كتابات شفافة


ماذا لو لم تنجح ثورة 23 يوليو 1952 ؟


رفعت عوض الله
الحوار المتمدن 2018 / 7 / 24


اليوم الاثنين 23 يوليو 2018 الذكري ال 66 لقيام ونجاح ما يسمي بثورة 23 يوليو 52 ، بقيادة الصاغ جمال عبد الناصر الذي اسس تنظيم الضباط الاحرار منذ اربعيتيات القرن العشرين اعتراضا علي ما يرونه من فساد الملك ، وتهافت الاخزاب السياسية ، ووجود الانجليز بمصر ، وطبقية المجتمع المصري ، وتدني حياة العامة في مصر ،وبؤس وشقاء حياة الفلاحين ...اولئك الضباط الشباب المحبون للوطن تشبعوا بالفكر الماركسي فقد كان الصاغ خالد محيي الدين ماركسبا حتي النخاع وكذلك الضابط يوسف صديق وغيرهما ،لكن الغالبية كانت مشبعة بفكر وعقيدة تنظيم الاخوان المسلمين اقوي تنظيم اصولي والذي كان يدعو لإحياء الخلافة الاسلامية ،وإستعادة قوة وهيبة الاسلام والمسلمين ،والذذي كان يري في الغرب وحضارته عدوا لدودا للإسلام والمسلمين ،وينظر بتوجس بل برفض لقيم الحداثة من علمانية وديمقراطية وليبرالية ،ويري انها تتناقض مع الاسلام
هكذا كان فكر وتوجه اولئك الضباط الصغار ، في ليلة 23 يوليو 52 نجحوا في إنقلابهم علي الملك ، وفي يوم 26 يوليو عزلوا الملك وولوا ابنه الرضيع الملك ، وبعد ذلك اجبروا الملك المخلوع علي الرحيل إلي ايطاليا هو واسرته ،واعلنوا ان مصر جمهورية ، ثم توالت القرارات وكان اهمها حل الاحزاب السياسية ، واستخدام اللواء محمد نجيب ليكون واجهة للثورة فأخناروه ليكون رئيسا للجمهورية ،ولكن عبد الناصر المنظم لتنظيم الضباط الاحرار وقائد الانقلاب علي الملك لم يكن ليرضي بمكان الرجل الثاني ،فخطط لإقالة محمد نجيب وتحديد إقامته ، ومعاملته بما لا يليق ،ولما اعترض الصاغ خالد محيي الدين وقال بوجوب تسليم السلطة للمدنيين وعودة الضباط لثكانتهم العسكرية استبعدوه وهكذا تم تكريس حكم الفرد الاستبدادي والذي استمر من يوليو 52 وحتي يومنا هذا
اليوم وذكري يوليو 52 تمر علينا ، تلمع في ذهني وخيالي فرضية ماذا لو لم تنجح ؟
اول إجابة كان النظام الملكي سيبقي ....... الملك فاروق الاول اخر ملك حكم مصر هو حفيد بعيد لمحمد علي الكبير الذي اختاره الزعماء والنقباء والعلماء ليكون واليا بعد جلاء الفرنسيين ، قيل عن هذا الرجل بحق انه مؤسس مصر الحديثة ، وكان منطقيا ان لا يتم بناء مصر الجديدة او الحديثة بمعزل عن الغرب والحضارة الحديثة ،فعمل الرجل علي بناء جسر قوي عليه انتقل التحضر والتحديث من اوروبا لمصر ،وعليه انتقل المصريون لاوروبا ليتعلموا ويتحضروا ، وعلي منوال محمد علي سار خلفاؤه وخاصة سعيد واسماعيل
اسرة محمد علي علي عيوبها الكبيرة ،واستبداد افرادها إلا انهم كانوا يريدون لمصر ان تحاكي اوروبا ، ان يتغير المصريون ويشابهوا الاوروبين
انعكس هذا التوجه في كتابة دستور 1923 الحداثي والمستلهم لقيم الحداثة الاوروبية ،وفي تأسيس الاحزاب السياسية ،فشهدت مصر فترة قصيرة امتدت من 1919 وحتي 1952 كانت مصر فيها ميمة شطر اوروبا والحضارة والحداثة ،وهو ما عبر عنه طه حسين في كتابه " مستقبل الثقافة في مصر " 1938 بقوله ان مصر تنتمي لثقافة حوض البحر الابيض المتوسط
ترتب علي هذا نهضة مصرية اصيلة في الاداب والفنون والفكر والاقتصاد والاجتماع بل وفي العلم
بفضل هذه الروح اصبحت مدن مثا الاسكنرية وبورسعيد واحياء من القاهرة مدنا كوزمو بوليتانية اي مدن عالمية بها اهل البلد وبها الاجانب ،بها مصريون وشوام وارمن ويونانيون وايطاليون وفرنسيونوانجليز ،بها مسلمون ومسيحيون ويهود يعيشون معا في سلام وتصالح وقبول
في هذا المناخ شبه الليبرالي شبه الديمقراطي تنافست الاحزاب علي الفوز بالحكم ،بعضها استند للقصر ،وبعضها استقوي بالانجليز ، ومنها وعلي رأسها حزب الوفد استند للشعب
تداولت الاحزاب الحكم وكانت الانتخابات بوجه عام نزيهة ،ولكن دسائس القصر وتدخلات الانجليز كان لها اثر كبير
فلو لم تنجح الثورة ولولم تقضي بحل الاحزاب لبقيت تلك الاحزاب عنوانا علي الحياة السياسية الديمقراطية ،لطورت من ادائها والياتها ومصداقيتها ، وبالتالي لتطورت الحياة السياسية ،وتعمقت قيم الديمقراطية في التربة المصرية
ماذا يعني هذا ؟ يعني نجاة مصر والمصريين من الحكم الفردي الاستبدادي الذي انتهجه عبد الناصر وخلفاؤه .... هذا الحكم الي ركز لا علي الانجاز ولكن علي ترسيخ وتعميق صورة الزعيم الملهم ،القائد ..... كان امتياز شركة قناة السويس سينتهي في سنة 1968 ولكن عبد الناصر المستند لعواطف الجماهير والذي كان يعمل بأستمرار علي تأجيج عواطف الوطنية في نفوس المواطنين اعلن تاميم شركة قناة السويس فأثار حفيظة قوي الاستعمار الفرنسي والانجليزي ومعهم اسرائيل المتوجسة من نيات الزعيم ناصر ،فعرض مصر للعدوان الثلاثي والذي نتج عنه احتلال كامل سيناء وبورسعيد وتدميرها وقتل عدد كبير من المواطنين ،وكانت هزيمة عسكرية قاسية ، اعتبرها عبد الناصر نصرا ،كيف ؟ لا ادري ، والذي انقذ عبد الناصر ونظامه هو الانذار الامريكي الروسي والي علي اثره انسحبت القوات الفرنسية والانجليزية والاسرائيلية
لولم تنجح ثورة يوليو 52 ما كان عبد الناصر الزعيم العروبي المستبد ،ما كان له ان يرسل الجيش المصري لليمن لمناصرة ما يسمي بالتثورة اليمنية علي حكم الامام الماضوي المتخلف
حين اتخذ عبد الناصر هذا القرار الخاطيئ لم يعمل حساب المملكة السعودية ،انها لن تسمح له ولا لغيره بأن يعبث في حدودها الجنوبية ،فكان ان صممت علي إلحاق الهزيمة بالجيش المصري الي اريقت دماء جنوده وضباطه علي هضاب اليمن السعيد بلا سبب ولاثمن
رجع الجيش المصري ضعيفا مكسورا ومهانا من اليمن ليخوض معركة 5يونيو 1967 ضد اسرائيل وهو غير مستعد قيادة وجندا فكانت الهزيمة النكراء ،والتي كانت اسرع هزيمة
قبلها عبد الناصر الزعيم الملهم ملأ الدنيا ضجيجا ووعيدا وتهديا وانه سوف يرمي باسرائيل ومن هم وراء اسرائيل في البحر ،وكانت فرائص اسرائيل الصغيرة ترتعد من هول الوعيد
ولكنها كانت تخطط وتعمل بدأب وبعلم ليوم المعركة وفي المقابل كنا لا نتوقف عن الوعيد والاستعراض دون عمل واستعداد حقيقي فكانت الهزيمة النكراء في انتظارنا
لولم تنجح ثورة يوليو لظلت مصر دولة ومجتمعا تؤمن بقيم الحداثة وتعيش العلمانية وروح الانتماء لثقافة البحر الابيض المتوسط ،لظل بها الاجانب يعيشون بها و يثرون نهضتها وتسامحها وانفتاحها واحتضانها للتعايش والقبول والسلام الاجتماعي
لو لم تنجح الثورة لظلت مصر وطنا للجميع ولظل شعلر ثورة المصريين الخالدة في 1919 " الدين لله والوطن للجميع" لسان حال الدولة والمجتمع المصري .... روح تلك الثورة المصرية العظيمة والتي جعلت من الدين شأنا خاصا هي التي فتحت المجال امام المصريين المسيحيين بل وامام المصريين اليهود ان يشاركوا بقوة وجدارة في كافة مجالات الحياة المصرية في السياسة والاقتصاد والثقافة ،ولمعت اسماء مصرية مسيحية واخري مصرية يهودية إلي جانب الاسماء المصرية المسلمة في سموات الفن والادب والفكر والاقتصاد والسياسة فكان زمانا جميلا ،قضي عليه ثوار يوليو المتشربين لر وح جماعة الاخوان المسلمين العنصرية الاصولية والتي لا تقبل بمشاركة غير المسلمين في المجال العام ،وعلي هذا لم نر ضابطا واحدا قبطيا في تنظيم الضباط الاحرار، وعمد نظام عبد الناصر وخلفاءه الي تهميش وإقصاء المصريين المسيحيين رغم مهارتهم وكفايتهم
لو لم تنجح الثورة لكان وضع الحريات وحقوق الانسان افضل بما لا يقاس عن وضعيته في زمن عبد الناصر ومن جاء بعده ،فالحاكم العسكري المستبد لا يقبل اعتراضا ،وها هو عبد الناصر قد نكل بمعارضيه ابشع تنكيل وهاهم خلفاؤه يسيرون نفس المسيرة المنكرة للمعارضة والنافية للحريات وحقوق الانسان ،فنظام يوليو لا يريد من الشعب سوي الطاعة والإذعان والإجماع والتصفيق والتهليل وتخوين من يعارض ،ولعل هذا ما نلمسه بوضوح في ايامنا هذه
لو لم تنجح الثورة فهل كنا سوف نشهد ونعيش المد الاصولي الذي يخنقنا ويسيطر علي المجال العام ؟ الاجابة هي لا لماذا ؟ لان محتمع ودولة ما قبل يوليو 52 كانت تسير علي استحياء في ركب الحداثة ، وكانت الحياة السياسة تشهد وجود احزاب ليبرالية حقيقية مثل الاخرار الدستوريين والوفد والسعديين ،كانت تلك الاحزاب والي يساندها ظهير ثقافي فكري تحد من سطوة الجماعة الاصولية " الاخوان المسلمون " وتكبح جماحها
فلما نجحت ثورة يوليو 52 وقضت علي تلك الاحزاب الحرة ،لم يبق بالمساحة سوي الاخوان الذين اتفقوا مع عبد الناصر ثم انقلبوا عليه وحاولوا قتله ،فنكل بهم ،ولكنهم لم يختفوا فقط تواروا،فلما جاء السادات الاصولي اتفق معهم علي اسلمة المجتمع واخرجهم من السجون وترك لهم المدرسة والشارع والجامعة والنقابات المهنية ،ولما لم يسير معهم لنهاية الشوط أغتالوه ...... جاء مبارك خلفا له فحافظ علي اتفاق السادات معهم ، فحدث تديين للمجال العام واسلمة للمجتمع المصري ، مع تفشي الوهابية والسلفية
والحكم الحالي وان كان اطاح بالاخوان من الحكم فهو ابن بار لنظام يوليو العسكري اي لا يريد للاسلامين ان يحكموا ولكن يسمح لهم بالهيمنة علي عقول وعواطف الناس ،واذا كان الاخوان قد تواروا حاليا فالسلفيون حلوا محلهم
فنظام يوليو مسؤول عن خروجنا من دائرة الحضارة ونبذ قيم الحداثة وصبغ الحياة بالصبغة الدينية القاتمة وتغييب العقل ومن ثم الانحدار والتدهور الحادث في حياة مصر والمصريين
هل ثورة يوليو 52 كانت حتمية تاريخية ؟ في ظني لا ،نعم هناك عوامل ساعدت علي نجاحها منها الملك وما يقال عن فساده والانجليز وفساد بعض الاحزاب وتدني حياة الفقراء وبؤس الفلاحين و تبني البعض ومنهم الضباط الاحرار لافكار جماعة الاخوان الاصولية والذي شكل نظرتهم للغرب فراوا فيه مجرد استعمار مستغل مهين ،فتعاموا عن وجهه الحضاري الذي لا غني عنه لتقدم وازدهار الشعوب

============                                     

تعليقات