من آلام إزدواجية الوطن لدي أدباء المهجر, بفعل فيروس الأديان

من قراءات : صلاح الدين محسن  . موضوع يعبر عن " آلام إزدواجية الوطن لدي أدباء المهجر, بفعل فيروس الأديان " .  13-10-2019 
---------
منقول من موقع مجلة " رصيف 22 " الثلاثاء 8 -10- 2019 م
 مصطفى فتحي /صحافي
شمعون بلّاص... أن تكون يهودياً عراقياً يكتب بالعبرية في إسرائيل

بدلاً من أن يصبح إسرائيلياً صهيونياً، اختار الروائي الإسرائيلي من أصل عراقي شمعون بلّاص منذ أن هاجر من العراق إلى إسرائيل في أوائل خمسينيات القرن الماضي حتى وفاته قبل أيام قليلة، أن يظل مخلصاً لهويته العربية برغم معرفته أنه يعيش في مجتمع يُنظر فيه إلى اليهودي العربي باعتباره أقل شأناً، وغريباً وعدواً.

ناقش شمعون بلّاص , في غالبية كتبه العلاقة بين اليهود الشرق أوسطيين والعالم العربي، ووجه انتقادات لمحاولة الثقافة الإسرائيلية اعتبار نفسها أوروبية غربية، ورأى أنها بذلك تقتلع نفسها من سياقها الثقافي الجغرافي

في العام 1965، بعد 14 عاماً من من هجرته من العراق إلى إسرائيل، نشر شمعون بلّاص , مقالة وصفتها صحيفة هاآرتس بالرائدة، ناقش فيها هوية اليهود المزراحيين، وهو مصطلح يقصد به اليهود من أصل شمال أفريقي , أو من الشرق الأوسط ، والفرق بينهم وبين اليهود الأشكيناز (اليهود من أصل أوروبي).

في بداية رحلته الأدبية لم يكتب شمعون بلّاص إلا بالعربية، لأنه كان مؤمناً أن الإنسان لا يمكنه كتابة أدب شخصي قريب لهذه الدرجة إلا بلغته الأم، وفي البداية كتب روايته الأولى "المعبرة"، بالعربية، ثم أعاد كتابتها بالعبرية

في مقال له بالعربية : "سأتحدث عن نفسي. لم أعرف العبرية عندما نزحت إلى إسرائيل، ولم يخطر ببالي في السنوات الأولى أنني سأكتب ذات مرة بهذه اللغة. آمنت آنذاك أن الأديب لا يستطيع الإبداع إلا بلغته الطبيعية".
في مقاله، تناول الروائي الذي ولد في بغداد في العام 1930، وهاجر إلى إسرائيل مع والدته وإخوته، حيث أرسلوا للعيش في مخيم مجدل في مدينة عسقلان الساحلية، كيف شاهد محاولة السلطات الإسرائيلية إلغاء الثقافة التي جاء منها، وإجباره على الاندماج في ثقافة الأشكيناز.

كتب بلّاص في مقالته: "لسبب ما، اعتبرت الهيئات المسؤولة في البلاد أنه من واجبها تعليم القيم الثقافية للجماهير من المهاجرين الجدد، الذين يفترض أنهم يفتقرون إلى الثقافة. هذا النهج الخاطئ يعكس سوء فهم أساسي لمفهوم الثقافة".

وكشف بلّاص عن أنه كان هناك إجماع إسرائيلي على أن المهاجرين أقرب للعجين في أيديهم ويمكن تشكيل عالمهم الروحي وفقاً للأنماط المقبولة لدى إسرائيل في ذلك الحين، إذ كانت تعتبر أن الدمج يعني التخلي عن الهوية الأصلية في مقابل الهوية الجديدة المكتسبة.

تقول هاآرتس إن بلّاص بدلاً من أن يصبح صهيونياً إسرائيلياً، اختار أن يبقى مخلصاً للهوية التي عرّفها، وهي أن يظل يهودياً عربياً، مقتنعاً أنه على عكس اليهود الأشكيناز الذين عبروا البحر من أجل الوصول إلى إسرائيل ، برغم أنه "انتقل من مكان إلى مكان آخر داخل الشرق الأوسط" وبالتالي بقي في منطقة ناطقة باللغة العربية.

قبل هجرته إلى إسرائيل، كان بلّاص عضواً في الحزب الشيوعي، الذي عارض الاحتلال البريطاني وطالب باستقلال العراق، وفي إسرائيل، انضم أيضاً إلى الفرع المحلي للحزب. وحينذاك كتب للصحيفة "الاتحاد" العربية التابعة للحزب الشيوعي في إسرائيل، ونشر قصصاً في مجلة الجديد، وهي المجلة الأدبية للحزب الشيوعي أيضاً، وعمل لاحقاً مراسلاً للشؤون العربية في الصحيفة الشيوعية باللغة العبرية كول هعام، لكن في العام 1960، وبعد ظهور جرائم ستالين البشعة، غادر بلّاص الحزب.

أول إسرائيلي عراقي ينشر رواية بالعبرية
في بداية رحلته الأدبية لم يكتب شمعون بلّاص إلا بالعربية، لأنه كان مؤمناً أن الإنسان لا يمكنه كتابة أدب شخصي قريب لهذه الدرجة إلا بلغته الأم، وفي البداية كتب روايته الأولى "المعبرة"، باللغة العربية، وبعد ذلك أعاد كتابتها بالعبرية، وصدرت في العام 1964 عن دار نشر "عام عوفيد"، ووقتذاك أصبح بلّاص أول إسرائيلي عراقي ينشر رواية باللغة العبرية. وبعدها نشر 15 كتاباً آخر.

وقال بلّاص ذات مرة: "رأيت أنه من واجبي كعضو في الثقافة العربية أن أبذل كل ما في وسعي لكسر الستار الأجنبي الذي يفصل العالم العربي عن المجتمع الإسرائيلي. اللغة العربية هي عنصر أساسي في هويتنا، ونحن لسنا مختلفين عن الدول الأخرى التي تحيط بنا في المنطقة ".

في العام 1970، كتب أطروحة الدكتوراه في جامعة السوربون في باريس حول كيفية انعكاس الصراع الإسرائيلي الفلسطيني في الأدب العربي. بالإضافة إلى ذلك، نشر عشرات المقالات والعديد من الكتب الموجهة للحديث عن الموضوع نفسه، وفي العام 1974 بدأ التدريس في قسم اللغة العربية وآدابها في جامعة حيفا.

وتقديراً لعطائه الأدبي منح بلّاص جائزة رئيس الدولة في مجال الأدب.

وفي السنوات الأخيرة عانى بلّاص , من مرض الزهايمر. لم يتمكن من معايشة تحقيق رؤيته، التي وصفها على النحو التالي: "قد تكون إسرائيل دولة مستقلة مندمجة في الشرق الأوسط، إذا انسحبت من كل الأراضي المحتلة، ونجحت في التطور داخل حيز البحر المتوسط وأن تتقبله وتتقبل ثقافته. ما يضايقني الآن هو أمر واحد فحسب، هو أنني على ما يبدو لن أتمكن من رؤية كل هذا يحدث".

رحل " بلّاص " عن عالمنا من دون أن يعلم الإجابة عن سؤال طرحه ذات يوم، حين قال: "لماذا يمكن أن يكون هناك يهودي أمريكي، أو يهودي فرنسي، ولا يمكن أن يكون هناك يهودي عربي؟ هل لأن العرب يتم النظر إليهم كأعداء؟".

اليهود العراقيون
يبلغ عدد اليهود المنحدرين من أصل عراقي، والمقيمين في إسرائيل، نحو 450 ألفاً، منهم شخصيات بارزة، مثل الحاخام الأكبر "عوفاديا يوسف"، زعيم اليهود السفارديم، ورئيس أركان الجيش الإسرائيلي السابق "دان حالوتس"، و"بنيامين بن إليعازر" وزير الدفاع السابق، ومنهم الكاتب سامي ميخائيل، الذي ترجم عدة روايات لنجيب محفوظ من العربية إلى العبرية، والذي عمل أيضاً في صحيفة "الاتحاد" في حيفا إلى جانب الكاتب الفلسطيني إميل حبيبي. 

وفي العام 2018، رحَّب الزعيم العراقي الشيعي مقتدى الصدر بعودة يهود العراق إلى البلاد من إسرائيل بشرط أن يكون ولاؤهم للعراق، وفق قوله. ولم يكن هذا التصريح هو الأول من نوعه للصدر، إذ سبق أن قال في العام 2013: "أهلاً ومرحباً باليهودي الذي يفضّل العراق على إسرائيل، ولا فرق في الوطنية بينه وبين المسلم أو المسيحي".

وفي العام 2017، كشف مقال نشرته صحيفة هاآرتس عن رغبات بعض اليهود العراقيين في العودة إلى العراق لالتقاط خيوط الماضي وتعزيز الصلات مع البلد الذي ولدوا فيه ونشأوا.

وبحسب بعض المصادر، حثت الحكومة العراقية اليهود على الهجرة من العراق حينًا، وأجبرتهم عليها في مرات أخرى، بل أرسلت قسرًا كل يهودي، تنتهي محكوميته إلى إسرائيل، لكن منهم من رفض الهجرة القسرية، فأمرت الحكومة بقتله. ويروي مكرم الطالباني كشاهد عيان على مذبحة سجن بغداد في حزيران/يونيو 1953، فيقول إنه سمع معاون الشرطة يحثُ عناصر الشرطة على القتل واقتحام السجن بقوله: "هؤلاء يهود تريد الحكومة إرسالهم إلى إسرائيل، ولكنهم عصوا، اقتلوهم".
======

تعليقات