أبو رجيلة

أبو رجيلة

من الفيسبوك . صفحة : 
Ayman M. Hussain
  24-10-2019 

لو صادف وجلست مع أحد كبار السن وجت سيرة النقل العام في مصر هتلاقيه بيقو لك " الله يرحم اوتوبيسات ابو رجيلة" او كما أطلقوا عليه "امبراطور الأوتوبيسات " فتعالى كده احكيلك قصته اللي بعد متخلصها هتستغرب ازاي العقلية العظيمة دي مخدتش حقها في مصر :
اسمه " عبد اللطيف ابو رجيلة" من مواليد الصعيد درس في كلية التجارة وبعد تخرجه اشتغل في بنك مصر وكان من تلاميذ " طلعت حرب" لكن طموحه خلاه يسيب الوظيفة وبشوية الفلوس اللي نجح في توفيرهم قام بإستأجار مكتب وجاب واحد أفندي باشكاتب واشترى ليه الة كاتبة وبدأ رحلته في الإيستراد والتصدير وكان راس ماله وقتها فقط " 34 جنيه" وبدأ يكبر وطموحه اللا محدود يكبر معاه فقرر يسيب مصر ويروح إيطاليا..
لما وصل إيطاليا بدأ رحلته في الإستيراد والتصدير وأصبح من كبار رجال الأعمال في إيطاليا وقرر يكمل نصف دينه فكانت الحسناء الإيطالية " ليندا " وبعد 12 سنة جاءت الحرب العالمية الثانية وتم تدمير جميع تجارته واللي كانت موزعة في مواني إيطاليا ورجع ثاني لنقطة الصفر فقرر يرجع بلده مصر عام 1949 وبدأ يبيع ويشتري ويستصلح أراضي لحد ما اصبح واحد من اكبر اثرياء مصر...
" امبراطور الأوتوبيسات"
في الوقت ده وفي عز نجاحه جائت ثورة يوليو وكانت الصورة ضبابية في مصر فقرر يرجع ثاني لإيطاليا ولما استقرت الأمور بعد الثورة كان في مشاكل كثيرة في البلد أكبرها سوء مستوى اوتوبيسات النقل العام وكان مسيطر عليها شركتين خلوها اشبه بالخرابة، وهنا جه واحد من الضباط الأحرار دماغه نظيفة اسمه " عبد اللطيف البغدادي " وده بالمناسبة طيار مقاتل وهو اول طيار مصري يلقي قنبلة على تل ابيب..
وفكّر البغدادي انه مينفعش النقل العام يكون بالمستوى الهزيل ده ولابد من عمل ثورة للنقل العام في مصر وكان عاوز حد من رجال الاعمال اللي مش محسوبين على اي تيار سياسي ، وفي نفس الوقت يكون حصيف الفكر فراح متصل ب " أبو رجيلة" وقالوا مصر محتجاك يا " ابو رجيلة" ورجع ابو رجيلة وعمل شركة اتوبيسات نقل عام هي الأجمل والأكفأ في تاريخ مصر وتعالى اقول لك ليه..
الشركة بدأت بحوالي 10 اتوبيسات وبعد سنتين وصلوا ل 400 اتوبيس في انحاء مصر كلها، وبيخدم شهريًا 13 مليون مصري وكان يُضرب بيها المثل في الإنضباط؛ يعني تضبط ساعتك على مواعيدها وكان وقت الإنتظار بين كل اوتوبيس والثاني فقط ثلاث دقائق وحتى وانت مستني الاوتوبيس عمل فكرة المحطات المغطاة بمظلة لحماية الناس من الشمس والمطر..
اما بالنسبة لنظافة الاوتوبيسات فحدث ولا حرج، فكان ابو رجيلة بينزل بنفسه يركب أوتوبيس عشوائي ولو وجد الاوتوبيس نظيف والسائق ملتزم كان بيكافؤا مكافأة عظيمة وده شجع السائقين ومحصلي التذاكر للإلتزام أكثر لعلهم يفوزوا بالمكافات اللي كان بيدفعها ابو رجيلة من جيبه الخاص..
وعاوز اقولك ان من شدة إتقان الرجل كان معيّن واحد شغلته مدير المطبات ( اينعم والله مدير للمطبات ) وده كا بينزل يركب جنب السائقين في كل خط وماسك ورقة وقلم علشان يسجل المطبات العشوائية والحفر في الشارع علشان يدي بيها تقرير وثاني يوم تكون متسفلتة وده علشان يحافظ على الاتوبيسات وسلامة الناس وبعد ثلاث سنوات راح عامل صفقة اوتوبيسات مع شركة " مرسيدس" ودي كانت نقلة حضارية للمصرين لشدة فخامتها وجودتها، وعلشان تتصور النقلة اللي عملها " ابو رجيلة" في النقل العام ان وصل الأمر ان الناس كانت بتنزل تخرج فقط علشان تركب " المرسيدس" وكانت العيلة من دول لو صادفت اتوبيس منهم ترجع تتغنى فرحين انهم ركبوا المرسيدس النهاردة..

وعلى الصعيد الآخر: بدأ يدخل النساء يشتغلوا محصلات ( كمسارية) وعلشان يخلي الناس تتقبل الامر راح للمخرج " حسن الصيفي" وقال له انا عاوز اشارك في انتاج فيلم يحبب الناس ويخليهم يتقبلوا فكرة " الكومساريات " فكان فيلم " الكمساريات الفاتنات "بتاع النابلسي وإسماعيل يس، وبالفعل نجحت الفكرة في تقبل المجتمع للكومساريات ونجح ابو رجيلة في عمل نقلة نوعية رهيبة في النقل العام وده دفع مجلس ادارة نادي الزمالك في الاستاعنة بيه لرئاسة النادي..

مشواره مع الزمالك:
علشان تكون عارف نادي الزمالك ده كان عبارة عن ثلاث غرف هزيلة ومدرج خشبي متهالك في منطقة العجوزة ولما تولى ابو رجيلة رئاسة النادي راح شاري قطعة أرض في " ميت عقبة" وعشلان يكسب رضى الاهالي ويبسطهم راح مادد خطوط المياه والكهرباء للمنطقة كلها لاإنها كانت عبارة عن عشش صفيح ومناطق عشوائية..
ويُذكر انه واجه مشكلة في السيولة المادية وقتها وعمل حركة ذكية علشان يوفر فلوس لبناء النادي مع موردين الديزل للأوتوبيسات عن طريق انه اشاع بينهم انه هيعتمد على مصدر واحد فقط منهم لتوريد الديزل وهيكون أقلهم سعرا وده دفعهم لتخفيض أسعارهم ووفر 10 آلاف جنيه خدهم وأكمل بناء أول مقر محترم لنادي الزمالك وده رفع من الروح المعنوية للاعبين ونجحوا تحت إدراته انهم يفوزا بأول بطولة دوري في تاريخهم ويعود الفضل ليه في وصول نادي الزمالك للشكل اللي انت شايفه بيه حاليا..
من مواقفه الوطنية العظيمة ان الجيش المصري كان بصدد صفقة اسلحة وكانت السيولة معجزة معاه شويتين فقام بالتدخل دون تردد وسد العجز وتمت الصفقة ومن مواقفه ان وقت العدوان الثلاثي على مصر خصص اوتوبيساته تحت تصرف الجيش لنقل الجنود المصابين وكان بيدفع الوقود واجور السائقين من جيبه الخاص ك.. وبعد الحرب سمع ان الجيش عنده عجز في الأسمنت لإعادة بناء ما اتلفته الحرب فراح شاري مصنع اسمنت واهداه للحكومة..
نهاية امبراطورية ابو رجيلة:
للاسف فترة شهر العسل مع النظام لم تدم طويلا فبدؤا يضيقوا عليه واحدة واحدة وفيوم وليلة تم سلبه من كل شي بقرار تأميم شركته وممتلكاته دون سابق انذار وولم يتحمل الرجل الصدمة ورجع لإيطاليا مرة ثانية وبدأ هناك يستعينوا بيه في بناء خطوط النقل العام في اكثر من بلد اوروبي ولما رجع مصر ثاني في السبعينيات فهاله ما رأى من تردي مستوى الخدمة وما آلت إليه الأتوبيسات من تخريب وسوء استخدام وإهمال وتأخير في المواعيد فاصابته غصة فضلت معاه لحد ممات وللي زاد وغطى ان اسمه اللي كان على الملعب اللي انشأه لنادي الزمالك رجع وجدهم شالوه ووضعوا اسم حد ثاني عليه..
انا حبيت اكلمكم عن الراجل ده لان احنا اجيال مشافتش الناس العظيمة المخلصة دي فكان لزامًا ان نُسلط الضوء عليه في قائمة الرجال الشرفاء اللي خدموا بلدهم بكفاءة وإخلاص ..
المصدر : كتاب " صنايعية مصر" لعمر طاهر
=======

تعليقات