قراءات - عرض لرواية هامة
6-1-2019
هل جنون العالم يبدأ من مهد المسيح.. من فلسطين؟
14 يونيو 2015--( نقلاً عن مجلة العربي الجديد ) .
بهذه الخلاصة، يُنهي الكاتب الفلسطيني أسامة العَيَسة روايته "مجانين بيت لحم" التي اشتملت على أشكال شتّى من الجنون، الفرديّ والجماعيّ، في العالم كله، لا في فلسطين أو في بيت لحم وحدها. جنون يتجسد في سلوكيّات عدوانية لا تظهر حتّى لدى تلك الفئة من البشر "المرضى" عقليّاً، ما يستدعي السؤال: مَن هو المجنون في هذه الرواية؟ وهل يبدأ جنون العالم من "دير" في بيت لحم؟ هل هو ذلك الشكل من الجنون بالفهم السائد، فقط، أم أن ثمة صورا وأشكالا جمّة تعلن عنها الرواية التي حازت مؤخراً جائزة زايد للكتاب؟
تلخص الرواية تاريخ وعلاقات المدينة المقدسة التي نجدها في العنوان، وهي علاقات يتداخل فيها الفلسطيني بالعربي والدولي، ليبرز ملامح المدينة وأهلها وأهميتها التي جعلت منها لعنة أو "لوثة" تصيب كل من اقترب منها وارتبط بها.
بدايات ومقدمات
انطلاقاً من القرية الصغيرة، التي تحوّلت منذ كارثة العام 1948 إلى مخيم يحمل اسم "الدهيشة"، والواقعة في الجبال الحرجية الموحشة على طريق القدس-الخليل قرب بيت لحم، يطوف بنا المؤلف في رحلة روائية/ تاريخية وخيالية واسعة، تطوّحنا ما بين الماضي البعيد والقريب/ الراهن، ليرسم لنا "تاريخ" هذه القرية/ المخيم، بما يحيل على فلسطين التاريخية، عبر صور وأشكال كثيرة من نماذج "المجانين" فيها، ومن خلال لغة تحمل قدرا من السخرية، وعوالم فانتازية أحيانا.
الرواية تجمع ما بين المادة التاريخية والواقعية، ولن أقف عن التصنيف، بل الغاية من قراءتي هذه هي الوقوف على محاور أساسية انشغل بها المؤلف، وجمع لها مادته التي حصل عليها من مصادر متعددة، كتب وصحف ومواقع إنترنت وجولات ميدانية، فشكّلت جسدَ هذه الرواية وروحَها. وفي هذا يقول المؤلف "في هذه الرواية-الشهرزادية، مِثل ما في الروايات الأخرى: قليلٌ من الحقائق، كثيرٌ من الخَيال، وثرثرة".
منذ البداية نشير إلى أن المؤلف هنا، هو أحد "أبطال" روايته، وهو أيضا الراوي العليم بكل ما يجري فيها، وهو يُسند السرد إلى شخوصه/ أبطاله حسب ما يستدعيه البناء، ولهذا فهو يحشد قدرا كبيرا من المادة "الأرشيفية" التي تساعده في بناء شخوص روايته وحوادثها، منطلقا من شخصية "سَطَحار" التي ينحتها من (سار، طار، حار) في عبارة "مَنْ عرف الله سار، ومَن سار طار، ومَن طار حار" التي يرددها "المجنون عُجيل المقدسي"، في كتاب "عقلاء المجانين" لمؤلفه الحسن بن محمد بن حبيب النيسابوري (ت 406هـ)، كما يورد العَيَسة. وإلى ذلك فهو يقدّم لروايته بهذه الملحوظة "تتخلّل الرواية بعض النصوص التاريخية والأدبية التي أوردها الكاتب بحرفيّتها".
تاريخ وأسماء
جَهْد كبير يقوم به العَيَسة لبناء تاريخ المدينة والمخيم، والحياة الاجتماعية والسياسية والاقتصادية والثقافية فيهما، تاريخ يبدأ من تسمية مخيم "الدهيشة"، المخيم الذي يعدّ قلعة لمقاومة المحتلّ، والروايات المتناقلة في شأنه وشأن بيت لحم، فيستحضر روايتين عربيتين تفسران الاسم أو ترتبطان به، الأولى قصة إبراهيم باشا الذي كان في طريقه لقمع تمرّد الثوار المصريين الذين فرّوا إلى فلسطين هربًا من السُّخرة، ورفض أحمد باشا الجزّار تسليمهم، وحين مرّ في تلك المنطقة ورأى الأحراج تساءل بدَهشة "إيه ده.. دي هيشة.. دي هيشة..!".
ويرتبط بهذا الأمر في الرواية، حجم الحضور "المصريّ" في فلسطين، حيث "فضّل عدد كبير من أفراد جيش إبراهيم باشا، إن لم يكن معظمه، أن يبقوا في فلسطين، فأصبح في كلّ قرية فلسطينيّة تقريبًا عائلة "المصري" وظلّ هؤلاء يُعرفون بالمصاروة". بل "إنّ مغامرته قد تكون شكّلت الهوية الفلسطينية كما نعرفها الآن، بما فيها مصريّتها".
الرواية الثانية التي يشتغل عليها النصّ الروائي هنا، علاقة هذه المنطقة بشخصية "داهش بيك"، "المفكر" العبقري الذي كاد يصبح نبيا في فلسطين، ولكن في لبنان بصورة أوضح، من خلال حجم "الأتباع" ومدى انتشار "فكره" ومؤلفاته، والخوارق التي تُنسب إليه، إذ يروي عنه أنه حين كان يريد أن يجز شعره، يذهب إلى الحلاق حاملا رأسه، فيضعه عند الحلاق ويغادر ليقضي بعض حاجاته ثم يعود ليأخذه، وهذه درجة من الفانتازيا لم تبلغها حتى روايات ماركيز ذي الواقعية السحريّة. ومن بين مراحل حياة "داهش"، يركز الروائي أيضا على مرحلته اللبنانية، حين جرّده الرئيس بشارة الخوري من جنسيته اللبنانية ونفاه خارج لبنان، وما أسباب ذلك الإجراء وما تمخض عنه من "وثائق" تهمّ الحياة السياسية اللبنانية.
هزيمة تراجيكوميدة
وما بين لحظة ابراهيم باشا التاريخية البعيدة، واللحظة الراهنة التي تشهد حضورا كثيفا للسلطة الفلسطينية ورموزها، ينشغل الروائي بتأثيث المشهد بعشرات "المجانين"، ذكورا وإناثا، عبر ارتباطهم بمبنى "الدّير" الذي جرى تحويله مأوى لهؤلاء المجانين، وتاريخ هذا المبنى الذي قامت من أجله حرب البلقان. ولأن المجانين ليسوا فقط هم أولئك المفصولين عن الواقع، بل إنهم منخرطون فيه على هذا النحو أو ذاك، فإن لكل منهم حكايته التي تعكس جانبا من جوانب هذا الواقع. وفي الحقيقة فإن لكل منهم "روايته" التي تصلح للتأشير على مرض من أمراض حياتنا الاجتماعية أو السياسية، لذلك لا يمكننا الاكتفاء بنموذج واحد يعبر عن هزائمنا وانهياراتنا.
عشوائيّا يمكن اختيار والد "البطل" ليكون من أبرز النماذج الممثّلة لحجم الهزيمة والانكسار، هذا الوالد الذي اتّخذ جنونه، منذ "النكبة/ الهجرة"، شكلاً غريبًا، وهو الصمت "هكذا، ببساطة، أصبح صِمِّيتًا"، معه ستتجلّى ذروة الجنون في هزيمة حزيران 1967، عبر مشهد ربما يكون الأكثر "تراجيكوميدية"، حيث تمتزج المأساة بقدر من السخرية، فالرجل الذي يرفض أن يهاجر ثانية، وترفض زوجته أن تمنحه شاشتها البيضاء ليرفعها "علم استسلام" للقوات الإسرائيلية الزاحفة لاحتلال المدينة، يضطر إلى رفع سرواله، من دون أن يدري أن خلع السروال "سيكون سمة وشارة لزمنٍ عربي ما تزال تعيشه أجيال متعاقبة".
جنون زمن أوسلو
هذا الزمن يمتدّ روائيا إلى "زمن أوسلو"، والسلطة بمواصفاتها ورموزها، بعضها المعروف باسمه كما هو حال "الختيار" وأبو مازن، والبعض الآخر بملامحه وسلوكياته. وهنا نستطيع القول إن الصورة "الكاريكاتورية" والهزلية التي يرسمها المؤلف لشخصية القائد "الختيار، رئيس اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية" (كما يرد في الرواية)، بملامحه وسلوكاته المشهودة، هي الأغنى والأكثر تفصيلا حتى الآن في الأدب الفلسطيني. هنا نشاهد طريقته وإصراره على التقبيل، تقبيل من هبّ ودبّ، مثلا. ونقرأ عن أسلوبه في "الحُكم" والتحكّم والتسلّط والمراوغة وغير ذلك. حتى إن فرقة أطفال قدّمت مسرحية، حكت عن أحد دكتاتوريّي الثورات الكبار، الذي بنى نظامًا أمسك فيه بكلّ الخيوط، وكان يسمّيه "ديمقراطية سكر زيادة".
كما يشتمل هذا المحور على أشكال وألوان من جنون الفساد في أجهزة ومؤسسات السلطة، من قمّتها إلى القاعدة، الفساد في مأوى المجانين وفي الصحافة والقضاء..الخ. وجنون الأرستقراطية الدينية التي تأسّست ونمت في عهود إسلامية متتابعة، وتقاسمت الوظائف الدينية، والسياسيّة، والوجاهة الاجتماعية، وتوارثتها، وتعايشت مع كلّ الولاة والحكّام.
وفي مقابل هذا "الجنون الإسلامي"، ثمة "مجانين المسيح"، ففي عام 1866 مثلاً، ظهر نصّاب أميركي عُرف باسم أدامز، أخذ يدعو رفاقه وعائلاتهم إلى السفر معه إلى القدس والاستيطان هناك في انتظار عودة المسيح، وما زال يتوافد على القدس الكثير من مرضى "الكتاب المقدس".
وأخيرا، نرى "الأرض المقدّسة وهي على موعدٍ مع جنونٍ دموي، بدأ حربًا إسرائيلية على غزّة، وامتدّ إلى وطن المجانين، ولكن تلك، جولة جنون أخرى، رواية أخرى من روايات الأرض المقدّسة التي لا تنتهي. ليكتبها مجنون غيري".
(كاتب وشاعر أردني)
هل جنون العالم يبدأ من مهد المسيح.. من فلسطين؟
14 يونيو 2015--( نقلاً عن مجلة العربي الجديد ) ."لم أكتب إلا السّطر الأوّل في ملحمة مجانين فلسطين والعرب على أرض بيت لحم، على أرض الدهيشة"!
بهذه الخلاصة، يُنهي الكاتب الفلسطيني أسامة العَيَسة روايته "مجانين بيت لحم" التي اشتملت على أشكال شتّى من الجنون، الفرديّ والجماعيّ، في العالم كله، لا في فلسطين أو في بيت لحم وحدها. جنون يتجسد في سلوكيّات عدوانية لا تظهر حتّى لدى تلك الفئة من البشر "المرضى" عقليّاً، ما يستدعي السؤال: مَن هو المجنون في هذه الرواية؟ وهل يبدأ جنون العالم من "دير" في بيت لحم؟ هل هو ذلك الشكل من الجنون بالفهم السائد، فقط، أم أن ثمة صورا وأشكالا جمّة تعلن عنها الرواية التي حازت مؤخراً جائزة زايد للكتاب؟
تلخص الرواية تاريخ وعلاقات المدينة المقدسة التي نجدها في العنوان، وهي علاقات يتداخل فيها الفلسطيني بالعربي والدولي، ليبرز ملامح المدينة وأهلها وأهميتها التي جعلت منها لعنة أو "لوثة" تصيب كل من اقترب منها وارتبط بها.
بدايات ومقدمات
انطلاقاً من القرية الصغيرة، التي تحوّلت منذ كارثة العام 1948 إلى مخيم يحمل اسم "الدهيشة"، والواقعة في الجبال الحرجية الموحشة على طريق القدس-الخليل قرب بيت لحم، يطوف بنا المؤلف في رحلة روائية/ تاريخية وخيالية واسعة، تطوّحنا ما بين الماضي البعيد والقريب/ الراهن، ليرسم لنا "تاريخ" هذه القرية/ المخيم، بما يحيل على فلسطين التاريخية، عبر صور وأشكال كثيرة من نماذج "المجانين" فيها، ومن خلال لغة تحمل قدرا من السخرية، وعوالم فانتازية أحيانا.
الرواية تجمع ما بين المادة التاريخية والواقعية، ولن أقف عن التصنيف، بل الغاية من قراءتي هذه هي الوقوف على محاور أساسية انشغل بها المؤلف، وجمع لها مادته التي حصل عليها من مصادر متعددة، كتب وصحف ومواقع إنترنت وجولات ميدانية، فشكّلت جسدَ هذه الرواية وروحَها. وفي هذا يقول المؤلف "في هذه الرواية-الشهرزادية، مِثل ما في الروايات الأخرى: قليلٌ من الحقائق، كثيرٌ من الخَيال، وثرثرة".
منذ البداية نشير إلى أن المؤلف هنا، هو أحد "أبطال" روايته، وهو أيضا الراوي العليم بكل ما يجري فيها، وهو يُسند السرد إلى شخوصه/ أبطاله حسب ما يستدعيه البناء، ولهذا فهو يحشد قدرا كبيرا من المادة "الأرشيفية" التي تساعده في بناء شخوص روايته وحوادثها، منطلقا من شخصية "سَطَحار" التي ينحتها من (سار، طار، حار) في عبارة "مَنْ عرف الله سار، ومَن سار طار، ومَن طار حار" التي يرددها "المجنون عُجيل المقدسي"، في كتاب "عقلاء المجانين" لمؤلفه الحسن بن محمد بن حبيب النيسابوري (ت 406هـ)، كما يورد العَيَسة. وإلى ذلك فهو يقدّم لروايته بهذه الملحوظة "تتخلّل الرواية بعض النصوص التاريخية والأدبية التي أوردها الكاتب بحرفيّتها".
تاريخ وأسماء
جَهْد كبير يقوم به العَيَسة لبناء تاريخ المدينة والمخيم، والحياة الاجتماعية والسياسية والاقتصادية والثقافية فيهما، تاريخ يبدأ من تسمية مخيم "الدهيشة"، المخيم الذي يعدّ قلعة لمقاومة المحتلّ، والروايات المتناقلة في شأنه وشأن بيت لحم، فيستحضر روايتين عربيتين تفسران الاسم أو ترتبطان به، الأولى قصة إبراهيم باشا الذي كان في طريقه لقمع تمرّد الثوار المصريين الذين فرّوا إلى فلسطين هربًا من السُّخرة، ورفض أحمد باشا الجزّار تسليمهم، وحين مرّ في تلك المنطقة ورأى الأحراج تساءل بدَهشة "إيه ده.. دي هيشة.. دي هيشة..!".
ويرتبط بهذا الأمر في الرواية، حجم الحضور "المصريّ" في فلسطين، حيث "فضّل عدد كبير من أفراد جيش إبراهيم باشا، إن لم يكن معظمه، أن يبقوا في فلسطين، فأصبح في كلّ قرية فلسطينيّة تقريبًا عائلة "المصري" وظلّ هؤلاء يُعرفون بالمصاروة". بل "إنّ مغامرته قد تكون شكّلت الهوية الفلسطينية كما نعرفها الآن، بما فيها مصريّتها".
الرواية الثانية التي يشتغل عليها النصّ الروائي هنا، علاقة هذه المنطقة بشخصية "داهش بيك"، "المفكر" العبقري الذي كاد يصبح نبيا في فلسطين، ولكن في لبنان بصورة أوضح، من خلال حجم "الأتباع" ومدى انتشار "فكره" ومؤلفاته، والخوارق التي تُنسب إليه، إذ يروي عنه أنه حين كان يريد أن يجز شعره، يذهب إلى الحلاق حاملا رأسه، فيضعه عند الحلاق ويغادر ليقضي بعض حاجاته ثم يعود ليأخذه، وهذه درجة من الفانتازيا لم تبلغها حتى روايات ماركيز ذي الواقعية السحريّة. ومن بين مراحل حياة "داهش"، يركز الروائي أيضا على مرحلته اللبنانية، حين جرّده الرئيس بشارة الخوري من جنسيته اللبنانية ونفاه خارج لبنان، وما أسباب ذلك الإجراء وما تمخض عنه من "وثائق" تهمّ الحياة السياسية اللبنانية.
هزيمة تراجيكوميدة
وما بين لحظة ابراهيم باشا التاريخية البعيدة، واللحظة الراهنة التي تشهد حضورا كثيفا للسلطة الفلسطينية ورموزها، ينشغل الروائي بتأثيث المشهد بعشرات "المجانين"، ذكورا وإناثا، عبر ارتباطهم بمبنى "الدّير" الذي جرى تحويله مأوى لهؤلاء المجانين، وتاريخ هذا المبنى الذي قامت من أجله حرب البلقان. ولأن المجانين ليسوا فقط هم أولئك المفصولين عن الواقع، بل إنهم منخرطون فيه على هذا النحو أو ذاك، فإن لكل منهم حكايته التي تعكس جانبا من جوانب هذا الواقع. وفي الحقيقة فإن لكل منهم "روايته" التي تصلح للتأشير على مرض من أمراض حياتنا الاجتماعية أو السياسية، لذلك لا يمكننا الاكتفاء بنموذج واحد يعبر عن هزائمنا وانهياراتنا.
عشوائيّا يمكن اختيار والد "البطل" ليكون من أبرز النماذج الممثّلة لحجم الهزيمة والانكسار، هذا الوالد الذي اتّخذ جنونه، منذ "النكبة/ الهجرة"، شكلاً غريبًا، وهو الصمت "هكذا، ببساطة، أصبح صِمِّيتًا"، معه ستتجلّى ذروة الجنون في هزيمة حزيران 1967، عبر مشهد ربما يكون الأكثر "تراجيكوميدية"، حيث تمتزج المأساة بقدر من السخرية، فالرجل الذي يرفض أن يهاجر ثانية، وترفض زوجته أن تمنحه شاشتها البيضاء ليرفعها "علم استسلام" للقوات الإسرائيلية الزاحفة لاحتلال المدينة، يضطر إلى رفع سرواله، من دون أن يدري أن خلع السروال "سيكون سمة وشارة لزمنٍ عربي ما تزال تعيشه أجيال متعاقبة".
جنون زمن أوسلو
هذا الزمن يمتدّ روائيا إلى "زمن أوسلو"، والسلطة بمواصفاتها ورموزها، بعضها المعروف باسمه كما هو حال "الختيار" وأبو مازن، والبعض الآخر بملامحه وسلوكياته. وهنا نستطيع القول إن الصورة "الكاريكاتورية" والهزلية التي يرسمها المؤلف لشخصية القائد "الختيار، رئيس اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية" (كما يرد في الرواية)، بملامحه وسلوكاته المشهودة، هي الأغنى والأكثر تفصيلا حتى الآن في الأدب الفلسطيني. هنا نشاهد طريقته وإصراره على التقبيل، تقبيل من هبّ ودبّ، مثلا. ونقرأ عن أسلوبه في "الحُكم" والتحكّم والتسلّط والمراوغة وغير ذلك. حتى إن فرقة أطفال قدّمت مسرحية، حكت عن أحد دكتاتوريّي الثورات الكبار، الذي بنى نظامًا أمسك فيه بكلّ الخيوط، وكان يسمّيه "ديمقراطية سكر زيادة".
كما يشتمل هذا المحور على أشكال وألوان من جنون الفساد في أجهزة ومؤسسات السلطة، من قمّتها إلى القاعدة، الفساد في مأوى المجانين وفي الصحافة والقضاء..الخ. وجنون الأرستقراطية الدينية التي تأسّست ونمت في عهود إسلامية متتابعة، وتقاسمت الوظائف الدينية، والسياسيّة، والوجاهة الاجتماعية، وتوارثتها، وتعايشت مع كلّ الولاة والحكّام.
وفي مقابل هذا "الجنون الإسلامي"، ثمة "مجانين المسيح"، ففي عام 1866 مثلاً، ظهر نصّاب أميركي عُرف باسم أدامز، أخذ يدعو رفاقه وعائلاتهم إلى السفر معه إلى القدس والاستيطان هناك في انتظار عودة المسيح، وما زال يتوافد على القدس الكثير من مرضى "الكتاب المقدس".
وأخيرا، نرى "الأرض المقدّسة وهي على موعدٍ مع جنونٍ دموي، بدأ حربًا إسرائيلية على غزّة، وامتدّ إلى وطن المجانين، ولكن تلك، جولة جنون أخرى، رواية أخرى من روايات الأرض المقدّسة التي لا تنتهي. ليكتبها مجنون غيري".
(كاتب وشاعر أردني)
تعليقات
إرسال تعليق