كتابات مختارة - نقد أدبي 1-2



إحسان عبد القدوس؛ الصورة النمطية للكاتب - 1


دلور ميقري - كاتب وفنان تشكيلي من سورية
الحوار المتمدن  2019 / 1 / 2


هذا المقال، المكرس لمئوية الكاتب المصري إحسان عبد القدوس ( 1 يناير 1919 ـ 1990 )، لا يدعي الإحاطة بحياته أو إنتاجه الأدبي. إنه محاولة لتقديم صورة لهذا الكاتب، مخالفة نوعاً لتلك التي تم تداولها سواءً خلال حياته أو بعد رحيله. وبالطبع، فإنها ستكون صورة مختصرة جداً لرجل أمتد نشاطه الأدبي على مساحة زمنية تقارب الأربعة عقود. 
قبل كل شيء، أرى من الضروري التشديدَ على أنه إحسان عبد القدوس، مَن أحاط صورته بتلك الهالة من المبالغات حدّ أن تبدو أقرب للخيال منها إلى الواقع. هكذا صورة للكاتب، يُمكن ملاحظتها أيضاً في سيَر العديد من الأدباء شرقاً وغرباً. إلا أنني هنا، بخصوص كاتبنا المُتَرجم، أزعمُ بأنّ أسطرته لحياته الشخصية كانت أقرب ما تكون لمضمون مُجمل إنتاجه القصصي، المتسم ببعده عن الواقع وافتقاده لتصَوّرٍ عما يجب أن يكونه هذا الواقع.
ما سبق، لا يعني أنّ حياة إحسان عبد القدوس كانت مفتقدة للأحداث المثيرة أو مجدبة على صعيد التحول الفكري والتقلب الاجتماعي؛ وهما شرطان مهمان لمنح المرء التجربة الضرورية، المحفزة على الكتابة. غير أن مأخذنا على الكاتب، بهذا الشأن، هوَ عدم استفادته من تلك الظروف الحياتية إلا في مجال تعزيز أسطورته الشخصية. ذلك قد يُعزى لمهنته الأساسية، وهيَ الصحافة، بما فيها من رغبة بالتشويق والإثارة. كذلك يمكن التفكير بوضعه شخصياً، المنتمي للطبقة الوسطى، الطامحة للصعود في السلم الاجتماعيّ. ولكن، وكما سيأتي معنا في حينه، لم يُحسن إحسان عبد القدوس التعبيرَ عن أوضاع وآمال طبقته على الرغم من حقيقة أن أبطال رواياته كانوا غالباً منتمين لها عضوياً ويتحركون في بيئتها، سواءً المدنية أو الريفية. والآن، علينا أن نلقي نظرة سريعة على حياة الكاتب.
" روز اليوسف "؛ لقد كانت اسماً لامعاً في عالم الصحافة، في مصر والعالم العربي. كثيرون لا يعلمون، أن هذه المرأة، التي أعطت اسمها لتلك الصحيفة ( كانت مجلة فنية في بدايتها )، ليست سوى والدة إحسان عبد القدوس. سنرى أيضاً، أنّ الملابسات بدأت قبل ولادة الكاتب، بل وتعود إلى فترة نشأة الأم. اسمها الحقيقي فاطمة اليوسف، ولدت ببيروت في نهاية القرن التاسع عشر لأسرة تاجر تركي. ولعل والدها من آل اليوسف، الأسرة الكردية الدمشقية البارزة، وكان لها فرع لبناني يعود لفترة التجاء أحد أركانها ( أحمد بك اليوسف ) إلى الأمير بشير الشهابي، هرباً من بطش الباب العالي؟
وهيَ ذي أم الكاتب بدَورها، تلقى الرعاية لدى عائلة مسيحية صديقة بعدما سافر والدها إلى أمريكا في تجارة ولم يعد أبداً. وكانت في سن العاشرة، حينَ رست بها سفينة ركاب في مدينة الإسكندرية بالطريق من بيروت إلى نيويورك صُحبة أحد أعضاء العائلة الصديقة. اسكندر فرح، وكان صاحب فرقة مسرحية، كان بين من استقبلوا الرجل وربيبته الصغيرة. ويقال، أنه طلبَ تكفل الفتاة في مصر لما توسمه فيها من دلائل تشير لموهبة فنية كامنة. وبالفعل، أثبتت " روز " قدرتها على التمثيل على أثر تدريبها ومن ثم أصبحت من أبرز أفراد الفرقة. محمد عبد القدوس، كان مهندساً في مجال الطرق، إلا أنه أمتلك موهبة موسيقية وتمثيلية. تعرفت عليه روز اليوسف في إحدى حفلات فرقتها، وما لبثا أن تفاهما واتفقا على الزواج. كون والد محمد من خريجي الأزهر في مجال القضاء، فقد أعلن قطيعته للزوجين. ثمرة الزواج الوحيدة، كانت ابناً أعطيَ اسم " إحسان ". في نقلة مفاجئة، كانت روز اليوسف قد تركت التمثيل كي تؤسس مجلة فنية حملت اسمها الشخصيّ. اختيار الاسم، لم يكن ينم عن النرجسية وإنما على كون روز اليوسف ما فتأت متأثرة بجو الفرق المسرحية، وكانت غالبيتها تحمل أسماء أصحابها أو مؤسسيها. المدهش في تلك النقلة، أنّ مؤسسة المجلة لم تكن تجيد القراءة والكتابة باللغة العربية بسبب نشأتها في رعاية أسرة مسيحية ذات ثقافة فرنسية. 
جو المنزل العائليّ، الذي تنازعه الميلُ إلى الفن والصحافة، أثّرَ ولا شك على الابن الوحيد. كذلك أعاد الجدّ علاقته مع الأسرة، فأسهم هوَ الآخر بتربية صبيها على آداب لغة القرآن. وكان " إحسان " متفوقاً في دروسه، وما عتمَ أن دخل الجامعة كي يدرس الحقوق ويتخرج محامياً. في الأثناء، كان يواظب على التواجد في مجلة والدته وكذلك حضور ندوتها الأسبوعية المنزلية، وكانت تضم نخبة من أصحاب القلم ونجوم الفن. كان مفهوماً، والحالة تلك، قرار الابن الموهوب ترك المحاماة بهدف التفرغ للعمل الصحفي. وكان لا يتجاوز عمره الستة وعشرين عاماً، حين صار رئيس تحرير " روز اليوسف ". بعد ذلك بثلاث سنين، أصدر روايته الأولى.
للبحث صلة ..
=====

تعليقات