كتابات هادرة
ماض غير موثوق من صحته
محمد حسين يونس
الحوار المتمدن 2018 / 7 / 12
إذا سألت أحدهم ماذا أكلت أمس ؟.. فسيسرد عليك أنواع الطعام الذى تناوله.. ثم يراجع نفسة و ينفي البعض و يضيف أصناف أخرى .. و قد يعود ليقول أن هذا الذى أضافه تناوله أمس الاول .. أو أنه لا يتذكر جيدا إلا كذا و كذا و كذا .
أما إذا كان السؤال عن أصناف الطعام التي قدمها مضيفة في الوليمة .. فسيكون الامر أكثر صعوبة ..و الخطأ من حيث الإضافة أو النقص أكبر .
فإذا ما كان عن بوفية مفتوح تم تقديمه منذ شهر في فندق معين خلال العشاء لعدد من الرواد فبالتأكيد ستحصل علي إجابات متفاوته و قد تكون متعارضة ..أو متوافقة في أجزاء و مختلفة في أخرى .
إنها الذاكرة البشرية .. تهمل بعض من أجزاء الصورة .. و تبدى ملامح أخرى .. وفقا لأسباب عدة .. منها الخوف أو الرغبة أو التركيز أو محو تجربة سيئة .. أو إظهار إنتصار مبالغ فيه .. أو التملص من المسئولية ..عشرات العوامل و الاعتبارات تتداخل عندما يروى أحدهم أحداث شاهدها بنفسه ..
و قد يدهشك .. ما إنتهي إليه حديث أدليت به شخصيا لاحدهم ثم تناقلته الالسن مضيفة أو منقصة فتجد أن ما قلته قد أصبح بعد تداوله شيئا مختلفا أو تحول إلي أسطوره بطولية أو أصبح سبا علنيا .. أو جالبا للكوارث المحققة .
إنه نفس ما حدث لاصول ما نرويه من أحداث الماضي أو التاريخ ...يتم تناقلة .. و تعديله و تغيير معانيه بل تشويهه في بعض الاحيان خصوصا لو كان التداول شفهيا أو لو كان مكتوبا علي الجدران و الحجارة بلغة غير مقرؤة أوفي كتب و صحف مضي عليها زمن و لم يعد محددا من الذى كتب و من الذى نقل و من الذى عدل .
المجتمعات أيضا تعمل بنفس الطريقة التي يعمل بها العقل البشرى .. تخفي المواجع و السقطات و الهزائم .. و تظهر الانتصارات و النجاحات و التغيرات التي تتصورها ايجابية ترددها مرات و مرات حتي يقر في ذهن البعض أنها حقائق لا جدال فيها ، حتي تجيء اللحظه الفارقةعندما يكتشف فيها أخرون أن العقل الجمعي (عمدا أو دون وعي ) أخفي الجراح و حل محلها إنتصارا وهميا لم يحدث .
أشهر هذه الاساطير التي حولت الهزيمة نصرا كتبت علي جدران معابد الاقصر
لقد كنا نذهب للرامسيوم أو أى من المعابد التي خلد فيها الكهنة معركة قادش (الرامسيوم والكرنك والاقصر وابوسمبل) .. و نقف أمام جداريات إنتصار الملك رمسيس الثاني نردد ما أراد الكهنة لنا أن نتداوله .. بأنه هزم جيش للحيثين منفردا ثم نقص الاساطيرعن الخوف الذى كابدهالاعداء عند ظهوره علي عربته الحربية .
المؤرخون أيضا قدموا هذا العبث علي أساس أنه حقائق .. قد يعدل فيها البعض بحيث يمكن للعقلية المتسامحه مع المنطق أن تقبله ..و لكن يظل عرضه لان يصل أغلب المتداولين له لكشف مدى الزيف الذى في الرواية .
و مع ذلك ومع إنتفاء المنطق في كون رمسيس الثاني منفردا يفك الحصار عن جيشة إلا أن هذا لا يمنعنا من أن نظل نتحدث عن إنتصارات الملك .. بنفس الحماس الذى يتولد عندما نروى فتوحات تحتمس الثالث الذى بسبب ما قدمه من منح و عطايا و تميز لكهنة أمن ..زاولوا إسلوبا تعارف عليه القدماء بمحو كل ما يتصل بأخبارمن سبقه من الحكام الحكام و نسبوا نجاحاتهم إليه بما في ذلك حملات عمته حتشبسوت و إسمها من علي جدران المعابد رغم أنها شاركته الحكم صبيا حتي نضج .
إن التاريخ المصرى القديم كما نعرفه في أغلبه غير دقيق و يحتمل التأويل .. خصوصا عندما يكون الحديث عن فترات السقوط والاضمحلال كما حدث في زمن الدولة المتوسطة وفي نهاية الحديثة مع حكم الكهنة حتي تاريخ الاحتلال الفارسي أو عند التغيرات الكبرى مثل ذلك الذى زاوله إخناتون ضد إرادة كهنة باقي الديانات .
وفي الحق قد يكون ما نتداوله علي أساس أنه أحداث حقيقية قد يكون تاريخا ملفقا عبر الاف السنين تدعمه مئات الروايات التي لا يمكن لعاقل تصديقها مثل أن يكون (رع بنفسه) والدا لملوك الاهرامات أو (امن ) والدا لحتشبسوت ..
الفقد و التلفيق و التزوير سمة تصبغ تاريخ مصر خصوصا بعدما إنتهت علاقة المصرى بلغة العصافير و بعد أن تم دمار مكتباته و بردياته و كتاباته التي دونها علي جدران المقابر وأسطح التوابيت .
ما وصل إلينا من أخبار خلال فترة الجهالة أى ما بين فقد اللغة المصرية القديمة و إكتشاف معني لرموزها (حوالي تسعة عشر قرنا ).. قد يشتط راوية أو ناقله بحيث يصل بحديثه في بعض الاحيان الي مستوى الخرافة .. مثل قدرات ملوك مخترع أسماء لهم أو ملكات مثل (دلوكة) علي السحر و التغلب علي الاعداء بفضل طلسمات الكهان و كتاباتهم علي جدران البرابي .
التاريخ المصرى الطويل و الممتد لالاف السنين يتعرف علية أبناء الجيل الحالي عن طريقين .
أحدهما القص الديني الذى يحتوى علي لمحات من عصور غير محددة الزمن و أماكن غير معروفة و أحداث غير مرويه من أو في مصادر أخرى ..
و الطريق الاخر هو مجهودات علماء الاثار .. و المصريولوجي .. الذين بذلوا جهودا مشكوره في فك طلاسم اللغة ثم الحركة بين النصوص التي وصلت إليهم بالصدفة و شكلوا منها أطر قصة الحضارة علي أرضنا..
كل من المصدرين حتي الان.. لا يصلح لان يكون أساسا منطقيا لإعادة تشكيل الماضي و تمثله كما حدث .
السير ولاس بدج كتب عام 1903 في مقدمة كتابه الهة المصريين
((منذ زمن بعيد توقف علماء المصريات عن عادة الاعتماد المطلق علي المعلومات التي كتبها الرحالة الاغريق إنهم جميعا عجزوا عن إستخلاص الحقائق الكاملة)).
نعم التاريخ المصرى بعد أن عرف البشر التدوين بلغة لازالت متداولة .. (اليوناني القديم أو اللاتيني أو العربي أو التركي أو الانجليزى) تاريخ غير مدقق أيضا .. فما وصل إلينا هو روايات المنتصرين أما الشعب الذى إفتقد إلي وسيلة تعبير مكتوبه يشكو فيها ظلم الحكام و الجباه و الكهنه و العسكر .. فلم يكن له صوت إلا في ما توارثته الاجيال من عادات و تقاليد خصوصا مع الولادة و الدفنأو الاحتفال بالاعياد . أو من الامثال والمووايل والاغاني الشعبية او التراتيل الكنسية ..أو الحواديت الخرافية أو ما يمكن أن يطلق عليه الخصوصية الملتصقة بالمصريين .
التاريخ المصرى المكتوب باليونانية أو اللاتينية .. يركز علي ما تم منذ زمن البطالسة حتي سقوط الاحتلال الروماني ..عندما كانت مصر جزء من قصص صعود و سقوط الامبراطوريات الاغريقية و الرومانية .. و هو تاريخ يبعد كثيرا عن الدقة و الحيادية حيال دور المصرى ذلك الزمن المهمل إلا في كونه وسيلة إنتاج تزود أوروبا برغيفها و نبيذها و زيوتها .
لم تذكر تلك المراجع كيف إنهارت اللغة المصرية و توارت .. و لم تذكر كيف إستسلم (أمن )وإختفي .. و لم تذكر مدى الفقر و الجهل و الرعب من إنحسار مياة النيل أو فيضانها الزائد أو كيف قاوم المصرى إنتشار الاوبئة و الامراض .. أوكيف ثار علي تحكم الغرباء و المستعمرون في سكان هذا الوادى .
تاريخ مصر في تلك الازمان كان يدور حول مدرسة الاسكندرية الفلسفية .. وكيف تعلم الاغريق من نبع الثقافة و الحضارة المصرية.. و كلها قصص لا تتحدث عن مصر بمقدار حديثها عن حكامها من الاغريق .. أو الرومان .
للدين المسيحي الذى إنتشر بين المصريين كما لو كان بمعجزة .. قصة مسكوت عنها بينهم .. فالبعض يتصور أن العقيدة المسيحية عندما بدأت رحلتها علي أرضنا جاءت بنفس الصيغة التي عليها الخطاب الاورثوزكسي اليوم ... و منهم قبط يرددون ما قاله الاباء الاوائل للمسيحية علي أساس أنه المقال الوحيد .. في حين أن مع البداية كانت هناك عشرات الملل و التوجهات يتوزع عليها المصريون .. و كل منها ترى أن حديثها هو الحق و الباقي باطل .. وإستمر هذا الوضع قبل تحول الامبراطور الروماني للدين الجديد و بعد هذا التحول زاد الشقاق و النزاع بين الطوائف المختلفة تصلنا لمحات عنه من شذرات نجت من خطاب الكنيسة الرسمية التي إستمرت لقرون بعد أن خلت الساحة إلا من رجالها تؤدى دورها في الحفاظ علي ولاء و وحدة الاقباط حتي لو هاجروا بعيدا لبلاد الواق الواق .
تاريخ إنتشار الدين المسيحي بين المصريين يحتاج لدراسة تاريخية .. بعيدا عن ما هو سائد من خطابات الكهنة الرسمية عبر الزمن خصوصا بعد الغزو العربي لمصر ... فتحويل كفاح الشعب المصرى .. ضد الجباة و المستعمرين و جعله صراعا دينيا .. علي مستوى ( الاسكندرية ضد روما) .. أو (القبط ضد المسلمين) هو هيلوله فكرية و نوع من التبسيط المخل .. وإهدار لكفاح المصرى عبر الزمن للتخلص من نير غاصبيه .
الاكثر غموضا رغم أنه الاقرب زمنيا .. هو تاريخ إنتشار الاسلام في مصر ..وما صاحبه من قصص تتردد عن ترحيب المصريين بالغزاة للتخلص من المستعمرين البيزنطيين و إغفال ما تم من صراعات و إنتفاضات و مقاومة للجباة الجشعين الذين أتوا لفرض ضرائب متجاوزة مثل عبد الله إبن أبي سرح و من سار علي دربة حتي ثورة البشموريين ضد جباة المأمون .
تاريخ حكم العرب في مصر بصوره الثلاثة ( الخلفاء الراشدين ، الامويون ، العباسيون ) هو تاريخ إستنزاف ثروات المصريين .. و إستعبادهم .. و التعامل معهم علي أساس أنهم موالي أو ذميين ليست لهم حقوق أبناء الجزيرة العربية المهاجرين في إحتلال إستيطاني مستمر قبل و بعد إحتلال البدو للاسكندرية و الفتك بسكانها و حضارتها.
موقف الولاة المختلفين و الخلفاء المتتالين من مصر و المصريين .. يتراوح بين الذكرى الحسنة للخليفة عمر بن الخطاب الذى قال ( إضرب إبن الاكرمين ) و هي قصة قد تكون حقيقية و لكنها ليست بين إبن القائد عمرو بن العاص و مصرى من الموالي أو الذميين .. و لكن بين إبن الاكرمين و إبن أحد العربان المهاجرين أو المحتلين و الذين كانوا يطلقون عليهم أهل مصر . و بين ذكرى ظلم القائد المنتصر عندما جمع من القبط أموالهم و قال من سيخفي علي كنز ساقطع رقبته .. و نفذ هذا في (بطرس ) أحدهم .
إنها في النهاية كلها قصص و ليست تاريخا موثقا يحدد حجم النهب الاستعمارى الذى زاولة الولاة علي الشعب المصرى .. بحيث تحكي الحواديت و الاساطير عن حفيدة إبن طولون (قطر الندى ) بنت خماروية و جهازها الذى كانت قافلته أولها بمصر و أخرها ببغداد .
المتتبع للاموال التي كنزها الولاة أو أرسلت للخلفاء سيعرف بوضوح أن جنود عمرو بن العاص لم يأتوا لنشر الاسلام فقد كان القرآن لم يكتب بعد .. و كان المصريون يجهلون لغته فلم يبدأ الغزاة بتعليمهم إياه و تغيير دينهم بقدر ما بدأوا بتأمين الحصول علي أموالهم .
تاريخ إنتشار الدين الاسلامي في مصر بشقية ..أى حلب الثروات و إستنزاف عرق الشعب لصالح الخلفاء في المدينة أو دمشق أو الشام .. و الشق الاخر العقائدى و الفكرى .. يحتاج لدراسة مستفيضة .. بعيدا عن كتب الازهريين ..و حواديت المؤرخين الذين دونوا وجهات نظر و إنطباعات لا ترقي لمستوى التأريخ عن جزء من الصورة و ليس مجملها .
علي الجانب الاخر و بعيدا عن كتب التراث يوجد تصور لعملية الغزو العربي لمصر يقرنها أصحابها بغزوات سابقة للبدو أو الجيران من المحيطين .. أى كما حدث من عبدة حورس قبل عصر الاسرات أو الهكسوس في الدولة المتوسطة أو الاغريق في نهاية الدولة الحديثة ... تكرر مع البدو .. حيث تسللت الهجرات هربا من سوء الاحوال الاقتصادية في بلدان مجاورة لتكون مجتمعات من الهكسوس في دلتا مصر الشرقية أو الاغريق علي شواطيء المتوسط او بدو الجزيرة في صعيد مصر و كانت هذه التجمعات عونا للغزاة و تمثل وسطا مناسبا لإستقبال الجنود .
الغزو سواء كان هجرات و إستيطان تبعها جيوش و جنود .. أو كان جنود و إنتصارات تبعها هجرات إستيطانية .. يحتاج لدراسة مدققه يتغافل عنها من يعتبرون غزو العرب لمصر نعمة فقد هدانا الغزاة للإسلام رغم فظائعهم المبررة لديهم بأنها كانت سمة العصر .
تاريخ مصر منذ 600 ميلادى حتي اليوم كتبه بشكل مستمر المنتصرون .. ولم يشارك الشعب المقهور دوما إلا في إنتاج القوت للجبارين من الجباة و المحتلين من العسكرتارية .
المنتصرون يقصون علينا صراعات الخلفاء علي حيازة ثروات مصر ..و عن إستقلال البعض بها مثل أحمد بن طولون ..أو الفاطميون و عن أنه قد حكمها في زمن ما خصي .. أو عبيد يباعوا و يشتروا في الاسواق .. و حكمها أطفال .. و مجانين .. و شواذ .. وغريبي الاطوار .. و كانت في يوم سنية المذهب و في أخر شيعية .. ثم عادت مع صلاح الدين لتصبح شافعية .. و في كل الاحوال كان يتبدى في صدر الصورة حامل سلاح (في الغالب أجنبي) و بجواره مفتي من الموالي يبرر ظلمه بواسطة فتاوى متعارضة .
قراءة التاريخ قبل وبعد مقتل طومان باى و تعليق جثته علي بوابات القاهرة يتخذ طريقين .. أحدهما يعتبر الغزاة مصريون قاموا بعمل إنشاءات و بنوا الجوامع و الوكالات و الاربع و المواني .. وشقوا الطرق و أمنوا التجارة بين الشرق و الغرب .. و حاربوا و إنتصروا علي المغول والتتار .. و أن كل هذه الانجازات هي إنجازات مصرية ..
و البعض يرى أن حكام مصر من 600 حتي 1800كانوا مستعمرين ظلمة ..قاموا بنزح ثروات مصر تحت تهديد السلاح .. و لم يقدموا أى إنجاز حضارى خصوصا في زمن الاحتلال العثماني ..و لم يهتموا بترقية و تعليم المصريون .. و تركوهم يعانون المجاعات (مثل الشدة المستنصرية ) و يأكلون بعضهم بعضا .. و يقمعون ثوراتهم التي لم تتوقف و التي أشهرها ( ثورة البشموريين ) ضد جباة المأمون و ظلمهم .
تاريخ هذه الفترة يحتاج لبحث و دراسة و تدقيق .. يتخذ آليات حديثة لتوثيق المعلومة .. و يدرس التطورات التي حدثت علي المصريين و جعلتهم بالشكل الذى كانوا عليه ووصفة في مدخل القرن التاسع عشر علماء الحملة الفرنسية المصاحبين لنابليون أثناء إستعمارة لبلدنا .
القرن التاسع عشرحمل لمصر هدايا لازلنا لم نلق لها بالا ..الهدية الاولي محمد علي و إبنه إبراهيم و محاولة الخروج من قمقم الاستعمار العثماني .. و الثانية إكتشاف لغة العصافير و حل رموزها .. ليتخلص مثقفيها من طلسمات عصر النكوص الذى صاحب العرب و الاتراك .
القرن التاسع عشر حمل لمصر كارثتين .. أحدهما سقوط أبناء محمد علي في شراك سماسرة أوروبا .. و تطور الدين العام لدرجة عجز معها الحكام عن الوفاء بقيمة الفوائد المترتبة علي القروض .. ثم سيطرة صندوق الدين علي ميزانية مصر.. و الكارثة الاخرى الاحتلال البريطاني و فرض الحماية و الذى إستمر حتي منتصف القرن التالي .
لا أعرف بالضبط اسباب تجاهل أحداث هذا القرن و دراستها و التعلم من إحباطاتها .. لقد وصل لنا نحن أبناء القرن العشرين تاريخا مزورا .. يجامل عائلة الملك .. ويبهرنا بالقاهرة الخديوية .. و القصور و الكبارى و الحدائق و السكك الحديدية .. و ينسي أو يتناسي إلي حين .. جنون عباس حلمي الاول .. و إسراف الباشاوات سعيد و إسماعيل و توفيق ..و إنتماء عباس حلمي الثاني للخلافة العثمانية و سخافات محمد فريد و مصطفي كامل بهذا الخصوص .. ويبرزحادثة دنشواى ليتكتم بها علي سيرة غير عطرة لاسرة من الملاحيس الذين إنتهوا مع صعود ضباط مصر الصغار ..
زوال حكم أسرة محمد علي لازال يختلف علي جدواه المصريون .. فمنهم من يراهم (اى ملوك مصر ) النعمة التي زالت بعودة العسكر و الكهان للحكم .. و منهم من يرى أنهم أغراب تولوا الحكم و هم يجهلون حتي لغة المصريين .
هذا التاريخ الموثق أحداثة في أكثر من مكان .. سواء محليا أو خارجيا .. يحتاج لباحث مدقق محايد .. غير حكومي .. ليعيد تقديمه بصورة أكثر واقعية .. و علمية طبقا لقياسات البحث المعاصرة .
في القرن العشرين و الجزء الذى مضي من الحادى و العشرين .. تحسنت أساليب حفظ المعلومة و تداولها و دراستها و تحليلها .. بحيث كنا نأمل أن نتعرف علي أحداث هذه الفترة بدرجة مناسبة من اليقين .. و لكن للاسف .. تدخل مستر (جوبلز ) بمقولته الشهيرة (( اكذب و أكذب و إكذب حتي تصدقك نفسك )) فكانت شعار المرحلة .
تاريخ مصر خلال الفترة من 1952 حتي الان لم يجروء من كتبه أو دونه علي دراستة دراسة غير منحازة .. إنهم كانوا دائما مرددين إما لتعليمات المنقلبين يمجدون و يبررون .. أو يتداولون قصصا رومانسية تشبة .. (أحمد و إنجي) .. اللذين كنا نشاهد رومانسيتهما و نبكي تعاطفا .. أو حكايات عن( صلاح الدين) كلها إسقاطات و غير دقيقة فنتحمس ونهتف .. أويقدمونلنا أحلاما طوباوية عن الاشتراكية والوحدة العربية ..و نستزف الدم فداء لها ..أو أحلاما أخرى عن الانفتاح علي العالم المعاصر و ندفع للمرتشين و السماسرة و مندوبي تحصيل الديون عرقنا و شقانا
لقد كان الاعلام دوما و الكتب المدرسية و الابحاث العلمية التاريخية في خدمة أهواء الجالس علي دكة الحكم .. و لم يتغير الموقف أبدا.. يكفي أن تقرأ عناوين جرائد الحكومة أو حتي أصحاب الاعمال .. لتعرف كم الزيف و المغالطات .. التي يستخدمها محترفي الاعلام من أبناء جوبلز .
والان الا يوجد في نهاية هذا النفق ضوء ... يوجد بالتأكيد و إلا ما وصل لسيادتك هذا المقال ..في الاسبوع القادم سأناقش مع حضراتكم.. أن المستقبل علومه أصبحت عصية علينا و الحاضر تحيطه ضبابات الجهالة .
======
محمد حسين يونس
الحوار المتمدن 2018 / 7 / 12
إذا سألت أحدهم ماذا أكلت أمس ؟.. فسيسرد عليك أنواع الطعام الذى تناوله.. ثم يراجع نفسة و ينفي البعض و يضيف أصناف أخرى .. و قد يعود ليقول أن هذا الذى أضافه تناوله أمس الاول .. أو أنه لا يتذكر جيدا إلا كذا و كذا و كذا .
أما إذا كان السؤال عن أصناف الطعام التي قدمها مضيفة في الوليمة .. فسيكون الامر أكثر صعوبة ..و الخطأ من حيث الإضافة أو النقص أكبر .
فإذا ما كان عن بوفية مفتوح تم تقديمه منذ شهر في فندق معين خلال العشاء لعدد من الرواد فبالتأكيد ستحصل علي إجابات متفاوته و قد تكون متعارضة ..أو متوافقة في أجزاء و مختلفة في أخرى .
إنها الذاكرة البشرية .. تهمل بعض من أجزاء الصورة .. و تبدى ملامح أخرى .. وفقا لأسباب عدة .. منها الخوف أو الرغبة أو التركيز أو محو تجربة سيئة .. أو إظهار إنتصار مبالغ فيه .. أو التملص من المسئولية ..عشرات العوامل و الاعتبارات تتداخل عندما يروى أحدهم أحداث شاهدها بنفسه ..
و قد يدهشك .. ما إنتهي إليه حديث أدليت به شخصيا لاحدهم ثم تناقلته الالسن مضيفة أو منقصة فتجد أن ما قلته قد أصبح بعد تداوله شيئا مختلفا أو تحول إلي أسطوره بطولية أو أصبح سبا علنيا .. أو جالبا للكوارث المحققة .
إنه نفس ما حدث لاصول ما نرويه من أحداث الماضي أو التاريخ ...يتم تناقلة .. و تعديله و تغيير معانيه بل تشويهه في بعض الاحيان خصوصا لو كان التداول شفهيا أو لو كان مكتوبا علي الجدران و الحجارة بلغة غير مقرؤة أوفي كتب و صحف مضي عليها زمن و لم يعد محددا من الذى كتب و من الذى نقل و من الذى عدل .
المجتمعات أيضا تعمل بنفس الطريقة التي يعمل بها العقل البشرى .. تخفي المواجع و السقطات و الهزائم .. و تظهر الانتصارات و النجاحات و التغيرات التي تتصورها ايجابية ترددها مرات و مرات حتي يقر في ذهن البعض أنها حقائق لا جدال فيها ، حتي تجيء اللحظه الفارقةعندما يكتشف فيها أخرون أن العقل الجمعي (عمدا أو دون وعي ) أخفي الجراح و حل محلها إنتصارا وهميا لم يحدث .
أشهر هذه الاساطير التي حولت الهزيمة نصرا كتبت علي جدران معابد الاقصر
لقد كنا نذهب للرامسيوم أو أى من المعابد التي خلد فيها الكهنة معركة قادش (الرامسيوم والكرنك والاقصر وابوسمبل) .. و نقف أمام جداريات إنتصار الملك رمسيس الثاني نردد ما أراد الكهنة لنا أن نتداوله .. بأنه هزم جيش للحيثين منفردا ثم نقص الاساطيرعن الخوف الذى كابدهالاعداء عند ظهوره علي عربته الحربية .
المؤرخون أيضا قدموا هذا العبث علي أساس أنه حقائق .. قد يعدل فيها البعض بحيث يمكن للعقلية المتسامحه مع المنطق أن تقبله ..و لكن يظل عرضه لان يصل أغلب المتداولين له لكشف مدى الزيف الذى في الرواية .
و مع ذلك ومع إنتفاء المنطق في كون رمسيس الثاني منفردا يفك الحصار عن جيشة إلا أن هذا لا يمنعنا من أن نظل نتحدث عن إنتصارات الملك .. بنفس الحماس الذى يتولد عندما نروى فتوحات تحتمس الثالث الذى بسبب ما قدمه من منح و عطايا و تميز لكهنة أمن ..زاولوا إسلوبا تعارف عليه القدماء بمحو كل ما يتصل بأخبارمن سبقه من الحكام الحكام و نسبوا نجاحاتهم إليه بما في ذلك حملات عمته حتشبسوت و إسمها من علي جدران المعابد رغم أنها شاركته الحكم صبيا حتي نضج .
إن التاريخ المصرى القديم كما نعرفه في أغلبه غير دقيق و يحتمل التأويل .. خصوصا عندما يكون الحديث عن فترات السقوط والاضمحلال كما حدث في زمن الدولة المتوسطة وفي نهاية الحديثة مع حكم الكهنة حتي تاريخ الاحتلال الفارسي أو عند التغيرات الكبرى مثل ذلك الذى زاوله إخناتون ضد إرادة كهنة باقي الديانات .
وفي الحق قد يكون ما نتداوله علي أساس أنه أحداث حقيقية قد يكون تاريخا ملفقا عبر الاف السنين تدعمه مئات الروايات التي لا يمكن لعاقل تصديقها مثل أن يكون (رع بنفسه) والدا لملوك الاهرامات أو (امن ) والدا لحتشبسوت ..
الفقد و التلفيق و التزوير سمة تصبغ تاريخ مصر خصوصا بعدما إنتهت علاقة المصرى بلغة العصافير و بعد أن تم دمار مكتباته و بردياته و كتاباته التي دونها علي جدران المقابر وأسطح التوابيت .
ما وصل إلينا من أخبار خلال فترة الجهالة أى ما بين فقد اللغة المصرية القديمة و إكتشاف معني لرموزها (حوالي تسعة عشر قرنا ).. قد يشتط راوية أو ناقله بحيث يصل بحديثه في بعض الاحيان الي مستوى الخرافة .. مثل قدرات ملوك مخترع أسماء لهم أو ملكات مثل (دلوكة) علي السحر و التغلب علي الاعداء بفضل طلسمات الكهان و كتاباتهم علي جدران البرابي .
التاريخ المصرى الطويل و الممتد لالاف السنين يتعرف علية أبناء الجيل الحالي عن طريقين .
أحدهما القص الديني الذى يحتوى علي لمحات من عصور غير محددة الزمن و أماكن غير معروفة و أحداث غير مرويه من أو في مصادر أخرى ..
و الطريق الاخر هو مجهودات علماء الاثار .. و المصريولوجي .. الذين بذلوا جهودا مشكوره في فك طلاسم اللغة ثم الحركة بين النصوص التي وصلت إليهم بالصدفة و شكلوا منها أطر قصة الحضارة علي أرضنا..
كل من المصدرين حتي الان.. لا يصلح لان يكون أساسا منطقيا لإعادة تشكيل الماضي و تمثله كما حدث .
السير ولاس بدج كتب عام 1903 في مقدمة كتابه الهة المصريين
((منذ زمن بعيد توقف علماء المصريات عن عادة الاعتماد المطلق علي المعلومات التي كتبها الرحالة الاغريق إنهم جميعا عجزوا عن إستخلاص الحقائق الكاملة)).
نعم التاريخ المصرى بعد أن عرف البشر التدوين بلغة لازالت متداولة .. (اليوناني القديم أو اللاتيني أو العربي أو التركي أو الانجليزى) تاريخ غير مدقق أيضا .. فما وصل إلينا هو روايات المنتصرين أما الشعب الذى إفتقد إلي وسيلة تعبير مكتوبه يشكو فيها ظلم الحكام و الجباه و الكهنه و العسكر .. فلم يكن له صوت إلا في ما توارثته الاجيال من عادات و تقاليد خصوصا مع الولادة و الدفنأو الاحتفال بالاعياد . أو من الامثال والمووايل والاغاني الشعبية او التراتيل الكنسية ..أو الحواديت الخرافية أو ما يمكن أن يطلق عليه الخصوصية الملتصقة بالمصريين .
التاريخ المصرى المكتوب باليونانية أو اللاتينية .. يركز علي ما تم منذ زمن البطالسة حتي سقوط الاحتلال الروماني ..عندما كانت مصر جزء من قصص صعود و سقوط الامبراطوريات الاغريقية و الرومانية .. و هو تاريخ يبعد كثيرا عن الدقة و الحيادية حيال دور المصرى ذلك الزمن المهمل إلا في كونه وسيلة إنتاج تزود أوروبا برغيفها و نبيذها و زيوتها .
لم تذكر تلك المراجع كيف إنهارت اللغة المصرية و توارت .. و لم تذكر كيف إستسلم (أمن )وإختفي .. و لم تذكر مدى الفقر و الجهل و الرعب من إنحسار مياة النيل أو فيضانها الزائد أو كيف قاوم المصرى إنتشار الاوبئة و الامراض .. أوكيف ثار علي تحكم الغرباء و المستعمرون في سكان هذا الوادى .
تاريخ مصر في تلك الازمان كان يدور حول مدرسة الاسكندرية الفلسفية .. وكيف تعلم الاغريق من نبع الثقافة و الحضارة المصرية.. و كلها قصص لا تتحدث عن مصر بمقدار حديثها عن حكامها من الاغريق .. أو الرومان .
للدين المسيحي الذى إنتشر بين المصريين كما لو كان بمعجزة .. قصة مسكوت عنها بينهم .. فالبعض يتصور أن العقيدة المسيحية عندما بدأت رحلتها علي أرضنا جاءت بنفس الصيغة التي عليها الخطاب الاورثوزكسي اليوم ... و منهم قبط يرددون ما قاله الاباء الاوائل للمسيحية علي أساس أنه المقال الوحيد .. في حين أن مع البداية كانت هناك عشرات الملل و التوجهات يتوزع عليها المصريون .. و كل منها ترى أن حديثها هو الحق و الباقي باطل .. وإستمر هذا الوضع قبل تحول الامبراطور الروماني للدين الجديد و بعد هذا التحول زاد الشقاق و النزاع بين الطوائف المختلفة تصلنا لمحات عنه من شذرات نجت من خطاب الكنيسة الرسمية التي إستمرت لقرون بعد أن خلت الساحة إلا من رجالها تؤدى دورها في الحفاظ علي ولاء و وحدة الاقباط حتي لو هاجروا بعيدا لبلاد الواق الواق .
تاريخ إنتشار الدين المسيحي بين المصريين يحتاج لدراسة تاريخية .. بعيدا عن ما هو سائد من خطابات الكهنة الرسمية عبر الزمن خصوصا بعد الغزو العربي لمصر ... فتحويل كفاح الشعب المصرى .. ضد الجباة و المستعمرين و جعله صراعا دينيا .. علي مستوى ( الاسكندرية ضد روما) .. أو (القبط ضد المسلمين) هو هيلوله فكرية و نوع من التبسيط المخل .. وإهدار لكفاح المصرى عبر الزمن للتخلص من نير غاصبيه .
الاكثر غموضا رغم أنه الاقرب زمنيا .. هو تاريخ إنتشار الاسلام في مصر ..وما صاحبه من قصص تتردد عن ترحيب المصريين بالغزاة للتخلص من المستعمرين البيزنطيين و إغفال ما تم من صراعات و إنتفاضات و مقاومة للجباة الجشعين الذين أتوا لفرض ضرائب متجاوزة مثل عبد الله إبن أبي سرح و من سار علي دربة حتي ثورة البشموريين ضد جباة المأمون .
تاريخ حكم العرب في مصر بصوره الثلاثة ( الخلفاء الراشدين ، الامويون ، العباسيون ) هو تاريخ إستنزاف ثروات المصريين .. و إستعبادهم .. و التعامل معهم علي أساس أنهم موالي أو ذميين ليست لهم حقوق أبناء الجزيرة العربية المهاجرين في إحتلال إستيطاني مستمر قبل و بعد إحتلال البدو للاسكندرية و الفتك بسكانها و حضارتها.
موقف الولاة المختلفين و الخلفاء المتتالين من مصر و المصريين .. يتراوح بين الذكرى الحسنة للخليفة عمر بن الخطاب الذى قال ( إضرب إبن الاكرمين ) و هي قصة قد تكون حقيقية و لكنها ليست بين إبن القائد عمرو بن العاص و مصرى من الموالي أو الذميين .. و لكن بين إبن الاكرمين و إبن أحد العربان المهاجرين أو المحتلين و الذين كانوا يطلقون عليهم أهل مصر . و بين ذكرى ظلم القائد المنتصر عندما جمع من القبط أموالهم و قال من سيخفي علي كنز ساقطع رقبته .. و نفذ هذا في (بطرس ) أحدهم .
إنها في النهاية كلها قصص و ليست تاريخا موثقا يحدد حجم النهب الاستعمارى الذى زاولة الولاة علي الشعب المصرى .. بحيث تحكي الحواديت و الاساطير عن حفيدة إبن طولون (قطر الندى ) بنت خماروية و جهازها الذى كانت قافلته أولها بمصر و أخرها ببغداد .
المتتبع للاموال التي كنزها الولاة أو أرسلت للخلفاء سيعرف بوضوح أن جنود عمرو بن العاص لم يأتوا لنشر الاسلام فقد كان القرآن لم يكتب بعد .. و كان المصريون يجهلون لغته فلم يبدأ الغزاة بتعليمهم إياه و تغيير دينهم بقدر ما بدأوا بتأمين الحصول علي أموالهم .
تاريخ إنتشار الدين الاسلامي في مصر بشقية ..أى حلب الثروات و إستنزاف عرق الشعب لصالح الخلفاء في المدينة أو دمشق أو الشام .. و الشق الاخر العقائدى و الفكرى .. يحتاج لدراسة مستفيضة .. بعيدا عن كتب الازهريين ..و حواديت المؤرخين الذين دونوا وجهات نظر و إنطباعات لا ترقي لمستوى التأريخ عن جزء من الصورة و ليس مجملها .
علي الجانب الاخر و بعيدا عن كتب التراث يوجد تصور لعملية الغزو العربي لمصر يقرنها أصحابها بغزوات سابقة للبدو أو الجيران من المحيطين .. أى كما حدث من عبدة حورس قبل عصر الاسرات أو الهكسوس في الدولة المتوسطة أو الاغريق في نهاية الدولة الحديثة ... تكرر مع البدو .. حيث تسللت الهجرات هربا من سوء الاحوال الاقتصادية في بلدان مجاورة لتكون مجتمعات من الهكسوس في دلتا مصر الشرقية أو الاغريق علي شواطيء المتوسط او بدو الجزيرة في صعيد مصر و كانت هذه التجمعات عونا للغزاة و تمثل وسطا مناسبا لإستقبال الجنود .
الغزو سواء كان هجرات و إستيطان تبعها جيوش و جنود .. أو كان جنود و إنتصارات تبعها هجرات إستيطانية .. يحتاج لدراسة مدققه يتغافل عنها من يعتبرون غزو العرب لمصر نعمة فقد هدانا الغزاة للإسلام رغم فظائعهم المبررة لديهم بأنها كانت سمة العصر .
تاريخ مصر منذ 600 ميلادى حتي اليوم كتبه بشكل مستمر المنتصرون .. ولم يشارك الشعب المقهور دوما إلا في إنتاج القوت للجبارين من الجباة و المحتلين من العسكرتارية .
المنتصرون يقصون علينا صراعات الخلفاء علي حيازة ثروات مصر ..و عن إستقلال البعض بها مثل أحمد بن طولون ..أو الفاطميون و عن أنه قد حكمها في زمن ما خصي .. أو عبيد يباعوا و يشتروا في الاسواق .. و حكمها أطفال .. و مجانين .. و شواذ .. وغريبي الاطوار .. و كانت في يوم سنية المذهب و في أخر شيعية .. ثم عادت مع صلاح الدين لتصبح شافعية .. و في كل الاحوال كان يتبدى في صدر الصورة حامل سلاح (في الغالب أجنبي) و بجواره مفتي من الموالي يبرر ظلمه بواسطة فتاوى متعارضة .
قراءة التاريخ قبل وبعد مقتل طومان باى و تعليق جثته علي بوابات القاهرة يتخذ طريقين .. أحدهما يعتبر الغزاة مصريون قاموا بعمل إنشاءات و بنوا الجوامع و الوكالات و الاربع و المواني .. وشقوا الطرق و أمنوا التجارة بين الشرق و الغرب .. و حاربوا و إنتصروا علي المغول والتتار .. و أن كل هذه الانجازات هي إنجازات مصرية ..
و البعض يرى أن حكام مصر من 600 حتي 1800كانوا مستعمرين ظلمة ..قاموا بنزح ثروات مصر تحت تهديد السلاح .. و لم يقدموا أى إنجاز حضارى خصوصا في زمن الاحتلال العثماني ..و لم يهتموا بترقية و تعليم المصريون .. و تركوهم يعانون المجاعات (مثل الشدة المستنصرية ) و يأكلون بعضهم بعضا .. و يقمعون ثوراتهم التي لم تتوقف و التي أشهرها ( ثورة البشموريين ) ضد جباة المأمون و ظلمهم .
تاريخ هذه الفترة يحتاج لبحث و دراسة و تدقيق .. يتخذ آليات حديثة لتوثيق المعلومة .. و يدرس التطورات التي حدثت علي المصريين و جعلتهم بالشكل الذى كانوا عليه ووصفة في مدخل القرن التاسع عشر علماء الحملة الفرنسية المصاحبين لنابليون أثناء إستعمارة لبلدنا .
القرن التاسع عشرحمل لمصر هدايا لازلنا لم نلق لها بالا ..الهدية الاولي محمد علي و إبنه إبراهيم و محاولة الخروج من قمقم الاستعمار العثماني .. و الثانية إكتشاف لغة العصافير و حل رموزها .. ليتخلص مثقفيها من طلسمات عصر النكوص الذى صاحب العرب و الاتراك .
القرن التاسع عشر حمل لمصر كارثتين .. أحدهما سقوط أبناء محمد علي في شراك سماسرة أوروبا .. و تطور الدين العام لدرجة عجز معها الحكام عن الوفاء بقيمة الفوائد المترتبة علي القروض .. ثم سيطرة صندوق الدين علي ميزانية مصر.. و الكارثة الاخرى الاحتلال البريطاني و فرض الحماية و الذى إستمر حتي منتصف القرن التالي .
لا أعرف بالضبط اسباب تجاهل أحداث هذا القرن و دراستها و التعلم من إحباطاتها .. لقد وصل لنا نحن أبناء القرن العشرين تاريخا مزورا .. يجامل عائلة الملك .. ويبهرنا بالقاهرة الخديوية .. و القصور و الكبارى و الحدائق و السكك الحديدية .. و ينسي أو يتناسي إلي حين .. جنون عباس حلمي الاول .. و إسراف الباشاوات سعيد و إسماعيل و توفيق ..و إنتماء عباس حلمي الثاني للخلافة العثمانية و سخافات محمد فريد و مصطفي كامل بهذا الخصوص .. ويبرزحادثة دنشواى ليتكتم بها علي سيرة غير عطرة لاسرة من الملاحيس الذين إنتهوا مع صعود ضباط مصر الصغار ..
زوال حكم أسرة محمد علي لازال يختلف علي جدواه المصريون .. فمنهم من يراهم (اى ملوك مصر ) النعمة التي زالت بعودة العسكر و الكهان للحكم .. و منهم من يرى أنهم أغراب تولوا الحكم و هم يجهلون حتي لغة المصريين .
هذا التاريخ الموثق أحداثة في أكثر من مكان .. سواء محليا أو خارجيا .. يحتاج لباحث مدقق محايد .. غير حكومي .. ليعيد تقديمه بصورة أكثر واقعية .. و علمية طبقا لقياسات البحث المعاصرة .
في القرن العشرين و الجزء الذى مضي من الحادى و العشرين .. تحسنت أساليب حفظ المعلومة و تداولها و دراستها و تحليلها .. بحيث كنا نأمل أن نتعرف علي أحداث هذه الفترة بدرجة مناسبة من اليقين .. و لكن للاسف .. تدخل مستر (جوبلز ) بمقولته الشهيرة (( اكذب و أكذب و إكذب حتي تصدقك نفسك )) فكانت شعار المرحلة .
تاريخ مصر خلال الفترة من 1952 حتي الان لم يجروء من كتبه أو دونه علي دراستة دراسة غير منحازة .. إنهم كانوا دائما مرددين إما لتعليمات المنقلبين يمجدون و يبررون .. أو يتداولون قصصا رومانسية تشبة .. (أحمد و إنجي) .. اللذين كنا نشاهد رومانسيتهما و نبكي تعاطفا .. أو حكايات عن( صلاح الدين) كلها إسقاطات و غير دقيقة فنتحمس ونهتف .. أويقدمونلنا أحلاما طوباوية عن الاشتراكية والوحدة العربية ..و نستزف الدم فداء لها ..أو أحلاما أخرى عن الانفتاح علي العالم المعاصر و ندفع للمرتشين و السماسرة و مندوبي تحصيل الديون عرقنا و شقانا
لقد كان الاعلام دوما و الكتب المدرسية و الابحاث العلمية التاريخية في خدمة أهواء الجالس علي دكة الحكم .. و لم يتغير الموقف أبدا.. يكفي أن تقرأ عناوين جرائد الحكومة أو حتي أصحاب الاعمال .. لتعرف كم الزيف و المغالطات .. التي يستخدمها محترفي الاعلام من أبناء جوبلز .
والان الا يوجد في نهاية هذا النفق ضوء ... يوجد بالتأكيد و إلا ما وصل لسيادتك هذا المقال ..في الاسبوع القادم سأناقش مع حضراتكم.. أن المستقبل علومه أصبحت عصية علينا و الحاضر تحيطه ضبابات الجهالة .
======
تعليقات
إرسال تعليق