الاعلام في خدمة الحكام

كتب : صلاح الدين محسن
13 - 11 - 2016

حكاية من حكايات الاعلام في خدمة الحكام :
مواطنة فقيرة عمرها ٤٠ عاما ، لا تجد من يساعدها علي الالتحاق بعمل مناسب لها ، فجاءت بعربة ، من تلك التي يجرها حصان او حمار ، ولأنها لا تمتلك ثمن الحصان او الحمار ،  علقت الحبل الذي يعلق برقبة الحمار برقبتها ، وراحت تجرها وفوقها بعض البضائع الخفيفة تمر بها علي  من يشترون .. السيدة لا تحمل اي مؤهل دراسي ، توقف تعليمها عند الابتدائية - جريدة المصري اليوم 7-11-2016  - .
صورها بعض النشطاء بالإنترنت  ،، شاهد الصورة إعلامي شهير جدا - الاستاذ عمرو أديب
فراح يصيح بأعلي صوته ، كما صاح العالم الذي اكتشف  قانون الطفو والكثافة
" فين مني , أيين مني , هاتولي مني , يا مني .. " ! واعتبر حالة تلك المواطنة البسيطة مفتاحاً لحل مشكلة البطالة بالدولة كلها  .. وصب جام سخريته علي شباب جالسين بالمقاهي ، ولا يفكرون في ثمة شغلة مثلما فكرت تلك المواطنة البسيطة جداً
يبدو ان الإعلامي الشهير ، نسي - علي أفضل تقدير - انه ليس كل من يعانون من البطالة يجلسون المقاهي
ولا كل من يجلسون علي المقاهي ، بطالة
ولا كل الايادي العاطلة ، هم مثل " مني " توقف تعليمهم عند المرحلة الابتدائية ، بل منهم خريجو هندسة ، زراعة ، علوم ، وغير ذلك
وليس كل خريجة او خريج عنده الشجاعة الأدبية لممارسة عمل من ذاك النوع - - جر عربة والحبل برقبته كما الحمار ..
المواطنة " مني " بالتأكيد ، جديرة بالتعاطف معها ومساعدتها  لا بالمكافأة لأنها لم تقدم اختراعاً ولا ابتكاراً ، وتوجد ملايين من الفقيرات في مثل حالتها بل أشد , لكن لا اظنها ، كما صنع منها الأستاذ عمرو أديب , نموذجا ومثالا للتغلب علي البطالة
البطالة لها أسباب اكبر من ان تمتصها أعمال بسيطة كعمل - مني - لان هي بنفسها قالت له ايام ارجع ببضاعة والرزق حسب الظروف والاحوال
 
زمان قبل الحضارة وقبل وجود اختراع الدولة والحكومة ، كان الأفراد  ، كل مسؤول عن تشغيل نفسه بنفسه
لانه لم تكن في ذاك ألزمن شيء اسمه وزارة العمل ، بها موظفون يتقاضون رواتب من مال الشعب
و لتلك الوزارة وزير بمكاتب ومستشارين وتليفونات ، ورواتب ضخمة للقيام بواجب : وزارة " العمل ". أليس كذلك ؟؟
من أسباب البطالة : مصانع كثيرة توقفت وتم بيعها ، بسبب قيادات غير مدنية ، إفلستها وخربتها
عمال تلك الشركات لم يرغبوا في البطالة وتظاهروا ضد بيع شركاتهم ، ومنهم من اعتقل وألقي به في السجن بتهمة التظاهر
ومنهم من منحوهم معاشا مبكرا دون رغبتهم ، فلم يجدوا أمامهم سوي الجلوس علي مقاهي ، ، رغما عنهم ، لا حبا منهم في الجلوس علي المقاهي التي عيرهم بها الإعلامي الشهير الأستاذ عمرو

ومن أسباب تفشي البطالة : تغوّل غير المدنيين علي مختلف الأشغال والأعمال المدنية ، ومنافسة المدنيين فيها ، بعمالة مجانية ، او شبه مجانية ، بزعم انهم يؤدون واجب الخدمة الوطنية - غير المدنية - ونتيجة لذلك تتراجع الفرص امام العمالة المدنية ، التي لا تجد من يرحب بها سوي المقاهي
ومن أسباب تفشي البطالة , عدم استحداث مشاريع قومية إنتاجية كثيرة - وهذا ممكن جداً -  تمتص البطالة والعاطلين عن العمل ..لو كان لوزير العمل ، حرية حقيقية في العمل ، ولو كان لم يوضع هو وباقي الوزراء المدنيين - كمجرد صور - والحكام الحقيقي للوزارات ، أشخاص غير مدنيين،، لأمكن
لوزير العمل - وغيره - القيام بواجبه نحو حل مشكلة غالبية العاطلين عن العمل
لكن هذا الوزير وباقي الوزارء ، اياديهم مغلولة ، في حقيقة الامر ، والأيادي الحقيقية المطلقة بالوزارات المدنية , هي لأشخاص غير مدنيين ، من نفس عينة الذين أفلسوا الشركات العامة وخربوها ثم باعوها وسرحوا العمال طرداً بقوة البوليس ..

ما قاله الأستاذ عمرو أديب ، لا يخدم مشكلة البطالة ، وإنما يخدم الحكام ، حيث يمنحهم براءة تامة من أي قدر من المسؤولية عن البطالة والقوي العاطلة المعطلة،، حيث ألقي باللوم والتقريع والتوبيخ كله فوق رؤوس من اسماهم بالجالسين بالمقاهي ، وخاطب  المواطنة البسيطة عندما قالت له يا أستاذ  ، قائلاً بحزم وجزم : إنتي الاستاذة
 - علي الاكتشاف التاريخي الذي قدمته لحل مشكلة ملايين العاطلين !! كما يري الاستاذ عمرو أديب  .. ! .
وكان طبيعيا ان يسارع رئيس الدولة بالتقاط الخيط ، ويقدم اكثر مما قدمه عمرو أديب لتلك المواطنة البالغة البساطة ، سيارة خاصة , وشقة سكنية مجانية ، لانها أعفت الرئيس وكافة المسؤولين تماما بفضل جهود الإعلامي القدير , من أي قدر من المسؤولية عن الارتفاع الكبير في نسبة البطالة .. !!!!

منذ عهد اللواء محمد نجيب , والبكباشي جمال عبد الناصر , وحتي عهد الفريق أول الرئيس السيسي .. والاعلام يعد سيناريوهات صغيرة مثل حكاية " مني " , وينفخها بقوة فتصير بالونة كبيرة وعظيمة يمكن لسيادة الجنرال رئيس الجمهورية أن يتألق فوقها , لتعظيم صورته عند الشعب ..
الاستاذ عمرو أديب  إعلامي شجاع ، ويمكنه إثبات حسن نيته ، وحبه وولاءه لشعبه ولمواطنيه ، وليس للحكام الحقيقيين ، غير المدنيين - بان يعمل حلقة علي الهواء مرتين من المقاهي ، ويسال الناس ، لماذا تجلسون علي المقاهي ؟ ليسمع الشعب منهم ويعرفون الحقيقة ..
ويمكنه عمل حلقة أخري عن البطالة ، علي الهواء - غير مسجلة ، لنسمع من العاطلين لماذا هم عاطلون ؟ ليعرف الناس الحقيقة ..
 وحلقة رابعة - علي الهواء - نحن نقول له مع من ..  ربما نسي ، فمن المستحيل انه يجهل وجود مراكز أبحاث حكومية رسمية ، تحصر وتسجل كل شيء بالوطن ، بما في ذلك البطالة .. ويسأل الباحثين .. - وسيجد عندهم بالتأكيد . احصائيات عن عدد العاطلين ، وأسباب البطالة ، وعدد من انتحروا لأنهم لم يحتملوا البطالة ولا يحبون المقاهي ولا لديهم نقود لصرفها بالمقاهي , وعدد من يتعاطون علاجاً نفسياً وعصبياً ، أصابهم بسبب البطالة .. وعدد من حاولوا مغادرة البلاد بسبب البطالة ولا يحبون اللجؤ للمقاهي ، فغرقوا في البحر وماتوا ، وعدد من أصيبوا بالجنون ودخلوا مستشفيات الأمراض العقلية بسبب البطالة ولأنهم لا يحبون الجلوس بالمقاهي .وعدد حالات الطلاق بسبب البطالة ، وعدد حالات القتل ، وعدد جرائم السرقة التي ارتكبت بسبب البطالة  ..  ويسأل الباحثين أيضاً عن عدد المواطنين الذين يعشقون البطالة ويحبونها ويفضلوا الجلوس بالمقاهي علي أن يعملوا ( !) سيجد عندهم إجابات علي كل تلك الأسئلة ..
وأخيراً يسألهم عن حل مشكلة البطالة ، وبالتأكيد سيجد عند الباحثين حلولاً , وحلولاً علمية مدروسة ومحسوبة .. هؤلاء هم من يعرفون حلولاً لمشكلة البطالة ، وليست " مني " المواطنة البسيطة الغلبانة  , فالحل الوحيد الذي تعرفه  " مني " هو : جر عربة بحبل في رقبتها كما الحمار، لأن المسكينة لا تملك ثمن الحمار، ولا تملك ما تشتري به سيارة سوزوكي صغيرة .
أما اليوم .. فقد انضمت " مني " لطابور الجالسين بالمقاهي - أو النوادي - ، بفضل الاعلامي الشهير ، الذي جعل منها بطلة قومية ! فجلب لها ١٠٠ ألف جنيه من رجل أعمال - وربما أكثر ، و منحها رئيس الجمهورية الجنرال السيسي : شقة سكنية وسيارة خاصة ( سيارة ملاكي  !! - تتفسح بها ! ) بدلاً من سيارة شُغل تواصل بها عملها .. ..

مشكلة البطالة ، كل ما يتعلق بأسبابها وأعراضها ومضاعفاتها ، وكافة الحلول الممكنة لها ، موجودة بمراكز الأبحاث المتخصصة ، ويتمنون ويدعون ليلاً ونهاراً أن يطلبها منهم مسؤول لينتفع بها الوطن ، أو يطلبها منهم إعلامي مثل عمرو أديب ، سيخرجونها من الأدراج فوراً بكل فرح ، وهم الشاكرون ، ولن يطلبوا لا شقة سكنية ولا سيارة خاصة ، ولا هبة من رجل أعمال  ١٠٠ ألف جنيه  .. لأنهم موظفون بالدولة لدي الشعب ، وتلك الأبحاث حق للدولة وللشعب .
أعرفً أن عمرو أديب ، شجاع - في طرح مواقف وقضايا أخري كثيرة - ، وقد يفعلها ويطرح قضية البطالة في برنامجه ، بالشكل الذي تكلمنا عنه .. قبل أن يطرحها إعلامي آخر ، ليكون له السبق - ولتصحيح تلك السقطة - ..
--
بالصور.. هدي «سيارة وشقة» من الرئيس السيسي للفتاة صاحبة صورة «جر العربية» بالاسكندرية
مواطنة بسيطة , أبسط من البساطة .. صارت بطلة قومية وصاحبة اختراع ! بفضل الصناعة الإعلامية المتقدمة !  :

سيادة الجنرال , رئيس الدولة , يسلمها بنفسه - وليس وزير العمل -  شقة , وسيارة للرفاهية لا  للعمل !    
من الصور التي نشرتها الصحف  المصرية لسيادة الجنرال , رئيس الجمهورية . مع البطلة ! الإعلامية " مني " :                                                                                                       
  
كان يمكن أن يسلمها الشقة محافظ الإسكندرية - وأكيد هو جنرال سابق أيضاً - فمسؤوليات رئيس الجمهورية كبيرة والشعب يئن ويتوجع من مشاكل لا حصر لها ولا تجد من يحلها . والرئيس يئن ويتوجع من طول أوقات الفراغ التي وجد له مخرجاً منها في حكاية " مني "
المواطنة كما كانت تمارس عملها بالشارع بمدينة الإسكندرية :
من صور الرئيس مع العالمة والباحثة العالمية " مني " مكتشفة اختراع مضاد للبطالة ! :


مع الرئيس ..  الذي يبتسم لأنه حل مشكلة فردية , يمكن حلها بمعية رئيس حي بمدينة الإسكندرية حيث تعيش المواطنة الفقيرة " مني " , فهناك ملايين مثلها - بل عاطلات وعاطلون عن العمل  - , في حاجة لمشاريع قومية إنتاجية كبري تستوعبهم , و مقدار رئيس الدولة هو : افتتاح مثل تلك المشاريع الكبرى , وليس القيام بدور رئيس الحي , أو حتي المحافظ  ولا الوزير .. فوقت رئيس الجمهورية أكبر من محض حالات فردية ..
من ذاك النوع ..
============

تعليقات