مقالات - عجائب من أسرار العالم السُفلي
الحب في زمن العسكر
قبل ثلاثة عقود من الآن كنتُ منتدباً لتوي من اتحاد الإذاعة والتليفزيون إلى السلك الدبلوماسي تحت رعاية القيادة السياسية العليا دون تنازلي عن هويتي الليبرالية الماركسية، فأقبلتُ على مختلف جوانب الحياة بثقة وتفاؤل كبيرين دفعاني إلى الاطمئنان النسبي لجميع المسؤولين المصريين الذين حولي، غير منتبه لعدة حقائق على رأسها أن المؤسسة العسكرية موجودة سراً في كافة مسام كل الجوانب المحيطة بحياتي سواء عبر كوادرها أو عبر توابعها داخل المؤسسات الأخرى، وأن تلك المؤسسة العسكرية كارهة لي على هويتي الليبرالية الماركسية كراهية الإقصاء وأنها لا حدود كمية أو كيفية لشرورها التي تقررها وتدبرها وتنفذها بالتواطؤ مع خصومي الإسلاميين ذوي الشرور الشبيهة، وفي تلك الأجواء تسلمتُ وبدأتُ عملي بالسفارة المصرية في السودان كمستشار إعلامي دائم وأيضاً كمستشار ثقافي وسياحي مؤقت عند الضرورة، ولكون الاتصال بالجالية المصرية في السودان هو أحد مهامي فقد كان من الطبيعي أن تمتد أواصر صداقتي سريعاً مع رئيس تلك الجالية الستيني الذي دخل بيتي كما دخلتُ بيته مراراً وتكراراً، وبما أنني كنت مطلقاً في بداية ثلاثينيات عمري فقد كان من الطبيعي أن تعجبني ابنته الكبرى العشرينية الحاصلة لتوها على ليسانس الآداب من فرع الخرطوم بجامعة القاهرة وهو الإعجاب الذي أبلغتُه إياه تصريحاً عند وقوعه، فتحرك أولئك الأشرار من فورهم بتعيين الفتاة على غير العادة وبدون أوراق كموظفة محلية في معسكرهم الخرطومي لوضعها تحت مراقبتهم المباشرة التي أفادتهم بأنها تبادلني الإعجاب من جانبها، لتلقي السلطات العسكرية الإسلامية السودانية القبض على أبيها في الأيام التالية بتهمة التجسس وتقرر خلال أربع وعشرين ساعة ترحيله مع عائلته إلى مصر، ويرفض الجانبان المصري والسوداني معاً الإجراء الذي عرضتُه عليهما آنذاك كمخرج من محنة الترحيل الإجباري للرجل وأسرته، باعتبار أن عرضي كان إجراء زواجي من الفتاة حتى أمنحها حصانة دبلوماسية تحميها هي وأسرتها من محنتهم التي كان قد تم تدبيرها بين الجانبين أصلاً للحيلولة دون ذلك الإجراء، وسرعان ما عادت الأسرة إلى القاهرة حيث تم تعويض الأب الستيني بمنحه وظيفة استشارية مرموقة بعيدة تماماً عن مجال تخصصه وشقة تمليك مؤثثة مجاورة لمحل عمله الجديد مع زوجة شابة جديدة، في حين عادت الزوجة القديمة إلى منزل الأسرة القاهري القديم بصفة مؤقتة حتى قبول ابنها الوحيد كطالب مقيم في الكلية الحربية، ثم ظهور طبيب شاب كعريس وافق على التقدم للزواج من ابنتها التي هي بالنسبة له فتاة لا يعرفها مقابل حصوله على فرصة عمل نادرة في أحد مستشفيات أبو ظبي،
وهكذا تمت السيطرة الكاملة على مسرح العمليات قبيل عودتي إلى القاهرة في إجازتي التالية حيث اعتذر لي الأب وهو يبلغني أن كل شيء قسمة ونصيب، بالأمس جاءني صوتها عبر الهاتف فقلتُ لها لعلك لا تعلمين ما حدث قبل ثلاثة عقود والذي لم أعلم تفاصيله من جانبي سوى قبل عقد واحد فقط، فقالت لي قد علمتُ مؤخراً مختلف التفاصيل فحصلتُ على الطلاق من زوجي وتركتُهم جميعاً تاركة لهم كافة أشيائي وهاجرتُ وحدي إلى كندا بعيداً عن كل ذلك العفن، بكت السيدة قليلاً قبل إغلاقها للهاتف فأبكتني كثيراً بعد إغلاقها للهاتف!!.
طارق المهدوي
===============
تعليقات
إرسال تعليق