مقتطفات - في الذكرى الخامسة لفض اعتصام رابعة

                             في الذكرى الخامسة لفض اعتصام رابعة



مرت اليوم 5 سنوات على حادثة فض اعتصام رابعة العدوية في مصر، أو ما عُرِفَ إخوانيا وحقوقيا ودوليا "بمجزرة رابعة" التي راح ضحيتها المئات جراء تدخل الشرطة المصرية في فض اعتصام مؤيدي الرئيس الأسبق د محمد مرسي.

في هذا المقال سأربط الحادثة بسياقات مختلفة سياسية وثقافية ودينية، لعلمي أن كل حادثة لها الأبعاد الثلاثة مجتمعة، ومن الخطأ التفكير في الحوادث والأزمات الكبرى منفصلة أو بطريقة مجردة من مؤثرات أخرى قد تكون جوهرية لا يبصرها القارئ العادي، وقد فضلت أن يكون الحديث بطريقة بانورامية لاختلاف كل نقطة عن أخرى وتشعب حادثة الفض لجوانب كثيرة في النفس البشرية من بينها العاطفة وعلم النفس طبعا..

مع العلم أن الطرح لن يخلو من عرض رأيي الشخصي الذي أسقط فيه أحكامي القيمية الخاصة مع مراعاة بُعد التحليل الموضوعي وأهميته الكبرى في الاستقراء، وأعلم أن هذه الطريقة لا يحبذها البعض في مناقشة الأزمات بيد أنهم يفضلون الطرح المجرد الخالي من أحكام القيمة، ولكن رأيي أن الحادثة أكبر من مناقشتها بطريقة نسبية، فهي تتطلب عنصر الحسم المطلوب حين مناقشة أزمة متشعبة وكبيرة مثل هذه، وفي تقديري حادثة فض اعتصام رابعة تشبه إلى حد كبير حوادث أخرى حصلت في التاريخ الإسلامي انشق المسلمون فيها لفرق، وعليه فعنصر الحسم مطلوب لإجراء مراجعات وأن لا تتكرر هذه الحوادث بتأثيرها السلبي على مجتمعات العرب والمسلمين.

عن تلك المجزرة يجب ذكر بعض الحقائق والمبادئ

أولا: حُرمة الدم البرئ مهما كان صاحبه، والقتل المشروع فقط يكون عبر المحاكمات ومنصات القضاء، وبما أن هذا البند مهمة الدولة وقوات إنفاذ القانون فعرضه في المقدمة هو اعتراف بالدولة والقانون كمبدأ يسري على الجميع، وبالتالي رفض كل أشكال الاعتقال والاختفاء القسري والقتل خارج نصوص الدستور..

ثانيا: الإخوان مثلما ظُلِموا في رابعة ظَلَموا في غيرها، ذلك التنظيم البشري الذي حَكَم مصر ليس ملائكيا ولا يجب اعتباره كذلك، ومثلما قُتِلَ منهم في رابعة قَتَلوا أيضا في غيرها، ابحثوا عن مجازر بين السرايات والبحر الأعظم وقليوب وعبدالمنعم رياض، هذه مجازر فعلها الإخوان أثناء اعتصامهم ، حوالي 170 مصري قتلوهم لمجرد تظاهرهم ضد الاعتصام..
                                                
      ثالثا: اعتصام رابعة كان له شكلين:

1- ديمقراطي صوروا فيه أنفسهم مدافعين عن القانون والدستور، ومن هذا الشكل سوّقوا لأنفسهم عالميا واكتسبوا تعاطفا دوليا كبيرا..

2- أصولي داعشي..دعوا فيه للجهاد والقتل على أسس مذهبية وعنصرية وحزبية، ومنصة رابعة وقتها كانت منبر تحريض وتكفير كبير تخطى كونه مجرد منبر..بل عرض سينمائي لكافة أنواع الغباء..

هذا الخلط بين الشكل الديمقراطي والأصولي هو سر الأزمة والاختلاف بين مؤيدي مرسي ومعارضيه، بحيث أن المعارضة تركز على الجانب الأصولي الديني، بينما المؤيدين يركزون على الحق الديمقراطي والقانوني..يتحمل ذنب هذا الخلط قيادة الإخوان وقتها التي خلطت بين الشكلين وصدرت صور متناقضة للاعتصام، وأظن أن هذا لم يكن ليحدث لولا جهل الإخوان وقتها بالسياسة وفقرهم الثقافي..

رابعا: حُكم الإخوان والدكتور مرسي لم يكن نزيها ولا عادلا..بل أشاعوا فيه الطائفية والمذهبية بين عناصر الوطن، ولأول مرة يحدث في تاريخ مصر أن يدعو رجال دين أمام الرئيس بهلاك معارضته وكُفر كل من يخالفهم الرأي، ونتيجة لطائفية الإخوان حدثت مجزرة أبو النمرس الشهيرة التي راح ضحيتها 4 من قيادات شيعة مصر، فحتى بعد إدانة الجماعة للمجزرة واستنكار مكتب الرئيس مرسي لكن تحريض قنوات السلفية والإخوان لفعل تلك المجزرة لم يحاسبهم عليه أحد حتى الآن، ولولا أن مصر في جوهرها دولة مدنية ما رأينا محاكمات للقتلة، ولتم الاحتفاء بهم في قنوات صفا ووصال والرحمة وتكريمهم كأبطال..!!

معلومة: مجزرة أبو النمرس حدثت قبل ثورة يونيو 2013 بأسبوع واحد ، وبعد مؤتمر الاستاد الطائفي لدعم الثورة السورية بأسبوع واحد، أي كانت المجزرة محفز كبير لشيعة مصر أن ينزلوا للميادين وعددهم كبير في محافظات بحري والصعيد، أي قبل إدانتك لثوار يونيو عليك أن تدين من دفعهم للنزول..

خامسا: ربط الجماعة بدولتي "قطر وتركيا" ساهم في عزل الجماعة وجدانيا، حصروا من خلاله أي جهد لعناصر التنظيم لخدمة قوى أجنبية وليست وطنية، مما أشاع اتهامهم بالخيانة، رغم أن الجماعة حسبما تعلن في مبادئها العليا أنها "جماعة عالمية" تريد تحقيق "الأستاذية" ليتعلم العالم من التنظيم كيفية إدارة الشعوب والدول، بينما الربط المشار إليه سجنهم في قوقعة سياسات تميم وأردوجان، فكل معارض لهذين الزعيمين أصبح معارض للإخوان بالضرورة، وفي تقديري أن مسئولية هذا الربط يتحملها قادة الإخوان الذين عقدوا صفقات تجارية ومالية مع قطر وتركيا أكثر من غيرهم. 

توجد آراء تقول أن هذا الربط حدث بشكل وظيفي، أي تم توظيف الإخوان دوليا من قبل دولة عظمى ليكونوا منصة حديث قطرية تركية ومتحدثين باسم قوى الإسلام السياسي في المنطقة، هذه الدولة هي (أمريكا) والهدف منع أي تطور يحصل لمصر مستقبلا بالشكل الذي ينافس إسرائيل، إنما هذا الرأي يشوبه منطق المؤامرة البغيض مما يحملني على عدم التعاطف معه، لكن في نفس الوقت لا أستبعد حدوثه..خصوصا مع الدفاع الغير سوي لأمريكا عن إخوان مصر بحجة حقوق الإنسان وهي التي سمحت باحتلال السعودية للبحرين وقتل شيعة الأحساء وضرب اليمن بدون نفس القدر من الاعتراض والضغط..
... الخ 
http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=608517
=========

تعليقات