كتابات ساطعة
رجع أكتوبر .. ورجع معه النقار
بعد أن هدأت دقات طبول الانتصار وأبواق الفرح و الدعاية .. و بعد أن سكنت دموع الاحزان علي الهزيمة و وصول القوات الغازية لمشارف القاهرة .. و توقيع معاهدة الاستسلام .. من هو المستفيد الفعلي من الحرب ؟
اسرائيل أصبح لها سفارة فى القاهرة ، ومركز ثقافى ، وشريكة فى تصنيع منتجات مصرية يتم تصديرها لأمريكا ( اتفاقية الكويز ) ومواطنوها يقضون أجازاتهم فى دهب ونويبع وطابا وباقى مدن سيناء .. وحجاج دير سانت كاترين ، تنظم شركات اسرائيلية رحلاتهم.
سيناء منزوعة السلاح ، غير مسموح للقوات المسلحة المصرية بدخولها إلا بعدد محدود من قوات الأمن ذات التسليح الخفيف ..و بعد زيادة نفوذ جماعات الراديكالية الجهادية الاسلامية و تهديدها حدود إسرائيل سمح لقوات لا تمثل خطورة هجومية بالتواجد .
وهكذا فى حين تستطيع القوات الاسرائيلية إعادة احتلال سيناء فى مدة لا تزيد عن ساعات ، نصف يوم ، ستقف القوات المصرية عاجزة عن عبور المانع المائى في صورته الجديدة المضاعفة .. ومواجهة القوات الغازية.
البترول والغاز المستخرج من سيناء والذى كانت اسرائيل تسرقه أيام الاحتلال ، ظلت تستهلكه بأسعار أقل من أسعار السوق و عند قطعه عنها حكمت لها المحاكم الدولية بتعويضات ينوء بها كاهل المصريين لأجيال .
القوات الخاصة بالأمم المتحدة التى أغلبها امريكية ، تقضى أسعد فترات خدمتها ما بين منتجعات البحر الأحمر الدافئة ، ومدن اسرائيل المتحررة المرحبة
شرم الشيخ وما حولها ، أصبحت مناطق سياحية عالمية ، استخدم فيها استثمارات مهولة ممولة من عدد محدود من أصحاب الحظوة و النفوذ .و جزيرتي مدخل خليج العقبة مرفوع عليهما العلم السعودى ..
العرب فى سيناء يزرعون مئات الأفدنة بالمخدرات ، ويهربون الأفارقة وغيرهم لداخل اسرائيل ، يتحكمون فى الطرق الرئيسية القريبة من الحدود ، يدخلون ويخرجون من غزة واسرائيل بسهولة عن طريق الأنفاق ، دون رادع فقوات وزارة الداخلية لا تستطيع السيطرة عليهم.و قوات الجيش لازالت تحاول منذ سنين و الله أعلم ما هو الوضع اليوم .
من المستفيد هكذا من الحرب !! .. إسرائيل ، قوات الأمم المتحدة ( أمريكا ) ، البدو ، كبار المستثمرين فى منشآت جنوب سيناء السياحية ..السعودية .. أم المصرى الذى عبر ودمر القوات المدرعة الاسرائيلية التى قامت بالهجوم المضاد ؟ .. هل عادت لمصر سيناء كاملة السيادة ؟ أم عادت بسيادة يشترك فيها أكثر من طرف و يطمع فيها أكثر من طرف .
والان إذا انعكس الحال ، وكانت المدفعية المصرية والسورية تحتل أماكن تجعل تل ابيب والقدس فى مدى رميها ، ماذا كانت ستفعل جولدا مائير ؟ ترى هل كان من الممكن أن تمتلك شجاعة ترومان وتستخدم أسلحتها النووية لتدميرحشود الجارتين !! .. من الذى انتصر!!.
- سبتمبر 1975 ..تم توقيع إتفاقية فك الاشتباك الثاني و الذى بواسطته إستردت مصر جزء من سيناء المحتلة (( منطقة المضايق الاستراتيجية وحقول البترول على الساحل الشرقى لخليج السويس )) ثم .. توقفت الاحداث .. إسرائيل لازالت قواتها في سيناء .. ومستعمراتها قائمة .. و لا أمل في تغير سريع للموقف .
حصاد مر .. بعد سنتين من العبور والجهد و التعب والتدريبات و التضحيات و الدماء التي لم يبخل بها جنود مصر .
- بعد سنتين تاليتين في نوفمبر 1977 يغازل السادات من مجلس الشعب مناحم بيجين رئيس وزراء إسرائيل .. وفعلا يوم 19 من نفس الشهر يحمل السادات كفنه علي ظهره(كعادة الصعايدة الذين لا يريدون إستمرار معارك التار ).. و يذهب ليلقي كلمة في الكنيست.
عندما يرجع يستقبله الشعب الذى عاني من شد الحزام علي بطنه و((لا صوت يعلو علي صوت المعركة )) كما لو كان (سيزر) عائدا لروما بعد أن غزا نصف العالم ...مليون مصرى في ميدان عابدين (أو هكذا قدرتهم أجهزة البث و الدعاية ) .. يزعقون .. مرحبين بالزيارة ونتائجها .
- السنة التالية كان بيجن و السادات علي موعد في كامب دافيد ليوقعا يوم 18 سبتمبر 1978 ..إتفاقية ..ثم بعد أقل من سنة ( 26 مارس 1979) كان توقيع معاهدة السلام و بدء رحيل قوات العدو (سابقا ) من سيناء.
- ثلاث سنوات تالية تمر قبل رفع العلم ثلاثي الالوان (25 إبريل 1982 ) علي رفح ..أى بعد حوالي عشر سنوات منذ أن عبر المصرى القناة و دمر خط بارليف .. قضاها السادات في التفاوض و إثبات حسن النية للامريكان و الاسرائيلين ...و ربط المقطورة المصرية في القاطرة الامريكية بجوار(أو خلف ) السعودية و دول الخليج وقطر و إسرائيل و تركيا
- بعد سبع سنوات تالية يرفع العلم المصرى علي طابا في 19 مارس 1989 ...
الشباب الذين لم يعاصروا الاحداث .. لم يكن الامر سهلا ..لقد كانت رحلة طويلة من 6 إكتوبر 1973 .. حتي 19 مارس 1989 . ( 15 سنة ) تحول فيها الخطاب المصرى من قصائد الحماس .. إلي أغاني السلام ..وتغيرت فيها كل معطيات الخريطة السياسية في المنطقة .لقد أصبحنا منبوذين من دول الجامعة العربية ومعاديين للإتحاد السوفيتي الذى حاربنا بأسلحته .. و متحالفين مع المجاهدين المسلمين بأفغانستان ..و مطلقين سراح التيارات الجهادية الاسلامية .. و مرحبين بالشيخ الشعراوى كمقدمة للزحف الوهابي السلفي .. و مطاردين كل الاصوات المحتجة علي التحول الذى تم بأرخص العوائد .. و مخفضين أعداد القوات المسلحة .. و عازلين القادة الذين قادوا معركة العبور .. و يبدأ الميل للغرب ولأسواق و بضائع وحياة الغرب فيما يسمي بالانفتاح الاقتصادى ..وتطل الفتنه الطائفية برأسها بين المسلمين و القبط فيسجن كل من ينطق بكلمة مخالفة بما في ذلك رموز سياسية و دينية ..لقد أصبح لدينا ديكتاتورا يأمربما تملية عليه ماما أمريكا فيطيعه الجميع ....
هل كان السادات في ذلك داهية سياسية .. ضحك علي بيجن .. و كسينجر .. و ورطهم في إتفاقيات ليست في صالحهم .. أم أنه كان كاليائس الذى لا طريق أمامة لإسترجاع الارض المحتلة إلا الاستسلام رغم المعارضة الشديدة من رجال عبد الناصر الذين إستقالوا واحدا خلف الاخر من مناصبهم ..هل لم يبق علي المداود إلا شر البقر بعد إعتقالات سبتمبر الشهيرة و التي أدت لإغتيالة ..أم أنه إحتفظ بالكريم و الخلاصة الذين إقتنعوا بعبقريته و ساروا معه علي طريق الامركة .. هل السادات شهيدامظلوما و غير مفهوما للبسطاء محدودى التفكير مثلنا .. أم كان عميلا إستحق ما حدث له بيد من عول عليهم لسحق اليسار.
لست بصدد تقييم أو الكتابة عن فترة حكم السادات ..فهو أمر لا يقوم به فرد خصوصا أننا نختلف علية إختلافات متباينة ..و لكنني أرصد (مجرد رصد ) للتغيرات التي حدثت علي المجتمع المصرى .. بعد حرب أكتوبر ..و إكتشاف رئيس مصر أن 99% من أوراق اللعب بيد أمريكا ..فيلهث خلف مسئوليها ..طالبا للوصل
إنها في الواقع .. كانت تغيرات إنقلابية ..عدلت تماما.. من الشكل و المضمون لإستراتيجية الحكام مستبدلة هدف تأمين رضاء الشعب بالحرص علي تنفيذ سياسة ساكن البيت الابيض
المحاور الاربعة للتغيير التي حرص السادات علي تأمينها أثناء حكمة لمصر وسار عليها من تلاه ..ثم أصبحت سمة من سمات النظام كانت:-
- البعد عن اليسار ومطاردته و تدميره أو تلجيمه بإغلاق مجلة الطليعة .. ثم مصادرة جريدة التجمع عدة مرات حتي كاد الحزب أن يفلس مع سجن و إعتقال كل من كان له ميول يسارية أو علمانية خصوصا بين طلاب الجامعات المحتجين علي سياسته أو قيادات إنتفاضة شعبية (سماها إنتفاضة الحرامية ) بما في ذلك إزاحة محمد حسنين هيكل عن مكانه في الاهرام
ثم معاداة الاتحاد السوفيتي و طرد الخبراء الروس .. و إستبداله بتحالف الاسلامي واسع تحت قيادة أمريكا و السعودية ...و اصبحت مصربحكم الدستور دولة إسلامية .. يحكمها رئيس مسلم طريقة العلم و الايمان...
كوادر شباب الاخوان و السلفيين كانوا جاهزين لإحتلال الجامعات و النقابات .. و المدارس و المستوصفات و الشارع . .ينفقون عن سعة ليغيروا من شكل السيدات و الفتايات و الممثلات المتبرجات ..ليصبحن دررا مكنونة من المرابطات الماجدات القانتات المجاهدات.
- التصريح بأن 6 إكتوبر ستكون أخر الحروب ..و إنعكاس هذا علي تكوين القوات المسلحة بتأمينها بحيث لا يظهر من بين قادتها منافسا له أو أى اصوات معارضة أو مخالفة خصوصا لو كانوا من ابطال العبور الذين وضع كل من شارك منهم في الظل .. بدأ بالشاذلي .. و إنتهاء بدور الدفاع الجوى و المهندسين السلاح الذى تحمل أخطر و أصعب أدوارالمعركة .. مع تضخيم دور الطيران .. و جعل قائدة نائبا له
- إنهاء حقبة الاشتراكية الناصرية .. و الميثاق و بيان 30 مارس .. و إستبدالها بأفكار النيو ليبراليزم إقتصاديا مع إهمال متعمد للقطاع العام و إرهاقة بمنافسة الاستيراد من أسواق العالم المفتوحة الاقل سعرا و أفضل إنتاجا خصوصا للسيارات و الملابس و مستلزمات ترفيهية .. وسياسيا تعدد الاحزاب المتحكم فيها مركزيا لتكون مروضة ..أما ماليا فالخضوع لتعليمات البنك الدولي و صندوق النقد ..مع جذب وتدجين كل قوى المعارضة إما بلقمة العيش ..أو بالطمع في الثراء أو الخوف من الاهمال و التهميش ، وعموما كانت لديه (( الديموقراطية لها مخالب و أنياب ))
- تعظيم دور الشرطة و الامن .. و تمكينها من التسلل إلي كل أجهزة الدولة بما في ذلك الصحافة و التلفزيون التي أدارها تلاميذ (جوبلز ) .. وكل أجهزة التعليم .. و التجمعات الشعبية ..و النقابات المهنية ..و أحزاب المعارضة
ليبق حولة رجال مثل موسي صبرى وعثمان أحمد عثمان ، مصطفي خليل ، ممدوح سالم ، سيد مرعي،بطرس غالي ، مبارك ، النبوى إسماعيل و متولي الشعراوى من الكريم الذين إصطفاهم و أقنعهم بعبقريته فساروا معه علي درب الامركة
لقد تحولت مصر .. من مركز مقاومة الاستعمار في المنطقة ..إلي جمهورية من جمهوريات الموز اللاتينية يحكمها ديكتاتور ذو مرجعية عسكرية ..يغير الدستور ليبق علي كرسي العرش حتي نهاية العمر دون تبديل أو تداول للسلطة
جيش السلام كما أراده السادات و من تولوا بعده .. خطط له أن يكون أمريكي الطابع حتي في ملابسه .. لقد تغير نوع السلاح (الذى يقدم كمعونات ) و قواعد التكتيك وتحديد الاهداف..و بتدريب أعداد كبيرة من كبار الضباط في جميع التخصصات بأكاديميات الحرب الامريكية كان بالامكان تلقينهم أسس الفلسفة التي تدور حولها قيم المجتمع الامريكي سواء كانت قواعد المنافسة المفتوحة أو براجماتية جون ديوى .. لقد تغير الجيش الذى كان مهموما بإزالة أثار العدوان .. إلي جيش دفاعي حامي لحدود الوطن و مصالح حكام الوطن و في القلب منها تأمين الريس وتحركاته
جيش أعدادة محدوده.. يتم إختيار كوادره بعناية .. و تتم الترقيات فيه طبقا لمدى إلتزام الضابط بمقولة العلم و الإيمان .. أى (شاطر) فنيا .. و (تقي) إسلاميا
أغلب المجندين غير المتعلمين يتم توجيههم نحو قوات الامن المركزى ..لأن إتفاقية السلام .. تحد من تواجد القوات المسلحة علي أرض المعارك التقليدية أما جنود وصف و ضباط القوات المسلحة فهم النقاوة
و مع ذلك .. ورغم الميزانية المفتوحة ..و العناية الخاصة بأن يكون ضباط الجيش مواليين لسياسة الحاكم فلقد خرج .. من بينهم .. من إغتال الرئيس و من إشترك في مهاجمة أقسام البوليس أوالكلية العسكرية الفنية 1974.. ومن إنضم للإرهابيين مثل الرائد هشام عشماوى .الذى قبضوا علية في ليبيا مؤخرا
ترى ما السبب في أن بعض أفراد القوات المسلحة أصبحت لهم ميولا أقرب للسلفية .. لقد كانت سياسة التوجيه المعنوى ..التي تحولت من الدفاع عن تعلية قيمة الوطنية ((الحرية و الاشتراكية و الوحدة )) إلي تعلية قيمة العقيدة كما يقدمها دعاه مثل الشعراوى و كشك و برهامي و حسان و الحيويني ..و الحبيب بن علي الجفرى
لقد تم صبغ أفراد القوات المسلحة بصبغة التدين .. صاحبها سياسة إقتصادية جديدة .. تتوافق مع شعارات الريس و إنفتاحة .. فلقد كان عليها أن تغير من إسلوب إعتمادها علي ما يزوده بها مجتمعها من إعاشة و خدمات و تعول نفسها أى تصبح منتجه بدلا من مستهلكة ..
و هكذا كان إقتراب المشير أبو غزالة للتوسع في المشاريع الانتاجية بالقوات المسلحة متوافقا مع النيو ليبراليزم .. و البراجماتية .. و بزينيس إيز بزينس .و في نفس الوقت فاتحة خير علي كبار الضباط .. و بداية للهامش الاقتصادى غير المحدود الذى أصبحت تشارك فيه القوات المسلحة
الضابط المتدين ..المبعد عن الحياة السياسية .. و المهتم بمشاريع إقتصادية .. عندما أحال إلية المبارك حكم مصر 2011 .. لم يكن مستعدا لقد مر علية ثلاثة عقود تغيرت فيها الكثير من المسلمات..لذلك عندما نصحة الامريكان بتسليم الجمل بما حمل .. لتنظيم الاخوان المسلمين والتغاضي عن تجميع السلفيين في سيناء .. لم يعارض .. بل رحب ..حتي تضاربت المصالح لتعود الدورة التي بدأت في 1952 بتحالف بين الضباط و الاخوان .. ثم الصراع بينهما .. ثم تنحية الاخوان و وضعهم في السجون تمهيدا لتنفيذ أحكام القضاء
بعد 1973 .. نمي الاقتصاد الاسرائيلي .. و طور جيش الدفاع من أسلحته .. و غير العلماء الصهاينة شكل الحياة في بلدهم لافضل .. و زاد غرور قادتهم العسكريين و السياسين ونفوذهم ..و أصبح العدو .. قوة إقليمية تؤخذ في الاعتبار ..
في حين .. إستسلم مجتمعنا للصراع الديني و التفرقة بين المواطنين .. ولتوجيهات صندوق النقد الدولي و لإرادة سكان البيت الابيض فإنهار الجنية .. و أصبحنا مدينين بالتريليونات بدلا من الملايين .. نعيش لنسدد فوائد القروض ..نستورد كل مستلزمات حياتنا حتي القمح ، و نتحسر علي مستويات التعليم و الصحة .. و ننظر حولنا و نحمد المولي عز وجل أننا لم يحدث لنا ما حدث لسوريا أو ليبيا أو العراق .. ثم نواسي أنفسنا (( قدر الله و ما شاء فعل )).. كما لو كنا قد خسرنا ماتش كورة و طلعنا أخير المونديال .. و أهو خيرها في غيرها .. ثم نتشاجر .. هل كان السادات بطل أم خائن .. كل أكتوبر و حضراتكم بخير وسلامة.
====
تعليقات
إرسال تعليق