعيد عيييد ( يقفز باغتباط )
او حتي داءا يفل بأسي .. وابقي سعيد .. عيييد ( يقفز باغتباط )
أنا سعيد أنا سعيد عيييد 
الجوكر : ( يتوقف عن الغناء ، ويخاطب الجمهور تارة والممثلين تارة أخري ) : طبعا سعيد .. وليه ما اكون 
سعيد ؟! الحياة حلوة بس نفهمها ..كل شيء بالحياة حلو وانا أحبها .. أحبها جدا . فيها اخوتنا وفيها
اقاربنا وحبتيبنا وأحابنا ..اسماعيل أخي ، ومتولي ابن عمي والولد برعي وعائلة أبو برعي جيراننا
بالحق من عشرين سنة عشرة عمر ، والبنت شلبية .. يا حلاوة يا ولاد علي البنت شلبية وشجرة 
التوت التي نتغذي تحتها كل يوم .. والبقرة التي عند العم سليم ربنا يبارك له فيها وفي لبنها . وجحش
العم سيدأحمد . الذي لا يجرؤ اي مخلوق علي الاقتراب منه والا يركله ركلة واحدة يسقط له 
صف أسنانه . ولكنه ..
--------
(*) اسقاط علي الرئيسين : عبد الناصر والسادات .
--------
والي الحلقة التاسعة 
--------
نوادر بوكاسا  - مسرحية  
تاليف : صلاح الدين محسن
طبعت بالقاهرة عام 1981
الحلقة التاسعة
************************** 
تنويه هام : نظرا لمرور قرابة 38 عاما علي تاريخ طباعة المسرحية للمرة الأولي . .. لذا 
لزم التنويه الي أن المؤلف انما قصد بشخصية بوكاسا ، وما يجري من أحداث بالمسرحية فيما يخص السياسة ، هو عمل اسقاطات سياسية علي عصر الرئيس السادات . وحال مصر وقتها والظروف التي أحاطت بالحكم وادارة البلاد في ذلك الوقت .
********************************************

الجوكر  : .. ولكن .. ياتي لحدي ويخشع كما القطة .. اركبه والف به البلدة كلها شبرا شبرا , انزل من فوقه وهو 
               مثل الارنب ( يضحك ويقهقه ، ثم يرقص ويغني مرة أخري ) :
الجوكر  :  ( يغني ويرقص   ) :
                                         أنا سعيد انا سعيد .. الخ . ( ثم يختفي بداخل المسرح ) .
شريف   :  هيه يا ابتاه ؟ ماذا تقول في أمر ذاك السعيد ؟! انه سعيد سواء كان عبدا أو كان سيد !!
               فهو فرحان بكل ما في الحياة وبكل ما يلقاه منها ! فماذا نقول ؟ . ان هذا النموذج يمثل  السواد الاعظم  
               من بني الانسان . فكيف نطالب الاقلية بنبذ شيء تعشقه الأغلبية الساحقة ؟ . والدي : انني اري أنه
               محق في قوله " ومن يعجبه الكحل فليتكحل .. ومن لا يعجبه . وحده فليرحل " اذا فلنرحل نحن
               السوداويين  عن الحياة التي لا تروق لنا ..
طارق    :   ( فزعا مندهشا ) والفلاسفة يا ابني ؟ هل ينتحرون ؟!
شريف   :   وهل نلغي القاعدة يا أبي لاجل الاستثناء ؟
طارق    :   يا شريف يا ابني . الفلاسفة ليسوا استثناء. ولكنهم وحدهم هم القاعدة في مجال الحديث عن الحقيقة 
                والبحث عنها . فهذا تخصصهم وتلك قدرتهم دون غيرهم .
شريف   :    كيف يا أبتاه ؟
طارق    : ان الانسان يا ابني في أي مكان وحدة واحدة تتكون من عدة أعضاء لكل عضو وظيفة معينة لا يتعداها
               . العامة والدهماء من الناس .هم الاقدام التي تحمل المجتمع وتسير به .حيث يشاء .  ،  المخترعون 
               والمبتكرون ومن يديرون باعمال الصناعة والزراعة والمرافق الكبري العامة : هم الايدي التي تعمل
               .  ، الادباء والشعراء هم القلب والعاطفة . ، الفلاسفة والمفكرون التقدميون المخلصون للفكر . هم 
                العقل المفكر  ..، ومعهم المثقفون  المهتمون  الطلائعيون ، وهؤلاء هم ضمير ووجدان كل مجتمع .
                 واخيرا : الذين لا يزدهر الأمن في وجودهم ولا ينتعش الأمان في حضرتهم . هؤلاء هم الأظافر 
                 التي يجب تقليمها من حين لآخر .. ( ثم يقول  بصوت عال )  : فهل يا سيد شريف من الجائز ان
                 نطالب الأقدام ..( بصوت منخفض – أي السوقة والغوغاء -  ) أن يعرفوا لنا معني السعادة ، أو 
                يفيدونا برايهم في الحياة ؟! انه سؤال فلسفي ضخم يجب ألا يوجه الا لانسان لديه قدرة فذة علي
                التفكير التجريدي . فيضع مزايا الحياة في كفة وعيوبها بكفة أخري ، ويقارن ويحسب بدقة .
                تناقضاتها بشكل منطقي علمي ثم يصدر لنا حكما .. فهل تلك القدرة تتوفر لأحد من العامة والدهماء
                ممن لا يملكون عقولا  تفكر الا فيما يخص حياتها الشخصية ؟!
شريف     :  لا لا
طارق      :  وبناء عليه فاننا لو سالنا الأقدام .. مثلا .. عن معني السعادة .. هذا السؤال الذي ليس من تخصصها 
                 بل من تخصص العقل . فماذا تتوقع أن تكون اجابة الاقدام . لو اجابت ؟
شريف     :  بالطبع تعريف الاقدام للسعادة  : السعادة هي حذاء طري الجلد ناعم الملمس ، او جورب من 
                  الجوارب الفاخرة .. ( يضحك ) .
طارق      :   وهكذا السوقة والدهماء . لا قدرة لديهم علي تذوق الحان المنطق ولا يحسون بايقاعاته . فليس 
                  بمقدورهم التفريق بين منطق سقراط وبين منطق بوكاسا . بل قد يتحمسون لمنطق بوكاسا اكثر  
                  ويطربون لسماعه .. هؤلاء . مثل ذاك السؤال العقلاني " ما رأيك في الحياة " يجب ألا نوجهه
                   اليهم .، لا يجوز اخذ آرائهم في قضايا لا تزال اضخم العقليات تجاهد لأجل حلها ..
                   اذا آراء الدهماء مرفوضة .. ابتسامات الرضا والسعادة  البلهاء المعلقة علي وجوه الكثيرين منهم
                   لا يمكن ان تكون حكما لنا في قضية حلاوة الحياة ام مرارتها ..
سوزان      :   هيه .. الابتسامات لا يمكن ان تكون حكما !! وما هو الحكم اا؟ تشاؤميات الفلاسفة ؟ وعقدهم
                    وامراضهم النفسية ؟!
طارق        :   (  ينظر اليها مبتسما في اشفاق ) ليس ذتبك ، بل ذنب الادباء والكتاب المصابين بقصر النظر 
                       الفكري الذين يقومون بتشويه سمعة الفلاسفة بجهلهم ويعملون علي تفنيد فلسفاتهم
                       باعتبارها وليدة ظروف اجتماعية أو اقتصادية او صحية صعبة نتجت عنها عقد نفسية !  لقد
                       سعي هؤلاء لاسقاط نظرية  فرويد  . عن طريق التنقيب في سيرته الذاتية قبل أن محاولة 
                       اسقاطها بالعلم  والمنطق . بالقول بانه قد كن وكان .. .. ولو تساءل
                       الشاعر النابغة " أبو القاسم الشابي "  : 
                      ما هذا الكون وما ذاك الوري ؟! **  النار اولي بعبيد الاسي وعش الهموم !
                      قال السفاسطة وقصار النظر الفكري . انه كان مريضا بالقلب ..كما نكب بفقدان والده مما
                      جعله يعيش ماساة ..! أما فيلسوف الشعراء وشاعر الفلاسفة " ابو العلاء " فانهم عندما يسمعون 
                      رايه في الحياة يردون علي الفور : لقد كان رهين المحبسين ..! والفيلسوف كيرجورد . الذي لا
                      يتكر احد مكانته الفلسفية . يري أن الحياة : لبن سمك تمرهندي ... وليست وردية كما يراها 
                      الجهلاء والدهماء الذين لا يميزون بين موسيقي بيتهوفن وبين ورشة زقزوق للحدادة والسمكرة 
                      . ولا يرون فرقا بين شمس الاصيل وبين حريق باحدي محطات محطات الكهرباء . ومع      
                       هؤلاء السفاسطة من الادباء والنقاد المصابون بالأنيميا والعشي الليلي الفكري .. يعزون ما 
                      قاله فيلسوف ضخم مثل كيركجورد  . الي اعتلال صحته ، وظروفه الصحية والاجتماعية غير 
                      السعيدة التي عاشها ..!
شريف       :      اسمح لي يا أبي . وما دام كان معتل الصحة وتعيس الظروف  فكيف لا يكون لذلك اثره ؟!  
سوزان       :     (تتوقف عن انهماكها في شغل الكانفاة . التي كنت منهمكة في عملها ، وتتدخل لقتو باقتضاب)
سوزان       :      طبعا .. كل انسان يعبر عن احساسه ..
طارق        :      ان كان الاختراع وليد الحاجة ..فتري  : ابن من يكون الكشف الفكري الجاد المتعمق ؟! انه
                       وليد الالم والمعاناة . أو الاحزان الشخصية او الكونية . التي عاشها ويعيشها الفلاسفة فهي
                       دليل علي ما اتوا بها من نظريات تجاه الحياة .. ولو آخذنا الفلاسفة والعلماء والفنانين علي
                       علاتهم. لهدمنا الحضارة الانسانية كلها .فعللهم وامراضهم وطباعهم . هي من افكه العلل
                       وأغرب الامراض والطباع .. فمعظمهم مرضي نفسانيون وحيواتهم بها الكثير من طباع
                       وأمزجة فاقدي العقول .. وها امر طبيعي . لكونهم يعيشون حياتين متناقضتين في وقت واحد
                       . حياتنا العادية نحن العامة بما فيها صغائر واسفافات وجهالات ومهاترات ، وحياتهم الخاصة
                       . حياة الفكر بداخل العقل . بما فيها من كمال وجمال وعدل ..! وحب وامان مطلق .. مما يجعلهم ياتون
                       بغرائب الطباع وغريب التصرفات كنوع من الرغبة في التحرر من الم الواقع القبيح . وتثبيت
                       عالم الفكر البديع . او لتصرفهم وفق بصائرهم البعيدة المدي والدقيقة الرؤية بما لا يتكشف
                       لباقي الناس .
شريف        :      حسنا حسنا ..المهم : كل الناس جميعا كوم واحد .. والفلاسفة وحدهم كوم .. الناس هم الأفدام
                        والايادي التي لا تفهم سوي في المشي او العمل أو الخدمة ..
طارق         :      ( مقاطعا ابنه)  الي حد ما .. فبين العامة توجد لآليء وجواهر من البشر لم يلتقها أحد . ولم
                        تدرك هي كيف تشق طريقها  نحو سماء الفكر والفن  لتتلألأ  وتتالق وتضيء .
شريف               حسنا  .. اما العلماء  فالعقول المستنيرة والعين البصيرة .. ويقولون بان الحياة سخف وزيف 
                       وظلم وقبح ..وسمك لبن تمرهندي ..وأن الانسان كالثور يدور بساقية الحياة ويسقط صريعا 
                       ليكمل اولاده عملية الدوران ثم  السقوط .. عرفنا هذا الموضوع ، ولكن ما هو الحل ؟! ما هو
                       السبيل نحو الخلاص من تلك الساقية ؟ ما هو الطريق نحو  تحرر الانسان . محل اللغز  
                       الازلي المحير ؟!
والي الحلقة العاشرة والأخيرة
==**==**==
                                                                                                                                         
 نوادر بوكاسا  - مسرحية – الحلقة 10 / الأخيرة
طبعت بالقاهرة عام 1981
 تأليف : صلاح الدين محسن
************************** 
تنويه هام : نظرا لمرور قرابة 27 عاما علي تاريخ طباعة المسرحية للمرة الأولي . .. لذا 
لزم التنويه الي أن المؤلف انما قصد بشخصية بوكاسا ، وما يجري من أحداث بالمسرحية فيما يخص السياسة ، هو عمل اسقاطات سياسية علي عصر الرئيس السادات . وحال مصر وقتها والظروف التي أحاطت بالحكم وادارة البلاد في ذلك الوقت .
********************************************
طارق    :  الحل ؟! الحل هو : الا تعمل بالسياسة ولا تفكر فيها .. فالسياسة لم ولن تحل مشكلة الانسان حلا
               حاسما ودائما .. فهي مسكن واي حل سياسي هو نسبي ككل مور الحياة الملهاة الماساة .. ومهما
               بلغت علمية الحل فهو مؤقت ويخضع لقانون دورة التاريخ وها هي دورة التاريخ تدور الآن في
               بولندا .. كما تدور ببطء في روسيا وكما تدور بامريكا . حتي تتبادل موقعها مع روسيا ..
               فابعد عن السياسة يا بني حتي ولو كانت هي المصدر الوحيد أمامك لاكتساب الرزق ..
شريف   :   ( مندهشا ) حتي ولو كانت السياسة هي المصدر الوحيد لاكتساب الرزق  ؟!!
طارق    :   حتي ولو كانت هكذا ..
شريف   :      فيما اعمل فيما لو اصبحت كذلك ؟!
طارق    :     ( يفكر بعمق ) فيما تعمل ؟! فيما تعمل ؟!  اسمع يا شريف ..هل تعرف العم متولي .. الرجل الفقير
                 الطيب الذي يمارس عمله بجانب مدخل شارعنا ؟
شريف    :    أعرفه ..
طارق     :    ماذا تقول عنه ؟
شريف    :    انه رجل طيب . يحبه الجميع أغنياء وفقراء ، كبارا وصغارا . فهو يتقن عمله في اصلاح الاحذية 
                   ويتعامل مع الجميع بتسامح وعفة ونزاهة .
طارق    :      ( بفرح ) هذا مثال طيب يا ابني يحتذي به .... كن اسكافيا يا ولدي ولا تكن سياسيا .. هذه
                   نصيحتي ..
شريف    :      عجبا يا والدي .. الهذا الحد تعد السياسة عملا كريا وعقيم ؟! الا توجد نظرية سياسية واحدة يمكن 
                    أن تحل قضايا الانسان وتريحه ؟! الا يوجد سبيل لوقف محنته مع الحياة ؟. نظرية سياسية ، 
                    ميتافيزيقية ، اية نظرية لترحمه مما يعانيه ؟! الا توجد ؟ الا توجد ؟!
طارق     :      لماا لا توجد ؟! كل النظريات السياسية الارضية وكل العقائد الميتافيزيقية جميعها تصلح فيما لو
                    طبقها الانسان حقا .. لو طبق الانسان اقدم القوانين وأشدها بدائية لسعد في حياته . لو طبق
                    شريعة حمورابي ..أو ما هو اعتق منها .. لكن الانسان يسن القوانين ويخترع العقائد ويصنعها  .
                    ثم يعلقها كما النجوم يتاملها ويعبدها دون ان يبلغ من هديها انوارا . لا عيب في النظريات بل
                    العيب في الانسان  بداخله .  تكوينه منذ ان خرج من المصنع السيء . صنع وبه العيب ..
                    اما النظريات فلا يوجد عيب في النظريات . والا فقل لي انت : تعرف بان قوانين العمل بالنظام 
                    الراسمالية لا تدعو لاستغلال  العامل ولا مص دمه  لتحقيق ثراء فاحش ، ولا ، ولا .. الي آخر
                    الرزائل الراسمالية من ارتشاء السلطة ، وخلق سوق سوداء .. الست معي في أن القوانين بالنظم
                    الرأسمالية لا تقر ذلك وتجرمه ..
شريف     :      لا خلاف ..
طارق     :       اذا دعني اسالك : ماذا كان يحدث .. ماذا كان يحدث لو أن أصحاب رؤوس الاموال طبقوا 
                     القوانين الراسمالية فعلا واحترموها حقا .. ولم يفعلواما يفعلونه ؟؟!
شريف     :       ( متهللا ) ماذا كان يحدث ؟! لو فعلوا .. لاستحي كارل ماركس أن يكتب حرفا واحدا مما كتبه .
طارق      :       ولو أن المناضلين الاشتراكيين العظماء بعد تسلمهم السلطة بالكفاح المرير . لم يؤثروا الخلود    
                      للراحة والبحث عن ترف الحياة والعيش عيشة القياصرة واصحاب الملايين ، باقتناء   
                     السيارات الفاخرة والسكن بالأبراج العاجية واطلاق الجيش والبوليس في مواجهة وقمع
                      البروليتاريا عند الخوف من غضبتها من فسادهم .. وجعل البلاد جنة لهم ولكهنتهم وحاشيتهم
                     وجحيم يسعي للفرار منه باقي أبناء الشعب ولو عراة كما ولدتهم امهاتهم ، لو لم يفعل القادة
                     الاجلاء . حراس ومطبقو ومنظرو الفكر العلمي الاشتراكي ذلك .. تري ماذا يمكن أن يكون ؟
شريف     :       ماذا يمكن أن يكون لو لم يفعلوا ذلك ؟! لو لم يفعل الاشتراكيون ذلك .. لكان العم سام ، وآدم 
                     سميث . قد قاما برفع ثلاث صور ضخمة  لماركس وانجلز ولينين بالحجم الطبيعي في قاعة 
                     الكونجرس . ولقامت شعوب  النظم الراسمالية بتأميم كافة المؤسسات والشركات الراسمالية .
طارق      :      ولكن لا هؤلاء ولا اؤلئك سيعدلون  عما يفعلون .. وهكذا كان أجدادهم جميعا يفعلون منذ
4        أو 5 ملايين سنة ، عمر اقدم جمجمة عثر عليها لانسان حتي الآن ..
شريف     :        حسنا .. عرفنا ان السياسة لن تحل مشكلة الانسان وعلي أن أبتعد عنها.. هذا اولا ، وماذا
                       عن ثانيا ؟!
طارق      :         ما الشق الثاني من الحل .. والذي فيه الحل النهائي لقضية شقاء الانسان بالأرض .. فهو بيد
                        الشعب المريكي وحده ..ان شاء هذا الشعب فباستطاعته أن ينهي آلام الانسان التي استمرت
                        لآلاف السنين . بل لملايين ، فانه علي ذلك لقدير حقا يستطيع هذا الشعب وحده أن يوقف
                        الماساة التي تجري علي هذا الكوكب الذي اسمه " الكرة الارضية " .
                        فباستطاعته ان يرحم جميع شعوب الارض من العذاب والحروب والفقر ..من الدماء ، من
                        ظلم بعضهم  البعض ، وجحيم استغلال واستعباد بعضهم للبعض . وهذا ما لم تفلح أية نظرية
                        سياسية او اقتصادية ولا اية رسالة أرضية أو فضائية في ان تضع له حدا وتوقفه .
شريف      :         (  باندهاش ) الشعب الامريكي وحده ..؟!
طارق       :         نعم ..
شريف      :         ولماذا الشعب الأمريكي وحده ..؟! ( يلتفت نحو امه هامسا ) :
شريف      :         أماه .. اخشي ن يكون أبي قد سقط في منزلق العمالة لامريكا ..
طارق      :          ( بغضب ) ماذا ؟! ماذا تقول يا شريف ؟ ماذا تقول ؟! ( يهز راسه بسخرية ) طبيعي ان 
                         تقول ذلك وينطلق لسانك بالاتهام حتي لأبيك . اولست تفكر في العمل بالسياسة ؟ اذا نت
                         معذور .. الم اقل لك انه من يعمل بالسياسة فعليه بالاستعداد للشك في كل شيء حتي
                         ابيه بل حتي في نفسه ؟ وكل الناس في نظره يصبحون اما جواسيس أو عملاء . اما
                         لامريكا او لروسيا أو لاية جهة اخري اجنبية ن فهكذا ينظر السياسيون الي كل الناس
                         والي بعضهم البعض . ان قابلوا شخصا مثقفا يتكلم بشكل علمي ارتابوا في ان يكون
                         جاسوسا  . ويقولون : الجواسيس هكذا  مثقفون  ..   و ان كان انسانا متحفظا قليل الكلام شكوا في
                         انه عميل ولا يريد الثرثرة حتي لا ينكشف امره .. وان لم يكن جاسوسا و عميلا ، فهو
                         خائن ..علي اقل تقدير عندهم ..
سوزان      :          اذا كيف يكون بمقدور الشعب الأمريكي وحده انقاذ البشرية من محنتها الازلية ن ويحررها
                          من طول دوران في ساقية الوجود ..؟
طارق       :          يستطيع ذلك بالتأكيد لو اختار للانسانية وأتحفها في الانتخابات القادمة برئيس ياتي به من
                          احدي المصحات العقلية ..
سوزان      :          ( منزعجة ) ماذا تقول يا طارق ؟! رئيس من احدي المصحات العقلية هو الذي سينقذ 
                          ( تفرك أذنيها ، وعينيها غير مصدقة ) . ماذا سيصنع مثل ذاك الرئيس ؟!
طارق       :          ماذا سيصنع ؟ الا تدرين ماذا سيصنع ؟!
سوزان      :          لا ادري ..
طارق       :           يقوم باحصاء ثمار " جوز الهند " الضخمة جدا .. ثم يقسمها خمسة اقسام وبالتساوي
                           ويوزعها بعدالة بين شمال وجنوب العالم وشرقه وغربه ووسطه أيضا .. ثم يحتسي
                           قدحا كبيرا من النبيذ المعتق وبيده الكريمة يضغط ضغطة واحدة علي زر صغير لديه
                           فتنكسر ثمار " جوز الهند " كلها معا  ولياكل جوعي العالم ومتخموه علي حد السواء حتي
                           يشبعوا جميعا شبعا لا جوع بعده ..ويرتووا ارتواء لا ظما بعده ابدا ..ويناموا نومة هنيئة
                           ويرتاحوا  من الدوران في ساقية الحياة  . راحة لا شقاء بعدها أبدا ...
طارق       :           ( بصيحة عالية ) ايه ..ايييييه  .. دعونا . أفضل . نغني ونرقص لجوز الهند ..
شريف وسوزان  :    ( ينهضان معا )  لنرقص ونغني لجوز الهند .
                       ( موسيقي راقصة  ،  بهدؤ يتصاعد صوتها قليلا قليلا  ) .
الجوكر                 ( يخرج من بين الصفوف ويصعد علي خشبة المسرح متسائلا  )   مااذا ؟( بفرح وسرور
                            يعيد تساؤله ) ماذا ؟!
                          ( صوت الموسيقي ينخفض قليلا )
الجوكر          :       ( يسالهم  وقد بدا متجاوبا مع الموسيقي الراقصة ) ستغنون وترقصون ؟
طارق            :       نعم نعم ..
الجوكر           :       ( بفرح ن وبدون ان يسال عن المناسبة )  هذا جميل ، هذا بديع ، لنرقص ونغني معا ..
 طارق وابنه وزوجته  :  ( ينظرون لبعضهم باندهاش  من فعل الجوكر ، ثم يبتسمون ويقولون له ) : ولكننا
                                   سوف نرقص ونغني لجوز الهند ....
الجوكر           :        ( بسذاجة ) وانا أحب جو الهند .. ساغني وأرقص معكم .
                 ( صوت الموسيقي يرتفع تدريجيا .  والجميع يتمايلون معها ويغنون ) :
غناء من الجميع :
                     انتي الخلاص يا جوز الهند
                        انتي الملاذ يا جوز الهند
                          انتي الملاذ ، فيك الخلاص
                    يا جوز الهند ، يا جوز الهند
        
               ( ستار ..  النهاية  ) .
 ==--==--==--==--==-- 

تعليقات