موسم توزيع هدايا القيصر
بوتين - الرئيس الروسي
غسان شربل
رئيس تحرير «الشرق الأوسط»
30-7-2018
في المأساة السورية التي تقترب من منعطف بالغ الأهمية، بدا المطبخ الروسي الأكثر براعة وتماسكاً. إنه مطبخ سياسي ودبلوماسي وأمني يعمل تحت إشراف سيد الكرملين وهو كبير الطهاة. لا يمكن هنا إغفال دور اللاعب المساعد في ترويج الوجبات وفق المراحل، وهو سيرغي لافروف، الذي أدار باقتدار مواجهة طويلة امتدت من الشرق الأوسط إلى أروقة مجلس الأمن وتخللتها مناورات والتفافات وصدمات.
لا شك أن فلاديمير بوتين كان يبحث عن فرصة ذهبية للثأر الكبير. الثأر من عالم القطبية الواحدة الذي ساد غداة انتحار الاتحاد السوفياتي. والثأر من حلف الأطلسي الذي حرك بيادقه قرب حدود الاتحاد الروسي. والثأر من الثورات الملونة التي يعتقد بوتين أنها وافدة من المطابخ الغربية. والثأر من صورة السلاح السوفياتي والروسي يدمر في العراق وصربيا وليبيا. لقد وفرت المأساة السورية هذه الفرصة وبرع بوتين في إنضاج ظروف التدخل العسكري الروسي في هذا البلد. وأفاد الرئيس الروسي في هذا السياق من تخبط صناع القرار في واشنطن في عقدة الأثمان الباهظة للتدخل العسكري في العراق. كما أفاد من رغبة باراك أوباما في إبرام «اتفاق تاريخي» مع إيران في شأن برنامجها النووي. وعلى الرغم من تبدل الإدارات في واشنطن لم يظهر أن مصير سوريا اعتبر هناك أولوية تستحق الذهاب إلى حد التدخل العسكري.
من ينظر إلى سوريا اليوم يدرك أن روسيا نجحت في انتزاع موقع اللاعب الأول في هذا البلد. إنها الفريق الوحيد القادر على التحدث إلى كل الفرقاء. وهي المعبر الإلزامي إلى أي تسوية مؤقتة أو طويلة الأمد. ولأن الأزمة السورية إقليمية بفعل موقع هذا البلد والتنازع عليه وبفعل انتشار اللاجئين السوريين في الدول المجاورة، ولأن أي حل لا بدَّ من أن يعني حدود الدور الإيراني وأمن إسرائيل، يمكن القول إن روسيا فرضت نفسها لاعباً كبيراً على مستوى الشرق الأوسط.
واضح أننا أمام مشهد جديد في الأزمة السورية. القمة الأميركية - الروسية في هلسنكي عززت هذا الانطباع. تناول الرئيسان هذه الأزمة تحت ثلاثة عناوين: أمن إسرائيل وتدخلات إيران وعودة اللاجئين. لم يرد أي ذكر في المؤتمر الصحافي للانتقال السياسي أو عملية جنيف. لم يعد مصير الرئيس بشار الأسد مطروحاً أو قيد البحث. نجحت روسيا بعد حسم المواجهة العسكرية لمصلحة النظام في إخراج موضوع الأسد من التداول.
يمكن القول إن روسيا تتولى حالياً توزيع الضمانات والضمادات. إنها هدايا القيصر الذي أمسك خيوط اللعبة والحل. تقاضت إسرائيل هدية تعنيها وهي إنعاش اتفاق فك الاشتباك بين الجيشين السوري والإسرائيلي مرفقاً بوعد روسي بإبعاد الميليشيات الإيرانية عن حدود إسرائيل. وهذا يعني أن المناطق السورية المحاذية للجولان المحتل لن تكون مصدر خطر على الدولة العبرية. وقد تكون هذه النقطة بالذات بين أبرز الأسباب التي سهلت انعقاد قمة هلسنكي. قبل ذلك تلقت إسرائيل من بوتين هدية أخرى، إذ سلم لها عملياً بحق مهاجمة مواقع إيران وميليشياتها، على الرغم من المظلة الروسية المنصوبة فوق سوريا.
تركيا تلقت هي الأخرى هدية من القيصر. أجاز لها منع قيام «إقليم» كردي على حدودها حين شنت عملية «درع الفرات» في جرابلس والباب. أجاز لها أيضاً القضاء على حلم الأكراد السوريين بالوصول إلى المتوسط عبر عملية «غصن الزيتون» التي شنها الجيش التركي في عفرين. يمكن أن تحصل تركيا على هدية إضافية، إذا نجحت روسيا في إعادة قسم من السوريين الذين لجأوا إلى تركيا.
كانت البهجة الرسمية اللبنانية واضحة للعيان حين أعلنت روسيا أنها ستدعم عودة مئات آلاف السوريين الذين لجأوا إلى لبنان. يمكن قول الشيء نفسه عن الأردن الذي ينوء اقتصاده تحت أعباء استقبال اللاجئين.
إيران نفسها تلقت هدية كبيرة من القيصر حين حال تدخل قواته في سوريا دون سقوط الحلقة السورية من «الهلال» الذي يفاخر جنرالاتها بقيامه. سقوط الحلقة السورية كان من شأنه أن يشكل هزيمة مدوية لسياسات خامنئي وجنرالات «الحرس»، لأن انقطاع الاتصال الإيراني البري بـ«حزب الله» اللبناني ليس أمراً بسيطاً. ولأن القيصر ليس جمعية خيرية يتوقع أن تردّ إيران على الهدية بمرونة في ملف أمن إسرائيل. طبعاً الابتعاد عن الجولان شيء والخروج من سوريا شيء آخر. هذه اللعبة معقدة وستشهد تسابقاً على استقطاب النظام السوري الذي كان تلقى هدية ثمينة من القيصر أبقته على قيد الحياة. خصوم إيران تلقوا أيضاً هدية من القيصر تتمثل في الاعتقاد أن سوريا الروسية حالت دون قيام سوريا الإيرانية.
يحرك القيصر ملف اللاجئين السوريين كهدية يمكن أن تستدرج أوروبا إلى المشاركة في إعادة إعمار سوريا ولو من بوابة توفير الظروف الملائمة لإعادة أكبر عدد ممكن من اللاجئين. والموضوع يعني أوروبا ويغريها. فالقارة العجوز تعاني من أعباء ملف اللجوء ومنقسمة حوله. قيام روسيا بإطلاق الأمل في عودة اللاجئين السوريين إلى بلادهم سيخفض عدد الوافدين في القوارب. المساهمة الأوروبية ستؤدي في حال حصولها إلى نوع من إعادة تأهيل النظام.
أميركا نفسها قد تكون حصلت على هدية من القيصر. ضمان أمن إسرائيل عبر الجبهة السورية ومنع قيام وجود إيراني عسكري قبالة الجولان موازٍ لوجود «حزب الله» في الجنوب اللبناني.
نجح كبير الطهاة في الكرملين في إنضاج الطبخة السورية. حجز دوره ومقعده وحوّل نفسه حاجة وضمانة. مع موسم توزيع هدايا القيصر تدخل الأزمة السورية مرحلة جديدة تختلف تماماً عن السابق.
لا شك أن فلاديمير بوتين كان يبحث عن فرصة ذهبية للثأر الكبير. الثأر من عالم القطبية الواحدة الذي ساد غداة انتحار الاتحاد السوفياتي. والثأر من حلف الأطلسي الذي حرك بيادقه قرب حدود الاتحاد الروسي. والثأر من الثورات الملونة التي يعتقد بوتين أنها وافدة من المطابخ الغربية. والثأر من صورة السلاح السوفياتي والروسي يدمر في العراق وصربيا وليبيا. لقد وفرت المأساة السورية هذه الفرصة وبرع بوتين في إنضاج ظروف التدخل العسكري الروسي في هذا البلد. وأفاد الرئيس الروسي في هذا السياق من تخبط صناع القرار في واشنطن في عقدة الأثمان الباهظة للتدخل العسكري في العراق. كما أفاد من رغبة باراك أوباما في إبرام «اتفاق تاريخي» مع إيران في شأن برنامجها النووي. وعلى الرغم من تبدل الإدارات في واشنطن لم يظهر أن مصير سوريا اعتبر هناك أولوية تستحق الذهاب إلى حد التدخل العسكري.
من ينظر إلى سوريا اليوم يدرك أن روسيا نجحت في انتزاع موقع اللاعب الأول في هذا البلد. إنها الفريق الوحيد القادر على التحدث إلى كل الفرقاء. وهي المعبر الإلزامي إلى أي تسوية مؤقتة أو طويلة الأمد. ولأن الأزمة السورية إقليمية بفعل موقع هذا البلد والتنازع عليه وبفعل انتشار اللاجئين السوريين في الدول المجاورة، ولأن أي حل لا بدَّ من أن يعني حدود الدور الإيراني وأمن إسرائيل، يمكن القول إن روسيا فرضت نفسها لاعباً كبيراً على مستوى الشرق الأوسط.
واضح أننا أمام مشهد جديد في الأزمة السورية. القمة الأميركية - الروسية في هلسنكي عززت هذا الانطباع. تناول الرئيسان هذه الأزمة تحت ثلاثة عناوين: أمن إسرائيل وتدخلات إيران وعودة اللاجئين. لم يرد أي ذكر في المؤتمر الصحافي للانتقال السياسي أو عملية جنيف. لم يعد مصير الرئيس بشار الأسد مطروحاً أو قيد البحث. نجحت روسيا بعد حسم المواجهة العسكرية لمصلحة النظام في إخراج موضوع الأسد من التداول.
يمكن القول إن روسيا تتولى حالياً توزيع الضمانات والضمادات. إنها هدايا القيصر الذي أمسك خيوط اللعبة والحل. تقاضت إسرائيل هدية تعنيها وهي إنعاش اتفاق فك الاشتباك بين الجيشين السوري والإسرائيلي مرفقاً بوعد روسي بإبعاد الميليشيات الإيرانية عن حدود إسرائيل. وهذا يعني أن المناطق السورية المحاذية للجولان المحتل لن تكون مصدر خطر على الدولة العبرية. وقد تكون هذه النقطة بالذات بين أبرز الأسباب التي سهلت انعقاد قمة هلسنكي. قبل ذلك تلقت إسرائيل من بوتين هدية أخرى، إذ سلم لها عملياً بحق مهاجمة مواقع إيران وميليشياتها، على الرغم من المظلة الروسية المنصوبة فوق سوريا.
تركيا تلقت هي الأخرى هدية من القيصر. أجاز لها منع قيام «إقليم» كردي على حدودها حين شنت عملية «درع الفرات» في جرابلس والباب. أجاز لها أيضاً القضاء على حلم الأكراد السوريين بالوصول إلى المتوسط عبر عملية «غصن الزيتون» التي شنها الجيش التركي في عفرين. يمكن أن تحصل تركيا على هدية إضافية، إذا نجحت روسيا في إعادة قسم من السوريين الذين لجأوا إلى تركيا.
كانت البهجة الرسمية اللبنانية واضحة للعيان حين أعلنت روسيا أنها ستدعم عودة مئات آلاف السوريين الذين لجأوا إلى لبنان. يمكن قول الشيء نفسه عن الأردن الذي ينوء اقتصاده تحت أعباء استقبال اللاجئين.
إيران نفسها تلقت هدية كبيرة من القيصر حين حال تدخل قواته في سوريا دون سقوط الحلقة السورية من «الهلال» الذي يفاخر جنرالاتها بقيامه. سقوط الحلقة السورية كان من شأنه أن يشكل هزيمة مدوية لسياسات خامنئي وجنرالات «الحرس»، لأن انقطاع الاتصال الإيراني البري بـ«حزب الله» اللبناني ليس أمراً بسيطاً. ولأن القيصر ليس جمعية خيرية يتوقع أن تردّ إيران على الهدية بمرونة في ملف أمن إسرائيل. طبعاً الابتعاد عن الجولان شيء والخروج من سوريا شيء آخر. هذه اللعبة معقدة وستشهد تسابقاً على استقطاب النظام السوري الذي كان تلقى هدية ثمينة من القيصر أبقته على قيد الحياة. خصوم إيران تلقوا أيضاً هدية من القيصر تتمثل في الاعتقاد أن سوريا الروسية حالت دون قيام سوريا الإيرانية.
يحرك القيصر ملف اللاجئين السوريين كهدية يمكن أن تستدرج أوروبا إلى المشاركة في إعادة إعمار سوريا ولو من بوابة توفير الظروف الملائمة لإعادة أكبر عدد ممكن من اللاجئين. والموضوع يعني أوروبا ويغريها. فالقارة العجوز تعاني من أعباء ملف اللجوء ومنقسمة حوله. قيام روسيا بإطلاق الأمل في عودة اللاجئين السوريين إلى بلادهم سيخفض عدد الوافدين في القوارب. المساهمة الأوروبية ستؤدي في حال حصولها إلى نوع من إعادة تأهيل النظام.
أميركا نفسها قد تكون حصلت على هدية من القيصر. ضمان أمن إسرائيل عبر الجبهة السورية ومنع قيام وجود إيراني عسكري قبالة الجولان موازٍ لوجود «حزب الله» في الجنوب اللبناني.
نجح كبير الطهاة في الكرملين في إنضاج الطبخة السورية. حجز دوره ومقعده وحوّل نفسه حاجة وضمانة. مع موسم توزيع هدايا القيصر تدخل الأزمة السورية مرحلة جديدة تختلف تماماً عن السابق.
==========
تعليقات
إرسال تعليق