من الارشيف - البحث عن الهوية السليبة


مصر والعرب عربية أم مصرية ؟ 

كتب صلاح الدين محسن

موقع إيلاف  الإثنين 10 أكتوبر 2005 -

عندما يذكر اسم مصر علي مسمع انسان - فاهم - بأي مكان من كوكب الأرض، فعلي الفور تبدو لذهنه صورة الأهرامات العظيمة، احدي وأولي عجائب الدنيا السبع. والمسلات والمعابد الشامخة الخالدة التي تخلب الألباب لدي كل المتحضرين، بمختلف أنحاء المعمورة...
وعندما يذكر اسم العرب أمام نفس الانسان فلا يظهر أمام ذهنه سوي صورة الجمل والنخلة والخيمة.. - وأيضا براميل النفط..، والعقال -.. وشتان بين وزن الجمل، ووزن الهرم، وبين ارتفاع الجمل وارتفاع الهرم، وشتان بين وزن النخلة وعمرها الافتراضي، ووزن وعمر المسلة الفرعونية..، وفارق بل وفوارق بين الخيمة العربية، والمعبد الفرعوني والمسلات والأهرام والمعابد العجيبة التي هندسها وبناها الانسان المصري.. أما الجمل والنخل - وبراميل النفط - فقد وجدها الانسان العربي مثلما وجد الانسان الهندي والانسان الحبشي " الفيل " الذي هو أعظم من الجمل بكثير..
والهرم لا يمكن أن ينسب الي النخلة لأن الهرم أكبر من النخلة.. فلا يقال الهرم القائم بجوار النخلة.. وانما النخلة هي التي يمكن أن تنسب أو تضاف الي الهرم لأن النخلة هي الصغيرة فيقال " النخلة - أو المائة نخلة المزروعة بجوار الهرم..
وكذلك الجمل لا يمكن أن ننسب أو نضيف الهرم اليه لأن الجمل هو الصغير.. فلا يقال الهرم الواقف بجوار الجمل - أو الواقف بجوار برميل أو براميل النفط..- وانما يقال الجمل -أو قافلة الجمال - البارك في ظل الهرم..
فالصغير هو الذي ينسب الي الكبير والابن ينسب الي أبيه وليس العكس.. ومصر ليست صغيرة كي تنسب الي أمة أخري غير المصرية اسمها " العربية "، والعرب ليسوا كبارا كي ينسب اليهم أحد.. فما كان العرب يوما آباء للفرس - أصحاب الحضارة القريبة منهم - بل كانوا - أي العرب - بالنسبة للفرس أقرب الي مجرلاد مناطق عشوائية قريبة من مدينة..
وما كان العرب يوما آباء لأهل بابل وآشور وسومر - أصحاب الحضارة والنهرين العظيمين - القريبة من بلاد العرب العشوائية.. بل كان العرب بالنسبة لأمة وحضارة العراق هامشا بشريا متخلفا ملقا بعيدا في الفيافي المقفرة..
وكذلك كان حال العرب بالنسبة
لجيرانهم المتحضرين الفينيقيين ببلاد الشام..
ومصر كبيرة بحضارتها الضاربة في التاريخ، وبنهرها العظيم، وبشاطئيها الطويلين علي البحرين الهامين المتوسط والأحمر، وبحيراتها وبكيانها البشري..
ومصر يفصلها عن بلاد العرب - الحجاز - بحر تقطعه الباهرة في عدة أيام، عدا الصحاري والجبال..
وكل شعوب الدنيا الأصيل منهاوالخسيس تبادلت احتلال بعضها البعض عبر التاريخ، بحيث يمكن القول أن الاحتلال ليس مقياسا لعظمة أمة أو دونية أخري..
فكما حكمت مصر بلاد النوبة قديما، كذلك حكم النوبيون مصر لحوالي مائة عام.. وكما حكمت مصر ليبيا قديما..كذلك حكم الليبيون مصر لعدة عقود، وكما حكم العرب تركيا في عهد الدولة العباسية كذلك حكمت تركيا العرب ستة قرون كاملة وفرضت عليهم الجزية والطربوش ألتركي أيضا - ويو خرسيس نرسيس - !!
وكما احتل الفرس بلاد الاغريق، كذلك احتل الاغريق امراطورية فارس وما بعدها.. وكما وصل العرب في حملاتهم الاستعمارية الي الهند وطشقند..كذلك وصلت قبائل المغول والتتارالي عاصمة امراطورية العرب الاسلامية ودمرتها - بغداد في ذلك الوقت -، وأذلت الخليفة العربي الاسلامي ذلا لا مثيل له في التاريخ
وكما حكم بربر شمال غرب افريقيا اسبانيا - الأندلس وقتذاك - - كذلك حكمت اسبانيا ولا تزال تسيطر علي بعض المدن والجزر المغربية حتي الآن..
وكما احتل امبراطور فرنسا نابيلون بونابرت، معظم دول أوربا، كذلك احتلت ألمانيا - هتلر - باريس عاصمة فرنسا..!
بل ان الأمة الواحدة تبادلت قبائلها احتلال واذلال وسبي نساء بعضها البعض، كما حدث قبل التاريخ الهجري وبعده منذ بدايته حتي بني أميةوآل علي والحسين، وكذلك ما حدث للأمويين علي أيادي العباسيين، وما فعلته القبائل العربية ببعضها البعض من قتل وسبي نساء هو أقل بكثير مما فعله العرب بالعرب بعد الهجرة..
ولم يعد الانسان المتحضر الآن ليسمح لنفسه أن يفخر بمثل تلك الأشياء ان كان هناك نصر محسوبا لأمته - بتلك الطرق الاستعمارية الهمجية غير المتحضرة.. وانما يخجل ويحزن لمثل تلك الفظائع أيا كان مرتكبوها..
بينما المعاصرون العرب والمتعربون - وما أكثرهم - لا يزالون يفخرون بها (!!)
وهناك من ينسبون كل ما هو عظيم الي العرب كأن يقول : : ان المصريين أصلهم عرب..(!!) - وليس العكس -
وشكسبير أعظم شاعر أنجبته البشرية - أصله عربي (!!) ويقولون أن اسمه الحقيقي " الشيخ زبير " (!) ثم حرف الي شكسبير..
وأذكر أن أحد هؤلاء ذكر ذلك أمامي فتساءلت بتلقائية مندهشا : وليم شكسبير أصله عربي ؟!!
وهنا انتبه كمن فوجيء بعقرب أمامه وقال " أهو اسمه وليام ؟!"
قلت : نعم......، وهنا نفض يده من الموضوع برمته..!بسبب اسم وليام
ان أعرق حضارتين في التريخ الانساني كانتا حضارتي " وادي الرافدين " -العراق - وكانت تكتب بالكتابة المسمارية لآلاف السنين - ثم انتهت -..، و " وادي النيل " - مصر - وكانت تكتب بالهيروغليفية لآلاف السنين - ثم انتهت -...... حينها لم يكن لكلمة عرب ثمة وجود حيث لم تكن اللغة العربية قد ولدت بعد من رحم اللغة النبطية، التي انتهت - هي أيضا - مثلها مثل كل حضارة وكل لغة سادت ثم بادت..
وكل لغة هي مقدسة عند أهلها، يحيطونها بهالة من القداسة المزعومة كما يحلو لهم.. ثم تنتهي مثلما انتهت أعمار حضارات ولغات أعرق منها،ونغرب شمسها بانتهاء عمرها شأنها شأن كل الكائنات..
وعندما يحضر الآلاف من بلاد ناطحات السحاب - أمريكا - كل عام للحج في مصر عند الأهرا م.. وآداء طقوس وشعائر عبادة الأهرام.. فليس للسيف دخل في ذاك
دخل في هذا الموضوع.. وانما هم جاءوا مختارين من بلد غزو الفضاء والطائرات الأسرع من الصوت لعبادة الأهرام المصرية.. ولا المصريين القدما ولا نحن المصريين المعاصرين دعوناهم لتلك العبادة ولا خيرناهم بين اعتناق تلك العقيدة وبين دفع جزية أو الحرب..(!)، فنحن لا نمارس تلك العبادة أصلا.. وان هم هجروا تلك العبادة، وتوقفوا عن الحج للأهرامات فاننا نحن المصريين لن نصدر فتوي باهدار دمائهم، ولن نرصد جائزة كبري لمن يبادر بذاك العمل الآثم..
وعندما يحضر اليابانيون من أقصي شرق الدنيا والمكسيكسون من أقصي غربها مرتين كل عام ليروا أعجوبة تعامد الشمس علي وجه ملك مصر منذ أكثر من 3000 عام - رمسيس الثاني - في أبي سنبل.. تلك المعجزة الفلكية الحسابية العلمية التي لم تتزحزح منذ ذاك الزمن البعيد..، فقد يتصادف أن الانسان العربي يقف في نفس اليوم فوق أعلي جبال مكة متلفتا حوله بالعين المجردة بحثا عن هلال رمضان.. الذي قد يجده..، وقد لا يعثر عليه !!!
هذه هي مصر...
وهؤلاء هم العرب وبلاد العرب
فيا كل ذي عقل : لمن تنتمي مصر ؟
لنفسها.. ؟ لمصر ؟.. للنيل والأهرامات وللعلم الاعجازي الفلكي الخالد منذ آلاف السنين ؟
أم للأمة التي تبحث عن هلال رمضان فوق الجبال كل عام، وتجده أو لا تجده ؟!!!

==============

تعليقات