مقالات عام 2008 - 24 الهوس الديني وقراء المقالات!
الهوس الديني وقراء المقالات!
نشرنا مقالين خلال الاسبوع الماضي أحدهما عن الهوس الديني السياسي وافسادا الرياضة .. ، والآخر عن الهوس الديني وافساد النشاط النقابي
واليوم اسمحوا لنا يا اعزاءنا القراء بأن نكلمكم عن الهوس الديني عند قراء المقالات ..
لقد استرعي انتباهئا منذ مدة ظاهرة غريبة . ثم اتضح لي أن هناك كاتبة شابة قد استرعي انتباهها أيضا تلك الظاهرة الغريبة .. وكانت الكاتبة الشابة أسبق منا في الاشارة اليها ضمنيا في مقال من مقالاتها التي تنشرها بمدونتها الخاصة وترسل بها لبعض مجموعات حوارات المثقفين علي الانترنت ..
والظاهرة المرضية المبكية أكثر منها مضحكة هي أن القراء بشكل عام وبمختلف الصحف الالكترونية بالذات ولاسيما التي تنشر تعليقات القراء علي مقالات كتابها .. تتركز اهتماماتهم وتعليقاتهم أكثر علي المقالات ذات الصلة بالأديان .. أكثر بكثير من اهتمامهم بالمقالات التي تتناول صميم صميم حياتهم ومعاشهم وحاضرهم ومستقبلهم ومستقبل بلدهم وأولادهم وأحفادهم من بعدهم .. ! .. (!) .
وكلما كانت المقالات تحوي مهازلا ومباذلا ومساخرا وتشنجات دينية وعصبيات وتعصبات وتراشقات بين دين وآخر ( وخاصة ان كان من أديانه الشقيقة ! ) كلما حمي وطيس النقاش وكلما ارتفعت درجة البيزنطية في الجدل بين القراء و قد يبادلوا الشتائم البذيئة . غيرة منهم علي الأديان ودفاعا عن الأديان وفي سبيل الأديان ! ـ وأحيانا يتراشقون بالاتهامات بالخيانة والعمالة لجهات شتي ابرزها الصهيونية والوهابية والامبريالية العالمية ...
وقد جن جنوني لذلك عدة مرات . ذات مرة لاحظت أن مقالا منشورا بأحد المواقع التي تنشر تعليقات القراء – موقع مصري – وكان المقال لكاتب فلسطيني شهير . وعرض لمدة يومين كاملين بالموقع الذي عادة ينشر قرابة 15 مقالا معا او أكثر .. وكان هذا المقال في رأيي ككاتب . هو أهم كل تلك المقالات المنشورة – بما فيها مقال كان منشورا لي - ولكن مقال هذا الكاتب لم أجد ثمة مؤشر يدل علي ان القراء قد اقتربوا منه . او علي الاقل لا يوجد ما يدل علي أنه همهم بشيء . ما يتناوله ذاك المقال ! بينما كانوا مندفعين ومتزاحمين يتجادلون ويتصايحون حول أغلب المقالات الأخري لكونها مقالات دينية تتناول معارك ومكائد الأديان و مؤامراتها و جرائمها ضد بعضها ( طبعا كله لأجل الله وفي سبيل الله ولاعلاء اسم الله .. ! لأن كلهم يحبون الله !) بينما مقال الكاتب الفلسطيني كان يتناول موضوعا سياسيا بالغ الأهمية ليس خاصا بفلسطين وانما يعني وبشدة كافة الدول والشعوب المعطوبة . لاصابتها بالعروبة ..! وبعد أكثر من يومين تم تجديد الموقع وحفظ مقال الكاتب بدون تعليقات من القرء الا تعليق واحد أنا الذي كتبته لألوم فيه القراء لعدم اهتمامهم بهذا المقال وقلت مخاطبا الكاتب " لو أنك كتبت لهم مقالا ولو تافه .. عن الحجاب والنقاب والهباب أو بول البعير والبول الشريف ! الرسول - الكريم - .. لالتف جميعهم حوله وتباروا في العراك بين مهاجم ومدافع . وبين مؤيد ومعارض !
وأكثر من مرة ينشر في نفس الموقع مقال لكاتب سياسي عراقي ليبرالي كبير – وهو طبيب أيضا - . ويكون أهم المقالات المنشورة علي الاطلاق . و ليس يخص العراق وحسب . كلا بل وغيرها من دول المنطقة . ويتم حفظ المقال السياسي البالغ الأهمية دونما شيء يشير الي أن قارئا قد قرأه أو يدل علي اهتمام بما تناوله المقال ..!!
أما الطامة الكبري فهي عندما نشر كاتب مصري – وهو طبيب أساسا – مقالا يصرخ من بداية العنوان بأن مصر سوف تغرق .. وحسب تقرير الهيئة الدولية المعنية بأبحاث البيئة . التي قالت ان نتيجة التغيرات بالكرة الأرضية
بسبب الاحتباس الحراري فان مستوي البحر المتوسط سيرتفع بسبب ذوبان الجليد القطبي مما سيتسبب في غرق دلتا مصر – التي تحوي أغلب الأراضي الخصبة والمصانع والمشروعات مما سيتسبب في كارثة نزوح و تشرد الملايين !!
فتري أهناك مصيبة يمكن أن تقع فوق راس مصر والمصريين اكبر من تلك المصيبة – الموقع مصري وأغلب القراء من المصريين والمقال واضح الموضوع من العنوان .. ! ولكن بعد يومين ونصف اليوم من عرضه . دخل الارشيف وهو يحمل تعليقا واحد كتبته ألوم فيه القراء لعدم وجود ولو تعليق يدل علي أنهم طالعوه أو اهتموا بما يحمله المقال بينما هو أخطر المقالات المعروضة وأهمها علي الاطلاق بما فيها مقالي ال كان معروضا في نفس الوقت ..
وبعد حوالي أسبوعين . عاد نفس الكاتب والطبيب القبطي ليكتب ثانية صارخا بالخطر القادم كما الوحش الذي سيغرق مصر .. ويسأل عما يجب اتخاذه من الآن من تدابير للمواجهة وما العمل اللازم علينا كمصريين قبل وقوع الكارثة ..
وبعد يومين من عرض المقال لم يعلق عليه سوي اثنين فقط من القراء بعدما عدت مرة ثانية ألوم القراء لعدم ابدائهم ثمة اهتمام بالمقال وموضوعه رغم خطورته ..! وتم حفظ المقال ب3 تعليقات فقط ! بينما مقالات أخري علق عليها أكثر من ثلاثين قارئا ..
لأن القراء – أغلبهم مصريون – كانوا مشغولين عن المقال وموضوعه الرهيب بالقراءة والتعقيب والتشاجر والمبارزة حول مقالات أخري حظيت بعشرات التعليقات . لكون المقالات الأخري اما عن النقاب أو الحجاب أو عن مصري مسلم تنصر أو مصري مسيحي تمسلم أو بنت مسيحية خطفوها ومسلموها أو عشرة مسيحيين يريدون العودة للمسيحية بعدما أسلموا ولم يرتاحوا بداخل حظيرة الدين الحنيف –غير المكيفة - ! أو عن الشيخ يوسف البدري والشيخ العوا والاعلامي عمرو اديب وملاكماتهم مع القمص زكريا بطرس .. واشياء من هذا القبيل شدت كل اهتمامات القراء المصريين مسلمين ومسيحيين وكانت عندهم أهم من غرق وطنهم وتشرد الملايين . مما سيقع فوق رأس الجميع مسلمين ومسيحيين ..!
وهذه الحالة الموجعة ليست قاصرة علي ذاك الموقع المصري .. كلا فهي ظاهرة عرباوية عامة . تجدها في المواقع الالكترونية الكبيرة الشهيرة أيضا سواء التي تنشر تعليقات القراء علي المقالات - لو تابعتها ستجد نفس الشيء - . أو بالمواقع التي تسجل فقط عدد زوار كل مقال من مقالات كتابها . لو تابعتها ستجد أن أخر مقال سياسي هام ينشر لأكبر كاتب لن يبلغ عدد زواره من القراء الا واحد علي العشرة من تعداد القراء الذين زاروا مقالا دينيا لنفس الكاتب أو لكاتب أقل ..حتي لو كان المقال السياسي يتناول في الصميم حياة ومستقبل المنطقة الواقعة بين المغرب والعراق بأكملها وليس بلد الكاتب وحده !
هكذا يكون الجدل الديني وهوس الدين مثل طبلة الحاوي .. ما ان يدق عليها الدقة الاولي .. سواء وقف بشارع بالريف أو بالمدينة .حتي يهرع الجميع كبارا وصغار اليه ليتفرجوا ! ..
الجدل المهووس حول الأديان أشبه بخناقة بين اثنين في الشارع المصري .. كفيلة بأن يتوقف الجميع ليتفرجوا - أبو السيارة وأبو الدراجة ، والراجل علي قدميه وصاحب المحل والمشترون الزبائن ! - تاركين مصالحهم وأشغالهم حتي ولو غرق وطنهم وهلكوا !
خبل الجدل والخلاف والعراك والمبارزات القولية حول الدين .. هي تشبه تماما –بل هي أسوأ - الجدل حول الكورة و وسوقية الجدل حول مشجعي النادي الأهلي و نادي الزمالك .. ! ذاك الموضوع الذي يجتمع حوله أغلب الشعب بكافة فئاته ومستوياته ويوحدهم معا تحت مظلة الغوغائية ..!
ألهذا السبب صنع الله الأديان وأرسل أنبياء وأرسل معهم كتبا يدونها في لوحه المحفوظ ؟!!!
=====
تعليقات
إرسال تعليق