دراسات : حكومة العبادي بين ضغوط السيستاني وتردد إدارة أوباما واندفاع بوتين؟!

منمركز الرافدين الدراسات والبحوث الاستراتيجية
الجمعة 11-12-2015 03:14 مساء

حكومة العبادي بين ضغوط السيستاني وتردد إدارة أوباما واندفاع بوتين؟!
يبدو العراق اليوم في وضع لا يحسد عليه أمام التطورات المتسارعة التي تعرفها المنطقة، فيما تبدو سياسته الخارجية مرتبكة وغير قادرة على التفاعل مع مبادرات الفاعلين الأساسيين في محيطها الإقليمي والدولي. ولعل آخر فصول هذا الارتباك إرسال تركيا لقوة عسكرية إلى معسكر قريب من خط المواجهة في شمال العراق وما أثاره من انتقادات في بغداد.
بيد أن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان أكد أن إرسال القوات التركية ما كان ليتم لولا موافقة رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي. وبعد احتجاجات شديدة اللهجة عادت بغداد لتهون من خلافها مع أنقرة وأكدت أن جهود حل الخلاف تسير بشكل ايجابي.
قال الرئيس التركي رجب طيب إردوغان اليوم الخميس (10 كانون الأول/ديسمبر 2015) إنه من غير الوارد سحب بلاده لقواتها من العراق بعدما اتهمتها بغداد بنشر جنود دون موافقتها.

وقال إردوغان في مؤتمر صحفي إن القوات التركية موجودة في العراق لتدريب مقاتلي البشمركة وليس لأغراض قتالية. وقال أيضا إن اجتماعا ثلاثيا بين تركيا والولايات المتحدة والسلطات الكردية في شمال العراق سيعقد في 21 ديسمبر كانون الأول الجاري لكنه لم يذكر أي احتمال للاجتماع مع السلطات في بغداد.
من ناحية أخرى، قالت مصادر دبلوماسية تركية إن نائب وزير الخارجية التركية فريدون سنيرلي اوغلو ورئيس وكالة الاستخبارات الوطنية هاكان فيدان وصلا إلى بغداد اليوم الخميس.
وقالت المصادر، التي لم يتم تسميتها، ان سنيرلي اوغلو وفيدان وصلا الى العاصمة العراقية لعقد اجتماعات رسمية بشان الوجود العسكري التركي في الموصل، بحسب وكالة الأناضول .
على صعيد آخر، أعلنت وزارة الخارجية العراقية اليوم الخميس أنها بدأت سلسلة اتصالات مع المجتمع الدولي من اجل استصدار قرار من مجلس الأمن يدين "الانتهاك التركي للسيادة العراقية" بعدما نشرت أنقرة مئات الجنود والدبابات في محافظة الموصل شمال العراق.
وقال المتحدث باسم الخارجية احمد جمال إن "الوزارة باشرت الاتصال بالدول الخمس الدائمة العضوية في مجلس الأمن وعدد من الدول الصديقة لتدارس اتخاذ موقف دولي تجاه الانتهاك التركي للسيادة العراقية وحشد الدعم الدولي لاستصدار قرار من مجلس الأمن يدين هذا الانتهاك".
ضعف الحكومة العراقية 
ضعف الحكومة العراقية يظهر أيضا وبشكل جلي في عجزها وارتباكها أمام الاستقطاب الحاد بين روسيا والولايات المتحدة اللتان دخلتا ما يشبه حربا باردة جديدة. ففي شهر أكتوبر/ تشرين الأول الماضي أوضح الجنرال جوزيف دنفورد رئيس هيئة الأركان الأمريكية المشتركة في أول زيارة له للعراق منذ تولى منصبه أن واشنطن حصلت على تأكيدات من العراق بأنه لن يطلب ضربات جوية روسية ضد تنظيم "الدولة الإسلامية" مشيرا إلى أنه حذر بغداد من أن أي دور جوي روسي سيعرقل الحملة التي تقودها الولايات المتحدة.
  
وبهذا الصدد أكد زهير كاظم عبود القاضي والمحلل السياسي العراقي المقيم في السويد في حوار مع DWأن "الاتفاقية الإستراتجية التي تربط واشنطن ببغداد لا تمنع العراق من التحرك اتجاه روسيا وتفعيل الاتفاقية السابقة مع الاتحاد السوفييتي سابقا"، محذرا الحكومة العراقية من الانحياز الكامل لمحور على حساب المحاور الأخرى.
استقطاب من النافذة الأمنية؟
فرض التدخل الروسي في سوريا معادلة جديدة في الشرق الأوسط، إذ أعاد هذا التدخل الأمل لنظام الأسد المتهالك وعزز من التحالف الذي تمثله إيران وسوريا وحزب الله، وبات يغازل العراق من النافدة الأمنية، فوجدت بغداد نفسها في موقع لا تحسد عليه. فقبل أسابيع أعلنت الرئاسة الروسية إنشاء مركز لتبادل إنشاء مركز لتبادل المعلومات الاستخباراتية لمكافحة تنظيم "الدولة الإسلامية" في بغداد.
وكشف دميتري بيسكوف المتحدث باسم الكرملين أنه تم توجيه الدعوة إلى متخصصين عسكريين أمريكيين للعمل في المركز إلا أن واشنطن رفضت الدعوة. ويتعاون في هذا المركز خبراء أمنيون من روسيا و سوريا والعراق وإيران لتحليل المعلومات وتنسيق التحركات ضد "داعش".
وذكرت تقارير إعلامية أمريكية أن واشنطن فوجئت بالتعاون الأمني الجديد بين العراق وإيران وروسيا وسوريا. وأبدت الإدارة الأمريكية تشككها حيال المركز في ظل إمكانية استخدام نظام الأسد المعلومات في الحرب على مجموعات معارضة معتدلة.
من جهتها أعلنت الإدارة الأمريكية استعدادها لاستخدام طائرات هليكوبتر هجومية ضد تنظيم "الدولة الإسلامية" في معركة استعادة السيطرة على مدينة الرمادي في العراق إذا طلبت بغداد ذلك، بحسب وزير الدفاع الأميركي اشتون كارتر.
وأوضح المسؤول الأمريكي أمام لجنة القوات المسلحة في مجلس الشيوخ أن بلاده "مستعدة لمساعدة الجيش العراقي بوسائل إضافية" من أجل "إنهاء المهمة" في مدينة الرمادي.
وهذه المساعدة قد تشمل "مروحيات هجومية ومستشارين عسكريين، إذا طلب رئيس الوزراء حيدر العبادي ذلك"، والكلام لوزير الدفاع الأمريكي. وفي السياق ذاته أعلنت وكالة "مدى برس" العراقية وصول 200 جندي أمريكي للعراق لمساعدة الجيش العراقي في معركة تحرير الأنبار من قبضة تنظيم "داعش".
ويرى المحلل السياسي زهير كاظم عبود أن"المعاهدة الإستراتجية التي أبرمها العراق مع الولايات المتحدة الأمريكية تبدو غير ذات فاعلية، أمام ما التطورات في المنطقة وفي العراق بالتحديد"، ما يفسر الحيرة والتذبذب في التعامل مع ضغوطات الفاعلين الإقليميين والدوليين.
ويرى زهير كاظم عبود أنه يتعين على العراق" اللجوء للأمم المتحدة والتحالف الدولي وروسيا للحفاظ على مصالحه ووحدة أراضيه"، مؤكدا أن التعاون مع موسكو لم يمس لحد الآن العلاقة الإستراتيجية الأمريكية العراقية. واستطرد بهذا الصدد موضحا "أنا لا أعتقد أن العلاقة مع الإدارة الأمريكية ستضعف تدريجيا، لأن التعاون الأمني بين العراق وروسيا لا يلغي العلاقة الإستراتيجية مع الولايات المتحدة ضد الإرهاب العالمي". ودعا الخبير العراقي حكومة بغداد للتعامل بذكاء مع التناقضات التي تفرضها التطورات في المنطقة، وعدم الانجرار لفخ الانحياز لمحور على حساب محور على حساب آخر.
وأضاف الكاتب والمحلل السياسي زهير كاظم عبود أن قدر العراق، شاء أم أبى هو التأثر بهذه المحاور وتجاذبتها، ما يفسر المأزق الحالي للسياسة الخارجية العراقية، التي يتعين عليها "تجنب الانحياز لأحد المحاور المتنافسة". ووفقا لهذا المنطق فمصلحة بغداد هي في التعاون والتنسيق مع جميع القوى الفاعلة إقليميا ودوليا بهدف "إخراج المجاميع الإرهابية من الأراضي العراقية والسورية".
ولم يفت الخبير العراقي انتقاد سياسة إدارة الرئيس الأمريكي بارك أوباما فيما آلت إليه الأوضاع في المنطقة "الإدارة الأمريكية مترددة وهي موضع اتهامات من قبل بغداد والشارع العراقي، إذ لا يبدو أنها جادة وحازمة في أساليب محاربتها للتنظيمات الإرهابية في المنطقة"، والكلام للكاتب العراقي.
السيستاني يشجب انتهاك تركيا لسيادة العراق
شجب المرجع الشيعي أية الله السيستاني دخول قوات تركية للعراق دون موافقة بغداد وطالب بـ"احترام سيادة" العراق وتطبيق القوانين الدولية. وتوترت العلاقات بين بغداد وأنقرة بسبب نشر تركيا لقواتها قرب مدينة الموصل.
دعت المرجعية الشيعية العليا في العراق بزعامة علي السيستاني اليوم (الجمعة 11 ديسمبر/ كانون الأول 2015) دول الجوار العراقي ودول العالم إلى احترام سيادة العراق والامتناع عن إرسال قوات عسكرية بدون موافقة الحكومة المركزية. وقال احمد الصافي معتمد المرجعية الشيعية خلال خطبة صلاة الجمعة في مسجد الإمام الحسين في كربلاء أمام آلاف من المصلين "من المعروف أن هناك قوانين ومواثيق تنظم العلاقة بين الدول واحترام سيادة كل دولة وعدم التجاوز على أراضي الدول وليس لأي دولة حق إرسال جنودها إلى أراضي دولة أخرى بذريعة مساندتها في محاربة الإرهاب ما لم يتم الاتفاق على ذلك بين حكومتي البلدين بشكل واضح وصريح".
وأضاف "ومن هنا فإن المطلوب من دول جوار العراق وجميع الدول أن تحترم سيادة العراق وتمتنع عن إرسال قواتها إلى الأرض العراقية وبدون موافقة الحكومة المركزية وفقا للقوانين النافذة للبلد والحكومة العراقية مسؤولة عن حماية سيادة العراق وعدم التسامح مع طرف يتجاوز عليها مهما كانت الدواعي والمبررات". وأوضح أن على الحكومة العراقية "اتباع الأساليب المناسبة في حل ما يحدث من مشاكل وعلى الفعاليات السياسية أن توحد مواقفها وتراعي في ذلك مصلحة العراق وحفظ استقلاله وسيادته ووحدة أراضيه".
وقال الصافي "إن العراق يسعى لأن تكون له أفضل العلاقات مع جميع دول الجوار ويرغب بالمزيد من التعاون في مختلف الصعد والمجالات وهذا يتطلب رعاية حسن الجوار والاحترام المتبادل للسيادة".
وتشهد العلاقات العراقية - التركية توترا على خلفية إعلان السلطات العراقية توغل قوات عسكرية تركية داخل العراق بدون علم مسبق من الحكومة العراقية. وانقضت مهلة مدتها 48 ساعة أعطاها العراق يوم الأحد الماضي لتركيا دون سحب الأخيرة لقواتها . وتعتزم الحكومة العراقية رفع شكوى إلى مجلس الأمن الدولي ضد دخول القوات التركية الأراضي العراقية والمطالبة بسحبها. واستبعد الرئيس التركي رجب طيب اردوغان أمس الخميس سحب قوات بلاده من العراق .وقال في مؤتمر صحفي مساء أمس الخميس إن الانتشار التركي سيكون محور اجتماع بين أنقرة وواشنطن وكردستان العراق في 21 كانون الأول/ ديسمبر.

العراق يشكو تركيا رسمياً إلى مجلس الأمن؟أعلنت وزارة الخارجية العراقية رفعها شكوى رسمية إلى مجلس الأمن بخصوص التوغل التركي داخل الأراضي العراقية.ودعت الوزارة، في بيانها مجلس الأمن إلى تحمل مسؤولياته في مجال حفظ الأمن والسلم الدوليين، استناداً إلى ميثاق الأمم المتحدة، معتبرة دخول القوات التركية في عمق الأراضي العراقية دون تنسيق وتشاور مع الحكومة الاتحادية يعد عملاً استفزازياً وانتهاكاً صارخاً لميثاق الأمم المتحدة ومبادئ القانون الدولي.وأشار المتحدث الرسمي باسم الخارجية العراقية، أحمد جمال، إلى أن المجلس يجب أن يضمن انسحاباً فورياً غير مشروط للقوات التركية إلى الحدود الدولية المعترف بها بين البلدين، مع إحاطته علماً أن العراق يحتفظ بحقه الطبيعي وفقاً لأحكام ميثاق الأمم المتحدة وقواعد القانون الدولي باتخاذ الإجراءات الضرورية كافة، لإنهاء هذه التجاوزات التركية على الأراضي العراقية والتي تسيء إلى علاقات حسن الجوار وتهدد الأمن والسلم الدوليين، على حد قوله.من ناحيته، قال السفير العراقي، محمد علي الحكيم، في رسالة إلى سفيرة الولايات المتحدة في الأمم المتحدة التي ترأس مجلس الأمن الشهر الحالي، سامانثا باور: "ندعو مجلس الأمن إلى مطالبة تركيا بسحب قواتها فوراً.. وعدم خرق السيادة العراقية مرة أخرى".وذكرت الرسالة وفقاً لترجمة غير رسمية للأصل العربي أن "هذا يعد خرقاً صارخاً لمبادئ ميثاق الأمم المتحدة وخرقاً لوحدة أراضي العراق وسيادة دولة العراق".وأُرسلت الرسالة، التي اطلعت رويترز عليها، بعد أن طلب رئيس وزراء العراق، حيدر العبادي، من وزارة الخارجية العراقية تقديم شكوى رسمية إلى الأمم المتحدة.كذلك أوضح الحكيم أن الدبلوماسية الثنائية أخفقت حتى الآن في إنهاء النزاع بين البلدين.وقال في رسالته إلى باور إن "العراق عمل على احتواء هذه المسألة من خلال الوسائل الدبلوماسية والمحادثات الثنائية، لكن هذه الجهود لم تنجح في إقناع تركيا بسحب قواتها المحتلة من الأراضي العراقية"، مشيراً إلى أن التوغل التركي "عمل عدواني".وأضاف السفير العراقي أن "المساعدة بالتدريب العسكري والتكنولوجيا المتقدمة والأسلحة لقتال تنظيم داعش الإرهابي، يجب أن تقوم على أساس الاتفاقيات الثنائية والمتعددة الأطراف وباحترام كامل للسيادة الوطنية وللدستور العراقي وبالتنسيق مع القوات المسلحة العراقية".بدورها، قالت باور إن العراق "لم يتقدم بطلبات محددة ولم يطلب اجتماعاً طارئاً لمجلس الأمن الدولي، لكنه عبر عن القلق المتزايد لحكومته من هذا الوضع الذي لم تتم تسويته".وأكدت السفيرة الاميركية من جديد موقف الولايات المتحدة التي ترى أن "نشر أي قوات في العراق يجب أن يتم بالاتفاق مع الحكومة العراقية ذات السيادة". كما عبرت عن أملها في "استمرار الحوار بين الحكومتين العراقية والتركية للتوصل إلى حل بالتراضي".
وكان الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، قد أعلن، الجمعة، أنه لن يستجيب لمطالب العراق بسحب القوات التركية من معسكر قريب من مدينة الموصل التي يسيطر عليها "داعش".

اعداد ومتابعة -د.علي حسن الشيخ حبيب
مدير مركز الرافدين الدراسات والبحوث الاستراتيجية

تعليقات