من تعليقاتنا علي المقالات : أيديولوجيا أيديولوجيا
إعداد : إدارة المدونة
5-10-2020
مقال بعنوان : أيدولوجيا أيدولوجيا .. لكاتب سوري " محمد علي سليمان " يستعرض فيه أيدلوجيات كثيرة .. وبذل فيه جهد كبير , أفسده بتدليس , من النوع شبه السائد عند الكتّاب الذين يمسكون العصا من منتصفها ..
ولا أدري كيف يمكن أن تهض أمة بوجود مثل تلك الكتابات المدلِّسة الخائنة .. وبمثل هؤلاء الكُتّاب .. !؟ والي متي ستستمر ويستمرون !؟
علي ذاك المقال , كان لنا هذا التعليق :
مرحباً أستاذ محمد علي
جاء بالمقال : خاصة وأن الأزهر لم يكفر داعش، بل وتبين أن إسلام الأزهر لا يختلف عن إسلام داعش
ولنا تعليق : شيخ الأزهر رجل حكيم , لأنه لو كفّرَ داعش . فهو يكفِّر محمد نفسه
فداعش لم يفعل غير ما فعله محمد
بل توجد فظائع محمدية يبدو ان داعش استحي أن يقترفها - كتقطيع الأيدي والأرجل من خلاف - كما بالقرآن وكما فعله محمد - . فذاك أسوأ من فنون القتل التي برع فيها الدواعش
كما جاء أيضا : بدأ ذلك الإنسان العادي يبتعد بشكل ممنهج عن الإسلام كما تجسد مع الرسول في " وثيقة المدينة " التي رسخت المواطنة وحرية الاعتقاد واحترام الإنسان وحرية الرأي
واسمح لنا بتعليق : أية وثيقة !؟ محمد لم يكن يلتزم بعهد أو وثائق , ففي صلح الحديبية وقع علي شروط مهينة رغم اعتراض وصراخ عمر بن الخطاب .. واتضح ان محمد لم يكن في نيته الالتزام بها ! و خان العهد والوثيقة وفوجيء أهل قريش به ينقض عليهم بغتة هو وأصحابه والسيوف في أياديهم . وأُكرِهًوا علي الايمان بديانته , وقرآنه يقول : لا إكراه في الدين ! أرأيت ؟؟
ولو أن طبخة المقالة قد أتلفتها سطور قليلة .. شكرا للكاتب علي عطائه الدسم الثري
----- نص المقال :
نحن جيل ضحية الأيديولوجيا، جيل تربى على النظرة الأيديولوجية الجامدة للمجتمع وليس على النظرة الأيديولوجية الموضوعية، ولا حتى على الأيديولوجيا بالمعنى الإيجابي للأيديولوجيا كحركة جدلية بين الفكر والمجتمع. وأريد أن أوضح إنني لا أتكلم باسم جيلي بالمطلق، فالجيل ليس كتلة متجانسة، فهناك قسم اعتنق الفكر القومي وما يزال يعتنقه، وهناك قسم آخر اعتنق الفكر الشيوعي وما يزال يعتنق ذلك الفكر، وقسم آخر منه هجر ذلك الفكر الشيوعي كما تؤمن به الأحزاب الشيوعية التقليدية. ولكن هذا لا يعني أن تلك الأقسام لم تكن هي الأخرى ضحية الأيديولوجيا، فلقد أصبح واضحاً مدى جمود أيديولوجيا الأحزاب العربية التقليدية وغير التقليدية على اختلاف أشكالها من حيث عدم قدرتها على قراءة المجتمع العربي قراءة موضوعية، وظهر ذلك الفشل في اللحظة المصيرية مع تحرك الشعب العربي من أجل الحرية والكرامة، وظهر أنها لم تكن تملك رؤية علمية للمجتمع العربي، ولم تطور نظرة علمية للحراك الاجتماعي وخلفياته الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والفكرية، لقد ضاعت هي الأخرى، كأحزاب، في متاهات الأيديولوجيات المتخلفة التي كانت إنتاج بنية المجتمع العربية الكولونيالية. وأريد أن أوضح إنني أعتمد على تجربة شخصية، ويشاطرني هذه التجربة مع الأيديولوجيا قسم من جيلي. ويمكن القول إن ذلك القسم من جيلي الذي تاه في دروب الأيديولوجيات المختلفة عبر رحلته في الحياة كان في مواقفه وأفكاره أقرب إلى اليسار نظرياً، والذي استمد أفكاره الأساسية من الكتب الماركسية والحياة الاجتماعية، وكان بعيداً عن أيديولوجيا الأحزاب التي انغلقت على نفسها حتى تحجرت.
بداية علاقة الجيل مع الأيديولوجيا كانت مع الأيديولوجيا القومية، فقد غرست تلك الأيديولوجيا في وعي الجيل منذ الطفولة عبر المدرسة والإعلام ومؤسسات المجتمع السياسي، وأصبحت القومية هي الكلمة السحرية التي سوف تحل كل مشاكل المجتمع العربي. ولقد أعطى التاريخ فرصة للأيديولوجيا القومية عندما أصبحت أيديولوجيا الطبقة البورجوازية الصغيرة في طريقها إلى السلطة، وأخذت الأنظمة " التقدمية " تتبنى شعار القومية العربية، وكانت القومية العربية، كأيديولوجيا، قد عملت على التحرر من الاحتلال العثماني والاحتلال الأوروبي، وحاولت تلك الأنظمة العربية القومية أن تقف في وجه الاحتلال الصهيوني وجعلت فلسطين قضية العرب القومية، حتى أن هناك من المفكرين العرب من ربط النهضة العربية بتحرير فلسطين.
لقد أعطت الأنظمة العربية التقدمية أيديولوجيا قومية تتضمن الكثير من الوعود: تحديث المجتمع العربي، وتحسين مستوى حياة الشعوب العربية، وتحقيق الوحدة العربية، وتحرير فلسطين، ولكنها كانت محكومة بأفقها كأيديولوجيا لقوى اجتماعية مسيطرة حكمت عبر مؤسسات المجتمع السياسي لا مؤسسات المجتمع المدني، ولكن لأسباب داخلية وخارجية لم تنجز تلك الوعود، بل أنها خسرت كل معاركها: خسرت معركة الوحدة، خسرت معركة التحديث، خسرت معركة التحرير، خسرت معركة الاشتراكية العربية أو الطريق العربي إلى الاشتراكية، خسرت معركة التضامن الاجتماعي بين مكونات المجتمع العربي المختلفة، وترسخت الدولة القطرية، وجاء " الربيع العربي " بعد أن سرقته قوى عربية وإقليمية وعالمية ليحطم حتى تلك الدولة القطرية أكثر مما هي محطمة.
وعندما وعى الجيل نفسه، وبدأ يطلع على الأيديولوجيات الأخرى اصطدم، وقد تفتح عقل جيلنا على الكتب المترجمة، بالنظرية الوجودية التي كانت تروجها دار الآداب، وأصبحت أولى الأيدولوجيات التي احتلت عقل الجيل بعد الأيديولوجيا القومية. لقد كان هناك سارتر وكامو، وكولن ويلسون الذين سيطرت أفكارهم على جيلنا لمرحلة ليست قصيرة. ولقد روجت الأحزاب القومية لأفكار الوجودية الفلسفية لأنها تعترف بالجانب القومي للاشتراكية مقابل الجانب الأممي للماركسية، وقولها بالحرية المسؤولة والفرد الواعي الملتزم ولا تتعارض، في أحد تياراتها، مع الدين، بحيث أصبحت أيديولوجيا للمفكرين القوميين، من اهتمامات سارتر الفلسفية إعادة خلق الاشتراكيات القومية في مواجهة الاشتراكية الأممية، بحيث تقابل الأيديولوجيا الماركسية وأيديولوجيا الجماعات الدينية.
وإشكالية الوجودية، كما إشكالية أية نظرية فلسفية أوروبية أخرى، أنها قدمت نقدياً، وخاصة من قبل التيارات الماركسية الرسمية المرتبطة بالشيوعية السوفييتية، بأنها فلسفة البورجوازية، في مرحلة انهيارها أو أنها بأحسن الأحوال فلسفة الطريق الفلسفي الثالث _ لوكاتش، وبالتالي وصلت الوجودية إلى الجيل مشوهة، فقد قدمت باعتبارها تهتم بمشكلات القلق ومأساوية الحياة والحرية والاختيار والذنب والاغتراب كمشاكل حياتية تافهة، رغم أن كامو كان يقول: في أكثر الفترات العدمية سواداً بحثت فقط عن الأسباب التي تساعد على تجاوز هذه العدمية، لقد قدمت الوجودية بعيداً عن كونها مشكلات فلسفية عميقة. كما أغفل النقاد العرب أن الوجودية، في أحد وجوهها، رد فعل، وخاصة من قبل سارتر، على الماركسية السوفييتية الستالينية اللاإنسانية برأيه مقابل " الوجودية كفلسفة إنسانية " عنوان كتاب شهير لسارتر، ورغم أن سارتر حاول إنشاء الفلسفة الوجودية في مواجهة الفلسفة الماركسية، على الأقل بالتطبيق السوفييتي، وطبعاً حاول هضم ما يناسبه من فلسفة ماركس ضمن وجوديته، لكنه ظل طول عمره يعتبر الماركسية فلسفة العصر، وكان يؤمن أنه كلما ابتعدنا عن الماركسية السوفييتية نجد الماركسية الحقيقية.
الإشكالية مع سارتر أنه استقبل في العالم العربي كسياسي أكثر مما استقبل كفيلسوف، وطغى رجل السياسة على رجل الحكمة، وقد استقبل سارتر عالمياً كسياسي وكفيلسوف بعد الحرب العالمية الثانية وجسدت الوجودية أيديولوجيا فترة ما بعد تلك الحرب، وخاصة أن الوجودية جاءت لتكون الطريق الثالث، وبالتالي سمحت للمفكرين القوميين العرب أن يكونوا يساريين دون أن يكونوا ماركسيين، وأرضت طموحهم إلى التحرر في السياسة والالتزام في الأدب، وكما دخل سارتر إلى العالم العربي عبر السياسة (موقفه من الجزائر) خرج من العالم العربي أيضاً عبر السياسة (موقفه من إسرائيل والقضية الفلسطينية
الفلسطينية).
بعد الوجودية اكتشف الجيل النظرية الماركسية، والتي كان لها الدور الكبير في تشويه الوجودية كفلسفة، ولست هنا في موقع الدفاع عن الوجودية، والماركسية التي وصلت إلى الجيل هي الماركسية الرسمية السوفييتية، أي في مصادرها الثانوية. إن الكثير من المفكرين العرب، حتى الكبار، لم يتعرفوا على النظريات الفلسفية العالمية إلا عبر مصادر ثانوية: كتب عن تلك النظريات، فلقد قولبت الماركسية السوفيتية فكر ماركس ليتلاءم مع فكرها الرسمي، وما أخذه المفكرون العرب الماركسيون هو النسخة الماركسية السوفييتية التي حولت ماركس إلى عدو للحرية تحت عنوان " ديكتاتورية البروليتاريا " التي أصبحت ديكتاتورية الحزب الشيوعي، ثم ديكتاتورية الأمين العام للحزب الشيوعي. وتحولت كل النظريات الماركسية التي لا تتوافق مع الفكر الرسمي السوفييتي إلى نظريات بورجوازية حتى مفكر من وزن أرنولد هاوزر مؤلف كتاب " الفن والمجتمع عبر التاريخ " لم يسلم من الوصف البورجوازي لأنه أعطى أهمية لتأثير الثقافة في المجتمع.
ومعروف أن اجتهاد المفكرين العرب الماركسيين، مثل المفكر الياس مرقص، وصف بالانحراف عن الماركسية الرسمية التي كانت لها السيطرة عربياً وعالمياً، والأحزاب الشيوعية العربية كانت تابعة ليس فقط فكرياً، أيديولوجياً للحزب الشيوعي السوفييتي بل واجتماعياً وسياسياً واقتصادياً أيضاً، لم يفكروا بخصوصية المجتمع العربي إلا بعد أن انهار الاتحاد السوفييتي، وظل هؤلاء المفكرين " المستقلين " على هامش النظرية الماركسية الرسمية العربية، ماركسية الأحزاب الشيوعية العربية، أقرب إلى كونهم منفيين داخل الماركسية. هذه الماركسية العربية الرسمية خلف الماركسية الرسمية السوفييتية التي روجت لطريق التطور اللارأسمالي كبداية للاشتراكية، اشتراكية الدولة أو أحياناً رأسمالية الدولة وبالتالي فقد أضاعت تلك الأحزاب الماركسية دراسة التشكيلة الاجتماعية العربية دراسة علمية. كما ضاعت الأجيال وخاصة جيلي، بين ستالين وتروتسكي، بعد أن تحول ماركس ولينين إلى أيقونتين على جدار، وظل الجيل ضائعاً في طرقات الأيديولوجيات المشوهة.
وقد استبشر الجيل خيراً بالمفكر الماركسي مهدي عامل، وخاصة في كتابه " مقدمات نظرية لدراسة أثر الفكر الاشتراكي في حركة التحرر العربية، في التناقض وفي نمط الإنتاج الكولونيالي " ومحاولة قراءة بنية المجتمع العربي، وقيامه بإنتاج الفكر العربي الماركسي الذي به يخرج الفكر العربي من الماركسية الجامدة كما روجتها الستالينية، والخروج أيضاً من الاعتماد على التنظير على نظريات ما قبل الرأسمالية (البطركية_ دهشام شرابي، الخراجية د سمير أمين، نمط الإنتاج الآسيوي _ د أحمد صادق سعد..)، وذلك على ضوء " نمط الإنتاج الكولونيالي " الذي يدخل المجتمع العربي عصر الرأسمالية ولو الرأسمالية التابعة. لكن مهدي عامل، كمفكر ماركسي عضوي، والأمل هو قدر كل مفكر عضوي، كان يؤمن أن العصر هو عصر الانتقال إلى الاشتراكية، وكان يؤمن بقدرة الطبقة العاملة العالمية عبر أحزابها الشيوعية، على تحقيق الاشتراكية، كما كان يؤمن بقدرة الأحزاب الشيوعية العربية على قيادة حركة التحرر الوطني العربية وبناء الاشتراكية الوطن العربي. لكن جاء الانهيار المأساوي للاتحاد السوفييتي والعالم الشرقي الشيوعي الذي وضع الماركسية كنظرية، والأحزاب الشيوعية العربية والعالمية في حالة انعدام الوزن، وكذلك انهيار العالم العربي بعد " الربيع العربي " وحروبه الأهلية، وبدأ المفكرون العرب الماركسيون على اختلاف اتجاهاتهم يعيدون النظر بماركسيتهم، فمنهم من حاول تصفية الحساب مع الماركسية، ومنهم من بدأ يعيد اكتشاف ماركس الحقيقي، ولكن أكثر الأحزاب الشيوعية العربية التقليدية ابتعدت عن النقد الذاتي، ربما ما عدا الحزب الشيوعي اللبناني والتونسي ويبدو أن الحزب الشيوعي السوداني حالة خاصة في ارتباطه بالواقع السوداني، وبدأت أعادة تجميل نفسها عبر إعادة كتابة تاريخها متجاهلة أن التاريخ كابوس ثقيل.
ولم يكن استقبال النظريات الأدبية والفلسفية الجديدة _ بارت وفوكو ودريدا في المشرق العربي بأفضل من استقبال الوجودية من قبل الفلسفة الماركسية (البنيوية فلسفة موت الإنسان _ غارودي)، والمغرب العربي كان يغرد في مجال النظرية الأدبية والفلسفية بعيداً عن المشرق العربي، فهذه الأيديولوجيات الحديثة أيضاً قدمت مشوهة عبر كتب ثانوية قال عنها دريدا أنه يحترمها لكنه يرفضها، وليس عبر مصادرها الأساسية والتي اعتبرت مثل الوجودية فلسفات بورجوازية. ويشتكي دريدا خلال زيارته عام 2000 لمصر (غطى الزيارة الدكتور وائل عبد الفتاح في جريدة المستقبل اللبنانية الخميس 2 آذار 2000)، بعد أن ظهر أن كبار المفكرين المصريين لم يعرفوا دريدا من خلال كتبه، بل عرفوه من خلال مصادر ثانوية شوهت نظريته: د حسن حنفي ود محمود أمين العالم: التفكيكية نظرية استعمارية ومؤامرة سرية، د عبد الغفار مكاوي: التفكيكية عدمية رغم أنه اعترف أنه لم يقرأ دريدا، د عبد الوهاب المسيري: التفكيكية يهودية معتمداً على تحليل كاتبة انكليزية، وهم كانوا من أهم معلمي جيلنا فلم نكن قد تواصلنا بعد بشكل جيد مع مفكري المغرب العربي، وهكذا دخلت تلك النظريات الأدبية والفلسفية الجديدة هي الأخرى إلى الجيل بطريقة مشوهة. وفي اللقاءات مع مفكري مصر قال دريدا " أنا أريدكم أن تقرأونني أولاً ثم تناقشونني "، وقال دريدا أيضاً: أن " التفكيكية جزء من تراث أوروبا العقلاني، جزء من التنوير، ولكنه تنوير جديد "، كما قال دريدا أيضاً " أنا لست معادياً لماركس.. وإن النواة الحقيقية للتفكيكية ليست إمبريالية، ولكن كيفية استخدام النصوص من قبل الأمريكيين يحتوي على شكل من أشكال الإمبريالية ".
لقد تجاهل المفكرون العرب أن دريدا مفكر من مفكري اليسار في فرنسا (من أصل جزائري)، وقال " أنا ضد هيمنة الخطاب الواحد، وضد الوضع الرأسمالي الذي نحياه "، وإنه وقف ضد إرهاب إسرائيل، وأيد الفلسطينيين في حقهم بإقامة دولتهم المستقلة، بالإضافة إلى موقفه من الأنظمة العربية باعتبارها ديكتاتورية ولا تحترم الديمقراطية وحقوق الإنسان
أي أن موقفه كان متقدماً على موقف سارتر من إسرائيل. ولقد اعتبر دريدا التفكيكية من منجزات الحداثة، ولكنها لم تدخل إلى عقل الجيل لأنها لم تطرح نظرية سياسية بشكل مباشر " أنا أهتم بالفكر السياسي بحيث أستطيع أن أحدث تغييراً في هذا الفكر من دون أن أضع فلسفة سياسية.. عندي فكر سياسي وليس نظرية سياسية ". رغم أن التفكيك بالنسبة لديريدا، كما يقول ايجلتون " هو ممارسة سياسية في جوهره، محاولة لتعرية المنطق الذي يصون قوة نظام محدد من الأفكار، وقوة نظام كامل من البنى السياسية والمؤسسات الاجتماعية "، وكذلك بسبب شيطنة فلسفة دريدا التفكيكية من قبل المفكرين الأمريكيين.
لقد ألغى عصر ما بعد الحداثة كل مكتسبات الحداثة، التاريخ والعقل والإنسان، وحول المجتمع إلى شظايا وأشياء. لكن لا بد من القول إن عصر ما بعد الحداثة في أوروبا جاء بعد أن تكرست الحداثة وقيمها في المجتمع الغربي، لكنها في العالم العربي جاءت كنظرية مستوردة من أوروبا دون أن يحقق المجتمع العربي حداثته، وبالتالي فهي لن تؤثر في المجتمع الغربي ولكنها سوف تؤثر في المجتمع العربي الذي لم يحقق الحداثة وقيمها في العقل والعلم وأخلاق الفضيلة والديمقراطية. ولقد عشنا كجيل مع هزيمة المجتمع العربي البورجوازيات العربية، وانهيار الأيديولوجيات التقدمية للبورجوازية الصغيرة، وتحول مفكرين من أهل اليسار الماركسي والقومي إلى الدين (د عادل حسين، د محمد عمارة، د عبد الوهاب المسيري، خالد محمد خالد..)، عشنا محاولات اغتيال الكتاب والمفكرين من أجل موقف فكري علماني (نجيب محفوظ وفرج فودة..)، وعشنا تكفيرهم من أجل حرية الرأي (نصر حامد أبو زيد وسيد القمني ونوال السعداوي..)، ثم بدأ عصر صراع الحضارات على أساس ديني، وانفجر العالم العربي بعد " الربيع العربي " في حروب عربية عربية وحروب أهلية اتخذت الطابع الديني الطائفي، وانهارت الأيديولوجيات العربية بكل أشكالها الماركسية والقومية والليبرالية والدينية، وعاش الجيل مرحلة جديدة حيث سيطرت الأيديولوجيات التكفيرية على المجتمع السياسي والمجتمع المدني. وفي النهاية عاش الجيل دمار وخراب العالم العربي المادي والمعنوي، وانتهى حلم الجيل بالجنة على الأرض بقيام دولة الخلافة الإسلامية في الشام والعراق، لقد عاد المجتمع العربي إلى مرحلة العصور المظلمة، ولم يبق في الفاعلية الفكرية والاجتماعية غير القوى الدينية التكفيرية وأيديولوجياتها التي تعود إلى مرحلة التوحش في الفكر الإسلامي. فمع داعش وفتاوي شيوخ الخليج العربي حول حيونة المرأة وبول البعير التي تغرق الإنسان العربي في البدائية بدأ ذلك الإنسان العادي يبتعد بشكل ممنهج عن الإسلام كما تجسد مع الرسول في " وثيقة المدينة " التي رسخت المواطنة وحرية الاعتقاد واحترام الإنسان وحرية الرأي، ويقترب من الإسلام كما تجسد في التاريخ الإسلامي كإسلام فرق حيث كل فرقة تكفر الفرق الأخرى، خاصة وأن الأزهر لم يكفر داعش، بل وتبين أن إسلام الأزهر لا يختلف عن إسلام داعش من الناحية الاستراتيجية لكنه يختلف في التكتيك لتحقيق ذلك الإسلام التاريخي.
ويمكن القول إن من فضائل تلك الحركات الجهادية المصطنعة التي أفرزها " الربيع العربي " إنها قضت على كل أيديولوجيا فاعلة على الساحة العربية، وأن الشباب العربي رفض " الكلمة " واعتنق " الفعل "، وكانت أيديولوجيته كمرشد عمل تكتب نضاله في الشوارع، ولكن في النهاية فإن " العمل " بحاجة إلى " الكلمة "، فكل ثورة بحاجة إلى نظرية ثورية، وفي مجرى هذا " الربيع العربي " الذي يتجدد أحياناً بشكل أو بآخر، لا بد أن يملك الشباب العربي أيديولوجيته الثورية.
وكفرد لقد عنت لي الكتابة، كما عنت لفلوبير، " طريقة مختلفة للحياة ". لم أدخل إلى الحياة من أبواب السياسة _ الأحزاب، لقد دخلت إلى الحياة من باب الفكر والأدب. ولقد تهت، كما تاه ذلك القسم من الجيل الذي كان بعيداً عن الأحزاب السياسية، بين الأيديولوجيات، لكن في النهاية ولأن حياتنا الفكرية كانت بعيدة عن جمود الأحزاب السياسية الفكري استطعت، مع كثير من أفراد ذلك الجيل، أن نتجاوز جمود النظرية العقائدية إلى أفاق الواقع الرحب. لقد علمنا الواقع، أن النظرية، كما يقول غوته: رمادية لكن شجرة الحياة دائماً خضراء.
-------------------------------------
تعليقات
إرسال تعليق