كتابات مختارة - 11

الكتابه في مواضيع السياسه  - ميسون البياتي


 د. ميسون البياتي                         

يتوجه لي الكثير من قرائي على جميع المواقع بالسؤال : لماذا إبتعدتِ يا دكتوره عن الكتابه في مواضيع السياسه وتوجهتِ الى الكتابه في الثقافه والطبخ مع أن المرحله الحاليه من حياتنا تستوجب أن يكون لك رأي فيها ؟
ردي على هذا السؤال هو أننا بحاجه اليوم الى ( ثقافة نخبه ) سياسيه لنتمكن من الكتابه . وجميع الكتّاب والقراء على جميع المواقع بإستثناء قلة ضئيلة جداً منهم _ لا يصلحون للكتابه أو القراءه وأتفق بشده مع الرأي القائل بأن أهم مساويء المواقع الألكترونيه أنها سمحت بالكلام لمن كان يجب عليهم أن يسكتوا
أنا لا أدعي بأن كتاباتي وصلت الى مرحلة الكمال , لكني على الأقل لا أكتب بناء على مطالعتي للصحف والمجلات وسماعي الأخبار من الإذاعات , بينما غالبية من يكتبون ويقرأون يفعلون ذلك
أنا أكتب لأني أقرأ كتبا ً رصينه بنهم وهي كتب حديثه فمن المعروف أن الدول ( خصوصاً الكبرى ) تطلق كل نصف قرن مجموعه من أسرارها السياسيه والمخابراتيه ( يطلق على هذه الأسرار تسمية : مجوهرات العائله ) وبناء على تلك المعلومات الجديده تتم ( إعادة كتابة التاريخ ) الذي كنا نعرف صورته التي زوّرها وزوّقها الإعلام في الماضي واليوم نحن مطالبون بناء على ما يتكشف من حقائق إعادة النظر في أسلوب تفكيرنا وتقييمنا للأشياء والأحداث
وأنا أكتب لأني أقرأ وأكتب وأتحدث الإنكليزيه بطلاقه كما أتحدث العربيه , وعليه فأنا أطلع على مصادر لن تصل الى قاريء اللغة العربيه حتى ولو بعد قرن من الآن , وحتى إن وصلت فستصله وقد عبثت بها يد الرقيب , ومن نعمة الله علينا أن الرقيب لم يكتفِ بتزوير الحقائق في كتب السياسه لكنه زوّر حتى ترجمة قاموس أوكسفورد فحذف منه الكثير من الكلمات ( التي من وجهة نظر الرقيب العربي ) غير صالحه لأن تكون معاني معلومه في الثقافة العربيه وبإمكان أي متشكك في كلامي أن يقارن نسختي قاموس اوكسفورد ( عربي _ انكليزي ) و ( إنكليزي _ إنكليزي ) ليتعرف على كم الفرق الهائل بين القاموسين اللذين يفترض أنهما متطابقان
وانا أكتب لأني مواطنه نيوزيلنديه منذ ما يقارب العشرين عاماً ولا توجد عندي كنيوزيلنديه عقد التفكير والثقافه التي يكتب بها الشرق أوسطيون , فنحن في نيوزيلندا نعرف أننا مستعمرة بريطانيه ويحكمنا تاج الملكه أطال الله في عمرها , يحدنا البحر من جميع النواحي وليست لدينا ( دول جوار ) ونسمي جميع العالم ( ما وراء أعالي البحار ) ولا نخدع أنفسنا بشعارات التحرر والوحده و ( تحرير فلسطين ) كما يفعل غيرنا من بعض سكان الأرض
وانا أكتب بناءاً على تجربتي الثريه في العمل منذ عامين مع مكتب الأمم المتحده في نيوزيلندا كسفيره نيوزيلنديه لدى الأمم المتحده , ومديره لعقده إقليميه في حوض المحيط الهادي , تتيح لي يومياً الإطلاع على تقارير أمميه لن يتمكن غيري ( بشق الأنفس ) من الإطلاع عليها
وأنا أكتب متجردة من جميع العقد الدينيه والمذهبيه فلا أهاجم الإسلام كدين لأن القوى العظمى نفذت بعض أعمالها الإرهابية ضد شعوبها على يد ثلة من المسلمين المأجورين أو المخدوعين , ولا أهاجم الدين لأن المليشيات المتقاتله اليوم في الشرق الأوسط ترتدي لباس الدين وتتمسح بشعاراته , ولا أتعاطف مع مسلمي بورما الذين تعايشوا مع البوذيين من مواطنيهم قرابة ألف عام دون مشاكل تذكر , واليوم هؤلاء المسلمون لهم مليشياتهم المتقاتله على أرض بورما يغذيها التمويل الإيراني والسعودي الذي يستغل بورما كساحة رخيصه للحرب الطائفيه بين التشيع الصفوي والوهابيه , فحق على هؤلاء المسلمين غضب مواطنيهم من البورميين فكانت المجازر
مثلما لن أنال من المسيحيه لأن دونالد ترامب هاجم المسلمين , ولن أعتبر أنجيلا ميركل ( القديسه ميركل ) لأنها فتحت باب الهجرة واللجوء لبعض العرب لأني أعرف تاريخ ألمانيا منذ عام 1848 وأعرف أن السياسة الألمانيه مرتهنه بيد القرار الأمريكي منذ ربيع الثورات الأوربيه قبل قرنين من الزمان
ولن أستغرب سياسة هولاند وأنا أعرف أن القرار الفرنسي مرتهن بيد الأمريكان منذ أيام لويس السادس عشر الذي طبّع علاقته مع الأمريكان ( كرها ً في بريطانيا ) أيام ثورة الإستقلال الأمريكيه _ فكان القرار الأمريكي حال نجاح ثورة الإستقلال هو ( تصدير الثورة الأمريكيه ) الى اوربا والبدء بذلك من فرنسا ذاتها والإطاحه بلويس السادس عشر وإعدامه بالمقصله ومنذ ذلك التاريخ القرار الفرنسي مرتهن بيد الإدارة الأمريكيه
ولن أضع اللوم على اليهود لأن برنار هنري ليفي يتجول اليوم في الشرق الأوسط كما لو كان يتجول في بيته ضمن خطة ( ربيع الثورات العربيه ) لأن من قرأ التاريخ يفهم بأن هذا الدور هو نسخة طبق الأصل عن الدور الذي قام به ماركس ( فيلسوف الماركسيه ) في ربيع الثورات الأوربيه , وأن اللعبة برمتها بين المسلمين وترامب وميركل وهولاند هي ليست أكثر من لعبة ( خلط أوراق ) بين اللاعبين من أجل إحكام السيطرة على العالم وليس أكثر
ومع كل ما تقدم ينهال عليك النقد كما تسقّط العملةُ الرخيصه العملة َ الجيده . لهذا توقفت عن الكتابه قرابة العام . ليست لدي القدره أو الرغبه في محاربة ( القوى العظمى ) وحدي من أجل تغيير مستعمر بمستعمر ( تحت عناوين وشعارات التحرر ) كما حصل في الشرق الأوسط منتصف القرن الماضي , وليست لدي رغبه في الكتابه لمن بنوا ( ثوابتهم ) على ما تقول الصحف والمجلات والإذاعات أو الكتب التي ترجمت ( محرّفة ) الى العربيه قبل عقود من الزمان , ولهذا إخترت حين عدت الى الكتابه أن أكتب في الثقافة والطبخ
وقد يتوجه لي منتقد ويقول : أنتِ تستعرضين عضلاتك على جمهور محدود الثقافه من الكتّاب والمؤلفين والقراء وهذا ليس من حقك
الأمور ليست هكذا . أنا يأست من الجميع , والثقافه ( الإشتراكيه ) ولّت كما ولّى منظروها , ولهذا فحين تكتب أو تقرأ فيجب أن يكون ذلك مبنياً على حقائق مستقاة من مصادر رصينه وليس بناء على ما تتناقله وكالات الأخبار العالميه وهن جميعا ً جزء من الآلة الحربيه و ( فيلق حربي ) يحارب بنشر الأكاذيب جنباً الى جنب مع القاصفة والمدفع من أجل تضليل الرأي العام وتبرير أفعال هي أبعد ما تكون عن المبررات التي سيقت لتبريرها
قبل فتره إستضاف أحد المواقع مُنَظراً ( إشتراكيا ً ) والتنظير ليس عملية سهله أو يقوم بها أي كان . تحدث الأستاذ عن العلاقه ( المتينه ) و ( التنسيق الفعّال ) بين الشيوعيه ( الماويه ) والشيوعيه ( البلشفيه ) فسألته : اذا كان الأمر كما تقول فما هي قصة الإنشقاق الصيني السوفييتي ؟ ( لا جواب ) . سؤال ثاني : وما هي قصة الصراع المسلح بين البلاشفه والماويين في اليمن ذلك الذي قسم اليمن الى يمنين ؟ ( لا جواب ) . السؤال الثالث : وما هي قصة الصراع الدامي بين الماوويين والبلاشفه في أفغانستان تلك التي أعادت أفغانستان الى عصور ما قبل الحضاره ؟ ( لا جواب ) . سؤال أخير : وما هي قصة الصراع الماوي البلشفي في الصومال ثم إنضواء الأحزاب ( الإشتراكيه ) تحت عباءة الإسلاميين وتدمير الصومال منذ عقود بالتخلف الديني ؟ ( لا جواب ) . اذا كان المُنظّر ( وليس الكاتب أو القاريء العادي ) لا يستطيع أو لا يريد إجابتك فعلى الدنيا السلام .. ويحيا عالم المطبخ

تعليقات