مقالات مختارة
الشهورالسابقة على يوليو1952ثقافيـًـا وسياسيـًـا
طلعت رضوان
الحوار المتمدن 2018 / 7 / 19
أولا: الحراك الثقافى:
أصدرتْ منيرة ثابت (1902- 1967) فى عام1926صحيفتيْن، إحداهما باللغة الفرنسية، والثانية باللغة العربية باسم (الأمل) وفى عدد6مايو1952كتبتْ الآنسة (أنس الوجود) مقالاعن القديسة التى طردتْ الإنجليزمن بلادها فقالت ((جان دارك فتاة قروية. مواليد عام1412ولما نضجتْ تلقتْ الوحى من القديسيْن (ميشل وكاترين) وتكرّرتْ النداءات لتــُـنقذ فرنسا من الإحتلال البريطانى. وقد لاحقتْ جان دارك بجيشها فلول جيش الإنجليزالفارين أمامها. وحاولتْ فى زحفها الأخيرالاستيلاءعلى مدينة باريس، ولكنها جــُـرحتْ فى معركة الهجوم على (باب سانت أونويه) فأعفاها الملك من هذه المهمة)) وبعد أنْ سردتْ الكاتبة تفاصيل ما تعرّضتْ له جان من خيانات عملاء الإنجليز، وقعتْ فى قبضة الأعداء فحاكموها أمام محكمة إكليريكية، شكــّـلوها على طريقتهم الاستعمارية (كما فعلوا فى دنشواى فى مصر) واتهموها بالكفروحكموا عليها بالموت حرقــًـا عام1431فى ميدان السوق القديم. وأنّ جان تلقتْ الحكم بشجاعة روّعتْ وأذهلتْ القتلة الجلادين ثـمّ دارتْ عجلة الزمن حتى كان عام1920دخلتْ جان دارك فى عداد القديسين، ثـمّ أصبح عيدًا وطنيـًـا تحتفل به فرنسا يوم الأحد الثانى من شهرمايوكل عام.
وفى نفس العدد مقال بقلم الآنسة (فرهودة) بعنوان (على هامش المساواة السياسية) قالت فيه إنّ التخصص الخاص بالذكوردون الإناث، الموجود فى نص المادة الأولى من قانون الانتخابات، هوالذى يسلب حقنا السياسى، ويهدم أساسًـا من أسس الدستورالذى تحرص كل حكومة على احترامه.
وتحت باب (شريط الأحداث) كتبت محررة هذا الباب الثابت أنّ د.صلاح الدين (وزيرالخارجية) من رأيه مقاطعة الإنجليزوعدم التعاون معهم. وكان تعليق المحررة: ونحن النساء اللائى لانؤمن بسياسة المفاوضات المطاطة التى ضيـّـعتْ من حياتنا 33سنة (بعد ثورة1919) نذكرأنّ بريطانيا (المدعوة بالعظمى) ركعتْ على قدميها لوليد الاستعمارالصهيونى فى فلسطين.
وجاء فى شريط الأحداث أيضًا أنّ اتحاد شركات الملاحة السكندنافية اقترح وضع قناة السويس تحت إشراف منظمة الأمم المتحدة بعد إنتهاء أجل الامتيازعلى أنْ تتولى بريطانيا إدارته نيابة عن المنظمة الدولية. فكان تعقيب المحررة: وهذه (الرقاعة) الاستعمارية مناورة جديدة من مناورات مخلب القط البريطانى.
وفى نفس العدد مقال عن الآنسة (منى عبدالحميد صادق) التى تهوى الموسيقى والرسم والأدب. وتتحدث بطلاقة الفرنسية والإنجليزية. وتــُـجيد اللغة الألمانية وتتكلمها بلهجة أهل برلين. ومعجبة بأعمال جوهان فولفانج جيته، وفريدريش شيلروغيرهما. وكانت الآنسة منى منذ عاميْن تهوى الطيران وتعلن أنها تود أنْ تــُـصبح طيارة. كما أنها تأثرتْ بقراءة أخبارمعركة النساء، وقضية حقوق المرأة السياسية، فقرّرتْ أنْ تدخل كلية الحقوق لتتولى الدفاع عن المرأة، بالرغم من أنها ستؤدى (فى هذا العام) الامتحان النهائى فى الثقافة الألمانية.
وفى عدد7يونيو1952كتبتْ رئيسة التحرير(منيرة ثابت) افتتاحية العدد بعنوان (خواطرشهرية) قالت فيه: نحن نعرف أنّ بذورالفساد ظهرتْ فى أعقاب توقيع معاهدة1936، التى قال عنها بعض الرجال أنها (معاهدة الشرف والاستقلال) بينما قالت عنها نساء مصرأنها (صك عبودية واستعمار) وقد أثبتتْ الأحداث صواب رأى النساء. ولم تشهد مصربعد ثورة1919برلمانــًـا يؤدب الوزارات، وإنما شهدتْ وزارات تلعب الكرة بالبرلمانات، وذلك بالرغم من أنّ مصرتتمتع بدستورديمقراطى مأخوذ من أحدث النظم. وفى العدد التالى (14يونيو1952) كتبتْ منيرة ثابت عن نفس الموضوع فشرحتْ أهمية إلغاء الاستثناء المنصوص عليه فى قانون الانتخاب، الذى يعطل مبدءًا صريحـًـا من مبادىء دستور1923حيث نصّـتْ المادة الثالثة على حق المرأة فى المساواة السياسية مع الرجل. ثم أشارتْ إلى ميثاق سان فرانسسكوالذى قرّرالمساواة السياسية فى الحقوق لجميع شعوب الدول التى وقـّـعتْ عليه ومنها الدولة المصرية. وأضافتْ: أنا كمصرية مسلمة درستُ سبعة عشرعامًـا القانون والشريعة الإسلامية، فلم أجد (فى شريعتنا) نصًـا صريحـًـا يحرم المرأة من حق الانتخاب وحق الترشح لأية وظيفة وزارية أونيابية، سواء للمرأة أوللرجل.
وفى نفس العدد (7يونيو1952) كتب السنهورى باشا (رئيس مجلس الدولة) أنّ المادة الثالثة من دستور1923تنص على ((المصريون لدى القانون سواء. وهم مُـتساوون فى التمتع بالحقوق المدنية والسياسية، وفيما عليهم من الواجبات والتكاليف العامة، لاتمييزبينهم فى ذلك بسبب الأصل أواللغة أوالدين)) ثم أضاف: وتطبيقــًـا لهذا المبدأ يحكم القضاء ببطلان التشريع الذى يعفى طائفة العربان (المُـتجنسين بالجنسية المصرية) من الخدمة العسكرية.
والمفارقة أنّ السنهورى بعد 23يوليو1952، انقلب على السنهورى الذى كان فى يونيو1952، حيث وافق على إلغاء دستور1923.
ولورجعنا إلى الوراء بضع سنوات، سنجد مجلة (بنت النيل) التى أصدرتها (درية شفيق) فنقرأ فى عدد ديسمبر1946مقالابعنون (المهرعبودية مُـتحضرة) للكاتب (طه الولى) قال فيه: إنّ المهربشكله الراهن لايعدوأنه البقية العملية لنظرية الرق التى كانت فى عصورالظلمات، حيث كان الناس يتناقلون أبناءهم وزوجاتهم على غرارالطريقة التى يتناقلون بها أشياءهم من زاد ومتاع.
وفى عدد فبراير1947مقال (المرأة المصرية وحق الانتخاب) للكاتب (حمدى عزام) قال فيه: لقد اعترفتْ دول كثيرة منذ سنة1913بحق التصويت للمرأة، كالنرويج والسويد وهولندا وألمانيا. وفى بريطانيا قانون صدربتاريخ6فبراير1918، اعترف للمرأة الإنجليزية بحق الانتخاب، وكذلك المرأة الروسية منذ سنة1936. كما أصبح لجميع المواطنين الأتراك (ذكورًا وإناثــًـا) حق الانتخاب. وفى فرنسا انتصررأى مجلس النواب على معارضة مجلس الشيوخ، وصارللمرأة الفرنسية هذا الحق. ومع كل هذا لم تعترف مصربهذا الحق. فكيف تــُـحرم المرأة المصرية من هذا الحق؟ وقد أثبت الزمن أنها تستطيع القيام بغالبية الأعمال التى يقوم بها الرجل، فأصبحتْ محامية وطبيبة وأديبة..إلخ. وخاطب المرأة المصرية قائلا: سيرى فى طريقك ودافعى عن حقوقك المغتصبة، فإنّ النصرلك قريب. ونجد د.نعيمة الأيوبى (أول فتاة ترتدى روب المحاماة سنة1932وتدخل ساحة القضاء بصفتها محامية بجوارالرجل) تكتب فى عدد مارس1947مقالادافعتْ فيه عن المرأة وحقوقها الأسرية، مثل حق النفقة والحضانة، وأهمية مساهمتها فى العمل الاجتماعى، بمراعاة (حق المواطنة) مثلها مثل الرجل. وبالرغم من مكانة طه حسين الثقافية، فإنه عندما كان رئيس تحرير(مجلة الكاتب المصرى) أثبت (قيمة التواضع) فعرض فى عدد فبراير1946 مقالا أعجبه للكاتب عبداللطيف شرارة بعنوان (كيف نـُـحارب الطائفية) نشره فى مجلة (الأديب) قال فيه: ((إنّ التوفيق بين الدين والفلسفة محاولة عقيمة. وقد قام بها ابن سينا منذ قرون فانتهى به الأمرإلى اعتباره زنديقــًـا من قــِـبل رجال الدين، قصيرالنظرمن قــِـبل الفلاسفة. وهذا كل ما ربحه من تجربته. كما أنّ التوفيق بين دين ودين انتهى على يد الكثيرين فى أوروبا وفى الشرق إلى مآسٍ ردّد التاريخ صداها)) ثانيا: الصحافة والسياسة: كتب محمود أبوالفتح فى صحيفة (المصرى) مقالابعنوان (تنبيه وتحذير: أحداث خطيرة فى الشرق العربى) ناشد فيه زعماء مصروطلب منهم الانتباه لمخطط بريطانيا على حساب المصلحة المصرية. وأشارإلى التآلف الذى ربط بين السياسة الأنجلوأمريكية وبين العراق والأردن وليبيا. وأنّ الأخيرتين على الحدود المصرية (صحيفة المصرى عدد16يوليو1949) وفى صحيفة (صوت الأمة) وصفٌ لتشييع جثمان حسن البنا، وكيف حملته نساء جماعة الإخوان. بالرغم من أنّ التهم التى وجهها (حزب السعديين) للمرشد العام للإخوان أنه ((كان يـُـشرف بنفسه على الجرائم الإرهابية التى نفذها أعضاء من الإخوان المسلمين)) (عدد25ديسمبر1949) وفى حديث صحفى مع رئيس وزراء الهند نهروعندما زارمصرسألته صحفية مصرية: عن إمكانية بريطانيا وأمريكا فى الإبقاء على السلم العالمى فقال ((الأصح فى اعتقادى أنْ نقول أمريكا فقط لأنّ بريطانيا أصبحتْ غيرموجودة على الإطلاق، فقد ضاعتْ الامبراطورية البريطانية بضياع الهند ومصر، ولم يبق منها شىء، بل إنها تعتمد الآن اعتمادًا كليـًـا على مساعدة أمريكا (صحيفة المصرى- نوفمبر49) ونشرتْ بعض الصحف المصرية تصريح الوزيرالبريطانى الذى حمل صيغة التهديد والتحذيرمن أية ثورة ضد بريطانيا، فنشرتْ صحيفة المصرى مقالابعنوان (أنا الغريق فما خوفى من البلل) تناول فيه كاتبه الأسلوب الجديد الذى ابتكره الإنجليزللتأثيرعلى مصر، وتبريربقاء قواتهم فى منطقة القناة. وكذلك التهديد (بالخطرالروسى) ثم ركزالكاتب على أنّ العدوالأساسى لمصرهم الإنجليز، وأنهم أسباب المصائب التى حلـــّـتْ بالشرق عامة ومصرخاصة (المصرى31مايو1951، والأهرام22مايو، و8يونيو1951) وفى عام1949صرّح وكيل الخارجية البريطانية أثناء زيارته لمصرأنّ بريطانيا لاتمانع فى الجلاء عن مصرتبعـًـا للتصريح الذى أعلنه بيفن عام46 (صوت الأمة30مايو1949) ونشرتْ صحيفة أخباراليوم مذكرات النقراشى بدءًا من عدد5نوفمبر1949، فتدخل السفيرالبريطانى وتقابل مع حسين سرى (بصفته الحاكم العسكرى وله حق الرقابة على الصحف) وطلب منه منع نشرالمذكرات. ولكن رئيس وزراء مصرقال إنه لايحب استغلال الأحكام العرفية لمنع النشر. وبالتالى تواصل نشرمذكرات النقراشى، فتدخل- هذه المرة- وزيرالخارجية البريطانى لوقف النشر. وكان تعليق بعض الصحف أنّ خوف المسئولين الإنجليزمن نشرالمذكرات أكبردليل على وطنية النقراشى باشا (أخباراليوم19نوفمبر1949) وفى واقعة سابقة فإنّ رئيس وزراء بريطانيا (عاب وانتقد) النقراشى باشا لأنه لم يلب الطلب البريطانى بشأن تشديد الرقابة على الصحف. ومن مآثرالنقراشى باشا ما ذكره أغلب المؤرخين عنه حيث أنه فى مجلس الأمن سنة1947 (والعالم كله يسمعه) هاجم الإنجليزوقال جملته الشهيرة ((أيها القراصنة.. اخرجوا من بلادنا)) (حافظ محمود- أسرارالماضى من1907- 1952- كتاب روزاليوسف- عام1973- ص186) وقد أجرتْ صحيفة (تايمز) حوارًا مع وزيرخارجية مصر(صلاح الدين) وسألته عن رأيه فى أنّ الحرب الباردة بين أمريكا وروسيا قد تؤثرعلى جلاء الإنجليزعن مصر، فأجاب بأنّ مصرلاتوافق على هذه الرؤية. وأنّ الحديث عن (البعبع الشيوعى) الذى تـُـروّج له أمريكا لايـُـخيفنا. كما أننا نتمسك بوحدة وادى النيل. ومصرلاتوافق بريطانيا على فصل السودان عن مصر(الأهرام28مارس1950) وكانت بريطانيا تسعى لجعل منطقة القناة قاعدة حربية لها بحجة الدفاع عن الشرق الأوسط ، فكان تعليق صلاح الدين (وزيرخارجية مصر) أنّ مصرلاتقبل أنْ تكون قاعدة عسكرية لخدمة أهداف الدول الاستعمارية (أهرام3أكتوبر1951) وبعد أنْ ألغى مصطفى باشا النحاس معاهدة سنة1936فى8أكتوبر1951فقد أعضاء السفارة البريطانية أعصابهم بسبب الزخم الشعبى الذى أيـّـد قرارمصطفى النحاس، وتنشيط الكفاح المسلح فى مدن القناة، خاصة بعد أنْ سمح فؤاد سراج الدين (وزيرالداخلية) بفتح مخازن سلاح الوزارة للفدائيين المصريين. كما شنــّـتْ معظم الصحف المصرية هجومًـا حادًا ضد بريطانيا التى (فقدتْ زعامتها الاستعمارية بعد أنْ حلــّـتْ أمريكا مكانها) ونزل الستاربأفول الامبراطورية البريطانية (صحيفة المصرى14أكتوبر، والأهرام15أكتوبر1951) وذكرالسفيرالبريطانى فى مصرأنه أثناء حضورفؤاد سراج الدين المؤتمرات الصحفية، كانت تــُوزع المنشورات عن نشاط الفدائيين فى مدن القناة ضد الإنجليز. كما أنّ سراج الدين حذرأصحاب المطابع من طبع أى منشورات للجانب البريطانى، ومن يفعل ذلك سيحاكم بتهمة الخيانة. وتضامنتْ معظم الصحف المصرية مع الفدائيين، مع التذكيربجرائم الإنجليزضد مصر(صحيفة اللواء الجديد وروزاليوسف30أكتوبر1951) ونشرتْ الأهرام مقالا تكلم فيه كاتبه عن ألمانيا النازية وبريطانيا الاستعمارية، وأنه لافرق بين الدولتيْن حيث العداء للشعوب الحرة (أهرام26أكتوبر، 10نوفمبر51) استمرتْ الصحف فى تشجيع الكفاح المسلح ضد الإنجليزالذين (طالبوا البوليس المصرى بحمايتهم من الفدائيين) وهددوا بقتل النساء والأطفال. ونشرتْ الصحف الكثيرعن الطفل المصرى نبيل منصور(13سنة. وعند الرافعى11سنة) الذى حطم رأس جندى بريطانى أثناء حراسته لجمرك بورسعيد واستولى على سلاحه (المصرى والأهرام22، 25، 28 نوفمبر1951) وكتب عنه المؤرخ عبدالرحمن الرافعى أنه ((تسلل فى جنح الظلام بين الأسلاك الشائكة إلى خيام أحد المعسكرات البريطانية وأشعل النارفى الخيام، بإلقاء خرق مشتعلة مبللة بالجاز، واشتعلتْ النارفى عشرين منها، حتى لمحه الإنجليزفأطلقوا عليه الرصاص ومات شهيدًا يوم16أكتوبر1951وكان عمره11سنة. وما فعله الطفل نبيل منصورفعله الطفل عبدالحميد أحمد سليمان (12سنة) فى بورسعيد (مصر بين ثورة1919ويوليو1952- مطابع الشروق- عام1980- ص118) وكتب الشاعركامل الشناوى مقالابعنوان (هذا الدم مدادًا للقدر) ذكرفيه أنّ ما ارتكبته القوات البريطانية فى السويس (على مداريوميْن) جريمة إنسانية، وأنّ دم شهداء مصرسيروى تربة الكفاح المسلح ضد الإنجليزالهمج (أهرام 5ديسمبر1951) ومع تزايد نشاط الفدائيين طالب السفيرالبريطانى من الحكومة المصرية بوقف نشاط الفدائيين وإخلاء كفرعبده الذى يـُـعتبرركيزة للكفاح المسلح فرفض رئيس وزراء مصر، فكان رد فعل الإنجليزأنهم أبادوا الكفرعن آخره. وقد انعكس هذا الحادث على الصحافة فشنــّـتْ المزيد من الهجوم على بريطانيا (المصرى والجمهورالمصرى- الأعداد8، 9، 10، 11، 18ديسمبر51) وعن تلك الواقعة ذكرعبدالرحمن الرافعى ((كان للمأساة المُـروعة التى وقعتْ فى كفرعبده، وللوحشية التى ظهربها الإنجليزفى إبادة هذا الحى أثرعميق فى النفوس)) وأنّ يوم8ديسمبر1951من الأيام الخالدة فى تاريخ النضال ضد الإنجليز، ولذلك خصّص فصلا بعنوان (إلغاء معاهد1963والكفاح فى مدن القناة- من سنة1951- 1952- المصدرالسابق- من ص80- 101) وفى نفس الإتجاه كتب إحسان عبدالقدوس مقالابعنوان (قطرات الدم فى فنجان شاى) تنبعث منه رائحة الجثث..إلخ وناشد المصريين بالتوجه إلى مدن القناة (روزاليوسف25ديسمبر51) واتهمتْ السفارة البريطانية وزيرداخلية مصر(فؤاد سراج الدين) بأنه أسهم ((بدورفعال فى توسيع النشرضد بريطلنيا)) (صحيفة الصراحة18يناير1952) وبسبب حريق القاهرة (26يناير52) تغيـّـرتْ وزارة الوفد فشغل مرتضى المراغى منصب وزيرالداخلية، الذى لم يقل وطنية عن سراج الدين فنادى باستمرارالمقاومة ضد الإنجليز((وأنّ الشعب كله سيقف مع الفدائيين)) (صحيفة الدعوى6مايو1952) وبعد إعلان الكفاح المسلح تـمّ القبض على فتحى الرملى، سلامة موسى ومحمد مندوروآخرين، بتهمة الشيوعية والعمالة لروسيا. وذكرتْ صحيفة المصرى أنّ الإنجليزيـُـلوحون لمصربشبح الخطرالروسى. وأنّ مصرمُـهددة بالجيش الشيوعى، ولكن مصرلاتــُـخيفها هذه التهاويل، لأنّ روسيا ليست عدوة، وأنّ مصرتكره الاستعمارالبريطانى أكثرمن كرهها للشيوعية (المصرى27مارس1951) وقال سراج الدين ((إنّ الإستعمارالبريطانى أشد خطرًا من الشيوعية)) (المصرى27أكتوبر، 6نوفمبر51) ثالثــًـا: السينما والأغانى قبل يوليو1952: فى شهريوليو1952كان عمرى عشرسنوات. وأذكرأننى منذ طفولتى جذبتى السينما. وكانت سينما هوليود بشارع الجيش (من ميدان العباسية حتى ميدان العتبة) تعرض ثلاثة أفلام فى العرض الواحد، وكان ثمن التذكرة تسعة مليمات. وفى هذه الدارشاهدتُ الكثيرمن الأفلام مثل فيلم (المليونير) بطولة إسماعيل ياسين، كاميليا، زينات صدقى وسعاد مكاوى. وهذا الفيلم- عندما شاهدته بعد خمسين سنة- بهرنى الحواربين المليونير(عاصم الاسترلينى) والمونوليجست (جميز) الأول يعتقد أنه قتل عشيق زوجته، فيطلب من الثانى (بسبب الشبه الكبيربينهما) أنْ يحل محله فى الفيلا. فى بداية اللقاء سأل المليونيرشبيهه عن أجره فقال: ريال فى الليلة. قال المليونيربإشمئزاز: يعنى دولار. هذا الحوارالذى كتبه أبوالسعود الإبيارى أكــّـد لى قوة العملة المصرية وبالتالى قوة الاقتصاد المصرى، فإذا كان الريال المصرى = يساوى دولارًا فمعنى ذلك أنّ الجنيه المصرى = خمسة دولارات. ومع ملاحظة أنّ هذا الفيلم إنتاج سبتمبر1950ومن إخراج حلمى رفلة وقصة مأمون الشناوى. ومن الأفلام التى شاهدتها فى طفولتى: فيروزهانم، ابن النيل، لك يوم يا ظالم، تعال سلم وأميرالانتقام وكلها إنتاج سنة1951. ورأيتُ فيلم (غزل البنات) فى طفولتى وفى شيخوختى توقفتُ أمام أغنية محمد عبدالوهاب (عاشق الروح) حيث أنّ مؤلف الأغنية أبدع عندما جعل الكلمات (ترجمة) حقيقية للعلاقة الملتبسة بين المدرس الساذج (نجيب الريحانى) الذى صـدّق نفسه بأنّ الفتاة المستهترة (ليلى مراد) تــُـحبه كما أحبها، فجاءتْ كلمات الأغنية مُـعبـّـرة عن هذا الوهم، خاصة فى المقطع الأخير: حاولتْ كتيرأبوح وأشكى..وأقرّب شكوتى منك.. لقيتك فى السما عالى وأنا فى الأرض مش طايلك..حضنتْ الشكوى فى قلبى وفطمتْ روحى على بعدك..أنورشمعتى لغيرى ونارها كاويه أحضانى..وأبيع روحى فدا روحى وأنا راضى بحرمانى..وعــِـشق الروح مالوش آخرلكن عــِـشق الجسد فانى (كلمات حسين السيد) والفيلم إنتاج سنة1949وعـُـرض الفيلم بعد وفاة نجيب الريحانى، وذكرمن أرّخوا لحياة هذا الكوميديان العبقرى أنه مات بعد أداء دوره فى المشهد الأخيرالذى بكى فيه. 000 ما سبق إطلالة سريعة ومُـختصرة عن الحراك الثقافى المصرى قبل يوليو1952، لأنّ هذا الموضوع يحتاج لمزيد من الدراسات، فعل سبيل المثال كان المفكرون المصريون يسعون لتشييد قواعد دولة عصرية. وبفضل دورالليبراليين قبل يوليو52، كانت مصر(بالفعل) مؤهلة لأنْ تكون دولة عظمى فى منطقة الشرق الأوسط على الأقل، فقد تم وضع الكثيرمن أسس الدولة العصرية: عدم الاستسلام للفكرالأصولى الذى تبناه الإخوان المسلمون، حرية البحث العلمى، صحافة حرة تقاوم الفساد، حكومة مسئولة أمام البرلمان، تمصيرالاقتصاد المصرى، الجنيه المصرى أقوى من الاسترلينى، تعدد الأحزاب، الأحزاب يتم الإعلان عنها بمجرد إخطارجهة الإدارة، أى لايوجد قانون للأحزاب ولاتوجد لجنة لشئون الأحزاب، توافق على هذا وترفض ذاك لأسباب تقدرها السلطة الحاكمة كما حدث بعد يوليــو52، ظهورالعديد من الشخصيات المصرية البارزة فى مجالات الأدب والفن والعلـــــــــوم (مصطفى مشرفة وسميرة موسى) وفى تلك الفترة كانت مصرعلى وشك أنْ تكون امبراطورية، فإنّ الجنود المصريين بقيادة (جوردون باشا) استولوا على منطقة (مرولى) الواقعة على نهرالسومرست (نيل فيكتوريا) وبناءً على ذلك فقد تم ((إلحاق جميع البلاد الواقعة حول بحيرة فيكتوريا وبحيرة البرت بمصر)) (عبدالرحمن الرافعى عصرإسماعيل– الجزء الثانى ص- 287– وثيقة رقم "1") ونظرًا لمكانة مصرالمؤهلة لأنْ تكون دولة عصرية، فقد كان من الطبيعى أنْ يكون القانونى الكبير(عبدالحميد بدوى) الذى كان أول من دعا إلى إنشاء مجلس الدولة، أنْ يكون رئيسًا للوفد المصرى فى اجتماع اللجنة التحضيرية لهيئة الأمم المتحدة عام1945. كما رأس وفد مصرفى مجلس الأمن. وكذلك تم اختياره كأول قاض مصرى ضمن قضاة محكمة العدل الدولية. وكان نائبًا لرئيس محكمة العدل الدولية. أما (محمد عوض محمد) الجغرافى المصرى الكبير، فقد رشحّته مكانته العلمية الرفيعة للمشاركة فى وضع ميثاق الأمم المتحدة، والإعلان العالمى لحقوق الإنسان. وأكثرمن ذلك تم تكليفه بوضع الوثيقة الخاصة بإلغاء الرق. وتواصل عمله بهذه المنظمة الدولية بانتخابه عضوًا بالمجلس التنفيذى لمنظمة اليونسكو. ثم اختياره عضوًا بلجنة حقوق الإنسان التابعة لها.
***
تعليقات
إرسال تعليق