كتابات مختارة - ارفعي الراية البيضاء : استقلاليّة النساء في زمن الوباء

من إختيارات إدارة المدونة . 22-11-2020


الكاتبة : سمر حسن

الحوار المتمدن 22-11-2020

في إحدى ليالي الحجر الصحي الطويلة والمملة, كنت أتفحص بعض المجموعات على فايسبوك فجذب انتباهي منشور لفتاة تعرض جميع محتويات سكنها للبيع, وتسبقه بجملة: "لا أشتغل منذ فترة بسبب الظروف الحالية لذلك أنا مضطرة لبيع أثاث بيتي". أعتقد أنّي عثرت على مادة صحافية "دسمة". فركت لها رسالة فردّت عليّ بعد 24 ساعة قائلة: "لا يُمكني الحديث حاليًا لأنّني أمرّ بفترة صعبمة فمرّ بفترة صعبمة كابمة.

عانت لمياء كثيرا في البحث عن سكن أقل تكلفة من سكنها السابق لأنها لم تعد قادرة على تحمل أعباء الإيجار لوحدها بعد أن عادت صديقاتها إلى بيوت أهاليهن منذ بداية أزمة كورونا. قررت لمياء أن تحافظ على استقلاليتها في ظل هذه الظروف الصعبة فباعت جزءا من أثاث منزلها وانتقلت للعيش في مسكن آخر وبحثت عن وظائف لا تليق بخبرتها ومستواها التعليمي. كانت تتكلّم معي وتضحك بهستيريا. تسكت قليلًا وتعيد نفس الجملة: "أنا آسفة لأنّني أضحك كثيرًا. عندما أتوتّر وأحسّ بضغط شديد أضكح". لم يعد أمام لمياء خياراتٌ كثيرة خاصّة وأنّها لم تجد عملًا يسدّ حاجياتها الأساسية. كان قرار العودة إلى بيت الأهل آخر الحلول المتبقية أمامها قبل أن تبيع باقي أثاث بيتها لتحس بنوع من الطمأنينة لأنها ستتمكن من دفع إيجار سكنها الجديد لبضعة أشهر. ورغم أنّها ارتاحت قليلًا إلاّ أنّ شبح العودة إلى بيت الأهل وخسارة حرب الاستقلالية ظلّ يلاحقها.

لمياء ليست وحيدةً في مواجهة التداعيات الاقتصادية العاصفة وحيدةً في مواجهة التداعيات الاقتصادية العاصفة لجائحة كورونا على المستقلات ، والتي نورونا علا المستقلات ، والتي نورونا على المستقلات ، والتي أنورونا على المستقلات ، والتي أنورونا. ففي دراسة حديثة لهيئة الأمم المتحدة للمرأة بينت أن آثار جائحة كوفيد 19 على الصعيد الاقتصادي ستختلف حدتها بين النساء والرجال, خاصة وأن 70 بالمائة من النساء في الدول النامية يعملن في القطاع غير الرسمي وفي ظروف هشة وبالتالي فإنهن غير محميات من الطرد التعسفي ولا يتمتعن بالتغطية الاجتماعية .

توقف راتب سمية التي تعمل بالقطاع الثقافي منذ مارس المنقضي, فلم تجد أمامها من حل سوى التخلي عن كافة احتياجاتها في مقابل الحصول على استقلاليتها, ولتحقيق ذلك انتقلت للسكن مع إحدى صديقاتها دون مقابل, ولم تتحمل سوى المشاركة في الفواتير الشهرية. "أنقذتني منحة دراسية وصلتني قبل الحظر بأسبوع واحد وأملي الوحيد الآن أن تصلني الدفعة الثانية من المنحة حتى أواصل العيش في هذه الظروف", هكذا حدثتني سمية عن ظروفها الحالية متابعة: "أنام في اليوم 15 ساعة وأصحى على نوبات هلع لأنني أنسى أين أنا". . البيت الذي تعرّضت فيه إلى كافة أشكال العنف البدني والنفسي من قبل شقيقها ووالدتها التي تعيّرها بككفها نكفها.

تُطالب المستقلاّت بأن تكنّ بطلاتٍ خارقات طوال الوقت ؛ فغير مصرّحٍ لهن بإظهار ضعفهن

كان البعد عن الأهل والاستقلال المادي هو قارب النجاة الوحيد لمحدثتنا التي حاولت الانتحار أكثر من مرة. ولكنّها الآن أصبحت بلا مورد رزق بسبب عملها غير المستقر. تقول: "البنات أكثر عرضة للطرد من الشغل بحجة أن الرّجل هو المُعيل والمسؤول الأول عن البيت". بعد شهر من الاكتئاب الحاد قررت التعامل مع تداعيات الجائحة, والعودة إلى المذاكرة للحصول على الجزء الثاني من المنحة الدراسية من أجل حريتها التي عانت كثيرا للحصول عليها.

تُطالب المستقلاّت بأن تكنّ بطلاتٍ خارقات طوال الوقت ؛ فغير مصرّحٍ لهن بإظهار ضعفهن أو الحصول على هدنة من الحرب الدائرة مع كافة الأطراف المحيطة. وفي الوقت الذي استطاعت فيه بعض الفتيات خوض المعركة عقب جائحة كورونا التي عصفت بالجميع, وحافظن على استقلاليتهن, اضطر البعض إلى العودة إلى الأهل لأنهن غير قادرات على تحمل الأعباء المادية بسبب تخفيض مرتباتهن أو طردهن نهائيا من العمل. وهذا ما حصل مع أسماء التي تعمل بشركة بترول حيث قررت الإدارة تخفيض مرتّبات العاملين إلى النصف. تقول أسماء عن وضعها الجديد: "انخفض مرتبي ولم أعد قادرة على تحمل معلوم الإيجار الشهري والذي يبلغ ستة آلاف جنيه (386 دولار)", مضيفة: ". ضربت استقلاليتي في مقتل عندما اضطررت إلى أخذ نقود من أهلي ولأني احتجت إلى مساعدتهم قدموا من محافظة أخرى إلى القاهرة ليقضوا فترة الحجر معي. يمكن أن تتخيلي وضعي. لا يحترمون مساحتي الخاصة ويتحكمون في مواعيد نومي والبرامج التي أشاهدها في التلفزيون وبعد كل مكالمة هاتفية أخضع إلى تحقيق مطول".

فشلت بدورها دينا (تعمل بمجال السكرتاريا) في الحفاظ على استقلاليتها منذ بداية الحجر الصحي وقرّرت العدية كرةها. تقول في هذا الصدد: "صرفت كل ما أملك من نقود وحاولت إيجاد عمل آخر ولكن دون جدوى أغلب المصانع استغنت عن عشرات العمال والعاملات وأغلقت باب التوظيف أو تركته مفتوحا قليلا ولكن أمام الرجال فقط (عامل إنتاج)". وبنبرة ساخرة عبرت محدثتي عن دهشتها من طبيعة إعلانات الوظائف التي أفرزتها الأزمة: ". إعلانات الوظائف في ظل أزمة كورونا أصبحت غريبة بعض الشيء ومفخخة, يطلبون صوري على الخاص وهناك من عرض علي بأن أكون سكرتيرته الخاصة دون أن ينظر في سيرتي الذاتية ما معنى سكرتيرة خاصة ؟ هذا هراء واستغلال ".

لم تتخذ الحكومة المصرية تدابير اسثنائية لصالح النساء والفتيات المتضررات ماديا ومعنويا بسبب الأزمة, حيث اكتفت بتقديم إعانة مالية قيمتها 500 جنيه للعمالة غير المنتظمة باعتبارهم أشد الفئات هشاشة. النساء العاملات بالقطاع غير المهيكل هن أيضا من الفئات الهشة ومتعرضات للفقر أكثر من الرجال بنسبة 25 بالمائة حسب دراسة هيئة الأمم المتحدة للمرأة المذكورة سابقا. ولم تبد الجهات الرسمية المعنية بقضايا النساء مثل المجلس القومي للمرأة وغير الرسمية مثل بعض المنظمات الحقوقية اهتماما بوضع العاملات وتأثير الأزمة على المستقلات, حيث انصب الاهتمام الأكبر على النساء المعنفات ونست أو تناست أنّ الاستقلال المادي محرّكٌ أساسي في تحرّر النساء من براثن العنف والقهر والوصاية الأبويّة.

في هذا السياق تحاول مبادرة "فيمي هاب" النسوية الإلكترونية أن تغطي هذه الفجوة وتساعد المستقلات على إيجاد سكن آمن أو عمل يحفظ كرامتهنّ خاصة في هذا الوضع الوبائي القاسي. عندما كتبت كلمة "كورونا" في محرّك بحث المجموعة على فايسبوك ظهرت عشرات المنشورات لفتيات لم يعد بإمكانهن دفع الإيجار وهذا ما أكدت عليه رانيا نبيل إحدى مديرات المجموعة، مُشيرةً إلى أن أكثر من 50 بالمائة من المنشورات منذ بداية الحجر تترواح بين تسديد الإيجار والدعم المادي وطلب وظائف والدعم النفسي، وهذا يفسر أن المستقلات تصارعن من أجل الحفاظ على مساحتهنّ الخاصّة التي حاربن من أجلها والتي تتحقق بالأمان الاقتصادي.

أمّا عن تعامل المبادرة مع الأزمة بيّنت سهيلة محمد مؤسسة "فيمي هاب" أنّها وزميلاتها حاولن قدر المستطاع تقديم يد المساعدة وذلك بالسماح بجمع تبرّعات ماليّة لمساعدة بعض الفتيات على دفع الإيجار ودعمهن نفسيًا حيث خصّصن موعدًا قارًّا لأخصائية نفسية تتحدّث كل مرة عن موضوع معيّن يهمّ المستقلات إلى جانب محاولة توفير معالجة نفسية فردية للحالات الاستعجالية.

المستقلات لسن بطلاتٍ خارقاتٍ طوال الوقت، هنّ نساء يكدحن من أجل لقمة عيشهن ومساحتهن الخاصة، هنّ نساء لهنّ الحق في هدنة، في استراحة المُحارب. ينتظر الجميع أن ترفعن الراية البيضاء وتُعلنّ عن هزيمتهن للتحكّم في مصائرهن وفرض الوصاية الذكوريّة عليهن من جديد. رغم ضيق الأفق في ظلّ هذه الظروف الراهنة تُحاولن جاهدات الحفاظ على كرامتهن وأنفسهن والنيل من كلّ سلطة قاهرة بعزيمتهن.

--------------- 

تعليقات