ذكري رحيل الديك - السد العالي جري الاعداد لبنائه منذ عام 1948
إعداد إدارة المدونة
12-9-2020
كنت في مهمة صحفية في أسوان .. مجموعة تحقيقات صحفية وتليفزيونية باعملها كجزء من تغطية للاحتفال بأول عيد لوفاء النيل في الألفية الجديدة
من ضمن الموضوعات فيتشر عن السد العالي .. رحت قرية السد العالي اللي فيها أقدم العاملين في المشروع علشان يحكوا لنا الحكاية.. وهناك لقيت واحد هو الأقدم من بين العاملين في مشروع السد العالي .. وبدأت الحوار بإني سألته .. إنت هنا من إمتى يا عم لقيته بيقول لي .. أنا هنا من سنة 1948 .. ستوب يا جماعة .. وقفت الكاميرا .. ووقفت أنا أتفلسف على الراجل بقطعة المحفوظات اللي اتربينا عليها : " واضح إنك غلطان يا حج .. مشروع السد العالي نفسه بدأ سنة 1956 فتبقى إزاي إنت هنا من سنة 1948 .. فلقيت الراجل بدأ يحكي لي حكاية تانية خالص مالهاش أي علاقة بالقصة الحنجورية العبحليمحافظية الدعائية اللي اتربينا عليها واللي ملخصها إن عبناصر هو اللي بنى السد العالي علشان يزرع بستان الاشتراكية وصورة صورة كلنا كده عايزين صورة جنب الراية المنصورة..
حكاية الراجل إنه كان من نجع حمادي وكان في سن العشرين لما وصل أسوان علشان يشترك في مشروع السد العالي (اللي كان اسمه وقتها سد أسوان الجديد) .. وحكى لي إزاي إنه شاف بعينه السد ده وهو مرسوم على الأرض بخطوط الجير وكانت الشركة اللي ماسكة المشروع شركة إنجليزية عملت دراسات ومجسات وشغل وكان بيتعامل مع خبراء إنجليز وألمان وحصل توقف لفترة في المشروع سنة 52 وبعدين استمر العمل والتخطيط والورق والرسومات وبعدين جم الخبراء الروس بعد كده علشان يبنوا السد بعد حرب 56..
طبعا حكاية الراجل ده بالنسبة لي كانت مذهلة .. كان بيتكلم عن حاجات ماسمعتش عنها في حياتي لأني عشت عمري كله تحت بروباجندا جبارة جعلت موضوع إن "عبناصر هو اللي بنى السد كل السد ولا شيء غير السد" دي حقيقة من حقائق الحياة زي إن الشمس بتنور النهار وإن أبو قردان صديق الفلاح .. برضه الإنترنت وقتها ماكانش بهذا الحجم والتأثير في حياتنا والحصول على المعلومات حول موضوع السد العالي كان مقتصرا على مناهج الدراسة التعيسة والأفلام والأغاني الحماسية الأتعس.
لما رجعت الأهرام قعدت قعدة طويلة في مكتبة الإصدارات ورجعت للصحف والجرايد اللي طلعت من سنة 48 وطالع .. ولقيت إن الراجل كلامه مظبوط لأقصى درجة .. فعلا السد العالي كان مشروع موجود والدولة المصرية شغالة عليه من سنة 1948 وإن السد العالي هو التطور الطبيعي للسدود اللي مصر كانت بتبنيها على النيل في أسوان من سنة 1906 ثم التعلية الأولى 1912 والثانية 1926 لسد أسوان .. وإن سد أسوان بتاع 1906 ده كان وقتها واحد من أكبر المشروعات الهيدروليكية في العالم (بتكنولوجيا بداية القرن العشرين) .. وعلشان كده فالتطور الطبيعي للبلد اللي عملت واحد من أكبر سدود العالم بتكنولوجيا بداية القرن العشرين إنها تعمل برضه أكبر سد في العالم بتكنولوجيا ما بعد الحرب العالمية الثانية .. وإن وجود عبناصر أو عدم وجوده لم يكن ليغير من الأمر شيئا .. اللهم إلا إن السد العالي كان هيتم بناؤه في هدوء ومن غير ما يبقى فيه حرب 56 وبروباجندا عن مؤامرات كونية ضد الزعيم الأوحد وأفلام هندي وأغاني .. وتماثيل رخام ع الترعة وأوبرا في كل قرية مصرية.
#علي_بريشا
تعليقات
إرسال تعليق