لقاء في : Place Vertu
لقاء في : Place Vertu
صلاح الدين محسن
21-9-2020
منذ 7 سنوات تقريباً - في مونتريال - كنت أتجول أنا وصديقة من أصل لبناني - في " Place Vertu " وهو مجمع كبير لعدد من المحلات الكبري , والمطاعم والمشارب والكافيتريات , والبوتيكات , ومكاتب شركات الانترنت والتليفونات.. وغيرها
وفي إحدي طرقات المُجمّع كان شاب وفتاة في أوائل العشرينيات من العمر . يعرضان في بوتيك مفتوح , أشياء نسائية - تجميل , وغير ذلك . وبغريزة المرأة , اندفعت صديقتي نحوهما , وقفتُ معها وهي تقلب وتسأل عن الأسعار - الحديث دار بالانجليزية - ثم تحول مشروع الشراء الي رغبة من الشاب والشابة في التعرف علينا , بعدما جعلت صديقتي الحديث نوعاً من السمر ,, فسألانا عن أصل بلدنا ..
عندما قلت : وأنا من مصر .. شهقت الفتاة بفرح :
Oh .. from Egypt ? you are our neighbors
من مصر ؟ أنتم جيراننا .. ( قالتها بمودة وحب انساني , وببراءة وصفاء شديد , وابتسامة عريضة فرحة..) !
ولأن الدول المجاورة لمصر الناطقة بالعربية لا نستخدم واياهم الا تعبير : نحن أشقاء .. نحن أخوة .. وليس تعبير الصادق الصريح " نحن جيران " ( لكوننا نعتقد ان الهويّة لغة ودين ! بينما الهويّة جغرافيا وتاريخ قديم )
لذا سألتها وأنا متلهف علي الاجابة : من أين أنتم ؟
وكان الرد مفاجأة لم أتوقعها اطلاقاً : من اسرائيل ..
حاولت بكل الطرق .. من باب المجاملة .. من باب اللياقة الانسانية .. من باب الكذب ! .. من باب النفاق ! من باب الذوق والأدب .. من أي باب , من أي شِبّاك .. ! حاولت أن أبادلها شعورها التلقائي البريء بالسعادة والمودة , وأبتسم في وجهها بمثل ذاك الصفاء
ولكن أبداً .. !
لأنني نشأت ووعيت كطفل وتلميذ بالمدرسة الابتدائية , وحتي معاهدة السادات للسلام والتطبيع مع اسرائبل وما بعدها .. .مع دروس ونصوص الدين والتاريخ والسياسة . والعُرف الاجتماعي والثقافي . وخطباء المساجد , وأحاديث شيوخ الاسلام بالاعلام , وما نسمعه من القرآن في كل مكان من تلاوات في اذاعة متخصصة , و تلاوات في سرادقات العزاء بالميكرفونات , وما يتم تحفيظه بدور تحفيظ القرآن للصغار , طوال عمري و منذ الصغر . تحيط بي وترافقني ولا تتركني نصوص العداء والبغضاء الديني : الواضحة والصريحة .. التي لقنونا بأنها يجب أن تكون أبدية !! حتي تركَت بداخلي ترسبات وتكلسات من الكراهية , ليس من السهل أن تختفي - ولو مؤقتاً - أمام ابتسامة صفاء انساني بريئة وعفويّة ! .
( الرئيس السادات , عندما وقع اتفاقيات الصلح والسلام وتطبيع العلاقات .. كان يحل مشكلتة ومأزقه السياسي والعسكري .. لتستتب له أمور الحكم والسلطة مدي الحياة . وحسب . ولم يهتم بمعالجة الترسبات الموجودة بنفوس وقلوب أبناء الشعب .. لكي تكون حقاً - كما قال - " حرب أكتوبر 1973 , هي آخر الحروب " وآخر سيول الدماء والقتلي والدماروالخراب .... لم يقتلع الثأر بجذوره - كما فعل اليابانيون والأمريكان . والنظر لمستقبل يسوده السلام والتنمية والازدهار والرخاء . )
لا أدري لماذا , كلما تذكرت ذلك الموقف , أتألم , وأشعر بالحزن . لأنني أحرجت شابة وشاب , هما بمثابة أبناء لي .. بالاحجام والجمود عن الرد ولو ببعض كلمات طيبة , علي ابتسامة مودة وصفاء انساني .. ولو كمجاملة عابرة.. !
شاب وشابة صغيران , الأغلب أنهما لم يشاركان من قبل في أية حروب ..
ولا أنا شاركت في أيٍ من حروب عبد الناصر أو من جاء بعده , لأسباب طبية - - اعفاء من التجنيد لضعف قوة العين اليمني - ..
فما ذنبهما وما ذنبي في التاريخ الدموي . بين اسرائيل والدول المجاورة لها .. بين اليهود والعرب منذ أيام مذبحة محمد ليهود بني قريظة - ذبح 700 رجل - غزوة الخندق - ثم طرد وصادر أراضي آخرين غيرهم , في أوائل التاريخ الهجري ( تلك الأشياء التي تعلمها محمد من أنبياء سبقوه , وفظائهم مدونة في كُتُب مقدسة - كما فظائعه المدونة في كتابِهِ وسنّته - المُشرّفة ! - ) ..
منذ مذبحة غزوة الخندق , وحتي مذبحة دير ياسين ضد الفلسطينيين ... ومذابح أخري متواصلة بين اليهود والفلسطينيين ! , و 4 حروب مع الدول المجاورة , من 1948 , 1956 , 1967 , 1973 .. ؟؟ ما ذنب شاب وشابة في أوائل العشرينيات من العمر .. في كل ذلك !؟
وما ذنبي ؟ وما حيلتي ؟ في عدم القدرة علي التخلص مرة واحدة وفي لحظة صفاء و مودّة انسانية .. والتحرر من أكداس الكراهية الدينية والسياسية - و التي صارت شعبية عُرفِيّة وثقافية ! - التي تم صبّها صبّاً بداخل قلوب أبناء جيلي والأجيال التي جاءت بعد جيلي . وحتي اليوم ؟؟
---- منشور بموقع الحوار المتمدن يوم 31-7-2022
https://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=763891
------------------------------------
تعليقات
إرسال تعليق