مقالات مختارة - عن خُلود بريدة
- الحصول على الرابط
- X
- بريد إلكتروني
- التطبيقات الأخرى
"لا دموع في سبيل الله"، كتاب السعوديّة خلود بريده
موريس صليبا
الحوار المتمدن 2019 / 1 / 17
الحوار المتمدن 2019 / 1 / 17
خلود بريده، سيّدة سعوديّة أوقفتها الشرطة الدينيّة عام 2006 في مدينة جدّه، مسقط رأسها، خلال تواجدها في مناسبة معيّنة مع أصدقاء لها في شقّة خاصّة. نشرت سيرة حياتها في بداية العام 2018 باللغة الألمانيّة بعنوان:
"لا دموع بعد الآن في سبيل الله" ( Keine Tränen für Allah)
تصف فيها بالتفصيل كيف جرى توقيفها وكيف حُكم عليها بالسجن أربع سنوات وبألفَي جلدة. بعد خروجها من السجن كَفَرت بالإسلام وبدين الإسلام وبنبيّ الإسلام وأصبحت ملحدة.
سمحت لها ظروفها العائليّة بمغادرة السعودية بطريقة شرعيّة. فلجأت إلى أحد بلدان ((الكفر)) في الغرب آخذة على نفسها بذل كل ما بوسعها للدفاع عن حقوق النساء وكرامتهنّ في العالم الإسلامي.
ماذا تقول خلود بريده في سيرة حياتها الصادرة باللغة الألمانية؟
في العشرين من عمرها كانت خلود مجتمعة في شقّة سكنيّة عاديّة مع اصدقاء لها في مدينة جدّة في المملكة العربيّة السعوديّة، وفجأة داهمتهم الشرطة الدينيّة وأوقفتهم وكأنّهم مجرمون أو قطّاع طرق أو لصوص. فلم يكن بوسعها "الرضوخ لأوامر تلك الزمرة" بل قاومت هذا التعسّف غير المبرّر وانتفضت ضد هذا التصرّف اأرهن من قبل أفراد يدّعون حماية الإخلاق العامّة والخاصّة بقوّة العنف التي يستمدّونها من أحكام الشريعة الإسلاميّة . فأُرسلت خلود إلى مركز لإعادة التأهيل في مدينة مكّة حيث اعتقلت وأهينت وضربت ووضعت في عزلة تامّة في زنزانة لا تليق حتّى بالحيوانات. فكفرت بالدنيا وما فيها وبالشريعة الإسلاميّة الظالمة وبمن ابتدعها. على أثر ذلك أصيبت بحال من الهستيريا الجنونيّة.
بعد إطلاق حريّتها ومغادرتها السجن، أعلنت خروجها من الإسلام وإلحادها وهربت إلى الخارج، أولا إلى تركيا، ثمّ إلى السويد ومن بعدها طلبت اللجوء إلى ألمانيا. في هذا الكتاب حاولت أن تعبّر عن المأساة التي عاشتها في السجن وكيف تجاوزتها كي تعود إلى الحياة وتتمتّع بجمالها بعيدا عن البربريّة والظلم والقهر الذي تتعرّض له المرأة السعوديّة.
لماذا هذا الكتاب؟
قرّرت كتابة سيرة حياتها كي تشعر بأنّها أصبحت فعلا إنسانة حرّة وقد عادت إلى طبيعتها كمخلوق بشريّ، وكذلك كي تكشف من خلالها للعالم أجمع أوضاع سجون النساء المذريّة والبائسة في السعوديّة، علما أنّه لم يتطرّق قبلها لهذا الأمر أي كاتب أومسؤول أو مساعد إجتماعي أو مربّ أو رجل دين خاصّة، علما أنّ رجال الدين مكلّفون بإعطاء الدروس القرآنيّة في السجون ومن شأنهم الإستماع إلى هواجس وهموم ومشاكل السجناء والسجينات والإطلاع على أوضاعهنّ وكيفيّة معاملتهنّ. وهكذا نجحت خلود بإطلاع العالم على هذا الإختبار الذي عانت منه وعلى هذه الأوضاع المشينة في السجن، كما عانت وتعاني منه نساء كثيرات سعوديّات حتّى اليوم. والدليل على ذلك تخطّي مبيع كتابها في ألمانيا والنمسا وسويسرا رقما قياسيّا مرتفعا بالمقارنة مع مبيعات الكتب الأكثر رواجا.
نشير هنا إلى عدم صدور أيّ تعليق حول هذا الكتاب ومضمونه من قبل السلطات السعوديّة المختصّة، خاصّة أنّه صدر في بداية العم من السنة الفائتة، أي قبل أن تنهمك هذه السلطات في صبّ جهودها على كيفيّة تبرير سادتها وأمرائها وولاة أمرها من جرائم أشدّ فظاعة وهمجيّة، مثل قضيّة ذبح وتقطيع جثمان الصحفي جمال خاشقجي وإخفاء ما تبقّى منه في دياجير الرمال الحارّة. لذلك لا يكترث إطلاقا للأمور المتعلّقة بالنساء وحقوقهنّ وحرّياتهن ومآسيهن خاصّة قي سجون مملكة الحرمين الشريفين حيث الجنس اللطيف لا يستحقّ أي اهتمام يذكر.
عودة إلى سبب توقيف خلود واعتقالها ألا وهو وجودها مع أربعة من صديقاتها وشابّ في شقّة سكنيّة عاديّة. غير أنّ المخابرات السعوديّة السرّيّة المتخفيّة والموكل إليها تطبيق أحكام الشريعة التي تحظّر أي احتفال أو اجتماع أو لقاء بين الرجال والنساء في أيّة مناسبة، علمت بذلك اللقاء العفوي. فقام افراد من "هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر"، أيّ الشرطة الدينيّة، بلباسهم المدنيّ ولحاهم الطويلة، باقتحام تلك الشقّة وخلع بابها. عندها ارتعبت خلود وتخيّلت أنهم مجموعة إرهابيّة جاؤوا لاغتصابهنّ. فقاومتهم بشدّة وضربت أحدهم قبل أن تتمكّن من الهرب إلى مركز الشرطة القريب من ذلك المكان كي تقدّم شكوى ضدّ هذا التصرّف الأرعن ومحاولة الإعتداء عليهنّ. ولكن شكواها انقلبت عليها فاتّهمت بضرب أحد أفراد "هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر" وإهانته وشتمه. وهذه جريمة لا تغتفر في جزيرة العرب.
حُوّلت قضيتها إلى المحكمة الشرعيّة التي اتّهمتها بمقاومة رجال الدين وشتمهم والإعتداء بالضرب على أحدهم، وهي تهمة تعتبر اعتداء على أحد أهمّ رموز المملكة وعلى كرامتها الممثّلة برجال الدين وبحرس "الأخلاق والأعراف السامية" في البلاد. طلب القاضي الشرعيّ منها الإعتراف بالذنب والتوقيع على محضر الإتّهام، ولكن خلود رفضت الإعتراف أمام تلك المحكمة الشرعيّة بذنبها، كما لم تندم عمّا فعلته، لأنّها كانت تحتفل في ذلك المكان مع صديقاتها وصديق لهنّ بمناسبة خاصّة دون شرب الكحول أو ممارسة الجنس، عكس ما جاء في محضر الإتّهام. ولم تجد في كلّ ذلك أي خروج عن الأخلاق العامّة أو أي خرق للقوانين والأحكام الشرعيّة المتعارف عليها عرفا وتقليدا. لذلك عارضت ونفت كلّ الإتّهامات اللاخلاقيّة الموجّهة إليها، وطالبت باستدعاء محام خاصّ كي يدافع عنها وعن كرامتها وحقوقها كإنسانة، الأمر الذي أثار سخط القاضي الشرعيّ الذي كان يستجوبها ويتابع ملفّها. فبدلا من الحكم عليها كما هو مألوف بالسجن سنة واحدة وبمائة جلدة، فقد حكم عليها فورا بالسجن اربع سنوات وبألفَي جلدة.
عند سماعها هذا الحكم الجائر صدمت خلود من الظلم العبثيّ الصادر عمّا يسمّى "بالقضاء الشرعي الإسلامي" الذي يدّعي زورا وبهتانما تمثيل "إله رحمن رحيم"، ولكنّه في الواقع قضاء لا صلة له بهذا الإله، ولا بالإنسانيّة، ولا يعرف ماهيّة العدل والرأفة والرحمة والرفق والتسامح. شعرت وكأنّ أسياد القوانين الجائرة في مملكة الوهابيّين والسلفيّين رموها دوزن شفقة أو رحمة من الطابق السادس في إحدى البنايات.
في الطريق إلى السجن قال لها أحد رجال الشرطة الذي رافقها بأنّ عليها أن تحفظ القرآن عن ظهر قلبها إذا أرادت الخروج من السجن قبل نهاية مدّة الحكم الصادر بحقّها، وإلا ستقضي السنوات الأر بع لا محالة في الأسر بعيدة عن العالم الخارجي وعن أهلها وتتعفّن فيه، وقد لا تخرج منه أبدا سالمة.
حال وصولها إلى السجن الخاص بالنساء في مدينة مكّة، عُرّيَت من كل ما كانت تحمله من مال وثياب وهاتف نقّال وأغراض شخصيّة، وسيقت حالا كحيوان إلى زنزانة صغيرة قذرة حيث أقفل عليها. لم يكن في تلك الزنزانة سوى فراش صغير على الأرض، مع مغسلة ومرحاض وتافذة صغيرة عالية لا ترى من خلالها سوى لون النهار أو الليل.
أمام هذا الحجز الكابوسي المرعب أخذت تلطم رأسها بالحائط كي تضع حدّا لحياتها. بدأت بالصراخ والنحيب، ولكن لم يأت أحد لنجدتها ولم يكترث أحد لمأساتها ولم يصغ أحد لطلب الإغاثة الذي كانت تطلقه رغم قرعها بشكل هستيري على باب زنزانتها الذي لم يكن يفتح إلا ثلاث مرات في اليوم لتوزيع الطعام. عندها أخذت تتصوّر وتتساءل إن كانت ستبقى على هذا الحال أربع سنوات، فأخذ الخوف يمزّقها والرعب يجيش في قلبها والشؤم يملأها قلقا واضطرابا على مصيرها ومصير أهلها. كانت تنوي الإنتحار والتخلّص من هذه الحياة، غير أنّ حبّها لأهلها دفعها إلى التمسّك بالحياة، آملة أن تتمكّن يوما من الخروج من هذا الظلم المرعب والتنديد بهذا التعسّف والتعذيب والتحقير للمرأة السعوديّة في عرين أرض الإسلام.
لم تتذكر خلود كم من الوقت بقيت في تلك الزنزانة الإنفراديّة وفي تلك العزلة التامة. لم تعد تدرك حال الوقت، فنسيت كلّ شيء ممتنعة حتّى عن الطعام، كانت تقضي معظم وقتها غاطسة في النوم، وكأنّها في حال من الغيبوبة التامّة لا تسأل عن شيء ولا يسأل أحد عنها.
بعد فترة دامت أسابيع في تلك العزلة الكاملة، نُقلت إلى مكان آخر في السجن حيث خضعت للنظام المفروض على باقي السجينات. تستيقظ لصلاة الصبح وتتابع الدروس القرآنيّة وتشارك في عمليّات التنظيف وإعداد الوجبات الغذائيّة رغم ضعفها الجسدي وانحطاط صحتها.
تشير في كتابها إلى أنّ عدد السجينات في ذلك المكان كان يتجاوز الستين، وأكثرهنّ لم يتجاوز بعد الثلاثين من العمر. من بينهنّ متّهمات بتجارة المخدّرات، ونساء حوامل بشكل غير شرعيّ، وإ هاربات من عنف أفراد أسرهنّ. كذلك تعرّفت خلود إلى سجينة كانت تتحلّى بكل مزايا اللطف والحياء والتواضع والإنسانيّة. كانت تنتظر تنفيذ حكم عليها بقطع الرأس لاتّهامها بمقتل أحد المقرّبين منها، بينما كانت تدّعي البراءة وتتّهم أفراد عائلتها بتلك الجريمة التي نسبوها إليها لكونها ضعيفة ولا معين لها. فكانت خلود دائما تتخيّل كيف سيقطع رأس هذه الزميلة، وكان هذا الأمر يزيدها غضبا وتمرّدا وكرها للشريعة الإسلاميّة وللأحكام التعسّفيّة البربريّة والدمويّة التي تتعرّض لها بنات جنسها في أرض الحرمين وفي مهد ذلك الذي يوصف بصاحب "الخلق العظيم والقدوة الفضلى".
بالنسبة للجلد، تشير خلود في كتابها بأنّها تلقّت خمسين جلدة كلّ أسبوعين. كان عليها ألا تصرخ أو تطلق آهة أثناء الجلد كي لا يعود الجلاّد إلى تكرار الجلدات منذ البداية. ولحسن حظّها لم تتلقّى إلا 600 جلدة بسبب تمكّنها من حفظ القرآن كاملا، آملة من خلال ذلك الحصول على تقصير مدّة الحكم عليها بالسجن والخروج منه سريعا.
أثناء محاولتها حفظ القرآن استهزأت بها زميلاتها السجينات قائلات: لماذا تتعبين نفسك بذلك، فلم ينجح قبلك أحد في حفظ كل آيات هذا الكتاب. ولكّنها لم تكترث للقال والقيل بل جاهدت كثيرا وثابرت حتّى بلغت مأربها. وعندما نجحت في الإمتحان قرّرت مديرة السجن إطلاق حريّتها وأعفتها من الفترة المتبقيّة لها قائلة : هنيئا لك يا خلود بهذا الإنجاز الرائع، لقد أصبحت اليوم "زوجة القرآن".
غير أن إدارة السجن أخّرت موعد خروجها خوفا من شخصيّتها القويّة وقدرتها، بعد خروجها، على فضح كل ما عانت منه في السجن والتنديد بكيفيّة التعامل مع السجينات الأخريات. وهذا أمر لا يجوز الكشف عنه أمام الرأي العام. فالحفاظ على مبدأ "التقيّة" أمر مقدّس لا بدّ من احترامه وفقا لأحكام الشرع الإلهي.
ما الذي دفع بخلود إلى كتابة سيرة حياتها ووصف فترة السجن التي عاشتها؟
تقول خلود إنّها كانت تعيش هواجس كثيرة تقضّ مضجعها ليلا وتحرمها من النوم، إذ تتذكّر باستمرار رفيقاتها في السجن وعذابهن وبؤسهن شاعرة بأنّ عليها دَينٌ ينبغي وفاءه. عليها أن تعرّف العالم بهذه المأساة التي تعيشها بنات جلدتها في السجون السعوديّة . فلن يهدأ لها بال قبل أن تنشر ما كانت تسجله كلّ يوم من ملاحظات وذكريات أليمة على حاسوبها الخاص. لذلك قرّرت نشر مذكراتها حبّا ببلادها ونساء بلادها ضحايا الشريعة الإسلامية و"عصابة النهي عن المنكر"، والإستعباد والتحقير. لم تنشر مذكراتها ضدّ وطنها الأم، بل ضدّ نظام لا يحترم الحريّات والحقوق الإنسانيّة خاصّة حقوق الأم والزوجة والأخت والطفلة ، وذلك لمجرّد كونها أنثى وينبغي أن تعامل، وفقا لما قال نبيّ المسلمين عن المرأة، وقد وصفها بـ"ناقصة عقل وناقصة دين وناقصة إيمان" ، كما هي "مثل الكلب والحمار، تبطل صلاة المؤمن، إذا مرّت أمامه".
تجدر الإشارة إلى توقّف خلود كثيرا حول علاقتها الطيّبة بذويها في أحلك الظروف التي مرّت بها. فوالدها الإنسان الرائع المحبّ كان يزورها باستمرار في السجن ويتصّل بها ويشجعها على الصبر والمثابرة وتحمّل الشدائد مهما تفاقمت الأمور سوءا. أما أمّها وأختها اللتان كانتا تعيشان خارج البلاد، فكانتا تتصلان بها باستمرار هاتفيّا، كما جاءتا لزيارتها في السجن مرارا. ولا بدّ من القول بأنّ هذه الأسرة، بالرغم من انفصال الزوجين عن بعضهما، كانت متضامنة ومحبّة ومستعدّة لكل التضحيات في سبيل مساعدة إبنتهما. فوصف زيارة أفراد أسرتها لها في السجن هو خير دليل على صلابة الرابط العائلي الذي كان يجمعهم ويوحّدهم.
نحن بانتظار صدور سيرة خلود باللغة العربيّة التي ترجمت من العربيّة ونشرت بالألمانية عن دار نشر "كناور" في ميونخ السنة الماضية. سيجد فيها القارئ العربي تفاصيل عديدة عن أوضاع سجون النساء في السعوديّة وعن علاقة السجينات بذويهنّ وببعضهن وطريقة معاملة إدارة السجون لهنّ.
من المؤسف أنّ هناك حالات كثيرة مشابهة لحالة خلود في أرض "الحرمَين الشريفَين".
فهل ستفاجئنا مثلا "رهف محمّد القنون" التي حصلت منذ فترة قصيرة على حقّ اللجؤ في كندا بعد هربها من السعوديّة عبر الكويت، بكتاب يتحدّث عن سيرة حياتها وعن مغامرتها والمآسي التي عاشتها، تماما كما فعلت خلود؟
يجمع معظم المراقبين والمتابعين لأوضاع العالم العربي والإسلامي أن لا ثورة حقيقيّة من شأنها إنقاذ هذا العالم من تخلّفه واضطراباته ومآسيه إلا ثورة تقوم بها النساء.
في هذا الإطار، ألا يحقّ لنا طرح السؤال التالي:
هل نعيش اليوم الفترة الزمنيّة التي تسبق إنفجارا لا مفرّ منه لثورة الجنس اللطيف التي طال انتظارها في أرض الحرمين وفي كلّ مكان تتعرَّض فيه المرأة العربيّة والمسلمة للقهر والتعذيب والهوان؟
وهل ثورة النساء، التي نتمناها ويتوق إليها الكثيرون، قادمة لا محالة ؟
"لا دموع بعد الآن في سبيل الله" ( Keine Tränen für Allah)
تصف فيها بالتفصيل كيف جرى توقيفها وكيف حُكم عليها بالسجن أربع سنوات وبألفَي جلدة. بعد خروجها من السجن كَفَرت بالإسلام وبدين الإسلام وبنبيّ الإسلام وأصبحت ملحدة.
سمحت لها ظروفها العائليّة بمغادرة السعودية بطريقة شرعيّة. فلجأت إلى أحد بلدان ((الكفر)) في الغرب آخذة على نفسها بذل كل ما بوسعها للدفاع عن حقوق النساء وكرامتهنّ في العالم الإسلامي.
ماذا تقول خلود بريده في سيرة حياتها الصادرة باللغة الألمانية؟
في العشرين من عمرها كانت خلود مجتمعة في شقّة سكنيّة عاديّة مع اصدقاء لها في مدينة جدّة في المملكة العربيّة السعوديّة، وفجأة داهمتهم الشرطة الدينيّة وأوقفتهم وكأنّهم مجرمون أو قطّاع طرق أو لصوص. فلم يكن بوسعها "الرضوخ لأوامر تلك الزمرة" بل قاومت هذا التعسّف غير المبرّر وانتفضت ضد هذا التصرّف اأرهن من قبل أفراد يدّعون حماية الإخلاق العامّة والخاصّة بقوّة العنف التي يستمدّونها من أحكام الشريعة الإسلاميّة . فأُرسلت خلود إلى مركز لإعادة التأهيل في مدينة مكّة حيث اعتقلت وأهينت وضربت ووضعت في عزلة تامّة في زنزانة لا تليق حتّى بالحيوانات. فكفرت بالدنيا وما فيها وبالشريعة الإسلاميّة الظالمة وبمن ابتدعها. على أثر ذلك أصيبت بحال من الهستيريا الجنونيّة.
بعد إطلاق حريّتها ومغادرتها السجن، أعلنت خروجها من الإسلام وإلحادها وهربت إلى الخارج، أولا إلى تركيا، ثمّ إلى السويد ومن بعدها طلبت اللجوء إلى ألمانيا. في هذا الكتاب حاولت أن تعبّر عن المأساة التي عاشتها في السجن وكيف تجاوزتها كي تعود إلى الحياة وتتمتّع بجمالها بعيدا عن البربريّة والظلم والقهر الذي تتعرّض له المرأة السعوديّة.
لماذا هذا الكتاب؟
قرّرت كتابة سيرة حياتها كي تشعر بأنّها أصبحت فعلا إنسانة حرّة وقد عادت إلى طبيعتها كمخلوق بشريّ، وكذلك كي تكشف من خلالها للعالم أجمع أوضاع سجون النساء المذريّة والبائسة في السعوديّة، علما أنّه لم يتطرّق قبلها لهذا الأمر أي كاتب أومسؤول أو مساعد إجتماعي أو مربّ أو رجل دين خاصّة، علما أنّ رجال الدين مكلّفون بإعطاء الدروس القرآنيّة في السجون ومن شأنهم الإستماع إلى هواجس وهموم ومشاكل السجناء والسجينات والإطلاع على أوضاعهنّ وكيفيّة معاملتهنّ. وهكذا نجحت خلود بإطلاع العالم على هذا الإختبار الذي عانت منه وعلى هذه الأوضاع المشينة في السجن، كما عانت وتعاني منه نساء كثيرات سعوديّات حتّى اليوم. والدليل على ذلك تخطّي مبيع كتابها في ألمانيا والنمسا وسويسرا رقما قياسيّا مرتفعا بالمقارنة مع مبيعات الكتب الأكثر رواجا.
نشير هنا إلى عدم صدور أيّ تعليق حول هذا الكتاب ومضمونه من قبل السلطات السعوديّة المختصّة، خاصّة أنّه صدر في بداية العم من السنة الفائتة، أي قبل أن تنهمك هذه السلطات في صبّ جهودها على كيفيّة تبرير سادتها وأمرائها وولاة أمرها من جرائم أشدّ فظاعة وهمجيّة، مثل قضيّة ذبح وتقطيع جثمان الصحفي جمال خاشقجي وإخفاء ما تبقّى منه في دياجير الرمال الحارّة. لذلك لا يكترث إطلاقا للأمور المتعلّقة بالنساء وحقوقهنّ وحرّياتهن ومآسيهن خاصّة قي سجون مملكة الحرمين الشريفين حيث الجنس اللطيف لا يستحقّ أي اهتمام يذكر.
عودة إلى سبب توقيف خلود واعتقالها ألا وهو وجودها مع أربعة من صديقاتها وشابّ في شقّة سكنيّة عاديّة. غير أنّ المخابرات السعوديّة السرّيّة المتخفيّة والموكل إليها تطبيق أحكام الشريعة التي تحظّر أي احتفال أو اجتماع أو لقاء بين الرجال والنساء في أيّة مناسبة، علمت بذلك اللقاء العفوي. فقام افراد من "هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر"، أيّ الشرطة الدينيّة، بلباسهم المدنيّ ولحاهم الطويلة، باقتحام تلك الشقّة وخلع بابها. عندها ارتعبت خلود وتخيّلت أنهم مجموعة إرهابيّة جاؤوا لاغتصابهنّ. فقاومتهم بشدّة وضربت أحدهم قبل أن تتمكّن من الهرب إلى مركز الشرطة القريب من ذلك المكان كي تقدّم شكوى ضدّ هذا التصرّف الأرعن ومحاولة الإعتداء عليهنّ. ولكن شكواها انقلبت عليها فاتّهمت بضرب أحد أفراد "هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر" وإهانته وشتمه. وهذه جريمة لا تغتفر في جزيرة العرب.
حُوّلت قضيتها إلى المحكمة الشرعيّة التي اتّهمتها بمقاومة رجال الدين وشتمهم والإعتداء بالضرب على أحدهم، وهي تهمة تعتبر اعتداء على أحد أهمّ رموز المملكة وعلى كرامتها الممثّلة برجال الدين وبحرس "الأخلاق والأعراف السامية" في البلاد. طلب القاضي الشرعيّ منها الإعتراف بالذنب والتوقيع على محضر الإتّهام، ولكن خلود رفضت الإعتراف أمام تلك المحكمة الشرعيّة بذنبها، كما لم تندم عمّا فعلته، لأنّها كانت تحتفل في ذلك المكان مع صديقاتها وصديق لهنّ بمناسبة خاصّة دون شرب الكحول أو ممارسة الجنس، عكس ما جاء في محضر الإتّهام. ولم تجد في كلّ ذلك أي خروج عن الأخلاق العامّة أو أي خرق للقوانين والأحكام الشرعيّة المتعارف عليها عرفا وتقليدا. لذلك عارضت ونفت كلّ الإتّهامات اللاخلاقيّة الموجّهة إليها، وطالبت باستدعاء محام خاصّ كي يدافع عنها وعن كرامتها وحقوقها كإنسانة، الأمر الذي أثار سخط القاضي الشرعيّ الذي كان يستجوبها ويتابع ملفّها. فبدلا من الحكم عليها كما هو مألوف بالسجن سنة واحدة وبمائة جلدة، فقد حكم عليها فورا بالسجن اربع سنوات وبألفَي جلدة.
عند سماعها هذا الحكم الجائر صدمت خلود من الظلم العبثيّ الصادر عمّا يسمّى "بالقضاء الشرعي الإسلامي" الذي يدّعي زورا وبهتانما تمثيل "إله رحمن رحيم"، ولكنّه في الواقع قضاء لا صلة له بهذا الإله، ولا بالإنسانيّة، ولا يعرف ماهيّة العدل والرأفة والرحمة والرفق والتسامح. شعرت وكأنّ أسياد القوانين الجائرة في مملكة الوهابيّين والسلفيّين رموها دوزن شفقة أو رحمة من الطابق السادس في إحدى البنايات.
في الطريق إلى السجن قال لها أحد رجال الشرطة الذي رافقها بأنّ عليها أن تحفظ القرآن عن ظهر قلبها إذا أرادت الخروج من السجن قبل نهاية مدّة الحكم الصادر بحقّها، وإلا ستقضي السنوات الأر بع لا محالة في الأسر بعيدة عن العالم الخارجي وعن أهلها وتتعفّن فيه، وقد لا تخرج منه أبدا سالمة.
حال وصولها إلى السجن الخاص بالنساء في مدينة مكّة، عُرّيَت من كل ما كانت تحمله من مال وثياب وهاتف نقّال وأغراض شخصيّة، وسيقت حالا كحيوان إلى زنزانة صغيرة قذرة حيث أقفل عليها. لم يكن في تلك الزنزانة سوى فراش صغير على الأرض، مع مغسلة ومرحاض وتافذة صغيرة عالية لا ترى من خلالها سوى لون النهار أو الليل.
أمام هذا الحجز الكابوسي المرعب أخذت تلطم رأسها بالحائط كي تضع حدّا لحياتها. بدأت بالصراخ والنحيب، ولكن لم يأت أحد لنجدتها ولم يكترث أحد لمأساتها ولم يصغ أحد لطلب الإغاثة الذي كانت تطلقه رغم قرعها بشكل هستيري على باب زنزانتها الذي لم يكن يفتح إلا ثلاث مرات في اليوم لتوزيع الطعام. عندها أخذت تتصوّر وتتساءل إن كانت ستبقى على هذا الحال أربع سنوات، فأخذ الخوف يمزّقها والرعب يجيش في قلبها والشؤم يملأها قلقا واضطرابا على مصيرها ومصير أهلها. كانت تنوي الإنتحار والتخلّص من هذه الحياة، غير أنّ حبّها لأهلها دفعها إلى التمسّك بالحياة، آملة أن تتمكّن يوما من الخروج من هذا الظلم المرعب والتنديد بهذا التعسّف والتعذيب والتحقير للمرأة السعوديّة في عرين أرض الإسلام.
لم تتذكر خلود كم من الوقت بقيت في تلك الزنزانة الإنفراديّة وفي تلك العزلة التامة. لم تعد تدرك حال الوقت، فنسيت كلّ شيء ممتنعة حتّى عن الطعام، كانت تقضي معظم وقتها غاطسة في النوم، وكأنّها في حال من الغيبوبة التامّة لا تسأل عن شيء ولا يسأل أحد عنها.
بعد فترة دامت أسابيع في تلك العزلة الكاملة، نُقلت إلى مكان آخر في السجن حيث خضعت للنظام المفروض على باقي السجينات. تستيقظ لصلاة الصبح وتتابع الدروس القرآنيّة وتشارك في عمليّات التنظيف وإعداد الوجبات الغذائيّة رغم ضعفها الجسدي وانحطاط صحتها.
تشير في كتابها إلى أنّ عدد السجينات في ذلك المكان كان يتجاوز الستين، وأكثرهنّ لم يتجاوز بعد الثلاثين من العمر. من بينهنّ متّهمات بتجارة المخدّرات، ونساء حوامل بشكل غير شرعيّ، وإ هاربات من عنف أفراد أسرهنّ. كذلك تعرّفت خلود إلى سجينة كانت تتحلّى بكل مزايا اللطف والحياء والتواضع والإنسانيّة. كانت تنتظر تنفيذ حكم عليها بقطع الرأس لاتّهامها بمقتل أحد المقرّبين منها، بينما كانت تدّعي البراءة وتتّهم أفراد عائلتها بتلك الجريمة التي نسبوها إليها لكونها ضعيفة ولا معين لها. فكانت خلود دائما تتخيّل كيف سيقطع رأس هذه الزميلة، وكان هذا الأمر يزيدها غضبا وتمرّدا وكرها للشريعة الإسلاميّة وللأحكام التعسّفيّة البربريّة والدمويّة التي تتعرّض لها بنات جنسها في أرض الحرمين وفي مهد ذلك الذي يوصف بصاحب "الخلق العظيم والقدوة الفضلى".
بالنسبة للجلد، تشير خلود في كتابها بأنّها تلقّت خمسين جلدة كلّ أسبوعين. كان عليها ألا تصرخ أو تطلق آهة أثناء الجلد كي لا يعود الجلاّد إلى تكرار الجلدات منذ البداية. ولحسن حظّها لم تتلقّى إلا 600 جلدة بسبب تمكّنها من حفظ القرآن كاملا، آملة من خلال ذلك الحصول على تقصير مدّة الحكم عليها بالسجن والخروج منه سريعا.
أثناء محاولتها حفظ القرآن استهزأت بها زميلاتها السجينات قائلات: لماذا تتعبين نفسك بذلك، فلم ينجح قبلك أحد في حفظ كل آيات هذا الكتاب. ولكّنها لم تكترث للقال والقيل بل جاهدت كثيرا وثابرت حتّى بلغت مأربها. وعندما نجحت في الإمتحان قرّرت مديرة السجن إطلاق حريّتها وأعفتها من الفترة المتبقيّة لها قائلة : هنيئا لك يا خلود بهذا الإنجاز الرائع، لقد أصبحت اليوم "زوجة القرآن".
غير أن إدارة السجن أخّرت موعد خروجها خوفا من شخصيّتها القويّة وقدرتها، بعد خروجها، على فضح كل ما عانت منه في السجن والتنديد بكيفيّة التعامل مع السجينات الأخريات. وهذا أمر لا يجوز الكشف عنه أمام الرأي العام. فالحفاظ على مبدأ "التقيّة" أمر مقدّس لا بدّ من احترامه وفقا لأحكام الشرع الإلهي.
ما الذي دفع بخلود إلى كتابة سيرة حياتها ووصف فترة السجن التي عاشتها؟
تقول خلود إنّها كانت تعيش هواجس كثيرة تقضّ مضجعها ليلا وتحرمها من النوم، إذ تتذكّر باستمرار رفيقاتها في السجن وعذابهن وبؤسهن شاعرة بأنّ عليها دَينٌ ينبغي وفاءه. عليها أن تعرّف العالم بهذه المأساة التي تعيشها بنات جلدتها في السجون السعوديّة . فلن يهدأ لها بال قبل أن تنشر ما كانت تسجله كلّ يوم من ملاحظات وذكريات أليمة على حاسوبها الخاص. لذلك قرّرت نشر مذكراتها حبّا ببلادها ونساء بلادها ضحايا الشريعة الإسلامية و"عصابة النهي عن المنكر"، والإستعباد والتحقير. لم تنشر مذكراتها ضدّ وطنها الأم، بل ضدّ نظام لا يحترم الحريّات والحقوق الإنسانيّة خاصّة حقوق الأم والزوجة والأخت والطفلة ، وذلك لمجرّد كونها أنثى وينبغي أن تعامل، وفقا لما قال نبيّ المسلمين عن المرأة، وقد وصفها بـ"ناقصة عقل وناقصة دين وناقصة إيمان" ، كما هي "مثل الكلب والحمار، تبطل صلاة المؤمن، إذا مرّت أمامه".
تجدر الإشارة إلى توقّف خلود كثيرا حول علاقتها الطيّبة بذويها في أحلك الظروف التي مرّت بها. فوالدها الإنسان الرائع المحبّ كان يزورها باستمرار في السجن ويتصّل بها ويشجعها على الصبر والمثابرة وتحمّل الشدائد مهما تفاقمت الأمور سوءا. أما أمّها وأختها اللتان كانتا تعيشان خارج البلاد، فكانتا تتصلان بها باستمرار هاتفيّا، كما جاءتا لزيارتها في السجن مرارا. ولا بدّ من القول بأنّ هذه الأسرة، بالرغم من انفصال الزوجين عن بعضهما، كانت متضامنة ومحبّة ومستعدّة لكل التضحيات في سبيل مساعدة إبنتهما. فوصف زيارة أفراد أسرتها لها في السجن هو خير دليل على صلابة الرابط العائلي الذي كان يجمعهم ويوحّدهم.
نحن بانتظار صدور سيرة خلود باللغة العربيّة التي ترجمت من العربيّة ونشرت بالألمانية عن دار نشر "كناور" في ميونخ السنة الماضية. سيجد فيها القارئ العربي تفاصيل عديدة عن أوضاع سجون النساء في السعوديّة وعن علاقة السجينات بذويهنّ وببعضهن وطريقة معاملة إدارة السجون لهنّ.
من المؤسف أنّ هناك حالات كثيرة مشابهة لحالة خلود في أرض "الحرمَين الشريفَين".
فهل ستفاجئنا مثلا "رهف محمّد القنون" التي حصلت منذ فترة قصيرة على حقّ اللجؤ في كندا بعد هربها من السعوديّة عبر الكويت، بكتاب يتحدّث عن سيرة حياتها وعن مغامرتها والمآسي التي عاشتها، تماما كما فعلت خلود؟
يجمع معظم المراقبين والمتابعين لأوضاع العالم العربي والإسلامي أن لا ثورة حقيقيّة من شأنها إنقاذ هذا العالم من تخلّفه واضطراباته ومآسيه إلا ثورة تقوم بها النساء.
في هذا الإطار، ألا يحقّ لنا طرح السؤال التالي:
هل نعيش اليوم الفترة الزمنيّة التي تسبق إنفجارا لا مفرّ منه لثورة الجنس اللطيف التي طال انتظارها في أرض الحرمين وفي كلّ مكان تتعرَّض فيه المرأة العربيّة والمسلمة للقهر والتعذيب والهوان؟
وهل ثورة النساء، التي نتمناها ويتوق إليها الكثيرون، قادمة لا محالة ؟
تعليقات
إرسال تعليق