مختارات - محمود السعدني الكاتب الساخر الراحل

                                                    محود السعدني وشقيقه الممثل صلاح السعدني
إعداد : صلاح الدين محسن
28-6-2020
منقول -
من ذكريات محمود السعدنى
لقد ولدت سنة 1927 ونحن الآن سنة 1986 ولم تبقَ إلا سنة ونحال بعدها على المعاش. لقد دخلت السجن 3 مرات في حياتي: مرة لأني كنت مع الحكومة، وأخرى كنت ضد الحكومة، وثالثة لا مع الحكومة ولا ضدها. جميع العهود والحمد لله. منذ عهد فاروق حتى عهد السادات.. حتى خيل إليّ أن اسمي محمود المسجوني. ولقد استفدت من تجربة السجن. كما استفدت من تجربة التسكع، واستفدت من تجربة المنفى وإن كانت سبباً في تعرضي للمرض..
- إنني خرجت من مصر أهبل.. عبيطاً.. معتوهاً.. لا أفهم شيئاً، أصدق كل شيء تقوله الإِذاعة، وكنت أقوم بتقسيم الدول العربية إلى دول تقدمية ودول رجعية، ثم تبينت كذب هذه الحكاية،.
- الحقيقة أنه حكم عليَّ بالسجن 1971 مدة خمس سنوات لأني كنت أتكلم بالميكروفون، لذلك فإنني حين أرى الميكروفون من بعيد أشعر بارتباك، فما بالك إذا كان الميكروفون قريباً مني ويسانده تصوير أيضاً؟ اتهمت بعمل مؤامرة وأنا لا أعرف أن هناك مؤامرات، ولا أنفع لعمل مؤامرة في حياتي، لأني رجل أعشق الكلام، ومن يعشق الكلام لا يستطيع عمل مؤامرة. إن القوي على عمل المؤامرة هو ذلك الصامت، الحريص، أي شديد الخبث، لكنني آلة كلام. لقد كنت أتحدث في الهاتف وكان الهاتف مراقباً، وكنت أقول كلمات ليست ذات قيمة فضبطت هذه الكلمات، وعندما أحضر النائب العام الشريط وأسمعني حديثي. فقلت له مجيباً على أسئلته بصدد ما جاء في ذلك الشريط: نعم أنا قلت هذا الكلام فعلاً هذا صوتي، لكنني لست متآمراً، أنا قليل الأدب وهذه تهمتي. فقال لي: يا محمود هناك ناس كثيرون ذهبت رقابهم بسبب كلام أقل جرماً من هذا، وأعتقد أنه كان على حق.
- لقد اشتغلت بالصحافة صدفة، كنت أدرس بمدرسة اسمها المعهد العلمي الثانوية، مدرسة لم يتخرج منها إلا المتسكعون واللصوص، كان ذلك عام 1942 وقد أصبح التلميذ الذي يجلس بجواري في الفصل "حانوتياً" في منطقة اسمها الخضير في السيدة زينب، وهو الآن من أغنى أغنياء القاهرة لأن حرفته مهنة مربحة جداً. أما الطالب الذي كان يجلس أمامي واسمه النواوي، وهو الآن أكبر جزار في المذابح في مصر، أي أنني كنت تلميذاً مع عشرات من النوابغ والعباقرة العظام.
- في السنة الرابعة من المرحلة الثانوية كان من ضمن المواد الدراسية مادة اسمها الثقافة العامة، السيد صاحب المدرسة أحب أن يصدر مجلة اسمها "نداء الوطن" فرشح محررين بدون مقابل، فانتخب من كان ذا لسان طويل، أي الذين يحسنون كتابة الإِنشاء، فاشتغلت في نداء الوطن، وقفلت بعد أربعة أسابيع والحمد لله.
- وعملت في مجلة اسمها "كلمة ونص". كانت مجلة صغيرة، وكانت بمثابة مدفع رشاش، كل سطر فيها رصاصة. أنا كتبت فيها كلاماً لو أكتبه الآن لحكم عليّ بالسجن خمسين سنة. لقد كتبت فيها ذات مرة عاموداً عن القائد العام للقوات المسلحة، الفريق محمد باشا حيدر، وكان رجلاً رهيباً. كان عنوان المقال "محمد حيدر باشا". وقلت في بدايته: "محمد حيدر باشا" قائد عام القوات المسلحة، وفي آخر سطر قلت: "يعتبره الخبراء العسكريون واحداً من أعظم جنرالات الحرب في العالم، وعلى رأسهم جنرال إليكتريك وجنرال موتورز".
لكن فرحت جداً بهذه المجلة لأنني عرفت فيها مأمون الشناوي وعن طريقه عرفت شخصاً عبقرياً لا أعتقد أن الزمان سيجود بمثله على الإِطلاق هو الشيخ المرحوم محمد رفعت، وكان يسكن منطقة السيدة زينب حي البغالة. بجوار بيت مأمون الشناوي وكامل الشناوي، ولقد أثر هذا الرجل فيّ تأثيراً رهيباً جداً، من أجله ألفت كتاباً اسمه "ألحان السماء".. عن قراءة القرآن وعن كبار المقرئين وعن المدارس المختلفة، وصدر هذا الكتاب سنة 1957 وللأسف الشديد الكتاب صدر في السوق وأنا في السجن بتهمة أنني شيوعي. يا سبحان الله أنا مؤلف كتاب عن القرآن وهم سجنوني بتهمة أنني شيوعي.
( جزء من كلام الاستاذ/ محمود السعدني في حفل تكريم له عام 1986- منقول)
-----

تعليقات