كتابات مختارة - أدعياء وحصدوا الشهرة والنجومية


أدعياء وحصدوا الشهرة والنجومية (2)
طلعت رضوان
الحوار المتمدن  2019 / 9 / 23

استغلّ الفقهاء وكل أعضاء الكهنوت الدينى، النصوص الدينية بهدف استرضاء السلطة الحاكمة..وكان من بينهم الإمام أبوحامد الغزالى (1058م- 1111م) الذى وصل بفكره الأشعرى لدرجة إغلاق عقله، فكان نموذجـًـا للفقيه الذى يعمل فى ((خدمة السلطان..ونموذجـًـا (للمتفلسف- المُـعادى للفلسفة)..والذى يرسم صورة لعالم أدناه العمال المُـسخرون فى خدمة الملوك..ووسطه (أهل الدنيا) المُـسخرون لخدمة (أهل الآخرة)..وهؤلاء الفقهاء يستشهدون بآية ((نحن قسّـمنا بينهم معيشتهم فى الحياة الدنيا..ورفعنا بعضهم فوق بعض درجات ليتخذ بعضهم بعضًـا سخريـًـا)) (الزخرف/32) 
وفى مناقشته لكتاب نصرحامد أبوزيد (مفهوم النص) ذكر د.جابرعصفور إنّ تقديم (مفهوم للنص) لم يكن الغاية الأولى للكتاب، لأنه يظل- فى المحل الأول- قراءة جديدة للمادة التى يحتوى عليها كتاب (الإتقان) للسيوطى وكتاب (البرهان) للزركشى..وكان قصد أبوزيد أنْ يـُـثبت أطروحته المركزية، من خلال وضع المادة القديمة لعلوم القرآن، تحت عدسات القراءة الحديثة..وعلى إثبات الكيفية التى وقع بها التناص، بين القرآن والواقع..واقتضتْ دراسة معنى الوحى..وعلاقته بالمرسل الأول الذى تلقاه..وخصائص المكى والمدنى..والناسخ والمنسوخ..وأضاف إنّ كتاب (مفهوم النص) استخدم (جدل النص والواقع)..وهذا الاستخدام يثيرالسؤال عن الكيفية التى تتناول الجدل (تناولامجانيـًـا وزخرفيـًـا) لأنّ ما نراه فى الكتاب من علاقة بين النص والواقع لايدخل فى باب الجدل الدياليكتيكى..وإنما يدخل فى باب علاقة السبب والنتيجة أوالعلة والمعلول. بمعنى أنّ القرآن تشكل بواقعه أولا ثـمّ عاد ليـُـسهم- مؤولا- فى تشكيل الواقع..وتساءل عصفور: وهل وُجد حقــًـا (جدل) بين النص والواقع؟ أم استجابة من النص للواقع؟ وهل وُجد حقــًـا جدل بين النص والواقع، فى حالة عودة النص لتشكيل الثقافة (العربية) أم وَجد تأويلا للنص بهدف فرض معنى بعينه على الواقع؟ 
ومن رأى عصفورأنّ كتاب (مفهوم النص) جعل من الحضورالسنى حضورًا ميتافيزيقيـًـا أخلّ بمبرراستخدام مصطلح الجدل الذى يتكررفى الكتاب..كنغمة متكررة الرجع..ويحب أنْ أذكرأنّ ما أطلق عليه أبوزيد (الوعى العلمى) حيث جاء فى كتابه صراحة ((إنّ البحث عن مفهوم للنص بحث عن البعد الذى يمكن أنْ يساعدنا فى الاقتراب من صياغة الوعى العلمى بهذا التراث..وأنّ الدراسة الأدبية هى الكفيلة بتحقيق وعى علمى))..وكان تعقيب عصفور: وهنا لايملك القارىء سوى أنْ يسأل: أليس قلبًـا للأمور..ووضعًـا للعربة أمام الحصان؟ إنّ الوعى العلمى هوالمنظومة التحتية أى الأساس المعرفى الذى ننطلق منه لنقترب من مفهوم النص..وبالقدرنفسه فإنّ الوعى العلمى هوالكفيل بتحقيق الدراسة الأدبية وليس العكس..وأضاف أنه مما يـُـلفت النظرهوعلاقة هذا الوعى العلمى بالأيديولوجية. إنه يظل نقيضًـا لها طوال صفحات الكتاب..كما يـُـناقض الوعى الصحيح الوعى الزائف..ولكن هذا التناقض يهتزحين يـُـحدد الكتاب (معيارالموضوعية العلمية) أوالموضوعية الثقافية، فيؤكد نسبيتها..وذلك أمرمقبول، غيرأنه يجرهذه النسبية إلى (منطقة إنشائية غائمة مراوغة) عندما يتحدث عن (استغراق) القارىء فى النص، دون أنْ يوضح المستويات المعقدة لعلاقة الذات بالموضوع فى هذا الاستغراق..ومن زاوية أخرى: علاقة الذات بالموضوع فى مستوياتها الجدلية التى لابد من تحديدها..وبعبارة أخرى: أليس الفكرالسنى (الموضوع) هوجزء من مكونات لاوعى الباحث (الذات) بحكم التربية والتعليم والنسق الثقافى المهيمن، الذى لايفارق لاوعى الباحث حتى فى حالة نقده له؟ وهل يمكن أنْ نتوقع حضورالنص القرآنى بعيدًا عن النصوص التى أعادتْ إنتاجه (تأويلا وتفسيرًا)..ومنعزلاعنها؟ وهل يمكن أنْ نـُـحدد المفهوم الموضوعى للإسلام بعيدًا عن علاقات التناص المعقدة، فى شبكة لايفارق فيها النص تأويلاته؟ 
ولاحظ عصفورأنّ الباب الثالث فى كتاب أبوزيد مخالف للبابين الأول والثانى، لأنّ الباب الثالث (بحث عن الغزالى) أضيف إلى الكتاب من خارجه، دون أنْ يتشكل عضويًـا مع بنائه..والأهم من ذلك: لماذا انتقلنا من رصد الظاهرة الجماعية التى تعكس واقعًـا إلى (فرد- أى الغزالى) الذى صارنسقه مهيمنـًـا على الفكرالدينى؟ وعندئذ يأتى السؤال الأخير: أهونسق الغزالى وحده؟ أم نسق مؤسسات أشمل , انتسب إليها الغزالى فى علاقتها بالتاريخ؟ ألم يكن الأقرب إلى الوعى العلمى أنْ نترك السؤال: لماذا هيمن فكرالغزالى على الخطاب المسيطرهيمنة كاملة؟ إلى السؤال: لماذا تغلب الخطاب الإسلامى التقليدى على سائرأنواع الخطاب الاجتماعى؟ - (جابرعصفورفى كتابه: هوامش على دفترالتنوير- هيئة قصورالثقافة- عام1983- من ص71- 82) 

أعتقد أنّ ما كتبه عصفورعن (نصرأبوزيد) يـُــثيرموضوع (الحول الثقافى) لدى بعض المتعلمين المصريين، المحسوبين على الثقافة السائدة..وفى طب العيون يعنى الحول: حالة لايلتقى فيها محورالرؤية فى العينيْن عند نقطة واحدة، فيؤدى إلى اضطراب الرؤية..وأحيانــًـا إلى الرؤية المزدوجة أوالمشوّشة..وأعتقد أنّ هذا التعريف الطبى لحول العيون، ينطبق على أغلب المتعلمين المصريين أمثال د. نصرحامد أبوزيد الذى حازعلى شهرة واسعة..وصنــّـفته الثقافة المصرية السائدة على أنه أحد (الليبراليين الكبار) وأنه (تنويرى) ووصلتْ المُبالغة لدرجة الكتابه عنه أنه (امتلك جرأة الافتئات على الدين الإسلامى) 
وزادتْ شهرته بعد أنْ رفضتْ جامعة القاهرة منحه درجة الأستاذية لأسباب دينية..ومنها وفق ماجاء بتقريراللجنة المُـشكلة برئاسة د.عبد الصبورشاهين ((أنّ الباحث يضع نفسه مرصدًا لكل مقولات الخطاب الدينى حتى لوكلفه ذلك إنكار البديهيات أوإنكارما عُـلم من الدين بالضرورة)) والجملة الأخيرة تعنى لدى الأصوليين الكفر، وبالتالى استباحة دمه..وكذلك ما ورد بالتقريرمن أنّ الباحث ((يعمد إلى تشويه القرآن)) ووصف التقريركلام الباحث بأنه ((يكشف عن خلل فى الاعتقاد..ويُمثل إساءة إلى القرآن ذاته)) (مجلة القاهرة– إبريل1993) 
بإختصار فإنّ هذا التقريردعوة أوفتوى صريحة لاغتيال د.نصرأبوزيد على يد الأصوليين الإسلاميين..وذلك بالرغم من التأويل المُغرض لكتاباته..وفق شهادة د.عبد الجليل شلبى (وهومُـدافع عتيد عن الإسلام) الذى تعرّض لكتاب نصرأبوزيد (مفهوم النص) فكتب ((صاحب الكتاب يحمل على المُـطالبين بتطبيق الشريعة الإسلامية، ولكنه لاينكرها..وإنما ينكرعلى من يحملون اسم الجماعة الإسلامية أنهم لم يُمهـّـدوا لقبول هذه القوانين (الإسلامية) ولم يُـهيئوا الشعب لقبولها)) (مجلة فصول- إبريل93) أى أنّ نصرأبوزيد مع تطبيق الشريعة الإسلامية..ولكن (بعد التمهيد) لإقناع الشعب بها.
ورغم محنة د.نصرأبوزيد مع الأصوليين الذين أقاموا دعوى قضائية للتفريق بينه وبين زوجته..وهى محنة هزّتْ مشاعرذوى الضمائرالحية فى مصروكل الشعوب المتحضرة..
وبالرغم من التعاطف الصادق الذى بلوره أغلب الكتاب المصريين فى شكل مقالات وندوات تضامنـًا مع د. نصر..ومع حرية البحث وحرية النشر، رغم كل ذلك– وبعد صدورالحكم بالتفريق بينه وبين زوجته- كان المُـتوقــّع أنْ يزداد تماسكــًا وصلابة (بعد الالتفاف حوله ومسانته من أغلب المُـثقفين المصريين) إذا به يُـقــدّم تنازلامجانيًا فيصف نفسه بأنه ((رجل من غمارالموالى)) ( النص بالكامل فى جريدة الأهالى 1/12/93) فإذا كان تصنيف البشرإلى (موالى = عبيد) وأحرار..وهوتصنيف دشــّــنته الثقافة العربية/ الإسلامية، فهل هى مصادفة أنْ يلتقى هذا التصنيف مع هجوم د.نصرعلى المذهب الشافعى (وهومذهب غالبية شعبنا المصرى) بدلامن نقد الوهابية؟ ولماذا لم يتوقف د.نصرأمام سخرية شعبنا من أى إنسان مُـتعصّب بالقول ((ما تبقاش حنبلى))؟ وإذا كان محمد بن عبد الوهاب قد استمدّ توجهاته من ابن حنبل..وإذا كانت الجماعات الإسلامية تستمد توجهاتها من الوهابية التى تــُـكفــّـرالمجتمع المصرى، فإنّ الأمر كان يقتضى من د. نصر مواجهة هذا (الغزوالوهابى) فإذا بسيادته يكتب كتابًا ينتقد فيه الإمام الشافعى (وهذا حقه) ولكن لماذا لم يكتب كتابـًـا ينتقد فيه الوهابية؟ بينما شيخ الإسلام أحمد بن زينى دحلان أصدركتابه (الدررالسنية فى الرد على الوهابية) تحقيق وتقديم شيخ الطريقة العزمية السيد عزالدين ماضى أبوالعزايم (طبعة دارالمدينة المنورة بالقاهرة)
---ما سبق مقتطف من المقال

تعليقات