من الفيسبوك
من صفحة الكاتب الليبرالي محمد البدري :
العروبة مدخل إلى الصهيونية
سرقة مصر ممكنة تحت الغطاء الحالي ثقافيا ودينيا
محمد البدري
يثار دائما وبشكل تآمري على ساحة التاريخ مسألة بناء الأهرام ومن الذي بناهــا …؟ !! ويبدو أن من يتساءل قد فرغ من قضاياه المنغمس فيها منذ عام 48 أو على الأقل فقد ضمن أن أهدافه أصبحت مؤكدة ولا يوجد لديه أي معوقات مع باقي جيرانه الذين لم يفض معهم اشتباكه الحادث منذ 1967 . أما في الغرب الأمريكي , فقد تولت بعض المؤسسات الإجابة على السؤال وقامت من خلال وسائل الإعلام بالتطوع بنشر وجهه نظرها السابقة التجهيز ومحاولة إقناع من لا يعرف من التاريخ سوى أحداث لحظة البداية الأسطورية مع آدم وزوجته ثم القفز إلى اللحظة الراهنة حيث الوعي الآني باللحظــة الحاليـــة ..
وتعددت الإجابات عن الســـؤال .. وهو أمر مقصود سيكولوجيا ، للإيهام بان ما قد تعارف عليه البشر تاريخيا هو موضع شك وبلبلة بين الجميع . وكانت إحدى الإجابات تؤكد أن بناتها قد هبطوا من السماء , واستدل هذا الفريق بشكل وتوزيع المجموعة النجومية اوريون بعد العبث بشكل وتوزيع النجوم في السماء ليتفق شكلها مع مساقط الأهرامات أفقيا والتي لا تقع رؤسها على استقامة واحدة , وهى نفس الحجة التي يرددها أحد الصحفيين من ذوى الأعمدة الثابتة في اشهر صحيفة قومية , ولا يعرف من صاحب المصلحة أو من الذي حصل على توكيل تجارى لتسويق منتجات اوريون في زمن التوكيلات التجارية التي لا تحتاج لجهد من أي نوع لتسويق البضاعة , بل يكفى وجود فراغ ما لملئة بأي سلعة تجارية أو فكرية دون الاهتمام بالجودة والكفاءة والمصداقية أيضا , كذلك المعرفة العلمية وبكيفية صناعتــــها ..
وهناك إجابة ثانية عن قارة اطلانتس التي لا اثر لها أيضا كما لو أن الكلام عن المجهول وعن عالم الغيب وهو ما لا يمكن إثباته أهم وأجدى عن ما هو معلوم وبين أيدينا . وتتردد بخبث واضح وبروح تآمرية من الثقافات السائدة في الشرق الوسط حاليا إجابة ثالثة هي أساس موضوع المقال . كان مناحم بيجين أول من أعلنها أمام الرئيس الســادات , ولم يستطع الرئيس المؤمن الرد عليه , بل وشاركه هذا الموقف السلبي القوميون والعروبيين وجميع المؤمنين بالديانات السماوية الثلاث على اختلاف مشاربهم بينما يرفع الجميع نفاقا ورياء شعار الدفاع عن الحقوق المشروعة للآخــــرين ..
ويكمن العجز عن الرد في القول بقولنا نحن المصريين بأننا عربا مع أن تواجدنا كعرب في وادي النيل لا يمكن إثباته لغويا ـ ثقافيا …الخ قبل غزو عمرو بن العاص بجيشه مصر في منتصف القرن السابع الميلادي . ومن هنا جاءت لأي من الآخرين في المنطقة مبرر التقدم والمطالبة بهذا التراث الفرعوني الضخم , خاصة إذا ما كانت هناك شبهة تاريخية يرتكز عليها للسطو على هــذا التراث ..
والشبهــة التاريخية اعتمدت على موقف الضيافة من اجل فولها وعدسها وبصلها والتي نزل بسببها بنو إسرائيل ( كقبيلة مرتحلـــة ) في ضيافة المصريين حسبما تحكي قصص بنو اسرائيل في توراتهم التي لا دليل علي صحتها , وفي مرة أخري عندما جاءوا لشراء قمح في أعوام قحط وعندها التقوا بأخيهم يوسف المفقود طبقا للقصة الدرامية وكما جاءت في جميع كتبهم. فتواجدهم في مصر بناءا على ما جاء في تلك الكتب أوحت إليهم بفكرة انهم بناة الاهـــرام .. هنا تنطبق وجهتي النظر الدينية بشعبها الثلاث (يهودية-مسيحية-إسلام) على اختلاف منابعها مع وجهة النظر الصهيونية . الأمر الذي اعجز الجميع عن الرد على الادعاء بسبب الايمان العمي بتلك الكتب وازداد الأمر سوءا بسبب اختلاط الأوراق والتواريخ والجهل باللغات القديمة ثم السب والتجريم لفرعون وقومه وعدم احترام منجزاتهم للحضارة التي تفـــوق بكثير إنجازات الآخرين إذا ما أمكن العثــور عليها ..
ولنقف برهة عند هذه النقطة الأخيرة ، حيث لا يعاني الباحث الاركيولوجى جهدا كثيرا في بحثه عندما يكون الأمر متعلقا بالحضارات المستقرة جغرافيا ، أما بالنسبة للأقوام الرحل ، كذا سكان الصحراء الدائمى الترحال بالضرورة ، فلا يبقى من تراثهم سوى بقايا وجود معيشي مؤقت ارتبط بوجود مصدر معيشي مؤقت أيضا ككلا أو مطر عابر أو بئر ماء ، على كل جماعة مرتحلة أن تأخذ دورها في السقاية أو الرعي . أليس هذا هو الأمر في قصــة موسى مع بنات شعيب حول بئر مدين في القصة الدينية. كذلك قصة هاجر وابنها المستبعد الذي لم يكن له أن يستقر إلا بانبثاق الماء ، ولا يبقى من اثر هذه الأقوام شئ يذكر بسبب قلة ما يملكوه في بيئة كل ما فيها شحيح ونادر , أما إذا بقى شئ لا يمكن حمله والترحال به فهو بالأساس لا نفع فيه وإلا لما تركــــه ..
وحيث أن الاستقرار هو الأمل ومنتهى الأماني لكل مرتحل , لذا نجد أن التراث العربي يتباكى دوما على الأطلال حيث الذكريات ولحظات الخلود للراحة والعشق والاستقرار , أما إذا أراد أن يدون تاريخه , فان الصحراء الفقيرة المفردات لا تمنحه ما يمكنه أن يدون عليه لحظات سعادته وكربه ناهيك عن عبئ حمل كل تلك المدونات في ترحالة الدائم , لذا كان الشعر الموزون والمقفى والمحمول في رأس البدوي هو كتاب تاريخه , يردده بمتعة وصبابة مع إيقاع النوق في سراته , أليس هذا هو كل ما تبقى من التراث البدوي الدائم الترحال , وذاك هو اهم فارق بين المصريين والعرب أي بين الاستقرار والترحال والتداعيات الثقافية والمعرفية الشديدة التباين لكل منهما .
ومن عيوب هذا التدوين الشفاهى للتراث والتاريخ انه معرض وفى كل لحظة للتعديل والحذف والإضافة الذي يصل في لحظات الازمة الي التزييف لاهداف غير اخلاقية. كذلك التداخل اللغوي من الثقافات الأخرى في رحلات الشتاء والصيف, وعلى العقل الحامل لهذا التراث أن يقوم بعمليات توفيق وتلفيق لكل ما يأتيه من الواقع الخارجي ومن ثم فان مصداقية هذا التراث تصبح مصدر شك وشبهة دائمة , لهذه الأسباب فإننا نجد أن الثقة في مصداقية هذا التراث تصبح شبه منعدمة وان على الباحث عن الحقيقة أن يعيد ترتيب كل ما يصلنا من هؤلاء السلف بمنهجية تستبعد الإيمان الغيبى بما وصلنا منهم ولكن بالالتزام بمناهج علمية صارمة كما فعل د. طـــه حسين في النصف الأول من هذا القــــرن في العملين الكبيرين " في الشعر الجاهلي" ،" الفتنة الكبرى".. عندما اكتشف د. طه حسين أن خير أمة أخرجت للناس قامت بعملية انتحال شعر وفبركة تاريخ لها.
وعودة إلى موضوع المقال , فان القول بأننا نحن المصريين عربا واصحاب هذا التراث الفرعوني الضخم , لم يعد يصدقة أحد في ظل ما هو سائد ثقافيا الآن ايمانيا , فالعرب لا يوجد لهم تراث معماري ضخم كهذا في موطنهم الأصلي , بل لا يمكن إثبات وجودنا كعرب على ضفاف النيل قبل مجيء بن العاصي بجيشه إلى مصر . سبب آخر مستمد من الدين يجعل دفاعنا منعدما كما في موقف السادات أمام بيجين , فالإسلام يعتبره تراث وثنى لابد من التنكر له , ولا يرى فيه أي إنجاز حضاري , لان القضية بالنسبة له قضيه إيمان مقابل كفر ولا شئ آخر , ناهيك عن السب الدائم لفرعون وقومه الذي بدأ بمجئ إبراهيم أبو الأنبياء ممن انتسبوا بصلات الدم اليه او ثقافيا عبر الاخذ برؤيته الغيبية عن الوجود طبقا للقصص الدينية إلى مصر في زمن لم يكن هناك لا عرب ولا عبرانييــــن ..
وبسبب العروبة والإسلام التي يحاول المصري أيا كان موقفة الدفاع عنها سرا او جهرا جعلته يغترب عن تراث اجداده بل ويحاول أن يتفادى الصدام الحتمي بينهما , وانظر لما هو مطروح في الأسواق من كتب هزيلة تحاول التنصل من هذا التراث الضخم ومن على أرضيه إسلامية , إحداها بعنوان " الفراعنة لصوص حضــارة " لكاتب مغمور وعلى الغلاف منظر للأهـــرام , وفيه يحاول الرجل ( محمد سمير عطا ) إثبات أن قوم عاد الذين لا نعرف لهم أثرا , بل ولا أين بلادهم على وجه التحديد هم بناه المعمار الفرعوني , ذلك لمجرد أن جاء ذكرهم في القــرآن مقرونا بالصخــر ..
هنا نجد بصمه ثقافة القوم الرحل من عرب وعبرانيين , حيث الثقافة الشفاهية للمعرفة والتي لا تعرف الاستقرار ودائمة الخلط بين كل ما تتسمعه شفهيا في ترحالها رعويا كان أم تجــــاريا شتاءا كان ام صيفا..
أما عن الندوة التي أقامتها ونشرتها جريدة الوفد في 3/7/97 وفى مقر الوفد حيث الروح المصرية , فقد بدت حيرة أصحاب التراث بين موقفين , فان دافعوا يصبحون في موقف لا يحبذه الدين , بل ينكره ولسوف يخسرون انتمائهم إلي العرب الذين شرف اللّه أحدهم بلقاء الوحي , أما إذا أيدوا وأنكروا علاقتهم بذات التراث , فقد أعطوا الحق للآخرين الصهاينة أبناء عمومة العرب بالتقدم والمطالبة به كما هو حادث الآن , بل إذا مددنا الخطوط المتعرجة من بدايتها على استقامتها فسيصبح من حق هؤلاء المدعيين بالعودة والاستيطان في ظل تراثهم المزعوم ونتحول نحن إلي فلسطــــينين في الشتات ..
ودعنا نرى وجهه نظر التاريخ وكما كتبها من لهم السيادة الثقافية الآن , ففي الخطط للمقريزى أن الخليفة المأمون عندما أتى لمصر على رأس جيش لمحاربة المصريين أهل الدلتا, زار الأهرام وحاول معرفة ماذا في قمة الهرم . فصعد أحد إتباعه وعاد ليقول .. أن قمة الهرم مسطح ومساحته مبرك ثماني جمال …!! هكذا تقاس المساحة عند الخليفة الجالس في بغداد حيث بيت الحكمة منبع العلم العربي والحضارة الإسلامية , إذا قارناه بعلوم مدرسة الإسكندرية حيث اقليدس واضع أسس الهندسة وكما نعرفها حتى اليوم , مستعينا بالمنطق الارسطى وخبرات المصريين في البناء والمعمار , كذلك فيثاغورث وأرشميدس واضعي أسس الرياضة والطبيعيات وهما تاج المعرفة العلمية , كل هذا قبل مجيء العرب إلى مصر بحوالي الــــف عــــام .أما مستشار الخليفة وهو طبيب فقد أفتى بان سر تماسك الهرم أن الحجر الذكر بجانبــــــــه دائما حجر أنثي …!! او كما تقول العامية المصرية عاشق ومعشوق. ولنلحظ فارق التوصيف بين فصاحة مستشار الخليفة الاسلامي وبين العامية المصرية
لم يكن للمصريين أن يتناسوا تراث مدرسة الاسكندرية ومدونات مكتبتها إلا في ظل الديانة المسيحية ( العبرانية في طورها الثاني ) عندما دمرت المدرسة في ظل الثقافة المسيحية، وأحرقت المكتبة في ظل الطور الاخير للديانة العبرانية ( الاسلام ) ولم يبق للمصريين سوي الشفاهية – أي الارتداد عن عصر التدوين الذي سبق به المصريون العرب بحوالي 4000 عام. فلم يكن لمصر من مدون الا ابن عبد الحكم مع بدايات الفترة الطولونية. اما ابن المقفع فقد كتب ما كتب بالحبشية وكان ليس للمصريين من لغة
وعندما تولى الخدم والطواشي الحكم حاول أحد الملوك الأيوبيين هدم الهرم الأصغر فوفر العمال وجمع الأموال وبعد أن شوهوا الهرم قالوا للسلطان : لو بذلت ألف دينار لكل عامل لرد الحجارة لما عاد إلى هندامه الســــــابق .. المقريزي باب الاهرام
ذلك هو موقف القادمين بالدين الجديد من هذا التراث , ويبقى السؤال متى سادت الثقافة العربية على المصريين لتدخل بهم إلي عالم النسيان إزاء تراثهم , ومن خلال أهم أدواتها وهى اللغــــة ؟ ..
فمعروف أن الشعر هو مقياس الفصاحة والتمكن اللغوي ذلك إذا كانت هناك حياه شعرية .. فاقدم شاعر مصري هو محمود سامي البارودى أي من 120 عاما فقط , ثم تأتى باقي القائمة العريضة في هذا القرن فقط , أما منذ مجيء العرب وحتى الثورة العرابيه فهناك ندرة شديدة في هذا المجال منهم عمر بن الفارض , بن سناء الملك , بن قزمان , والبهاء زهير , ولم يتعد زمان آخرهما عام سقوط بغداد , واسمائهم تدل على جذورهم العرقية من خارج مصر ، وكثير من أعمالهم ليس لها من الشيوع ولا يذكر أحد شاعرا طوال ألــ 700 عام التالية وحتى البارودى, فأين السيادة اللغوية لعروبة المصريين التي يمكن التعويل عليها بأننا عربا طوال أثنى عشــــر قرنا … ؟ أما في الأوساط الرسمية فلم تضع اللغة نفسها في التعليم إلا مع قرار وزير المعارف سعد باشا زغلول و في الحياة العامة إلا مع قرار وزير الشؤون الاجتماعية عبد الحميد عبد الحق وفي المحاكم وأمور التقاضي إلا مع المستشار عبد السلام ذهني بك. وهنا تجدر الاشارة الي ان جريدة الوقائع المصرية كانت باللغة التركية في اول اصدار لها
لا يبقى إلا القول بان عروبة المصريين والتي تخلخل انتمائهم الوطني وتجعلهم عاجزين عن الدفاع عن مقدسات تراثهم بل وتقدم الوطن والتراث المصري فريسة سهله لكل هوام مرتحل , ليست إلا مكتسب لغوى حديث تاريخيا يمكن تهذيبه واصلاحه شأنه شأن أي برنامج معرفي داخل العقل , أما إذا ثبت انه مضيع للحقوق ويعرضنا وتراثنا للضيــــاع فلا مناص من اسقاطة والتمسك بأصل وهوية مصرية هي اعمـــق وارقـــى .
=====
تعليقات
إرسال تعليق