وخز الضمير

                                                                                   
سمعت  - ككل الناس - عن عذاب الضمير ، وخز الضمير .. والقول " يا ويله من ضميره " ، و " بكرا ضميره يوجعه " , " ساسيبك لضميرك " .. كلنا سمعنا تلك الأقوال . ولكن من منا عاشها في الحقيقة  ؟؟ ...  ومتي نعيشها ؟؟ ..

صحيح انه يوجد ناس ، يراجعون أنفسهم . ممكن في نهاية كل نهار .. أو كل اسبوع . او اكثر او اقل .. وربما يراجع البعض منا نفسه بعد دقائق او ساعات .. ويندم علي خطا او ظلم ارتكبه في حق اخرين . ولكن هذا يختلف عن عذاب الضمير . وما يسمي : وخز الضمير . هذا المقصود به الحساب والعقاب المؤجل , مع الضمير..

حاولت البحث عن شيء متعلق بالموضوع بالانترنت .. فلم اعثر علي شيء اعتد به .

ومن تجربتي الشخصية . يمكنني القول بان وخز الضمير .. أو عذاب الضمير - يحدث للانسان بينه وببن نفسه . بعدما يتقدم به العمر ويصل لسن الشيخوخة - بعد الستين ،- ( كل هذا تقدير شخصي ، وليس بحث - او دراسة - علمي )  حيث يكون شريط او كاسيت حياة الانسان قد وصل لنهايته .. وعاد من نفسه ليكر  ما سبق تسجيله منذ البداية.
وكلما تذكر حماقة او ظلم او ذنب ارتكبه  طوال مباراة الحياة التي اكتملت .. وشعر بان الحياة كانت مسرحية عبثية .. هنا يبدا عذاب الضمير ووخزه . الذي يمكن القول وبلا مبالغة ..( بلا مبالغة ) لا يقل عن وخز الابر !! لدرجة تجلعني. ازعق فعلا  . من الألم : آه  اه ...!!!
ربما أزعق تلك الزعقة وانا في المنزل ، وربما أثناء السير بالشارع ، وقد أكون برفقة أحد الاصدقاء أو الصديقات . وأحياناً أكتبها في رسالة رداً علي صديق أو صديقة , اذا حكوا لي شيئاً مؤلماً من حياتهم .. أجد نفسي أكتب في الرد علي تلك النقطة : آه .. آه .
!  وأحياناً في التليفون , لو ذكر لي من يحدثني شيئاً مؤلماً - يخصه هو -  تصدر مني نفس آهات الألم .. وازعق أيضاً : آه  آه ... ( والأرجح ان الصديق أو الصديقة لا يفهمون معناً لما كتبته .. ! أو لما سمعه أثناء المكالمة التليفونية ) .
بل اكثر من ذلك - يحدث معي نفس الشيء - لو تذكرت ظلما - أو قسوة - وقع علي انسان او حيوان او طائر ، من قبل الغير ولا دخل لي به ! ولا ذنب  لي فيه .. 
ومع انني كعلماني عقلاني. لا عقائدي  أري ان كل الكائنات ضحية لقسوة الحياة والطبيعة .. وأكاد أساوي بين الجميع ظالم ومظلوم - كضحايا للقدر -.. وأري انه , ان كان يوجد خالق لهذه الحياة فهو المسؤول الاول والاخير عن الشر والظلم. وان شاء محاسبة او محاكمة أحد , فيما يسمي يوم القيامة والحساب .. فالافضل له ان يحاكم ويحاسب نفسه . وليست الكائنات - كل الكائنات ضحاياه وضحايا الطببعة التي خلقها .. وأحاول اقناع نفسي بعدم ضرورة الاستسلام لوخز الضمير والتألم نيابة عن القدر أو الاله - ان كان موجوداً - .. طالما انني مقتنع بانه الجاني وكل الكائنات - وأنا من ضمنهم - محض ضحايا ..
كما أري ان من تعرض لوخز إبر  وكراببج عذاب  الضمير  يكفيهم جداً ما لاقوه . وليس من العدل أن يكون لهم عذاب آخر , بعد الموت .. وذلك  بعدما مررت بعذاب وخز الضمير ..  وقت تقدم السن - بعد بلوغ الستين -. و كنت وانا شاب صغير لا اقتنع بقول الكبار  وتحذيرهم  من أهوال عذاب الضمير .. حيث لم أتصورها بهذا الحال .
والغريب في أمري .. انني - طوال عمري - من النوع الذي يحاسب نفسه كثيرا ويندم كثيرا ، ولو علي شبهة خطا .. أو ظلم .. ولكن ليس الي درجة التالم الذي يفعله وخز عذاب الضمير (الذي عرفته في المشيب ).. ولا في كل الحالات كانت لدي قدرة الرجوع او التراجع  وتصحيح الخطا او  مداواة الظلم أو الإساءة .. ولا في كل الحالات كانت لدي شجاعة ادبية للاعتذار أواللياقة اللازمة لسرعة المعالجة ..

كان من الضروري أن أدون  تجربة آلامي مع عذاب وخز  إبر الضمير . الشديدة الايلام .. لعل تجربتي تلك  يمكن ان تفيد أحداً من البشر المساكين  نزلاء سجن الحياة ، ومعتقل الطبيعة ، الفسيح ، الحافل بمباهج الحدائق والاشجار , وأشهي الثمار ( ومقولة جدتي : يغور السجن ولو في جنينة ) .. سجن الحياة ومعتقلها , الحافلين بالطيور الصداحة  , والزهور الفواحة .. وخرير ماء الأنهار وروعة هدير أمواج البحار .. ، والوجوه الحسنة , والجمال والدلال والعشق والغرام والهيام , والفن وروائع الفكر والآداب والموسيقي - ابداعات الانسان - .. وغير ذلك الكثيرمما
يحفل به سجن الحياة . ولا ننسي عظمة الحرية والديموقراطية وحقوق الانسان , التي أمكن بداخل سجن هذا الوجود , أن تتمتع بها بعض الشعوب . وتنعم - نسبيا - بالعيش تحت ظلالها 
...   ....
 ========


تعليقات