نساء رائدات , ومناضلات - 2 " إستر فانوس " من مصر
الرائدة والمناضلة / إستر فانوس
وجه ملائكي - لامرأة صلبة ! ثائرة ومناضلة سياسية بطلة
-----
منقول - نساء على رقعة الشطرنج.. إستر فانوس..ركز الصورة تطلع مصر.. المسيحية التى دخلت المسجد مكشوفة الشعر لتلقى خطبة من على المنبر وخرجت على قدميها قبل أن يكون بيننا داعش .. تركت عائلتها لتلحق بالثوار
بعد نفى سعد زغلول
مكانتها فى المجتمع والصراعات حول إذا ما كانت عورة أم لا ومكانها هل هو فى البيت أم فى بالشارع والغثاء الذى يأتينا يوميا والدعوات التى باتت سخيفة عن حق المرأة والفيمنست والاضطهاد الذى ينال كل أقلية سواء كانت أنثى أو مسيحية، فكل ما عليك هو إيجاد آلة زمن تعود بك للخلف مائة عام بالكمال، نعم عام ثورة 1919 أو قبل ذلك بسنوات معدودة، وتحط بك فى أكثر الأماكن المتهمة بالاضطهاد والجهل، فى قلب صعيد مصر، محافظة أسيوط حيث تعيش السيدة إستر فانوس، ابنة الصعيد فى منزل والدها المحامى أخنوخ فانوس، صعيدى الأصل الذى ربى ابنته على الحرية والاستقلالية، وزرع فيها حب الوطن وأهّلها لأن تكون واحدة ممن غيّرن التاريخ فى مصر، مع زميلاتها صفية زغلول وهدى شعراوى وغيرهن ممن قدن الثورة فى مصر، بعد نفى سعد باشا زغلول وتزعمن الحركة النسائية وقتها.
لم يقل دور إستر فانوس فى ثورة 19 عن دور صفية زغلول أو هدى شعراوى، فالثلاثة كن الشعلة وشرارة البداية والمحرك الأساسى لمشاركة النساء فى الثورة وجميعنا يعلم دور السيدتين العظيمتين صفية وهدى، لكن ثالثهما وهى إستر لا نعلم عنها الكثير، ولم تحظ بنفس الشهرة لأسباب لا يعلمها إلا الله، لكن هناك على مواقع المعرفة القليل من المعلومات عنها فذكرت أنها ابنة صعيد مصر التى تركت منزل والدها الطبيب الصعيدى حتى تلحق بزميلاتها وتمسك معهن براية الكفاح وتقف فى مقدمة صفوف المناضلين ضد الاحتلال الإنجليزى، وذلك بعد علمها بخبر نفى الزعيم سعد زغلول أثناء زيارة مكرم عبيد صديق والدها الذى أبلغهم بالأمر وقال لهم إن السيدة صفية زغلول تتزعم حركة نسائية ضد الإنجليز، فلم تتردد إستر فى استئذن والدها بالسفر إلى القاهرة للحاق بهذه الثورة ولم يرفض الوالد، كيف يرفض وقد تعلمت ابنته من مكتبته الخاصة وتثقفت على يده، وكيف يرفض وهو من علمها أن حب الوطن فرض وأن الثورة ضد المستعمر فرض، وأن الجهاد فى سبيل مصر هو اسمى الفروض، فوافق وسافرت إستر إلى القاهرة ومن خلال هذا الموقف يمكننا تخيل شكل مصر فى هذا الوقت وعقول أبنائها، فهذه عائلة مسيحية صعيدية الأصل، وفقا لما نعيشه حاليا الوضع الطبيعى أن يرفض الأب سفر ابنته إما تشددا، أو جهلا أو حتى خوفا عليها، لكنه لم يفعل لأن مصر وقتها كانت لأبنائها من المصريين، لم تعرف فرقا بين مسلم ومسيحى ويهودى ولم تميز بين رجل وسيدة، لم تضطهد ولم تظلم ولم تجُر على حق أحد، ذلك لأن أبناءها كانوا مصريين خالصين، قبل أن تلوثهم الحركات الدينية الدخيلة على مجتمعنا، ويمكنك أن تتأكد من هذا وأكثر عندما تعلم أن إستر فانوس السيدة المسيحية دخلت إلى مسجد مكشوفة الرأس لحضور اجتماع سياسى بين الثوار بحضور رجال ونساء وعقب الاجتماع ألقت خطبة سياسية فى المسجد تحث المصريين على مقاومة المحتل، فهل تتخيل عزيزى المصرى سيدة مكشوفة الرأس لا ترتدى حجابا والصليب على يدها تقف على منبر مسجد وتخطب فى الحاضرين من الرجال والنساء الموجودين فى قاعة واحدة، ثم تخرج بسلام دون أن تثار فتنة طائفية، تخرج من المسجد على قدميها لا مسحولة ولا محروقة، تخيل معى لو تكرر هذا المشهد اليوم بعد مائة عام من التعلم والانفتاح والثقافة والتنوير، ماذا سيكون رد فعل الحركات التكفيرية، وماذا ننتظر من الدواعش، لذا أدعوك للتوقف عند هذا المشهد وتأمله جيدا لتعرف مصر الحقيقية، ولندرك جميعا أن شعارات ثورة 19 كانت صادقة تمام الصدق، فعاش الهلال مع الصليب وجسدت هذه الثورة الوحدة الوطنية وتقبل المصريين أصحاب الديانات الأخرى، فمثلما دخلت إستر المسجد وخطبت فيه دخلت صفية زغلول الكنيسة وكنت لها بيت وملاذ.
عرفت الشجاعة قلب إستر وتوغلت بداخله، فأول ما علمت بأمر نفى سعد باشا زغلول كتبت خطابا لرئيس الولايات المتحدة الأمريكية وقتها ويلسون قالت له فيه «أرسلنا أربعة رجال للقتال فى المعركة - وتقصد بهم هنا سعد زغلول ورفاقه - ولو تطلب الأمر سوف نرسل 400 وقد يصل العدد إلى 4000 أو أربعة ملايين من أجل تحرير الأربعة رجال فقط»، ولم ترسل الرساله إلى ويلسون قبل أن توقع عليها كل من صفية زغلول وهدى شعراوى على اعتبارهن شريكات هذه الحركة النسائية التى تعتبر أولى الحركات السياسية التى تشكلها النساء، وأول ثورة شعبية فى مصر تتقدم صفوفها الأنثى وتشارك بها، ثم وقعت من بعدهن مئات النسوة وخرجن فى مظاهرات عارمة مرددات الشعارات ورافضات الاستعمار، واستمر نضال إستر مع صديقاتها فشكلن معا لجنة تمثيل النساء التى تعمل مع حزب الوفد وعقد أول اجتماع لها فى كنيسة القديس مرقس، وتم انتخاب هدى شعراوى رئيسة للجنة، بينما كانت إستر أمينة لها هى ومجموعة أخرى من السيدات، وبعد ذلك بأعوام شاركت إستر فى تأسيس الاتحاد النسائى المصرى مع مجموعة سيدات للارتقاء بدور المرأة فى المجتمع ورفع ثقافتها ووعيها بقضايا البلد وحثها على المشاركة الدائمة فى الحياة السياسية والاجتماعية، ولو تأملت أهداف هذه الحركات والجمعيات النسوية سوف تكتشف أن المراد منها لم يكن الحصول على حق أو منع اضطهاد أو البحث لها عن مكانة أو تمكينها من خلال كوتة، بل كان مزيدا من الوعى، ومزيدا من المشاركة، فمعركتهم النسوية لم تكن مع رجل أو مجتمع يعامل.
عرفت إستر أيضا بـ«أستر ويصا» وذلك بعد أن تزوجت من فهمى بك ويصا الذى وصل إلى منصب وزير الوقاية المدنية فى حكومة النحاس باشا عقب ثورة 19، كما كان عضوا بمجلس الشيوخ، ومن خلال هذا المنصب يمكنك أن تستشف أيضا نبل وقداسة العمل السياسى وقتها، وتقديره من رجال الدولة واعتزازهم به، فزوجها الوزير عضو مجلس الشيوخ لم يمنعها من النضال ولم تكن له مصلحة سوى سلامة الوطن، فتركها تشارك فى الثورات وتقودها وتتقدم صفوف النسوة وتؤسس الحركات دون أن يشعر بخجل أو يخشى على منصبه، وعلى الرغم من هذا التاريخ الطويل من النضال والذى انتهى بموتها فى الإسكندرية عام 1990، فإنها لم تحظ بنفس مقدار الشهرة الذى حصلت عليه كل من صفية زغلول وهدى شعراوى على الرغم من أن دورها فى الحركة النضالية النسوية لا يقل عنهما بل كانت شريكة ثالثة لهما، ويمكن القول إنه وفقا لما علمناه عنها فقد كانت ظروفها هى الأصعب، فهى السيدة المسيحية الصعيدية التى تركت أهلها وبلدتها وسخرت حياتها لخدمة الوطن فنسجت تفاصيل حياتها صورة لمصر هذه الفترة وهى الصورة الحقيقية لهذا البلد العظيم وشعبه رجالا ونساء.
تعليقات
إرسال تعليق