رحيل عالم عراقي سومري - الخروج من قفص العروبة
مقال مختار :
" علي الشوك " السومري
خالد القشطيني - صحافي وكاتب ومؤلف عراقي
الشرق الأوسط - لندن - 20-1-2018
التقيت به أول مرة في «ديوان الكوفة» بلندن قبل عدة سنوات. كان موضوع المحاضرة يتناول الكتابة السومرية والحروف المسمارية. قلت لنفسي: هذا رجل ضائع ويريد أن يضيعنا. انقطعت عنه. ولكنني بعد سنوات اكتشفت سر اهتمامه بهذا الموضوع. لم يكن هو الضائع. الشعب العراقي هو الضائع. كم أضعنا من حياتنا في الانشغال بالمتنبي وهارون الرشيد والبحتري وأبي نواس وكل ذلك التراث. ومن حينها انتبهت لما انتبه إليه علي الشوك. حضارة العراق الحقيقية والجديرة بالدرس هي سومر. علي الشوك، كرائد من رواد الحركة اليسارية في العراق وخمسيناتها الذهبية، انتبه إلى هذه الحقيقة التي أشار إليها الباحث الأميركي د. صامويل كرامر في كتابه الشامل «التاريخ يبدأ في سومر.... تسعة وثلاثون أوائل من التاريخ المدون». من هذه الأوائل المدونة أن سومر أجرت أول تجربة في الاشتراكية الديمقراطية، كما كتب باحث آخر.
«آه!» قلت لنفسي، هذا بيت القصيد لعلي الشوك وسر اهتمامه بسومر. العراق هو الأرض التي قام أهلها بأول تجربة في الاشتراكية الديمقراطية. حسناً يا خالد القشطيني. لقد آن لك أن تجدد معرفتك بعلي الشوك. ركبت السيارة مع عبد الإله توفيق ورحلنا إلى إيلنغ غرب لندن، للقاء علي الشوك. فقضينا ساعات نبحث فيها موضوع سومر وأولوياته.
ولكن هذه التعددية والتنوعية وتشوش الفكر فوتت عليه فرصة التركيز على تراث سومر وبابل.
إنه داء العراقيين وجل العرب. سرعان ما انصرف لميدان آخر، ثم آخر، إلى الموسيقى واللغة في كتابه «كيمياء الكلمات وأسرار الموسيقى». وهز صفوف المثقفين العرب بكتابه «الأطروحة الفنطازية». لقد حمل نفسه أكثر مما تستطيع فأخذت الشيخوخة تدب في كيانه وتتجاهل نداءه: «أيتها الأفكار... لا تخذليني. ويا صفاء الذهن هلم إليَّ ولو بجزء من طاقتك» غير أن المرض والتعب تملكاه أخيراً، وختم على ذلك الدماغ النادر. خسرناه، وأهم من كل شيء خسرته سومر وبابل. ويا ما ضيع العراقيون على درب مكة.
=======
تعليقات
إرسال تعليق